• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
  •  
    الخواطر والأفكار والخيالات وآثارها في القلب
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    طائر طار فحدثنا... بين فوضى التلقي وأصول طلب
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    محبة القرآن من علامات الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (10)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    نبذة عن روايات ورواة صحيح البخاري
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

تعوذوا بالله من أربع (خطبة)

تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/5/2025 ميلادي - 29/11/1446 هجري

الزيارات: 847

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تعوَّذوا باللهِ من أَربع[1]

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

أيها المسلمون، إن الإنسان ضعيف عاجز؛ فضعفه يحتاج إلى قوة تحميه من الشدائد والكربات، وعجزه يفتقر إلى قدرة تعينه على تجاوز المشقَّات والصعوبات، وكم في هذه الحياة من الرغائب والبلايا، والمطالب والرزايا!

 

ومهما امتلك الإنسان من القدرات والقوى فإنها لن تقدر على دفع كل ما يخاف، والوصول إلى كل ما يطلب ويرجو.

 

وحينها يعلم أنه لا بد له من الالتجاء إلى الله ربِّه، والاعتصام بحبله، والاستجارة به، والاحتماء بجنابه؛ لدفع الشرور الواقعة أو المتوقعة.

 

إنكم لو نظرتم- أيها الكرام- في القرآن الكريم لوجدتم آيات كثيرة تأمر بالاستعاذة بالله من شرور حسية، وشرور معنوية، ومن ذلك: آخر سورتين من القرآن الكريم وهما المعوِّذتان: سورة الفلق، وسورة الناس؛ فعن خُبَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَأَصَبْتُ خُلْوَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: ((قُلْ))، فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟، قَالَ: ((قُلْ))، قُلْتُ: مَا أَقُولُ؟، قَالَ: ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)) حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)) حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((مَا تَعَوَّذَ النَّاسُ بِأَفْضَلَ مِنْهُمَا))[2].

 

ففي هاتين السورتين ذكرَ اللهُ الأمرَ بالاستعاذة به من شرِّ المخلوقات ذوات الشرِّ، ومن شرِّ الغاسق إذا وقب، وشرِّ النَّفَّاثات في العُقَد، وشرِّ الحاسد إذا حسد، ومن شر الوسواس الخنَّاس.

 

وفي سُنَّة النبي عليه الصلاة والسلام جاءت الاستعاذة بالله من شرور كثيرة؛ منها: الاستعاذة من شرِّ السَّمع والبصر واللِّسان والقلب والفرج، ومن الشَّرِّ كلِّه، عاجله وآجله، ومن عذاب القبر وعذاب جهنَّم، ومن فتنة المحيا وفتنة الممات وفتنة المسيح الدَّجَّال، ومن جار السُّوء في دار المقامة، ومن ضيق المقام يوم القيامة، ومن شرِّ ما عمل الإنسان من الذُّنوب، ومن سخط الله وعقوبته، ومن الهمِّ والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وثقل الدَّيْن وغلبة الرِّجال، ومن زوال النِّعمة وتحوُّل العافية، وشرِّ النَّفْس والشَّيْطان.

 

وجاءت الاستعاذة بالله من الهرم، والقسوة، والغفلة، والعَيْلة، والذلة والمسكنة، والفقر والكفر والفسوق، والشقاق والنفاق، والسمعة والرياء، والصمم والبكم، والجنون، والجذام، والبرص، وسيئ الأسقام، وغير ذلك.

 

أيها المؤمنون، هناك مكاره استعاذ منها النبي عليه الصلاة والسلام في نص شريف واحد، نحن في هذه الأيام العصيبة بحاجة إلى الإكثار من الاستعاذة بالله منها في سجودنا وفي دعائنا خارج صلواتنا؛ لأن السلامة من هذه المكاره راحة، والابتلاء بها عذاب وعناء.

 

جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ: جَهْدِ البَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ)).

 

فأُولى هذه المكاره: جَهْدُ البَلاءِ، فما جهد البلاء، يا عباد الله؟

 

إن جهد البلاء معناه: ما يصيب الإنسانَ من الشدائد والمشقَّات، وما ينزل به من المكروهات التي لا يقدر على دفعها، ولا طاقة له بحملها، ولا يجد عنده ما يعينه على الخروج منها.

 

فمِن جهد البلاء: "قلةُ المال، وكثرة العيال"[3].

 

ومن جهد البلاء: أن يحتاج المرء إلى غيره ولا يجد قضاء حاجته[4].

 

ومن جهد البلاء: فقر مدقع بعد غنى موسع[5].

 

ومن جهد البلاء: حصول المصائب التي يُمتحَن بها الإنسان بحيث يتمنَّى حينها الموتَ ويختاره عليها[6].

 

ومن جهد البلاء: أن تظهر الخَلَّة، وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا يعدم المبتلى صديقًا مؤنِّبًا، وقريبًا شامتًا، وجارًا حاسدًا، ومحبًّا قد تحوَّل عدوًّا، وزوجة مؤذية، وولدًا عاقًّا [7].

 

ومن جهد البلاء: تطاول الأمراض وكثرة تبعاتها المرهقة، ومن جهد البلاء: الخوف واستمرار ظلم الظالم، وكثرة الفتن التي لا مخرج منها.

 

وأعظم من هذا- معشر المسلمين- أن يحصل بسبب البلاء: "التَّفْرِيط فِي بعض أُمُور الدِّين، وَقد يضيق صَدر المبتلى بِحمْلِهِ، فَلَا يصبر، فَيكون ذَلِك سَببًا فِي الْإِثْم"[8].

 

فكم من امرئ نزل به بلاء فجزع عنده وتسخَّط؛ وترك فرائض وارتكب محرمات، واعترض على الله في قضائه، وأساء الأدب معه.

 

فهل هناك أحد قد سلم من بعض ما سمعتم فلم تُصِبْه رزية، وعبر ما مضى من عمره بغير لقاء بلية؟

 

قال الشاعر:

وأعلمُ أَنِّي لم تصبني مُصِيبَة
من الدَّهْر إِلَّا قد أَصَابَت فَتى قبلي

فلا تظن- أيها الحي- أنك ستجاوز هذه الحياة بلا بلاء، فكل امرئ فيها مبتلى.

 

غير أن هناك مَن يسهل بلاؤه، وهناك من يشتد، ومن يقصر بلاؤه، وهناك من يمتد، ومن يُعان على الخروج من ضرَّائه، وهناك من يوكل إلى نفسه ويُخذل، ومن يؤجر في بلواه، وهناك من يجره ابتلاؤه إلى كثير من الأوزار.

 

فالمؤمنُ التقيُّ يلطف الله تعالى به في بلائه، ويبسط عليه رداء رحمته في مصابه، فيكون ما نزل به لإصلاح دنياه، أو لمصلحة أُخْراه، وكل ذلك خيرٌ له.

 

عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))[9].

 

عباد الله، وأما المكروه الثاني الذي استعاذ منه النبي عليه الصلاة والسلام: فهو درك الشقاء.

 

ودرك الشقاء معناه: أن يلحق الإنسانَ ما يُشقيه، ويصيبه ما يذهب عنه سعادته وراحته، والشقاء شقاءان: شقاء دنيوي، وشقاء أُخْروي.

 

أرأيتم ما يصيب المرءَ في الدنيا من العسر والتعب، والهلاك والنصب، وضيق الدنيا وكدرها، وحصول الضرر على النفس أو الأهل أو الولد أو المال؛ هذا من الشقاء الدنيوي.

 

وما يكتسبه المكلف من الخطايا، ويموت عليه من الضلال الذي يوصله إلى عذاب النار، وسخط الجبار؛ هذا هو الشقاء الأُخْروي، وهو الشقاء الحقيقي، والهلاك العظيم.

 

لأنه لا سعادة في الآخرة إلا بنيل رضوان الله ودخول الجنة، وذلك الفوز العظيم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور ﴾ [آل عمران: 185].

 

والناس يوم القيامة إما أشقياء وإما سعداء، فمن أي الفريقين تحب أن تكون أيها الإنسان؟

 

قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 105 - 108].

 

أيها الفضلاء الكرام، وأما المكروه الثالث الذي استعاذ منه رسولنا صلى الله عليه وسلم فإنه: سوء القضاء.

 

اعلموا- يا عباد الله- أن ربنا العظيم موصوف بكل كمال، منزَّه عن كل نقص، فأفعاله خير كلها، وصفاته جميعها حسنى، فالشر ليس من أفعاله ولا صفاته، ولا يضاف إليه ولا ينسب إلى فعله؛ فما صدر منه فهو كله عدل وفضل ورحمة، ومصلحة وحكمة، قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

 

وفي حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دعاء الاستفتاح: ((وجَّهْتُ وجهي إليك...)) إلى قوله: ((وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ))[10].

 

فكل ما جاء من عند الله فهو خير باعتبار الحال، أو باعتبار المآل؛ ولهذا قد يقدر الله على بعض عباده ما يكرهونه، ويُنزِل بهم ما لا يحبونه؛ لحكمة منه سبحانه وتعالى، فذلك المكروه شر عند المخلوقين، ولكنه خير عند رب العالمين؛ فإذا حصل للمؤمن شرٌّ فهو في ظاهره مكروه، ولكن عاقبته خير له، ففي الصبر عليه كثرة حسنات، ومحو سيئات، ورفع درجات؛ فالوالد قد يُكرِه ولدَه المريض على دواء ينفر منه؛ رجاء شفائه، وذهاب دائه، ففي فعل الوالد خير لولده، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم.

 

لهذا فالشر يكون في مخلوقات الله ومفعولاته، وليس في أفعاله وصفاته، فلا سوء في فعل الله، ولا ظلم في قدره وقضائه.

 

قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44].

 

ولهذا جاء في دعاء قنوت الوتر: قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ))[11].

 

فقوله صلى الله عليه وسلم في دعائنا: ((تعوَّذوا بالله من سوء القضاء))؛ يعني: استعيذوا بالله من المقضي السيئ حين يصيب الإنسان في دينه أو دنياه أو آخرته، أو في نفسه أو أهله أو ماله أو ولده.

 

والاستعاذة من سوء المقضيات لا يخالف الرضا بقضاء الله وقدره؛ لأن المخالفة إنما تكون في السخط والجزع وسوء الأدب، أما الدعاء برفع البلاء وصرف المكروه فمما أمر به الشارع الحكيم.

 

نسأله الله أن يدفع عنا شرَّ الأشرار، وكيد الفُجَّار، وشر طوارق الليل والنهار.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها المسلمون، أما الخصلة الرابعة التي يستعاذ بالله منها فهي: الاستعاذة من شماتة الأعداء.

 

ففي هذه الحياة الفانية لا يسلم الإنسان من الأعداء، ولا يبقى دون أن يكون له كارهون وخصماء، والعدو يفرح بمصاب عدوِّه، ويُسرُّ بحصول مصيبة عليه، فمتى بلغَ المصابَ فرحُ عدوِّه بمصابه وسروره ببلائه، ضاق وتألم، وازداد وجعًا إلى وجعه؛ فالنفوس البشرية تتأثر بمشاعر الناس نحوها؛ فكما تسعد بمن يعزيها في بلواها، فإنها تتألم بمن يفرح بشكواها.

 

"قيل لأيوبَ النَّبيِّ عليه السلام: أيُّ شيءٍ كان أشدَّ عليك في بلائك؟ قال: شماتةُ الأعداء"[12].

 

وقال بعضهم: "ما رأيت سنانًا هو أنفذ من شماتة الأعداء"[13].

 

وقال الشاعر:

كلُّ المصائبِ قد تمرُّ على الفتى
فتهونُ غيرَ شماتةِ الأعداءِ

ولهذا جاء الأمر النبوي بالاستعاذة من شماتة الأعداء؛ حتى لا يصل الألم إلى النفوس.

 

وللعاقل أن يعجب اليوم ممن يجيِّش عليه شماتة الأعداء، ويسعى إلى ذلك بنفسه بلا ارعواء؛ فمن الناس من يسطر على صفحاته في وسائل التواصل وفي حالات الجوال كل ما يمرُّ في يومه من آلامه وكروبه، فيجد بعض المعلقين من أعدائه ومبغضيه يفرحون بآلامه، ويظهرون سعادتهم بذلك في تعليقاتهم على منشوراته.

 

والإنسان العاقل يكتم مصائبه، ويتجلَّد فيها، ولا يشكوها إلا إلى ربِّه الرحيم القادر.

 

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86].

 

وقال الشاعر:

وتجلُّدي للشَّامتين أُرِيْهمُ
أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أتَضَعْضَعُ

فلا تجعل ما تنشره في صفحاتك وحالاتك إلا ما يعود عليك نفعه في دنياك وآخرتك، أما ما يضرك فيهما أو في أحدهما فلا تعرضه فيها.

 

والشماتة بما نزل بالمسلم يا عباد الله- حتى ولو كان خصيمًا مكروهًا- من أخلاق اللؤماء، وليست من خلال الكرماء؛ فالدنيا تدور، والأيام تتقلب، فالشامت اليوم قد يصبح مشموتًا به غدًا.

إذا ما الدَّهْرُ جَرَّ على أناسٍ
حوادثَه أناخَ بِآخَرينا
فقُلْ للشّامِتينَ بِنا أفيقوا
سيَلْقى الشَّامِتونَ كما لَقينا[14]

 

فتعبَّدوا لله بالاستعاذة من هذه الأربع المكروهات، وأظهروا فاقتكم وحاجتكم بين يدي رب الأرض والسموات، وتباعدوا عن الخطايا؛ فإنها سبب من أسباب حصول هذه البلايا؛ فالطاعات تجلب النعم، وتهون البلاء إذا نزل، والمعاصي تجلب النقم، وتضاعف المصاب إذا حصل.

 

فادفعوا جهد البلاء بلزوم محاريب القربات، وكثرة رفع الأيدي بالدعوات، واصرفوا درك الشقاء بالحياة في كنف الإيمان، وردوا سوء القضاء بحسن عبودية الدَّيَّان، وجنِّبوا أنفسكم شماتة الأعداء بالصبر والكتمان.

 

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

 

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة.



[1] ألقيت في جامع الشوكاني في: 27 /10 /1446هـ، 25 /4/ 2025م.

[2] رواه النسائي بإسناد صحيح.

[3] إصلاح المال، لابن أبي الدنيا (ص: 125).

[4] إصلاح المال، لابن أبي الدنيا (ص: 125).

[5] البيان والتبيين (3/ 115).

[6] فيض القدير (3/ 256).

[7] البخلاء للجاحظ (ص: 230).

[8] تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 446).

[9] ) رواه مسلم.

[10] رواه مسلم.

[11] رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وهو صحيح.

[12] الذخائر والعبقريات (2/ 170).

[13] الشكوى والعتاب (ص: 89).

[14] الذخائر والعبقريات (2/ 170).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رحلة الهجرة النبوية: دروس وعبر (خطبة)
  • تثبيت الناس في البلايا الست (خطبة)
  • لا يشكر الله من لا يشكر الناس (خطبة)
  • لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى (خطبة)
  • هل من مدكر! (خطبة)
  • تفقهوا قبل أن تصوموا (خطبة)
  • فضل الصدقة وأهميتها في رمضان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي)
  • من صفات عباد الرحمن: التعوذ بالله من النار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعوذ بالله من البرص والجنون والجذام(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • تفسير: (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • حسن الظن بالله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستعاذة بالله تبارك وتعالى عند سماع نباح الكلب ونهيق الحمار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقوال وحوارات حول الثقة بالله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من سوء الظن بالله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأنس بالله تعالى لأحمد بن ناصر الطيار(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب