• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

قصة موسى عليه السلام (خطبة)

قصة موسى عليه السلام (خطبة)
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/5/2025 ميلادي - 27/11/1446 هجري

الزيارات: 743

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة موسى عليه السلام

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خيرَ الكلام كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، في خطبتنا هذه نعيش مع حياة بطل من الأبطال شخصية لامعة في عالم القرآن الكريم، ذلكم النبي المكلم موسى بن عمران الذي كرَّر الله قصته في القرآن؛ حيث يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: يكاد القرآن أن يكون لموسى، فقد كانت قصة موسى قصة جدلية تربوية.

 

إنها قصة عظيمة؛ حيث كان المتحدث فيها إلى الخلق هو الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].

 

إن هذه القصة المباركة العظيمة واجب على المسلمين وعلى الدعاة إلى الله، على وجه الخصوص أن يأخذوا بعِبَرها، وأن يتَّعظوا بعظتها؛ لأنها قصة مباركة يتحدث الله بها عن هذا النبي الكريم، فموسى بن عمران في الصحراء يعود من مدائن شعيب بعد أن قضى فيها عشرة أعوام، يعود من تلك المدائن بعد أن أعياه السفر والتعب، وهشُّه على غنمه، فينزل في ظل شجرة يعاني ما يعانيه المسافر، فإذا به يفاجَأ بأمر ما كان يَخطر له على بال، إنها عناية الله وحفظ الله يَحفظه منذ أن كان في بطن أمه، ثم بعد أن ألقته أمُّه في التابوت، فتلقيه في ذلكم البحر، لكن عناية الله حرَسته، وعاد إلى قصر فرعون، ثم يعود إلى أمه لتحضنه، وكان يُربَّى بمرأى من فرعون رغم أنف فرعون، وما كان قد قرَّره أن يقتل كلَّ غلام من بني إسرائيل، فيربيه فرعون، وتحضنه أمُّه، وتأتيه الأُعطيات والهدايا من قصر فرعون، ثم بعد أن حصل ما حصل من موسى في قتله رجلًا من بني إسرائيل، فيفر هاربًا من مصر، فالله عز وجل يربيه لأمر عظيم، فتَلحقه عناية الله؛ ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 9 - 16].

 

فهذه بداية الانطلاق وبداية الرسالة التي يحملها الله عز وجل، بها بداية الاصطفاء والاختيار، فيذكره الله بثلاث قضايا هي من أهم القضايا، إنها قضايا كبرى عظيمة، وجب على المسلم أن يتفطَّن لها، وهي قضية التوحيد وأمر العقيدة، ثم قضية الصلاة، وقضية الإيمان باليوم الآخر، فأمر العقيدة أمرٌ عظيم؛ يقول الله لموسى: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، فكأن الله يعرف إلى موسى بنفسه يقول: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، فهذا هو الإله الذي كان واجبًا على موسى، وعلى غيره من المسلمين أن يهتفوا له بالتوحيد، ويشهدوا له بالعبودية، وأن يهتفوا له بالذكر صباحًا ومساءً، فيقول الله: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، وقد تعرَّف الله إلى نبيه محمد؛ حيث يقول: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19]، ووجب على المسلمين أن يتأملوا ذلك، فإنسان من غير عقيدة ما عرف حقيقة الحياة، وما عرف حقيقة نفسه.

 

تعرف يا بن أمي في العقيدة
يا أخا الإسلام في الأرض المديدة
ما حياة المرء من غير عقيدة

 

إنها حياة لا تساوي شيئًا، يوم أن يكون الإنسان تائهًا بليدًا ضائعًا، لا يدري من أين أتى، ولا إلى أين أتى، كما يقول بعض النصارى في ديوان له بعنوان الجداول وآخر بعنوان الطلاسم يقول:

لا أدري من أين جئت ولكني أتيتُ
ولقد أبصرتُ قدَّامي طريقًا فمشيتُ
وسأبقى ماشيًا إن شئتُ هذا أم أبيتُ
لست أدري لست أدري

 

إنه لا يدري؛ لأنه ما عرَف القرآن، ولا عرف رسول القرآن، ولا عرف ربَّ القرآن؛ يقول سبحانه: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 1، 2].

 

أمر العقيدة يا عباد الله يجب على المسلم أن يتأمَّل فيه، وأن يعلم أنها عنوان حياته، وأنه إن تعلم أمرَ المعتقد سلِم له توحيدُه في الدنيا، وأمن في الآخرة؛ كما قال ربنا جل وعلا: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

 

هذا أحد المسلمين ضلَّ عن الطريق، فتأمل في كثير من المناهج الفلسفية التي لا تَمُت إلى الحق أبدًا، وفي نهاية المطاف أعياه ما كان يعانيه فيقول:

لعمري لقد طفتُ المعاهد كلَّها
وسيَّرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعًا كفَّ حائرٍ
على ذقنٍ أو قارعًا سنَّ نادمِ

 

بمعنى أنه رأى الناس يعيشون في حيرة، رأي حياة الفلاسفة وحياة الذين نبذوا الكتاب والسنة خلف ظهورهم، فتمسكوا ببعض الآراء، آراء الأوروبيين كفيثا غورث وأرسطو وسقراط، أولئك الذين يُنظَر إليهم بعين الإعظام الإجلال عند كثيرٍ من المسلمين اليوم، فرد عليه بعض أهل السنة قائلًا: يا أستاذ

 

لعلك أهملت الطواف بمعهد
الرسولِ ومن والاه من كلِّ عالم
فما خاب من يهدي بهدي محمد
ولست تراه قارعًا سنَّ نادمِ

 

وأما القضية الثانية، فهي قضية الصلاة، فلا دين لمن لا صلاة عنده، ولا أخلاق، ولا زكاة إنه ساقط العدالة، ومخروم المروءة من كان يعيش بني ظهراني المسلمين وهو تارك للصلاة، فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام؛ يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر»[1]،[2].

 

وأما القضية الثالثة، فأمر العقيدة والإيمان باليوم الآخر، إذا تذكر العبد أن للدنيا فناءً ولها انقطاعًا، وأنه في يوم من الدهر سيصاح به رجوعًا إلى الله، وفي يوم آخر يجمع الله الأولين والآخرين، فيحاسب الله عباده على مثاقيل الذر، فتهون عليه مصائب الدنيا، ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، فالله عز وجل يشعر موسى وينبِّئه بهذه القضايا الثلاث العظيمة، قال: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 14 - 16]، ثم يقول الله وهو أعلم: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 17]، فموسى آخذ عصاه بيمينه، والله يعلم بذلك فيتلطَّف الله إلى موسى بهذا السؤال، فيعجب موسى يقول: هي عصاي، لكنه يريد أن يستلذَّ بخطاب الله، وأراد الله من هذا الخطاب أن يزيل الوحشة من قلب موسى، فإن هذا أمرٌ خارق للعادة، ما كان يعرفه موسى صلى الله عليه وسلم، لكن العرب تعرف هذا، فهذا الأزدي يقول:

أُخاطب ضيفي قبل إنزال رَحْله
ويَخصب عندي والمكان جديبُ
وما الخصبُ للأضياف أن يَكثُر
ولكنما وجهُ الكريم خَصيبُ

 

فالله يتلطَّف بهذا السؤال يقول: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾، فيقول الله حاكيًا عن موسى: ﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ [طه: 18 - 20].

 

إنها عصا من جملة العِصِي، وما كان موسى ولا غير موسى دون رب العالمين يَعلَم أنه سيكون بهذه العصا تأريخًا، وتكون معجزة كبرى: ﴿ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 19 - 22].

 

هذه تمهيدات وتوطئات، هذه ابتداءات وَطَّن الله عز وجل بها قلب موسى صلى الله عليه وسلم من أجل أمرٍ عظيم، من أجل أن يوجِّهه داعية مبشرًا ونذيرًا إلى ذلكم الرجل، الذي أعلن الألوهية لنفسه، والذي أكثر الفساد في البلاد، وأكثر الإلحاد إلى ذلكم المجرم الأثيم، الدكتاتوري الإرهابي، السفاك، إنه فرعون ملك مصر الذي كان يلقي المحاضرات في المنتديات، وأولئك السُّذَّج من البشر يُطَأطِؤون الرؤوس ويصفقون له، ويقول: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [القصص: 38]؛ يقول: ما علِم لهم من إله غيره، فإذا هم يصفقون ويوافقونه على ما يريد عياذًا بالله، فيقول الله لموسى: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 24]؛ أي: تجاوز الحدود، وكان طغيان فرعون طغيانًا عامًّا شاملًا، طغى في باب العقيدة والتوحيد، وفي باب العبادة والسلوك، وطغى أيضًا في باب الإجرام، فحينما كان يعلن الألوهية لنفسه ما غضِب الله، فإن الله يُمهل ولا يهمل، فلما أكثر فسادًا في الأرض، استحيَى النساء، وقتَل الرجال، ويتَّم الأطفال، وعمل ما لا يعمله أحدٌ على وجه الأرض، انتقم الله وغار الله على خلقه، ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].


ما كان الله غافلًا على فرعون، ولكنه يُمهله، ففي هذه اللحظات الأخيرة يأمر الله هذا النبي الكريم أن يذهب إلى فرعون، لا يذهب إلى قصره فقط، ولا إلى عسكره، ولا إلى جنوده، ولا يوجه له رسالة ولا شرطة من قبل موسى، وإنما يذهب هو بنفسه مباشرة، قال: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى ﴾ [النازعات: 17 - 23].

 

ثم نادى في قومه، قال: هو ربهم الأعلى عياذًا بالله، وقد كان بعض الصالحين إذا قام يصلي من الليل يخفِض صوته لهذه الآية حياءً من الله - سبحانه وتعالى - لكن فرعون ما كان عنده حياء في قلبه، ما كان عنده استحياء، إنه أعلن والعياذ بالله قلة الحياء، وقلة الأدب مع الله سبحانه وتعالى، فهنالك موسى يَعرف ما كان عنده من الخطاب، ومن الفصاحة والبيان، فيقول الله عز وجل: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴾ [طه: 29 - 34].

 

فيطلب موسى من ربه أن يكون هارون وزيرًا ونبيًّا مثله؛ لأنه كان عنده فصاحة وبيان، على أن فرعون وقد طلب موسى من ربه هذا استهزَأ بموسى أيَّما استهزاء، فحينما جاءه داعيًا إلى ربه سبحانه، فإذا به يقول: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 51، 52].

 

يَتهم موسى بالعي وباللكانة في لسانه، على أنه كان فصيحًا وأخوه هارون أفصح منه لسانًا، ولكنه هكذا يلجأ إلى مثل هذا، وحينما لم يستطع فرعون أن يواجه موسى حجة بحجة، يجمع السحرة من جميع البلاد، فتكون الغلبة لموسى وهارون، فيؤمن السحرة برب موسى وهارون، فيتهدَّد فرعون، وهكذا الجبان يلجأ إلى القوة في مضايق الأمور، ما كان عنده من الاستجابة لرب العالمين، فيتهدد موسى؛ يقول: ﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29]، ويقول لأولئك السحرة: ﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71]، فإذا بهم يقولون: ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72].

 

قذف الله الإيمان في قلب هؤلاء السحرة، فإذا بهم يذعنون لرب العالمين، وإذا بفرعون يستنفر قوته في البلاد، فكان عنده من القوة في قصره ستة وثلاثون ألفًا كلهم يزعم أن فرعون هو ربه وإلهه، وأنهم عبيد لفرعون، وكان عنده عسكره وحاشيته ما يَقرُب من ستمائة ألف نفر، فالدنيا كلها مع فرعون، لكن موسى معه الله سبحانه وتعالى.

 

يقول جل وعلا في المعركة الفاصلة بين ألد أعدائه أو أعظم أوليائه، بين فرعون وموسى كليم الرحمن: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [الشعراء: 61 - 65].

 

فالله يَشق البحر لموسى، ليكون اثنتي عشر طريقًا يبسًا، لقد غار الماء، لقد ضرب موسى بعصاه، وضرب الله بقوته، فيتفجر البحر يبسًا طرقًا، وكان الماء بمثابة الجبال، فدخل موسى وقومه في البحر، فما خرج آخر واحد منهم من البحر، ودخل آخر واحد من أصحاب فرعون، إلا ورجَع البحر عليهم، أغرَق الله فرعون هو بالأمس يتبجح ويتعالَى على قومه، بأن الأنهار تجري من تحته، فأجراها الله على رأسه، وأغرقه الله حتى إن جبريل يقول: يا محمد، لو رأيتني وأنا أدس أنفَ فرعون في الطين أو في الماء؛ حتى لا تتداركه عناية الله، هذا هو مصير الظالمين ومصير المتكبِّرين، فلكل ظالم نهاية، ولكل تمام نقصان، لكل تمام نقصان.

 

لكلِّ شيء إذا ما تَم نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطيبِ العيش إنسانُ
هي الحياة كما شاهَدتْها دولٌ
مَن سرَّه زمنٌ ساءَتْه أزمانُ

 

فهذا فرعون، وما جمعه من الماء والقوة والرجال، إذا به هناك تحت طبقات الأمواج يقاسي ما يقايسه، فلما أدركه الغرق إذا به يقول: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90]، فقيل له: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 91].

 

الآن أيها المفسد أيها المجرم الأثيم، الآن أيها الظالم، الآن أيها النصَّاب، يا من تكبَّرت وترفعت، هل أنت رب العالمين، تريد النجاة في مضايق الأمور، فأنى لك أن يكون ذلك، وقد جاءك النذير، جاءك الرسول، جاءتك الآيات البيِّنات، لكنك أبيت إلا الاستقلال فها أنت كمسيلمة الكذاب: نقنقي أو لا تنقنقي، فأسفلك في الطين، وأعلاك في الماء، ولن تشربي، ولن تسلمي، فالله عز وجل يذكر قصة فرعون، فيختمها بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 1 - 14]، فالذين مضى ذكرهم في الآية صبَّ الله عليهم سوطَ عذاب، ومن كان على شاكلتهم من أصحاب جحافل الظلم والكبرياء إلى قيام الساعة، فالله له بالمرصاد.

 

يا عباد الله، هذا صريح القرآن، وهذا حكم ربِّ العالمين، فكل من طغى وعتَّى وتجبَّر، خذله الله، وأخذه أخذَ عزيز مقتدر، لكن الله يمهل ولا يهمل، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: إن الله ليملي[3] للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته[4]، ثم قرأ قوله سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102][5]، فمن يسمي اليوم بفرعون، ومن يطيق أن يسمع ذكر فرعون، من يسمى، أو يتفاخر بأن يسمي ابنه أو أخاه بفرعون؟ إنه موجود لقبًا واسمًا وطبعًا وسلوكًا، لقد أبغضت الحياة كلها فرعون، وما بالك بامرأة فرعون آسية بنت مزاحم التي عظَّم الله شأنهما في القرآن؛ قال سبحانه: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].

 

يقول محمد صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثيرٌ، ولم يكمل من النساء إلا آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد»، يشهد لها الرسول برجاحة العقل، لقد عدتها فرعون، لكنه ما استطاع أن يلوي قلبها؛ لأن القلب لا يمتلكه إلا الله أو صاحبه إن أراد له الاستقامة، أو الحياة، أو الانحراف، فعصم الله قلبها، وهذَّب الله سلوكها، واختارت الجار قبل الدار، اختارت جوار الله: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].

 

اللهم بارِك لي ولكن في القرآن العظيم، وانفَعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وانفعنا واهدِنا بسُنة سيد الأولين والآخرين، هذا ما قلته لكم، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم، فاستغفروا يغفر لكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

عباد الله، روى البخاري في صحيحه أن نبينا صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة، رَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ»[6]، وأرسل إلى قرى الأنصار: «أن من أصبح مفطرًا فليمسك بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليواصل صيامه»[7]، وكان يوم عاشوراء يومًا واجبًا صومه، فلما فُرض رمضان في العام الثاني من الهجرة، كانت الفريضة في صوم رمضان، فكان صوم رمضان هو الصوم الواجب، وهو ركن من أركان الإسلام، وجاءت الأحاديث تبيِّن استحباب صوم يوم عاشوراء، فقال: «أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»[8]، فهذا فضل عظيم والفرصة بين أيديكم يا عباد الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

 

وصيام يوم عاشوراء تَمنَّى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم يومًا قبله، فيقول صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم[9]، أي سوف يصوم تاسوعاء، هذا اليوم الذي نحن فيه هو تاسوعاء، ثم عاشوراء هو يوم السبت، فيتمنى الني صلى الله عليه وسلم أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء مخالفة لأهل الكتاب، وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد وابن حجر العسقلاني في فتح الباري - أن صيام يوم عاشوراء على ثلاثة أوجه: (فأفضلها أن يصام يومًا قبله ويصام يوم عاشوراء، ويصام يومًا بعده مخالفة لليهود والنصارى، وهذا من أفضلها)، ثم أدنى منه قليلًا أن يصام يوم التاسع ويوم العاشر، وأدنى من هذا القسم الثاني أن يصام يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرَّم.

 

على أننا يا عباد الله نعيش في شهر حرام، إن هذا الشهر هو أحد الأشهر الحرم، كما تقدم لكم في الجمعة الماضية، فنحن نعيش في أيام مباركات، وليالٍ فاضلات، ما بالك إذا كان هو يوم عاشوراء، وما بالك إذا طبَّقت سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه تمنَّى إن عاش إلى إلى قابل عمره أن يصوم التاسع والعاشر؛ يقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70].

 

فطبِّقوا عباد الله سنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تشربوا من يده الشريفة شربةً لا تظمؤوا بعدها أبدًا، وتكونوا له مرافقين في الجنة، إنكم يا عباد الله إن اتَّبعتم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، آجَركم الله؛ قال سبحانه: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، وهكذا بفضائل الأعمال وبالنوافل بعد الفرائض، تكتسبون عناية الله وولايته؛ كما قال ربنا سبحانه في الحديث القدسي: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»[10].

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

 

اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا هَمًّا إلا فرَّجته، ولا دينًا إلا قضيته، اللهم أصلحنا وأصلِح عبادك المؤمنين يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل برٍّ، والفوز بالجنة والنجاة من النار.

 

اللهم اجعَلنا هداة مهتدين غير ضالين، ولا مضلين.

 

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحوُّل عافيتك، ومن فجاءة نِقمتك، ومن جميع سخطك[11].

 

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا.

 

اللهم مَن كان في خير للبلاد، والعباد فأعِنْه يا رب العالمين، ومن كان يحمل الشر والحقد للبلاد والعباد، فأرِح المسلمين من شرِّه، إنك على كل شيء قدير.

 

اللهم إنا نسألك يا ربَّنا أن تغفِر لنا، وأن تغفر لوالدينا، ولأموات المسلمين أجمعين.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم حرِّم وجوهنا عن النار، ووجوه ووالدينا عن النار، واجعل مآلنا إلى جنة الفردوس الأعلى، إنك أكرم من أعطى، وأعظم مَن سُئل، أنت رب العالمين، أنت رب الطيبين، أنت رب جبريل وميكائيل، ومحمد والصالحين.

 

نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، وبأحب الأسماء إليك، نسألك يا ألله أن تُخرجنا من هذه الدنيا بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن تجعلنا من عبادك الصادقين، وأن ترفَع درجاتنا في المهديين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] فائدة: «في حكم تارك الصلاة» قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/369)، تعليقًا على حديث: في صحيح مسلم، ولفظه «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ ....» الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ تَرْكَ الصَّلَاةِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُفْرِ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُنْكِرًا لِوُجُوبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يُخَالِطْ الْمُسْلِمِينَ مُدَّةً يَبْلُغُهُ فِيهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ لَهَا تَكَاسُلًا مَعَ اعْتِقَادِهِ لِوُجُوبِهَا كَمَا هُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ. ثم نقل بعد ذلك نبذًا من الخلاف- مشهور قول الجماهير من السلف والخلف منهم مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق فإن تاب وإلا قتلناه حدًا كالزاني المحصن...إلخ راجع رسالة حكم تارك الصلاة للشيخ الألباني: صفحة رقم (8).

[2] رواه الترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وأحمد (22987)، وابن أبي شيبة (30296)، وابن حبان (1454)، والدارقطني (2)، والبيهقي (6291)، وصححه الشيخ الألباني في الترغيب والترهيب (564).

[3] ليملي: ليمهل.

[4] لم يفلته: لم يخلصه، ولم يتركه حتى يستوفي عقابه.

[5] رواه البخاري رقم (4409)، في كتاب التفسير، ومسلم في «البر والصلة والأداب» باب «تحريم الظلم» رقم (2583).

[6] صحيح: رواه البخاري في الصيام باب «صيام يوم عاشوراء» رقم (1856)، وأحمد رقم (2512).

[7] صحيح: رواه البخاري رقم (1868)، ومسلم رقم (1919).

[8] صحيح: رواه مسلم في الصيام باب صوم يوم عاشوراء رقم الحديث (1976).

[9] صحيح: رواه مسلم في الصيام باب؛ أي: يوم يصام في عاشوراء رقم (1134)، (جزء/2)، (ص: 797).

[10] رواه البخاري في الرقاق باب التواضع رقم (6021).

[11] وهذا من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صحيح: وقد سبق تخريجه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قصة موسى عليه السلام (9) موسى والخضر
  • قصة موسى عليه السلام (10) بقرة بني إسرائيل
  • قصة موسى عليه السلام (11) قارون وطغيان المال
  • قصة موسى عليه السلام (13) ما ورد من صفات موسى
  • عاشوراء وقصة موسى عليه السلام مع فرعون (خطبة)
  • عبر من قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح الخضر (خطبة)
  • معالم التأييد والنجاح في قصة موسى عليه السلام (خطبة)
  • قصة موسى وملك الموت (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • قصة موسى عليه السلام (12) وفاة موسى عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصص الأنبياء: قصة موسى وهارون عليهما السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصة داود عليه السلام (3) وفاة داود عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة داود عليه السلام (2) أخبار داود عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • إضاءات على الطريق من قصة موسى عليه السلام وابنتي شعيب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 9/1/1434 هـ - عبرة من قصة موسى - عليه السلام - وفرعون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • 10 وقفات وتوجيهات تربوية وإيمانية من قصة موسى عليه السلام مع فرعون(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • قصة موسى عليه السلام (8) التيه(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة موسى عليه السلام (7) ما بعد العبور(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة موسى عليه السلام (6) نهاية الظلم(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 30/11/1446هـ - الساعة: 16:9
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب