• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام

الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء علهم السلام
د. أحمد خضر حسنين الحسن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2025 ميلادي - 28/11/1446 هجري

الزيارات: 165

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام

 

تبيَّن من خلال ما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، بل من سائر الخليقة، وأنه أكرَمهم على الله، أردنا أن نذكِّر هنا ما تيسَّر من الأدلة على هذه الأفضلية[1]؛ قال الرازي: أجمعت الأمة على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض، وعلى أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل من الكل، ويدل عليه وجوه:

أحدها: قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنبياء: 107 ]، فلما كان رحمة لكل العالمين لزِم أن يكون أفضل من كل العالمين؛ قال في أضواء البيان: قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾: (ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه ما أرسل هذا النبي الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - إلى الخلائق إلا رحمة لهم؛ لأنه جاءهم بما يُسعدهم، وينالون به كلَّ خيرٍ من خير الدنيا والآخرة إن اتَّبعوه، ومن خالف ولَم يتَّبع، فهو الذي ضيَّع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى، وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلًا، قال: لو فجَّر الله عينا للخلق غزيرة الماء، سهلة التناول، فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها، فتتابعت عليهم النعم بذلك، وبقي أناس مفرِّطون كسالى عن العمل، فضيَّعوا نصيبهم من تلك العين - فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله، ونعمة للفريقين. ولكن الكسلان مِحنة على نفسه حيث حرَمَها ما ينفعها، ويوضِّح ذلك قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 128]، وقيل: كونه رحمة للكفار؛ من حيث إن عقوبتهم أُخِّرت بسببه، وأمِنوا به عذابَ الاستئصال، والأول أظهرُ.

 

وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أنه ما أرسَله إلا رحمة للعالمين، يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمَّنه هذا القرآن العظيم، وهذا المعنى جاء موضحًا في مواضع من كتاب الله؛ كقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51]، وقوله: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [القصص: 86]، وسيأتي مزيدٌ لرحمته صلى الله عليه وسلم للعالمين في الفصل الرابع من الباب الثالث إن شاء الله تعالى.

 

الحجة الثانية: قوله تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]، فقيل فيه: لأنه قرن ذكر محمد صلى الله عليه وسلم بذكره في كلمة الشهادة وفي الأذان وفي التشهد، ولم يكن ذكر سائر الأنبياء كذلك.

 

ويقول الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله الرحيم الرحمن:

ورفعنا لك ذكرك: لم يبيِّن هنا بِمَ ولا كيف رفَع له ذكره، والرفع يكون حسيًّا ويكون معنويًّا، فاختلف في المراد به أيضًا، فقيل: هو حسي في الأذان والإقامة، وفي الخطب على المنابر وافتتاحيات الكلام في الأمور المهمة، واستدلوا لذلك بالواقع فعلًا، واستشهدوا بقول حسان - رضي الله عنه - وهي أبيات في ديوانه من قصيدة دالية:

أَغرٌّ عليه للنبوةِ خاتمٌ
مِن الله مشهودٌ يلوحُ ويشهدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبي إلى اسمه
إذا قال في الخمس المؤذنُ أَشهدُ
وشَقَّ له مِن اسمه ليُجلَّه
فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

 

ومن رفع الذكر معنى؛ أي: من الرِّفعة، ذكره - صلى الله عليه وسلم - في كتب الأنبياء قبله، حتى عُرف للأمم الماضية قبل مجيئه)؛ اهـ[2].

 

الحجة الثالثة: أنه تعالى قرن طاعته بطاعته، فقال: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [ النساء: 80 ]، وبيعته ببيعته، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [ الفتح: 10 ]، وعزته بعزته فقال: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ ﴾ [المنافقون: 8]، ورضاه برضاه، فقال: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [ التوبة: 62 ]، وإجابته بإجابته، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24].

 

قلت: وهذه الطاعة المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تَرِد في حق نبيٍّ آخر من الأنبياء، بل أمر الله الأنبياء بطاعته صلى الله عليه وسلم، كما هو معلوم من آية الميثاق، فكان ذلك من أوضح الدلائل على أنه أفضل الآواخر والأوائل.

 

الحجة الرابعة: أن الله تعالى أمر محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يتحدى بكل سورة من القرآن، فقال: ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [ البقرة: 23 ]، وأقصر السور سورة الكوثر، وهي ثلاث آيات، وكان الله تحدَّاهم بكل ثلاث آيات من القرآن، ولما كان كلُّ القرآن ستة آلاف آية، وكذا آية، لزِم ألا يكون معجز القرآن معجزًا واحدًا، بل يكون ألفي معجزة وأزيد، وإذا ثبت هذا نقول: إن الله سبحانه ذكر تشريف موسى بتسع آيات بيِّنات، فلأن يحصل التشريف لمحمد صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات الكثيرة، كان أَولى.

 

الحجة الخامسة: أن معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم - وهي القرآن العظيم - أفضل من معجزات سائر الأنبياء، فوجب أن يكون رسولنا أفضل من سائر الأنبياء.

 

قلت: وإذا نظَرنا في هذه الحجة مع سابقتها، علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فاق الأنبياء في باب المعجزات كمًّا؛ أي من حيث العدد، فمعجزاته الحسية تزيد على الألف، فإذا أضيفت إلى معجزة القرآن الذي احتوى على الألفين ومائتي معجزة، كان مجموع المعجزات تزيد على الثلاثة آلاف ومائتي معجزة.

 

وكذلك فاقت معجزاته معجزات الأنبياء من حيث الكيف؛ أي: من حيث القيمة المعنوية، ويكفي علمنا أن القرآن كان هو المعجزة، وهو مصدر التشريع في نفس الوقت، ولم تكُن كتب الأنبياء السابقين معجزات، بل كانت مصدر التشريع فقط.

 

الحجة السادسة: أن معجزته عليه الصلاة والسلام هي القرآن، وهي من جنس الحروف والأصوات، وهي أعراض غير باقية، وسائر معجزات سائر الأنبياء من جنس الأمور الباقية - المحسوسة - ثم إنه سبحانه جعل معجزة محمد صلى الله عليه وسلم باقية إلى آخر الدهر، ومعجزات سائر الأنبياء فانية منقضية.

 

الحجة السابعة: أنه تعالى بعد ما حكى أحوال الأنبياء عليهم السلام قال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنعام: 90 ]، فأمر محمدًا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن قبله، فإما أن يقال: إنه كان مأمورًا بالاقتداء بهم في أصول الدين، وهو غير جائز لأنه تقليد، أو في فروع الدين وهو غير جائز؛ لأن شرعَه نسَخ سائر الشرائع، فلم يبق إلا أن يكون المراد محاسن الأخلاق، فكأنه سبحانه قال: إنا أطْلعناك على أحوالهم وسِيَرهم، فاختَر أنت منها أجودها وأحسنها، وكن مقتديًا بهم في كلها، وهذا يقتضي أنه اجتمع فيه من الخصال المرضية ما كان متفرقًا فيهم، فوجب أن يكون أفضل منهم.

 

الحجة الثامنة: أنه صلى الله عليه وسلم بُعِث إلى كل الخلق، وذلك يقتضي أن تكون مشقته أكثر، فوجب أن يكون أفضل:

• أما إنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى كل الخلق، فلقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [ سبأ: 28 ].

 

• وأما إن ذلك يقتضي أن تكون مشقته أكثر، فلأنه كان إنسانًا فردًا من غير مالٍ ولا أعوان وأنصار، فإذا قال لجميع العالمين: يا أيها الكافرون صار الكل أعداءً له، وحينئذ يصير خائفًا من الكل، فكانت المشقة عظيمة، وكذلك فإن موسى عليه السلام لَما بُعث إلى بني إسرائيل، فهو ما كان يخاف أحدًا إلا من فرعون وقومه، وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فالكل كانوا أعداءً له، يبيِّن ذلك أن إنسانًا لو قيل له: هذا البلد الخالي عن الصديق والرفيق، فيه رجل واحد ذو قوة وسلاح، فاذهب إليه اليوم وحيدًا، وبلِّغ إليه خبرًا يوحشه ويؤذيه، فإنه قلما سَمحت نفسه بذلك مع أنه إنسان واحد، ولو قيل له: اذهب إلى بادية بعيدة ليس فيها أنيسٌ ولا صديق، وبلِّغ إلى صاحب البادية كذا وكذا من الأخبار الموحشة، لشَقَّ ذلك على الإنسان، أما النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان مأمورًا بأن يذهب طول ليله ونهاره في كل عُمره إلى الجن والإنس الذين لا عهدَ له بهم، بل المعتاد منهم أنهم يعادونه ويؤذونه ويستخفونه، ثم إنه عليه السلام لم يَمَلَّ من هذه الحالة ولم يتلكَّأ، بل سارع إليها سامعًا مطيعًا، فهذا يقتضي أنه تحمل في إظهار دين الله أعظم المشاق، ولهذا قال تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنكُمْ مَنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ﴾ [ الحديد: 10 ]، ومعلوم أن ذلك البلاء كان على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا عظم فضل الصحابة بسبب تلك الشدة، فما ظنك بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا ثبت أن مشقتَه أعظمُ من مشقة غيره، وجب أن يكون فضله أكثر من فضل غيره.

 

الحجة التاسعة: أن دين محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأديان، فيلزم أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم أفضلَ الأنبياء.

 

بيان الأول: أنه تعالى جعل الإسلام ناسخًا لسائر الأديان، والناسخ يجب أن يكون أفضلَ؛ لقوله عليه السلام: "مَن سنَّ سُنة حسنة فله أجرها وأجرُ مَن عمِل بها إلى يوم القيامة".

 

وبيان الثاني: أن يَقال: لَما كان هذا الدين أفضل وأكثر ثوابًا، كان واضعه أكثر ثوابًا من واضعي سائر الأديان، فيلزم أن يكون محمد عليه السلام أفضلَ من سائر الأنبياء.

 

الحجة العاشرة: أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم، فوجب أن يكون هو فضل الأنبياء عليهم السلام.

 

بيان الأول: قوله تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] في هذه الآية يمدَح تعالى هذه الأمة، ويُخبر أنها خيرُ الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمَر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمِّن دعوةَ الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك، وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيِّهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خيرَ أُمة أخرجت للناس)[3].

 

بيان الثاني: أن هذه الأمة إنما نالت هذه الفضيلة لمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، وفضيلة التابع توجب فضيلة المتبوع، وأيضٍا فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم أكثر ثوابًا؛ لأنه مبعوث إلى الجن والإنس، فوجب أن يكون ثوابه أكثر؛ لأن لكثرة المستجيبين أثرًا في علو شأن المتبوع.

 

الحجة الحادية عشرة: أنه عليه السلام خاتم الرسل، فوجب أن يكون أفضل؛ لأن نسخ الفاضل بالمفضول قبيحٌ في المعقول.

 

الحجة الثانية عشرة: أن تفضيل بعض الأنبياء على بعض يكون لأمور:

منها: كثرة المعجزات التي هي دالة على صِدقهم وموجبة لتشريفهم، وقد حصل في حق نبينا عليه السلام ما يفضل على ثلاثة آلاف، وهي بالجملة على أقسام، منها ما يتعلق بالقدرة، كإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، وإروائهم من الماء القليل، ومنها ما يتعلق بالعلوم كالإخبار عن الغيوب، وفصاحة القرآن، ومنها اختصاصه في ذاته بالفضائل، نحو كونه أشرفَ نسبًا من أشراف العرب، وأيضًا كان في غاية الشجاعة، وكتب الحديث ناطقة بتفصيل هذه الأبواب.

 

الحجة الثالثة عشرة: قوله عليه السلام: "آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة"، وذلك يدل على أنه أفضل من آدم ومن كل أولاده، وقال: "أنا سيدُ ولد آدم ولا فخَر".

 

الحجة الرابعة عشرة: قال تعالى مبينًا عنايته برسوله ورعايته له وحفاوته به: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 1 - 11].

 

الحجة الخامسة عشرة: روى مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُعطيت خمسًا لم يعطهنَّ أحدٌ قبلي ولا فخر، بُعثت إلى الأحمر والأسود، وكان النبي قبلي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، ونُصرت بالرعب أمامي مسيرة شهر، وأُحِلَّت لي الغنائم ولم تكن لأحدٍ قبلي، وأُعطيت الشفاعة فادَّخرتها لأمتي، فهي نائلة إن شاء الله تعالى لمن لا يُشرك بالله شيئًا)[4]، وجهُ الاستدلال أنه صريح في أن الله فضَّله بهذه الفضائل على غيره.

 

الحجة السادسة عشرة: قال محمد بن علي الحكيم الترمذي في تقرير هذا المعنى: إن كل أمير فإنه تكون مؤنته على قدر رعيته، فالأمير الذي تكون إمارته على قرية تكون مؤنته بقدر تلك القرية، ومَن ملَك الشرق والغرب احتاج إلى أموال وذخائر أكثر من أموال أمير تلك القرية، فكذلك كل رسول بُعث إلى قومه فأُعطي من كنوز التوحيد وجواهر المعرفة على قدر ما حمَل من الرسالة، فالمرسل إلى قومه في طرف مخصوص من الأرض، إنما يُعطى من هذه الكنوز الروحانية بقدر ذلك الموضع، والمرسل إلى كل أهل الشرق والغرب إنسهم وجنهم، لا بد أن يُعطى من المعرفة بقدر ما يُمكنه أن يقوم بسعيه بأمور أهل الشرق والغرب.

 

وإذا كان كذلك كانت نسبة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى نبوة سائر الأنبياء كنسبة كل المشارق والمغارب إلى ملك بعض البلاد المخصوصة، ولما كان كذلك لا جرمَ أُعطي من كنوز الحكمة والعلم ما لم يُعط أحدٌ قبله، فلا جرم بلغ في العلم إلى الحد الذي لم يبلغه أحد من البشر؛ قال تعالى في حقه: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 10]، وفي الفصاحة إلى أن قال: "أُوتيت جوامع الكلم"، وصار كتابه مهيمنًا على الكتب وصارت أمته خير الأمم.

 

الحجة السابعة عشرة: قال تعالى: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 1 - 4].

 

قال المشركون فيه - صلى الله عليه وسلم -: ساحر ومجنون، فدافع الله تعالى عن رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم - وردَّ على أعدائه وأخزاهم، وبيَّن مكانته - صلى الله عليه وسلم - قلت: وقد دافع النبي صلى الله عليه وسلم في مرات عديدة، ليس هذا مجال ذكرها، وهذا الدفاع لم يكن للأنبياء السابقين، بل هو من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وقال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خُلقه القرآن)؛ رواه البخاري، ولنا فيه أسوة صلى الله عليه وسلم، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: (لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا ولا مُتَفَحشًا وكان يقول: إنَّ مِنْ خيارِكم أحسنِكم أخلاقًا)؛ متفق عليه..

 

قلت: شهِد الله له بحُسن الخلق وإن كان خلقه القرآن، فهل يمكن أن يوجد من هو خير منه؟

 

الحجة الثامنة عشرة: في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل ابتنى بيوتًا فأحسنها وأجملها وأكملها، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون به ويُعجبهم البنيان، فيقولون: ألا وضعت ها هنا لبنة فيتم بناؤك؟ فقال محمد: كنت أنا تلك اللبنة).

 

وعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)؛ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فكان هو خير الناس لأهله وفضل على العالمين في ذلك.

 

الحجة التاسعة عشرة: أن الله تعالى كلما نادى نبيَّا في القرآن ناداه باسمه: ﴿ يَا آدَمُ اسْكُنْ ﴾ [البقرة: 35]، ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الصافات: 104]، ﴿ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ﴾ [طه: 11، 12]، وأما النبي عليه السلام فإنه ناداه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ [الأنفال: 64]، ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ﴾ [المائدة: 41]، وذلك يفيد الفضل[5].

 

ومن الأدلة التي لم يذكرها الرازي رحمه الله:

الحجة العشرون: ومما يَدَلُّ على أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم: أنه صلى بهم إمامًا في المسجد الأقصى ليلة المعراج، ولا يقدَّم إلا الأفضل؛ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضَرْب جَعْد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأمَمتهم، فلما فرغت من الصلاة، قال قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فسلِّم عليه، فالتفتُّ إليه فبدأني بالسلام)؛ رواه مسلم (172).

 

الحجة الحادية والعشرون: مما يدل على أنه أفضلهم: ما جاء عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ)؛ رواه مسلم (في باب الفضائل/4223).

 

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: قَوْله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم يَوْم الْقِيَامَة، وَأَوَّل مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْر, وَأَوَّل شَافِع وَأَوَّل مُشَفَّع).

 

قَالَ الْهَرَوِيُّ: السَّيِّد هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمه فِي الْخَيْر، وَقَالَ غَيْره: هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ فِي النَّوَائِب وَالشَّدَائِد، فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِههمْ، وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ.

 

وَأَمَّا قَوْله صلى الله عليه وسلم: (يَوْم الْقِيَامَة) مَعَ أَنَّهُ سَيِّدهمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة، فَسَبَبُ التَّقْيِيد أَنَّ فِي يَوْم الْقِيَامَة يَظْهَرُ سُؤْدُده لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلا يَبْقَى مُنَازِع، وَلا مُعَانِد، وَنَحْوه، بِخِلافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكُفَّار وَزُعَمَاء الْمُشْرِكِينَ؛ قَالَ الْعُلَمَاء: وَقَوْله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم)، لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا، بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر صحيح مُسْلِم فِي الْحَدِيث الْمَشْهُور: (أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم وَلا فَخْرَ)، وَإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ:

• أَحَدهمَا اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

 

• وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ، وَيَعْتَقِدُوهُ، وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ، وَيُوَقِّرُوهُ صلى الله عليه وسلم بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى.

 

وَهَذَا الْحَدِيث دَلِيلٌ على تَفْضِيلِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، وَلا بُدَّ مِنْ اِعْتِقَادِ التَّفْضِيل، فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [البقرة: 253]، وَاَللَّه أَعْلَم؛ اهـ.

 

الحجة الثانية والعشرون: ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام: ما جاء في الحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بُعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه)؛ صحيح البخاري رقم -3364.

 

قال العلامة ملا علي قاري رحمه الله: (من خير قرون بني آدم): اعلَم أن معنى الخيرية في هذا الحديث والاصطفائية ليس باعتبار الديانة، بل باعتبار الخصائل الحميدة والشمائل السعيدة.

 

(قرنًا فقرنًا): قيل: إنه حال للتفضيل، والفاء فيه للترتيب في الفضل على سبيل الترقي من القرن السابق إلى القرن اللاحق، ويدل عليه قوله: (حتى كنت)؛ أي: صرت: (من القرن الذي كنت منه)؛ أي: وُجِدت، والقرن من الناس أهل زمان واحد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (خير القرون قرني)، وفي شرح السنة: القرن كل طبقة مقترنين في وقت، قيل: سُمي قرنًا؛ لأنه يَقرن أمة بأمة، وعالَمًا بعالم، وهو مصدر قرنت؛ أي: وصلتُ، وجُعل اسمًا للوقت أو لأهله، وقيل: القرن ثمانون سنة، وقيل أربعون، وقيل مائة؛ اهـ.

 

والقول الأول هو المراد هنا، فالمعنى بُعثت من خير طبقات بني آدم كائنين طبقة بعد طبقة، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه، ففيه تفضيله على غيره من بني آدم، وعلى تفضيل أمته على سائر الأمم)؛ ا هـ[6].

 

قلت: وفي الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل بني آدم ما دام قرنه هو أفضل القرون، وإلا فلا فائدة من تفضيل القرن ما لم يكن هناك تفضيلٌ للذوات التي وُجدت فيه، ولقد تشرفت الأعوام التي وُجد فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكأني بها تفخر على بقية قرون الدنيا كلها، وما أشار إليه العلامة ملا علي - رحمه الله - من كون (الاصطفائية ليس باعتبار الديانة، بل باعتبار الخصائل الحميدة والشمائل السعيدة)؛ فيه نظر لأن الدين هو الذي يُكسب الإنسان الخصال الحميدة، والله أعلم.

 

الحجة الثالثة والعشرون: مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام: ما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: 45].

 

قال القرطبي رحمه الله: قال ابن عباس وابن زيد: لَما أُسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو مسجد بيت المقدس - بعَث الله له آدم، ومِن ولد من المرسلين، وجبريل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأذن جبريل - صلى الله عليه وسلم - ثم أقام الصلاة، ثم قال: يا محمد، تقدَّم فصلِّ بهم، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له جبريل - صلى الله عليه وسلم -: (سَلْ يا محمد مَن أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا أسأل قد اكتفيت).

 

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (وكانوا سبعين نبيًّا؛ منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فلم يسألهم؛ لأنه كان أعلم بالله منهم).

 

وفي غير رواية ابن عباس: فصلُّوا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة صفوف، المرسلون ثلاثة صفوف والنبيون أربعة، وكان يلي ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم خليل الله، وعلى يَمينه إسماعيل وعلى يساره إسحاق، ثم موسى ثم سائر المرسلين، فأمَّهم بصلاة ركعتين، فلما انفتل قام فقال: إن ربي أوحى إليَّ أن أسألكم: هل أُرسِل أحدٌ منكم يدعو إلى عبادة غير الله؟ فقالوا: يا محمد، إنا نشهد إنا أرسلنا أجمعين بدعوة واحدة أنْ لا إله إلا الله وأن ما يعبدون من دونه باطلٌ، وأنك خاتم النبيين وسيد المرسلين، قد استبان ذلك لنا بإمامتك إيانا، وأنْ لا نبي بعدك إلى يوم القيامة، إلا عيسى ابن مريم، فإنه مأمورٌ أن يتبع أثرَك)[7].

 

قال القرطبي رحمه الله: هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية[8].

 

الحجة الرابعة والعشرون: أن الله تعالى ختم به النبوات والرسالات؛ قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].

 

قال الرازي رحمه الله تعالى: (وذلك لأن النبي الذي يكون بعده نبي إن ترك شيئًا من النصيحة والبيان، يستدركه من يأتي بعده، وأما من لا نبي بعده يكون أشفقَ على أمته وأهدى لهم وأجدى؛ إذ هو كوالد لولده الذي ليس له غيره من أحدٍ)[9].

 

قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله تعالى: (والآية نصٌّ في أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيئين، وأنه لا نبي بعده في البشر؛ لأن النبيئين عام، فخاتم النبيئين هو خاتمهم في صفة النبوءَة، وقد أجمع الصحابة على أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خاتم الرسل والأنبياء، وعُرف ذلك وتواتَر بينهم، وفي الأجيال من بعدهم، ولذلك لم يتردَّدوا في تكفير مسيلمة والأسود العنسي، فصار معلومًا من الدين بالضرورة، فمن أنكَره فهو كافرٌ خارج عن الإسلام، ولو كان معترفًا بأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رسول الله للناس كلهم)[10].

 

والخلاصة: أننا نفضِّل نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء والناس، للأدلة الواردة في ذلك، مع حفظنا لحقوق جميع الأنبياء والمرسلين والإيمان بهم وتوقيرهم؛ والله تعالى أعلم [11].

 

وفي ختام هذا الفصل ننبِّه على أمرين مهمين:

الأول: الكلام في أفضلية النبي محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الخليقة، وأنه أكرمهم على الله تعالى، ليس بدعًا من القول، فقد تكلَّم في ذلك بعضُ الصحابة وأثبتوه، وتلاهم بعد ذلك التابعون، فمنهم:

• ترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال: (ما خلَق الله عز وجل ولا ذرَأَ من نفس أكرَم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسَم بحياة أحد إلا بحياته، فقال تبارك وتعالى: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72[12].

 

• ومنهم عبد الله بن مسعود؛ حيث قال: (إن الله اتَّخذ إبراهيم خليلًا، وإن صاحبكم خليل الله، وإن محمدًا أكرم الخلق على الله، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79][13].

 

ومنهم الحبر الكبير عبد الله بن سلام، حيث قال: (إن أكرم خليقة على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فقيل له: رحمك الله فأين الملائكة؟ فقال للسائل: يا بن أخي، وهل تدري ما الملائكة؟ إنما الملائكة خلقٌ كخلق الأرض وخلق السماء، وخلق السحاب وخلق الجبال، وخلق الرياح وسائر الخلائق، وإن أكرم الخلائق على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم)[14].

 

ومن التابعين: أبو الجوزاء الربعي؛ حيث قال: ما أقسم الله تعالى بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أكرم البرية عنده؛ ذكره القاضي عياض في الشفا.

 

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أثر عبد الله بن سلام، ثم قال: (وما علِمتُ عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك، وهذا هو المشهور عند المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم)؛ اهـ[15].

 

الثاني: من دلائل تفضيله صلى الله عليه وسلم ما يحتاج كلُّ دليل منها إلى كتاب كامل يبيِّنه، ويفصِّل القول فيه، ومن ذلك:

1- معجزة الإسراء والمعراج، فهي تحتوى على كثير من الفضائل التي اختصَّ الله تعالى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أفردها بعض العلماء بالتأليف.

 

2- تفسير الآية الكريمة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 10].

 

3- أعطاه الله تعالى مقام التشريع؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

 

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105]، ونحوهما.

 

4- نُصرته بالملائكة في بدر والأحزاب وغيرهما؛ كما أشار الله إلى ذلك في آيات؛ منها: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ﴾ [يس: 28].

 

5- النداء بالرسالة والنبوة، وقد أفردها بعض الباحثين بالتأليف.

 

6- دفاع الله عنه صلى الله عليه وسلم؛ حيث نفى عنه كلَّ التُّهم التي ألصقها به الكفار؛ كقولهم: ساحر وكاهن ومجنون - حاشاه عليه الصلاة والسلام - وهذا الدفاع معلوم من خلال آيات كثيرة؛ كما في سور القلم والحاقة والحجر والمسد وغيرها.

 

7- جعل الله الصلاة عليه قربةً؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

وقد أفردها بعضُ العلماء بالتأليف؛ كابن القيم في جلاء الأفهام، والسخاوي في القول البديع والقسطلاني، وغيرهم.

 

8- أخذ الله جل وعلا الميثاق من جميع الأنبياء والمرسلين للإيمان به ونُصرته؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81].

 

9- عندما أخذ الله الميثاق من الأنبياء، قدَّمه صلى الله عليه وسلم في الذكر على أُولي العزم منهم؛ كما في آية الميثاق في سورة الأحزاب: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [الأحزاب: 7]، وقدَّمه في الذكر في مقام الوحي؛ كما في قوله تعالى في سورة النساء: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 163، 164].



[1] هذه الأدلة والبراهين ملخصة التفسير الكبير للفخر الرازي؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [البقرة: 253]، وزيادات من تفسير ابن كثير، وغيره من كتب التفسير.

[2] تتمة أضواء البيان – للشيخ عطية محمد سالم - تفسير سورة الشرح.

[3] تفسير السعدي للآية المذكورة.

[4] متفق عليه.

[5] إلى هنا انتهت الحجج التي ذكرها الرازي في التفسير الكبير عند قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [البقرة: 253]، وقمت بحذف بعض الروايات الضعيفة، ثم وفَّقني الله تعالى فكرت خصائص أخرى، وهي من الخصوصية العشرين إلى الرابعة والعشرين.

[6] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ص 3671 مختصرًا.

[7] تفسير القرطبي لآية الزخرف (45).

[8] السابق نفس الموضع.

[9] التفسير الكبير – تفسير الآية 40 من سورة الأحزاب.

[10] تفسير الآية 40 من سورة الأحزاب التحرير والتنوير.

[11] المصدر: الإسلام سؤال وجواب – بتصرف.

[12] رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده والدينوري في المجالسة، وزاد السيوطي عزوه لابن أبي شيبة وأبي يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي معا في الدلائل.

[13] رواه ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في الدلائل.

[14] رواه الحاكم في المستدرك وصححه، وأسد بن موسى في الزهد والبيهقي في الدلائل، وصححه الألباني.

[15] الشبكة الإسلامية (إسلام ويب) – رقم الفتوى: 187707.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم عن غيره من الأنبياء في الدنيا
  • النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الكريم
  • أعمام النبي صلى الله عليه وسلم
  • عمات النبي صلى الله عليه وسلم
  • طفولة النبي صلى الله عليه وسلم

مختارات من الشبكة

  • هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المداومة على العمل الصالح: أدلته، دلائله، فضائله، أسبابه، آثاره(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الأدلة العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الملحد وخطأ حصر الأدلة العلمية في الأدلة التجريبية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدلة النقلية على ما جاء بالمنظومة الحائية من عقائد سلفية (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدلة على ثبوت النسخ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدلة النقلية على ما جاء بالمنظومة الحائية من عقائد سلفية (9)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: أكرم الله جبريل بأن رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: استأذن ملك القطر ربه ليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بركات الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) الآية(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • بين الأدلة السمعية والأدلة العقلية (word)(كتاب - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب