• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الدعوة وطلب العلم
علامة باركود

إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)

إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/5/2025 ميلادي - 24/11/1446 هجري

الزيارات: 229

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء

 

نص الخطبة:

الحمد لله ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم﴾ [العلق: 4، 5]، نحمده على نعمه، ونشكره على آلائه ومِننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عظيمٌ في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته؛ ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 102، 103]، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، نقل الله تعالى به هذه الأمة الخاتمة من الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، ومن دركات الشر إلى درجات الخير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد أيها الكرماء الأجِلَّاء عباد الله:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن الله تعالى قد رفع شأن العلم وأهله، وبيَّن مكانتهم، ورفع منزلتهم؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11].

 

وقد شرف الله هذه الأمة؛ حيث جعلها أمة العلم والعمل معًا، تمييزًا لها عن أمم الظلم والجهل، وجاءت الصيحة الأولى المدوية التي أطلقها الإسلام في أنحاء المعمورة؛ لتنوِّه بقيمة العلم والعلماء، وتسموَ بقدره، وتجعل أولَ لَبِنة في بناء الأفراد والشعوب، وكِيان الأمم والمجتمعات القراءةَ والكتابة؛ فجاءت أولُ آيات القرآن أمرًا بالقراءة والتعلم؛ قال الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1 - 5].

 

وأقسم الله بالقلم وهو من أدوات العلم؛ وذلك لبيانِ فضلِهِ وعُلُوِّ رُتْبَتِهِ؛ قال الله تعالى: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1].

 

ولم يقبل مجردَ المقارنة بين أهل العلم وفاقديه على الإطلاق، وعدَّ ذلك قياسًا مرفوضًا؛ قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9].

 

وزيَّن الله تعالى به نبيَّه يوسفَ بن يعقوب عليهما السلام؛ فقال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 22]، وقال تعالى عن سيدنا داود وولده سليمان عليهما السلام: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل: 15]، وطلب سيدنا موسى عليه السلام من العبد الصالح صحبته لغرض التعلم؛ قال الله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف: 65، 66].

 

ولم يجعل كليمُ الله عليه السلام لنفسه في الطلب رُتْبَةً لمَّا جعل نفسه تابعًا، وذلك التلطف مع نكران الذات لأجل التعلم، وأخبر الله تعالى أنه آتى كليمه موسى عليه السلام نورَ العلم؛ فقال: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [القصص: 14].

 

وأخبر جل وعلا في معرِض المنِّ بالفضل على نبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ بقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: 113].

 

ولم يؤمَر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء كالعلم؛ قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114].

 

وبالعلم يُعبَدُ الله على بصيرةٍ وتُقًى، ويَقْضِي الناس في الدنيا مآربهم على ضياءٍ من أحكام الشرع الكريم، وبالعلمِ يُقيمون مراسيمَ حياتهم من زواجٍ أو تجارةٍ، أو جيرةٍ أو شراكةٍ، بحيث يعرف كلٌّ منهم ما له وما عليه؛ وقد قال سيدنا إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ [مريم: 43]، فالعلم هو طريق المعرفة للاعتقاد في رب الأرباب سبحانه وتعالى؛ قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: 19].

 

وعن أنس بن مالك رضِي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((طلَبُ العِلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلم))؛ [رواه أحمد].

 

وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((الدُّنيا مَلعونةٌ، مَلعونٌ ما فيها؛ إلَّا ذِكْرَ اللهِ وما والاهُ، وعالِمًا ومُتعلِّمًا))؛ [الألباني في صحيح الترغيب بسندٍ حسنٍ].

 

وكان صلى الله عليه وسلم يُقَدِّمُ الأقرأ على غيره في شهداء أُحُد، وهذا ما دفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن يُقَدِّم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ويُدخله مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر رضي الله عنه: "إنه مَن حيث علِمتم"؛ [رواه البخاري]، وسرُّ ذلك التكريم والرفعة إنما هو العلم.

 

وأخبر أنه لا يحمله إلا كِرامُ الناس وأهل الأمانة؛ فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((يحمِلُ هذا العِلمَ من كلِّ خلَفٍ عدولُه، ينفُون عنه تحريفَ الجاهِلين، وانتحالَ المُبطلين، وتأويلَ الغالين))؛ [الإمام أحمد بسندٍ صحيحٍ].

 

والعالم الصالح مقدمٌ في أبواب الفضل على العابد كما جاءت بذلك الأحاديث؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((فضلُ العالِم على العابِد كفضل القمر ليلةَ البدْر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماءَ وَرَثَةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثوا العِلم، فمَنْ أخَذ به أخَذ بحظٍّ وافر))؛ [رواه الترمذي].

 

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لَموتُ ألفِ عابدٍ قائمٍ الليل، صائم النهار، أهون من موت العاقل البصير بحلال الله وحرامه"، ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إن الشياطين قالوا لإبليس: يا سيدنا، ما لنا نراك تفرح بموت العالم ما لا تفرح بموت العابد؟ فقال: انطلِقوا، فانطلَقوا إلى عابد قائم يُصلي، فقالوا له: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال له إبليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟ فقال: لا، فقال: أترَونه؟ كفَر في ساعة، ثم جاء إلى عالمٍ في حلقة، يُضاحك أصحابه ويحدِّثهم، فقال: إنا نريد أن نسألك، فقال: سَلْ، فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟ قال: نعم، قال: وكيف؟ قال: يقول لذلك إذا أراده: كن فيكون، قال إبليس: أترَون ذلك؟ لا يعدو نفسه، وهذا يُفسد عليَّ عالَمًا كثيرًا"؛ [يوسف بن عبدالبر القرطبي، جامع بيان العلم وفضله، بتحقيق ياسر سليمان أبو شادي].

 

وحتى بعد الموت تنال بركاتُ العلم أهلَه؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله، إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له))؛ [مسلم]، فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون، قال عبدالملك بن مروان لبنيه: "يا بُني، تعلموا العلم؛ فإن كنتم سادة فُقْتُم، وإن كنتم وسطًا سُدتُم، وإن كنتم سُوقة عِشتم".

فمن لم يذُق مُرَّ التعلم ساعةً
تجرَّع ذلَّ الجهل طولَ حياتِهِ
ومن فاته التعليم حالَ شبابه
فكبِّر عليه أربعًا لوفاتِهِ

 

أيها المسلمون، ولا شك أن أثر الجهل في حياة الخلق مميت ماديًّا ومعنويًّا، ومن المواقف التي تبين ذلك ما حدث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما قال: ((خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا منا حجرٌ، فشجَّه في رأسه، فاحتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصةً في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصةً، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك، قال: قتلوه قتلهم الله، ألَا سألوا إذ لم يعلموا؟! فإنما شفاء العيِّ السؤالُ، إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على جرحه خرقةً، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده))، فقد يقتل المرء نفسَه بجهله؛ لأن الجهل رديف الموت، وقد يدمر المرء عبادته بجهله إذا لم يركن إلى العلم الذي يحفظ عليه دينه، والأمة الجاهلة تضيع مجدها وتُزري بقيمتها بين الأمم، ومهما حقق الناس والأمم والأفراد من مرابحَ دنيوية في جوانب المال والمناصب، والنفوذ والصيت الاجتماعي، مع فقد العلم الذي يكسب الأدب والود الصادق مع أفراد المجتمع، فإن هذا المجد الكذوب يؤذِن على الدوام بوداعٍ، والمسألة تعتمد على الوقت في بيان هذه الحقيقة.

 

والفرد الجاهل تابع على الدوام لتُرَّهات عقله، أو نقص تفكيره، أو هوى نفسه، ما يكاد يستوي قائمًا من بلوى حتى يقع في غيرها؛ لأنه لا يعيش حياته على هدًى ولا بصيرة، وتخيل الشخص الجاهل الذي يمثل جراب المال المنتفخ في منطقه وسكوته، وأفراحه وأتراحه، ورضاه وغضبه، تجده عورةً مجتمعيةً يتمنى الجميع أن يسترها الله.

 

وقد استعاذ نبيُّ الله موسى عليه السلام بربه أن يكون منعوتًا بالجهل: ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة: 67]، ومن صفات أهل الصلاح أنهم لا يختلطون مع الجاهلين؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: 55]، وأهل العلم به يهتدون، وأهل الجهل فاقدون لهذه الهداية؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام: 35].

 

وصدق من قال:

العلم يجلو العمى عن قلب صاحبه
كما يجلي سواد الظلمة القمرُ
فلولا العلم ما سعِدت نفوس
ولا عُرف الحلال ولا الحرامُ
فبالعلم النجاة من المخازي
وبالجهل المذلة والرُّغامُ

 

أيها المسلمون، جميع الخلق يشتركون في نعوت متشابهة في الأصل والخِلقة، ويتبقى فضل العلماء مميزًا لهم بين الناس كأنهم شامة في جبين المجتمع على الدوام؛ يرفع الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قوله:

والناس من جهة التمثيل أكفاء
أبوهم آدم والأم حواءُ
نفس كنفس وأرواح مشاكلة
وأعظُمٌ خُلقت فيهم وأعضاءُ
فإن يكن لهم من أصلهم نسب
يفاخرون به فالطينُ والماءُ
ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم
على الهدى لمن استهدى أدلَّاءُ
وحسب كل امرئ ما كان يُحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
فَفُزْ بعلمٍ تعِشْ حيًّا به أبدًا
الناس موتى وأهل العلم أحياءُ

 

وأهل العلم هم أهل البصائر؛ وقد قال أهل العلم في زمان قارون: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص: 80].

 

وأهل العلم أيضًا هم أهل الخشية من الله؛ قال الله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 28].

 

وهم كذلك أهل الشهادة مع مولاهم والملائكة الكرام؛ قال الله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18].

 

وهم أيضًا أهل الخيرية؛ كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((من يُرِدِ الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسمٌ والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمةً على أمر الله لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله))؛ [صحيح البخاري].

 

وصدق من قال:

تعلَّم فليس المرء يولد عالمًا
وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ
وإن كبير القوم لا علم عنده
صغيرٌ إذا التفَّت عليه الجحافلُ
وإن صغير القوم إن كان عالمًا
كبير إذا ردت إليه المحافلُ

 

أيها المسلمون، وهذه بعض أخبار أهل الهمة في طلب العلم.

قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: "إني كنت وجارٌ لي من الأنصار في بني أُمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، فينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله..."؛ [صحيح البخاري].

 

وكذلك كان أبو الدرداء رضي الله عنه قال أحد أصحابه: كنت جالسًا عند أبي الدرداء في مسجد دمشق، فأتاه رجل فقال: يا أبا الدرداء، أتيتك من المدينة؛ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لحديثٍ بلغني أنك تحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فما جاء بك، تجارة؟ قال: لا، قال: ولا جاء بك غيره؟ قال: لا، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لَتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض، حتى الحيتانُ في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر))؛ [ابن ماجه بسند صحيح].

 

وابن عباس حَبْرُ الأمة يطلب العلم من غيره، ويمشي إليه في ظروف قاسية؛ قال عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين: "لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجلٍ: هلُمَّ فلنتعلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كثير، فقال: العجبُ والله لك يا بن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من ترى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فركبت ذلك وأقبلت على المسألة وتتبُّع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كنت لَآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده قائلًا، فأتوسَّد ردائي على باب داره، تُسفي الرياح على وجهي حتى يخرج إليَّ، فإذا رآني قال: يا بن عمِّ رسول الله، ما لك؟ قلت: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببت أن أسمعه منك فيقول: هلَّا أرسلت إليَّ فآتيك، فأقول: أنا كنت أحقَّ أن آتيك، وكان ذلك الرجل يراني فذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد احتاج الناس إليَّ، فيقول: أنت أعلم مني"؛ [الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رجاله رجال الصحيح].

 

وقال كُميل بن زياد: "أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة، فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبان، فلما أصحر تنفس صعداء، ثم قال لي: يا كُمَيل بن زياد، إن هذه القلوب أوعية، وخيرها أوعاها للعلم، احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة؛ عالم ربانيٌّ، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رَعاعٌ، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، يا كُميل بن زياد، العلم خير من المال؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال ينقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا كميل بن زياد، محبة العلم دين يُدان، تكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله، العلم حاكم والمال محكوم عليه، يا كميل، مات خُزَّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بَقِيَ الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة"؛ [ابن عساكر في تاريخ دمشق].

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أكرمنا بدين بيِّن واضح، وجعلنا في خير أمَّة أُخرجت للناس، وأشهد أن لا إله إلا الله العليم الحكيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، التاركُ أمَّتَه على صراط مستقيم، ليله كنهاره في الوضوح والظهور، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الهداة المهتدين، ومن سار على طريقه إلى يوم يحشرون.

 

أما بعد:

فإن الرجال في تاريخ الإسلام أثناء صفائه ونقائه، في عهد النبوة والخلافة الراشدة، كانوا دعاة هداية للناس كافة، ينشرون الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، يعبدون الله كما يحب الله، ويُحسنون إلى خلق الله، شعارهم إذا جاهدوا، ودعوتهم إذا خالفهم الناس: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، يدعون إلى الخير، دعوتهم لتوحيد الله صافيةٌ، خالصةٌ من العقائد الزائغة، ودعوتهم لعبادة الله نقيةٌ من شوائب البدع والخزعبلات، والآراءِ والأفكار والترهات، إنهم دعاةُ هداية، وأئمة هدًى، لاتباعهم للهَدي والهُدى، وطاعتِهم لربهم سبحانه، ولنبيهم صلى الله عليه وسلم وطاعةِ من بعدهم لهم، واتِّباع خَلَفِهم لمنهج سَلَفِهم، فسادوا العباد، وفتحوا البلاد.

 

هؤلاء من أطاعوا ربهم ولم يعاندوه، وقابلوا شريعة الله بالإقبال لا الإعراض، وسنةَ النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع لا الابتداع، فحُقَّ لهم أن يدخلوا في قوله سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 73].

 

وقد كانوا على رغم علو كعبهم في العلم، يهابون الفتوى، ويودُّ كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعيَّنت عليه، بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسُّنة أو أقوال الصحابة، ثم أفتى بما تبين له؛ لأنهم يعلمون أن الفتوى توقيع عن الله تعالى.

 

قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بَدْر ما منهم من أحدٍ، إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبُه الفتوى".

 

وروى ابن المبارك رحمه الله في (الزهد) أن ابن عمر رضي الله عنهما سُئل عن شيء، ثم قال: "أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جسورًا لكم في جهنم؛ أن تقولوا: أفتانا ابن عمر بهذا".

 

وقال عبدالرحمن بن أبي ليلى رحمه الله: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول"، وفي رواية: "ما منهم من أحدٍ يحدث بحديث إلا ودَّ أخاه كفاه إياه، ولا يستفتي عن شيء إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفُتيا"؛ [رواه ابن سعد في (الطبقات)، والدارمي في سننه].

 

وقال الهيثم بن جميل رحمه الله: "شهدتُ مالك بن أنس سُئل عن ثمانٍ وأربعين مسألةً، فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري".

 

وجاء عن الشعبي والحسن وأبي حصين رحمهم الله أنهم قالوا: "إن أحدكم لَيُفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لجمع لها أهل بَدْر"؛ [البغوي في شرح السنة].

 

وقال عبدالله بن أحمد: "كنت أسمع أبي كثيرًا يسأل عن المسائل فيقول: ﻻ أدري، وذلك إذا كانت مسألة فيها اختلافٌ، وكثيرًا ما كان يقول: سَلْ غيري، فإن قيل له: من نسأل؟ يقول: سَلُوا العلماء ولا يكاد يسمي رجلًا بعينه.

 

وعن سفيان قال: "أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفُتيا، ولا يفتون حتى لا يجدوا بُدًّا من أن يُفتُوا"؛ [أخلاق العلماء، للآجري].

 

وسُئل الشعبي رحمه الله عن مسألة، فقال: لا أدري: فقيل له: ألَا تستحي من قول: "لا أدري" وأنت فقيه العراق؟ فقال: لكن الملائكة لم تستحِ حين قالوا: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [البقرة: 32]"؛ [إعلام الموقعين]، وأخبارهم في ذلك تعزُّ على الحصر، وتستعصي على الجمع؛ من كثرتها وتنوعها.

 

أيها المسلمون، وبعد هذه الأخبار قد يتهاون البعض في أمر الفتوى، فيتصدى لها من غير أن يكون على دراية وعلمٍ، فيكون بذلك قد ضلَّ وأضل.

 

يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: "أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبدالرحمن فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استُفْتِيَ من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، قال ربيعة: ولَبعض من يُفتي ها هنا أحقُّ بالسجن من السُّرَّاق".

 

ولقد خاف عليكم نبيكم صلى الله عليه وسلم صنفًا خطيرًا من الناس، خاف عليكم أن تأخذوا العلم الشرعي عنهم، وأن تسمعوا لهم، وأن تستفتوهم، وأن تحضروا لهم، وأن تجلسوا إليهم، وأن تقتدوا بهم؛ فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوفَ ما أخاف عليكم بعدي كل منافقٌ عليم اللسان))؛ [رواه الطبراني والبزار].

 

وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((أخوف ما أخاف عليكم بعدي من الدَّجَّال؛ أئمةً مُضلين))؛ [السنة، لابن أبي عاصم]، وفي رواية عند أبي داود والترمذي، عن ثوبان قال: قال رسول الله: ((إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)).

 

والأئمة المضلون هم أهل البدع والشعارات، والرايات والانتماءات، والضلالات والفسق والفجور، وتحريف نصوص شريعة الله، والقول على الله بلا حُجَّة، والإفتاء بالتشهِّي والتلفيق، والأخذ بالرخص المخالفة للأدلة الصحيحة، وتتبع الأقوال الشاذة المستندة إلى أدلة مرجوحة أو منسوخة أو ضعيفة، التي لا يخفى على من له أدنى بصيرة المفاسدَ الكثيرة، والآثار السيئة العظيمة من وراء هذه الفتاوى الشاذة.

 

فإن من أكبر الجنايات أن يُطلق المرء القولَ بالتحريم أو التحليل فيما لا علم له به، إلا مجرد الظنون أو الشكوك، وتحكيم العقل والعواطف؛ قال تعالى محذرًا: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل: 116، 117].

 

وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: "عسى رجل أن يقول: إن الله أمر بكذا، أو نهى عن كذا، فيقول الله له: كذبت، أو يقول: إن الله حرَّم كذا أو أحلَّ كذا، فيقول الله له: كذبت".

 

ولقد لَبِس أئمة الضلال لإضلالنا لباسَ العلمِ والعلماء، والفقهِ والفقهاء، والفتوى والإفتاء، والوعظِ والوعاظ، والخُطبِ والخطباء، والدعوةِ والدعاة، ولقد عانتِ البلدانُ والعِبادُ مِن ضلالاتهم، وتسويغِهم للضَّلال والضلالات، وممن جعلوا أنفسهم علماء، وتصدروا للدعوة والإفتاء، طائفة يتخذون شيوخَهم الأشرطةَ والأسطواناتِ الممغنطة، والجرائدَ والمجلات، والشبكاتِ العنكبوتيةِ والفضائيات، فكلُّ ذلك لو حُفِظَ عن ظهرِ قلبٍ لا يؤهِّلُ أحدًا للتصدُّر للفتوى والدعوةِ، دونَ أخذِ العلمِ عن العلماءِ مشافهة.

 

وطائفةٌ يتخذونَ شيوخَهم كتبَهم، وما يرشِّحونه من كتبٍ فكريةٍ أو ثقافية، وأغلبُ ما تعتمد هذه الجماعات على الكتب الفكريةِ والثقافيةِ، أكثر من الكتبِ الشرعية، بل فيهم من يتنكَّرُ لكتبِ السلفِ الصالح، وتزداد مخاطرُ هؤلاء حينما يخوضون في نوازل عامة، وقضايا حاسمة وهامَّة بلا علمٍ صحيح ولا رويَّة، يخبِطون خبطَ عشواءَ، ويأتون بما يضاد الشريعة الغرَّاء، ويستنكره العامة ربما قبل العلماء، ويقولون باسم الإسلام ما الإسلام منه بَرَاء؛ حيث إنهم اتخذوا رؤوسًا جُهَّالًا؛ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا، اتخذ الناس رؤساء جُهَّالًا فسُئلوا، فأفتوا بغير علمٍ، فضلوا وأضلوا))؛ [رواه البخاري ومسلم].

 

وتزداد مخاطر هؤلاء الذين يُضِلُّون الناس بفتاويهم، إذا استنقصوا العلماء الراسخين، ونفَّروا الناس من فتاويهم وكتبهم؛ قال عنهم الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: "وربما ردُّوا فتاويهم وقبحوها في أسماع العامة؛ لينفروا الأمة عن اتباع السنة وأهلها"، فالداعية عندهم - أعني أهل الأهواء والبدع - هو من يخضع لأهوائهم، ويلتزم بآرائهم، ويقول بمقولاتهم، وينشر منشوراتهم وينتصر لها، ولو لم يفقه من الدين شيئًا، ونجد هذا جليًّا في الفِرَقِ الأولى؛ كالخوارج، فإن دُعاتهم ليسوا العلماء الأكابرَ، لا فيهم ولا من غيرهم، بل بضاعتهم في الفقه والعلم قليلة، وعلى غير طرق سليمة، ومن قادتهم ذو الخويصرة التميمي، وعبدالرحمن بن ملجم قاتل عليٍّ، رضي الله عن أمير المؤمنين عليٍّ.

 

وكذلك الرافضة؛ دعاتهم جُهَّالهم، بل أجهل الناس وأقلُّهم أحلامًا، وأولهم عبدالله بن سبأ.

 

وهكذا المعتزلة؛ وهم أتباع واصل بن عطاء الغزَّال، وهو الذي اعتزل مجلس العالم الجليل الحسن البصري في مسألة صاحب الكبيرة فقط، فنُسبت إليه الفرقة.

 

والقدرية وهم الذين يقولون: لا قدر، ويجعلون العبد خالقَ فِعْلِ نفسه، وأول من أحدث هذه البدعة في هذه الأمة معبدُ الجُهني في آخر عصر الصحابة.

 

والجهمية، قائدهم جَهم بن صفوان السمرقندي، الضالُّ الذي أخذ مقالته في التعطيل عن الجعد بن درهم، وأخذها الجعد عن أبان بن سمعان، عن طالوت عن لبيد الساحر اليهودي.

 

والقرامطة الباطنية، وسُمُّوا بالباطنية؛ لزعمهم أن للنصوص ظاهرًا عند العامة، وباطنًا عند الخاصة، وأغلب دعاة هذه الفِرق الذين نشروها في الأقاليم الإسلامية قديمًا من العوام، ومن الجَهَلةِ، أو الذين لهم أهداف وأغراضٌ شخصية أو شعوبية، أو عصبيات ويسيطر عليهم الجهل المُهلك، وكما أن أكثر زعماء ودعاة أهل الأهواء يمتازون بالولاء لفِرقِهم، وبالولاء للمقولات التي هم عليها، فحلَّت بسببهم الحزبيات والعداوات، فتحزب الناس إلى أحزاب وجماعات، وانتشر التكفير، وحصل الإرهاب والتفجير، وعادى الناس أوطانَهم وولاتهم، وقبائلهم ومجتمعاتهم، وبسبب أقوالهم وأفعالهم وتناقضاتهم تجرأ بعض الناس على دين الله، والتشكيك في أصوله وفروعه، وتشويه صورة الإسلام، وتبغيضه إلى الخلق، فيا ويلهم ثم يا ويلهم من خطاياهم وخطايا من يُضلون؛ فقد قال ربهم مُرهِّبًا لهم: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل: 25]، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من دعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثم مثل آثامِ مَن تبِعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا)).

 

ويا ويل متابعهم، ويا خسارة الآخذ عنهم، ويا لهلكة المقتدي بهم، إذ صح ((أن حذيفة رضي الله عنه سأل رسول الله عنهم، فقال: قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرٍّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله، صِفهم لنا، قال: هم من جِلْدتِنا، ويتكلمون بألسنتنا))؛ [متفق عليه].

 

فاتقوا الله أيها المؤمنون، واحذروا من هذه الفتاوى الشاذة، ووقِّروا علماءكم الراسخين في العلم، المشهودَ لهم بالفضل والعلم والدين، وخذوا العلم عنهم، فهذا هو طريق السلامة من هذه الفتن العظيمة.

 

فاللهم أعِذْنا من أئمة البدع المضلين، إنك سميع مجيب، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع، اللهم يا معلم آدم علِّمنا، ويا مُفهِّم سليمان فهِّمنا، ويا مؤتي لقمانَ الحكمةَ آتِنا الحكمة وفصل الخطاب، ربنا زِدنا علمًا، ووفِّقنا لما تحبه وترضاه، وأقم الصلاة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إتحاف النبلاء بفضل الصبر على البلاء (خطبة)
  • فوائد من كتاب "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي
  • تذكير النبلاء بخلق الحياء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • أقوال الحافظ الذهبي النقدية في علوم الحديث من كتابه سير أعلام النبلاء(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مدلول مصطلح الغريب عند الإمام الذهبي: دراسة نقدية تطبيقية من خلال كتابه سير أعلام النبلاء (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • المسائل الفقهية المستخرجة من كتاب سير أعلام النبلاء جمعا وترتيبا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • سير أعلام النبلاء: سيرة الربيع بن خثيم وعبدالرحمن بن أبي ليلى(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • سير أعلام النبلاء: سيرة صديق بن حسن خان (2)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • سير أعلام النبلاء: سيرة صديق بن حسن خان خان (1)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • سير أعلام النبلاء: سيرة أبي وائل شقيق بن سلمة(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • سير أعلام النبلاء: سيرة مسروق بن الأجدع(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • سير أعلام النبلاء: سيرة إبراهيم بن يزيد النخعي(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • سير أعلام النبلاء: سيرة علقمة بن قيس(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب