بيع المجهول والغرر

بيع المجهول والغرر

ورد سؤال: في إطار إحصاء عائلات الموظفين في اقتناء المواشي المستوردة المخصصة لعيد الأضحى، التي يتراوح سعرها بين كذا وكذا، مع ذكر القيمة ظنًّا، ويتم التسجيل عبر رابط أو خلال الإدارة.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:

فيقول ابن القيم رحمه الله تعالى في بيع الغرر: "ما لا يُعلم حصوله، أو لا يُقدر على تسليمه، أو لا تُعرف حقيقته ومقداره"؛ [ينظر: زاد المعاد: 725 /5].

والغرر ضربان اثنان: غرر ممنوع، وغرر جائز؛ فالممنوع الغرر الكثير، وهذا يحرِّم الغرر الكثير في عقود البيع، وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وحُكي الإجماع على ذلك.

لحديث أبي هريرة قال كما في صحيح مسلم: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر)).

بيع أضاحٍ جملةً تحجز باسمك، وتقبلها بناءً على مشاركتك، فأنت ملزم بأخذها، ومفروضة عليك من خلال إدارة عملك كيفما جاءت، ولو على خلاف تصورك وتوقعك، أو مواصفاتها التي وضحت لكم، وهذا ممنوع؛ لأن بيع الغرر غير مأمون العاقبة، والبيوع مبناها على البيان والوضوح.

كما يحرم الغرر في عقود المعاوضات المالية، ولا يحرم في عقود التبرعات.

وأما النوع الثاني: الغرر في التابع غير المعقود عليه أصالةً، وهذا يجوِّز الغرر في البيع إذا كان تبعًا، ولم يكن معقودًا عليه أصالةً.

لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كما في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من باع نخلًا قد أُبِّرت فثمرها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع)).

فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاز لمن باع نخلًا قد أبرت أن يشترط المبتاع ثمرتَها، فيكون قد اشترى ثمرةً قبل بدوِّ صلاحها، لكن تبعًا للأصل، وهو بيع النخل، فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضمنًا وتبعًا ما لا يجوز من غيره؛ [ينظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4 /18)].

وقد نقل الإجماع على بعض صوره: ابن قدامة، والنووي.

كما أنه إذا باع التابع مع الأصل حصلت تبعًا في البيع، فلم يضر احتمال الغرر فيها، كما احتملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع بيع الشاة، والنوى في التمر مع التمر، وأساسات الحيطان في بيع الدار؛ [المغني لابن قدامة 4 /63].

يجوز الغرر اليسير في عقد البيع؛ ومن ذلك البوفيه المفتوح؛ فيجوز الأكل من البوفيه المفتوح نظير مبلغ معين يتم سداده قبل الأكل أو بعده؛ لأنه من الغرر اليسير الذي يُتسامح فيه بين المتعاقدين عادةً، فلا يكون من الغرر المحرم، ومعنى البوفيه - وأصله فَرنسي - هو: خزانة خاصة بأدوات المائدة في غرفة الطعام، ثم أصبح يُطلق على أطعمة موضوعة على المائدة يأخذ منها الآكلون بأنفسهم حسب رغبتهم، نظيرَ مبلغ معين يتم سداده قبل الأكل أو بعده؛ [ينظر: معجم الدخيل، ف. عبدالرحيم (ص: 72)].

ودليل جوازه حديثٌ جاء عن أبي هريرة عند الإمام مسلم قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر)).

ووجه الدلالة قالوا: لأن البيوع لا تنفك عن الغرر اليسير، وكل بيع لا بد فيه من نوع من الغرر، لكنه لما كان يسيرًا غير مقصود، لم يلتفت الشرع إليه، وقد أجمع المسلمون على جواز إجارة العبد والدار، مع جواز الموت وهدم الدار قبل ذلك، وعلى جواز إجارة الدخول في الحمام مع تفاوت الناس فيما يتناولون من الماء، وفي قدر المقام فيه، وكذلك الشرب من السقاء مع اختلاف أحوال الناس في قدر المشروب.

وختامًا، هناك من قسَّم بيع الغرر إلى أقسام ثلاثة بالتفصيل:

• غرر يمتنع معه البيع إجماعًا: كبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء.

• غرر يجوز معه البيع إجماعًا: كأساس الدار المبيعة، وحشو الجبة المغيبة، ونقص الشهور وكمالها في إجارة الدار ونحوها، واختلاف الاستعمال في الماء في دخول الحمام، والشرب من السقاء.

• غرر اختُلف في منعه وجوازه، ومن صوره: أن يعقد البيع على سلعة من غير ذكر ثمن معين، بل يجعل تعيين ثمنها موقوفًا على ما تساوي من القيمة في السوق، أو التي يقولها أهل الخبرة، فإنه لا يصح؛ لأنه بيع مجهول، أو على أن الثمن موقوف على حكم البائع أو المشتري أو أجنبي، أو على رضا من ذُكر، فهذا لا يجوز؛ للجهل بالثمن في الجميع؛ إذ لا يُدرى ما يحكم به المحكم، أو ما يرضى به المشترط رضاه؛ وفي ذلك يقول المصنف: "وكبيع الغرر: كبيعها بقيمتها أو على حكمه، أو حكم غيره أو رضاه".

ومن الغرر المفسد للبيع أيضًا أن يقول الشخص المشتري للسلعة لآخر: وليتك ما اشتريت بما اشتريت، ولم يذكر له نوع السلعة، أو ذكرها له ولم يبين له الثمن، مع الإلزام بالبيع، فإن قال له ذلك، وكان البيع على الخيار صحَّ في الجميع، والسكوت مثل الإلزام؛ [ينظر: البيوع الفاسدة: الفقه من متن مختصر الشيخ خليل بشرح الدرير وحاشية الدسوقي].

والله أعلى وأعلم.