• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{قاتل معه ربيون..}

{قاتل معه ربيون..}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/3/2025 ميلادي - 16/9/1446 هجري

الزيارات: 534

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ ﴾

 

قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 146 - 148].

 

﴿ وَكَأَيِّنْ ﴾ [آل عمران: 146] أصله: أي، دخلت كاف التشبيه عليها، فحدث فيها بعد التركيب معنى التكثير، فصارت بمعنى «كم»، وأثبت التنوين نونًا في الخط على غير قياس.

 

كلام مبتدأ ناعٍ عليهم تقصيرهم وسوء صنيعهم في صدودهم عن سنن الربانيين المجاهدين في سبيل الله مع الرسل الخالين عليهم السلام، أو للاعتبار بحال الماضين الذين قاتلوا من قبل مع الأنبياء، فما ضعفوا عندما أصابهم القرح، فكذلك أنتم ما كان يليق أن تضعُفوا.

 

﴿ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ ﴾ [آل عمران: 146] قال الحسن: ما قُتل نبيٌّ في حرب قط، وقال ابن جبير: ما سمعنا أن نبيًّا قُتل في القتال.

 

ومن أسماء ممن قُتل من الأنبياء: أرمياء قتله بنو إسرائيل، وحزقيال قتلوه أيضًا لأنه وبَّخهم على سوء أعمالهم، وأشعياء قتله منسا بن حزقل ملك إسرائيل لأنه وبخه ووعظه على سوء فعله فنشره بمنشار، وزكريا ويحيى، قتلهما بنو إسرائيل لإيمانهما بالمسيح، وقتل أهل الرَّسِّ من العرب نبيهم حنظلة بن صفوان في مدة عدنان.

 

﴿ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾ [آل عمران: 146] جموع كثيرة، أو علماء أتقياء، أو الذين يعبدون الرب تعالى.

 

والرِّبِّيُّ المتبع لشريعة الرب، منسوب إلى الرب كالرباني، وقيل: هو منسوب إلى الربة وهي الجماعة؛ أي: كثير من الأنبياء قاتل معه لإعلاء كلمة الله وإعزاز دينه الجماعاتُ الكثيرة، أو العلماء الأتقياء، أو العابدون المؤمنون الصادقون الإيمان، الذين يقاتلون ابتغاء ما عند الرب، فهم منسوبون للرب سبحانه وتعالى لخلوصهم له، واتجاه قلوبهم إليه وحده.

 

﴿ فَمَا وَهَنُوا ﴾ [آل عمران: 146] فما فتروا، ولم ينكسر جندهم؛ لأجل ما أصابهم من قتل بعضهم، والمراد به عدم الوهن المتوقَّع من القتال كما في قولك: "وعظته فلم يتعظ، وصِحت به فلم ينزجر"؛ أي: فما فتروا وما انكسرت هِمَّتهم.

 

والمقصود هنا الربيون؛ إذ من المعلوم أن الأنبياء لا يهِنُون، فالقدوة المقصودة هنا هي الاقتداء بأتباع الأنبياء.

 

﴿ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 146] من الجِراح وشهادة بعضهم، وهو علة للمنفيِّ، ويُشعر أيضًا بعلته قوله تعالى: ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 146]، فإن كون ذلك في سبيله عز وجل مما يقوِّي قلوبهم، ويُزيل وهنهم.

 

﴿ وَمَا ضَعُفُوا ﴾ [آل عمران: 146] عن جهاد عدوهم ولا عن دينهم.

 

﴿ وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾ [آل عمران: 146]: وما خضعوا لعدوهم، من السكون؛ لأن الخاضع يسكن لعدوِّه يفعل به ما يريد، والألف إشباع زائد؛ أي: فما سكنوا لعدوهم، بل ثبتوا على دينهم وجهاد عدوهم، وصبروا له.

 

والوَهْنُ اضطراب نفسي، وانزعاج قلبي، فهو يبتدئ في الداخل، وإذا وصل إلى الخارج كان ضعفًا وتخاذلًا، وإذا أنتج الضعف نتائجه، كانت الاستكانة والذلُّ.

 

وقد نفى سبحانه هذه الأوصاف الثلاثةَ مع أن واحدًا يكفي نفيه لنفيها، لأنها متلازمة؛ لبيان قبح ما يقعون فيه لو سلَّطوا وصفًا منها على نفوسهم، فاستمكن فيها.

 

وإذا كان هذا شأن أتباع الأنبياء، وكانت النبوة هديًا وتعليمًا، فلا بِدْعَ أن يكون هذا شأن أهل العلم، وأتباع الحق؛ ألَّا يوهنهم، ولا يُضعفهم، ولا يُخضعهم مقاوِم، ولا أذى حاسد، أو جاهل، وفي البخاري أن خبَّابًا قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بُردةً، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدةً، فقلت: يا رسول الله، ألَا تدعو الله؟ فقعد وهو محمَّر وجهه، فقال: ((لقد كان من قبلكم لَيُمشط بِمِشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويُوضع المنشار على مَفرِقِ رأسه، فيُشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، ولَيتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه)).

 

﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]؛ أي: على مقاساة الشدائد، ومعاناة المكاره في سبيل الله، فينصرهم ويعظم قدرهم.

 

والمراد بالصابرين، إما المعهودون، والإظهار في موضع الإضمار؛ للثناء عليهم بحسن الصبر، والإشعار بعلة الحكم، وإما الجنس، وهم داخلون فيه دخولًا أوَّليًّا، والجملة تذييل لما قبلها.

 

والصبر ليس هو احتمال الشدائد فقط، بل هو ألَّا يتضعضع عند نزولها، وألَّا يضطرب التفكير عند اشتداد الشديدة، وأن تنتفي مطامع النفس إلا ما كان منها إجابة لداعي الحق ونصرته، وأن تخلص القلوب عن شوائب الشهوات فلا تخضع لها ولا تذل، بل تتحكم كل نفس في أهوائها، وألَّا يكون أنينٌ ولا شكوى ولا ضجيج، وهذا هو الذي يسمى «الصبر الجميل»، والصبر على هذا المعنى هو أجَلُّ الصفات الإنسانية وأكملها؛ لأنه ضبط النفس، وكمال العقل، وسيطرة الحكمة، وقوة الجَنان، وهو يتضمن في ثناياه معنى الشكر، فهو عنصر من عناصره، ومظهر من مظاهره، وكان الجزاء أعلى جزاء؛ وهو المحبة من الله، ومحبة الله تعالى تتضمن رضوانه، وتتضمن ثوابه، وهي مرتبة أعلى منهما، ولا ينالها إلا الصابرون.

 

﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ ﴾ [آل عمران: 147] قصر إضافي لرد اعتقاد من قد يتوهم أنهم قالوا أقوالًا تُنبئ عن الجزَع، أو الهلع، أو الشك في النصر، أو الاستسلام للكفار، وفي هذا القَصْرِ تعريض بالذين جزعوا من ضعفاء المسلمين أو المنافقين، فقال قائلهم: لو كلمنا عبدالله بن أُبي يأخذ لنا أمانًا من أبي سفيان.

 

أي: وما ثبت وتحقق لهم من قول إلا أن قالوا؛ كلام مبيِّن لمحاسنهم القولية، معطوف على ما قبله من الجمل المبيِّنة لمحاسنهم الفعلية.

 

وهو ما استنصرت به الأنبياء وأُممهم على قومهم من اعترافهم بتقصيرهم وتوبتهم، واستغفارهم وسؤالهم ربَّهم أن يثبت أقدامهم، وأن ينصرهم على عدوهم.

 

﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾ [آل عمران: 147]، والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء؛ أي: ما كان قولًا لهم عند لقاء العدو، واقتحام مضايق الحرب، وإصابة ما أصابهم من فنون الشدائد والأهوال لشيء من الأشياء، إلا أن قالوا:

﴿ رَبَّنَا ﴾ [آل عمران: 147]؛ يعني يا ربنا، فهو منادی حُذفت منه ياء النداء تخفيفًا وتيُّمنًا بالبداءة باسم الله.

 

ونادَوا الله تعالى عند الدعاء باسم الربوبية؛ لأن الربوبية هي التي فيها التصرف، وإجابة الدعاء من باب الربوبية، فتوسَّلوا باسم الله الذي يناسب ما يطلبون؛ وهو إجابة الدعاء.

 

﴿ اغْفِرْ ﴾ [آل عمران: 147] استر وتجاوز ﴿ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾ [آل عمران: 147]، أصل مادة «الذال والنون والباء» تدور حول معانٍ متعددة؛ منها النصيب؛ كما قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ ﴾ [الذاريات: 59]؛ أي نصيبًا، ومنه سُمِّيَ ذنوب الماء؛ أي: «الدلو»؛ لأنه شيء مقدَّر من الماء، ويُطلق الذنب على الإثم؛ لأنه نصيب العامل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

 

وقدَّم طلب الاستغفار على طلب تثبيت الأقدام والنصرة؛ ليكون طلبهم ذلك إلى الله عن زكاة وطهارة، فيكون طلبهم التثبيتَ بتقديم الاستغفار حريًّا بالإجابة.

 

﴿ وَإِسْرَافَنَا ﴾ [آل عمران: 147]، الإسراف مجاوزة الحد، ومجاوزة الحد هي إما في غلوٍّ وإما في تقصير، أما مجاوزة الحد في الغلو فظاهر، وأما في التقصير فلأن المطلوب من المكلَّف ألَّا يتعدى حدود الله تجاوزًا ولا يقربها أيضًا، فإذا كان الإنسان فاعلًا للمحرم فهو مسرف؛ لأنه تجاوز حدَّ العبودية؛ إذ مقتضى العبودية أن يكون مجتنبًا لما حرم الله، وإذا فرط في الواجب كان مسرفًا أيضًا فيما تقتضيه العبودية؛ لأن مقتضى العبودية أن يكون قائمًا بالواجب، فالإنسان قد يسرف في الواجب وفي المحرم وفي المباح أيضًا، كما لو أسرف في الإنفاق على نفسه وعلى أهله، فإنه داخل في الإسراف.

 

﴿ فِي أَمْرِنَا ﴾ [آل عمران: 147]، المراد بالأمر هنا «الشأن»؛ أي: في شأننا، وهو مفرد مضاف فيعم جميع الأمور.

 

قيل: ﴿ ذُنُوبَنَا ﴾ ﴿ وَإِسْرَافَنَا ﴾ [آل عمران: 147] متقاربان من حيث المعنى، فجاء ذلك على سبيل التأكيد.

 

وقيل: الذنوب ما دون الكبائر من الصغائر، والإسراف الكبائر.

 

وقال أبو عبيدة: الذنوب هي الخطايا، وإسرافنا؛ أي: تفريطنا.

 

والإسراف: الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد؛ وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: ((اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جِدِّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخَّرت، وما أسررتُ وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، وأنت على كل شيء قدير)).

 

فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدَع ما سواه، ولا يقول: أختار كذا؛ فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه، وعلَّمهم كيف يدعون.

 

ولقد وصفهم بعد ذلك بما يدل على الثبات من أقوال اللسان التي تجري عليه عند الاضطراب والجزع؛ أي: إن ما أصابهم لم يخالجهم بسببه تردد في صدق وعد الله، ولا بدر منهم تذمُّر، بل علموا أن ذلك لحكمة يعلمها سبحانه، أو لعله كان جزاء على تقصير منهم في القيام بواجب نصر دينه، أو في الوفاء بأمانة التكليف؛ فلذلك ابتهلوا إليه عند نزول المصيبة بقولهم: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ﴾ [آل عمران: 147]؛ خشيةَ أن يكون ما أصابهم جزاء على ما فرط منهم.

 

وقيل: أضافوا الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين بُرآء من التفريط في جنب الله تعالى؛ هضمًا لهم، واستصغارًا لهِممهم، وإسنادًا لما أصابهم إلى أعمالهم، وقدموا الدعاء بمغفرتها على ما هو الأهم بحسب الحال من الدعاء بقولهم:

﴿ وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ﴾ [آل عمران: 147] عند ملاقاة الأعداء - كما هو سياق الآيات - وعند حلول الشبهات، وعند ورود الشهوات، والإنسان محتاج إلى أن يثبته الله في مواطن القتال؛ إذ لو لم يثبته الله لفرَّ، ومحتاج إلى أن يثبته الله عند الشبهات؛ إذ لو لم يثبته الله لزاغ، ومحتاج إلى أن يثبته الله عند الشهوات؛ إذ لو لم يثبته الله لهلك.

 

دعَوا بتثبيت الأقدام في مواطئ الحرب ولقاء العدو؛ كيلا تزِلَّ، وثبوت القدم في الحرب لا يكون إلا من ثبوت صاحبها في الدين، وكثيرًا ما جاءت هذه اللفظة دائرة في الحرب ومع النصرة؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].

 

﴿ وَانْصُرْنَا ﴾ [آل عمران: 147] لما ذكر ما كانوا عليه من الجلَد والصبر، وعدم الوهن والاستكانة للعدو، وذلك كله من الأفعال النفسانية التي يظهر أثرها على الجوارح؛ ذكر ما كانوا عليه من الإنابة والاستغفار والالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء، وحصر قولهم في ذلك القول، فلم يكن لهم ملجأ ولا مفزع إلا إلى الله تعالى، ولا قول إلا هذا القول.

 

فنفى الله تعالى عنهم كل قول إلا الاستغفار وطلب النصر، فلم تكن منهم صيحات الفزع والاضطراب، ولا صيحات الأخذ من الأسلاب والغنائم، إنما قولهم هو في علاج نفوسهم والطب لأدوائها، وطلب النصر من ربهم على أعداء الحق الكافرين به، وتلك غاية الغايات عندهم.

 

﴿ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147] تقريبًا له إلى حيز القبول، فإن الدعاء المقرون بالخضوع الصادر عن زكاء وطهارة أقربُ إلى الاستجابة، والمعنى: لم يزالوا مواظبين على هذا الدعاء من غير أن يصدر عنهم قول يُوهِم شائبة الجزَع والخَور والتزلزُل في مواقف الحرب ومراصد الدين، وفيه من التعريض بالمنهزمين ما لا يخفى.

 

قال ابن القيم: "لما علِم القوم أن العدو إنما يُدال عليهم بذنوبهم، وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها، وأنها نوعان: تقصير في حق، أو تجاوز لحدٍّ، وأن النصر منوط بالطاعة، قالوا: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ﴾ [آل عمران: 147]، ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى، وإن لم يثبت أقدامهم وينصرهم، لم يقدروا على تثبيت أقدام أنفسهم ونصرها على أعدائهم، فسألوه ما يعلمون أنه بيده دونهم، وأنه إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم، لم يثبُتوا ولم ينتصروا، فوفَّوا المقامين حقَّهما: مقام المقتضى؛ وهو التوحيد، والالتجاء إليه سبحانه، ومقام إزالة المانع من النصرة؛ وهو الذنوب والإسراف"؛ أ.هـ.

 

قال القاضي: "وهذا تأديب من الله تعالى في كيفية الطلب بالأدعية عند النوائب والمحن، سواء كان في الجهاد أو غيره".

 

﴿ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 148] بسبب دعائهم ذلك ﴿ ثَوَابَ الدُّنْيَا ﴾ [آل عمران: 148] من النصر والغنيمة، وقهر العدو، والثناء الجميل، وانشراح الصدر بنور الإيمان، وكفَّارة السيئات.

 

قال الزمخشري: "ثواب الدنيا من النصرة والغنيمة، والعز وطِيب الذكر".

 

وقال النقاش: "ليس إلا الظفَر والغلبة؛ لأن الغنيمة لم تحل إلا لهذه الأمة".

 

وهذا صحيح ثبت في الحديث الصحيح: ((وأُحِلَّت لي الغنائم ولم تُحلَّ لأحد قبلي))؛ [مسلم].

 

﴿ وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ﴾ [آل عمران: 148]، لما تقدم في دعائهم ما يتضمن الإجابة فيه الثوابين؛ وهو قولهم: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ﴾ [آل عمران: 147]، فهذا يتضمن ثواب الآخرة، ﴿ وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147] يتضمن ثواب الدنيا، أخبر تعالى أنه منحهم الثوابين.

 

وهناك بدؤوا في الطلب بالأهم عندهم، وهو ما ينشأ عنه ثواب الآخرة، وهنا أخبر بما أعطاهم مقدَّمًا.

 

ذكر ثواب الدنيا ليكون ذلك إشعارًا لهم بقبول دعائهم وإجابتهم إلى طلبهم، ولأن ذلك في الزمان متقدم على ثواب الآخرة.

 

﴿ وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ﴾ [آل عمران: 148]: الجنة بلا خلاف؛ قاله ابن عطية.

 

وقيل: الأجر والمغفرة.

 

وخص ثواب الآخرة بالحسن للإيذان بفضله ومزِيَّته، وأنه المعتد به عنده تعالى، بخلاف الدنيا؛ لقلتها وامتزاجها بالمضار، وكونها منقطعة زائلة: ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [الأنفال: 67]، وترغيبًا في طلب ما يحصِّله من العمل الصالح ومناسبة لآخر الآية.

 

وقيل: ووصف ثواب الآخرة بالحسن؛ لأنه الثواب الذي لا يُعكره مُعكر، ولا تكليف فيه، ولا مشقة تُحتمل في سبيله، فهو حسن بإطلاق، وأما ثواب الدنيا فحُسنُه إضافيٌّ؛ إذ فيه تكليفات ومشقات، إذ الدنيا قد اختلط حُلوها بمرِّها، وسراؤها بضرائها، وشقاؤها براحتها، ولذلك كان ثوابها غير حسن إلا حسنًا إضافيًّا نسبيًّا، أما ثواب الآخرة فحسنٌ باستمرار وإطلاق.

 

قال عليٌّ رضي الله عنه: "من عمِل لدنياه أضرَّ بآخرته، ومن عمل لآخرته أضر بدنياه، وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام".

 

• وفيه أن رحمة الله تعالى سبقت غضبه؛ فهو يُثيب الطائع بثوابين؛ ثوابٍ في الدنيا وثواب في الآخرة، بخلاف العقوبة فإن الله تعالى لا يجمع بين عقوبتين، فإذا شرع عقوبة في الدنيا على ذنب، فإنه لا يُعاقِب به في الآخرة؛ لأن «الحدود كفَّارة لأهلها»، والحدود هي العقوبات كحدِّ الزنا والسرقة إنها كفَّارة لأصحابها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: ((عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة))؛ [الترمذي: صحيح]، بل إن الله تعالى قال: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، فلن يجمع الله للإنسان عقوبتين على معصية؛ عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة، لكن يجمع بين ثوابين في الطاعة؛ ثواب في الدنيا، وثواب في الآخرة؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه.

 

فإن قال قائل: في بعض الآيات رتَّب الله عز وجل على بعض الأعمال - مثل من حارب الله عز وجل أو سعى في الأرض فسادًا - عذابين في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].

 

فالجواب: صحيح أن هذا الخزي ينالهم في الدنيا، ولكن لعل هذا لعظم أفعالهم صار لهم الحد في الدنيا، والعذاب في الآخرة؛ وإلا فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما: ((ومن أصاب من ذلك شيئًا، فعُوقب في الدنيا، فهو كفَّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه))، ولقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وأن الله لا يجمع للإنسان عقوبتين على المعصية، وقد يُقال: لشدة جُرمهم وذنبهم يجمع لهم بين هذا وهذا.

 

﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ ﴾ [آل عمران: 148] كل ﴿ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 148] في عبادة الله، والمحسنين إلى عباد الله.

 

تذييل مقرِّر لمضمون ما قبله، فإن محبة الله تعالى للعبد عبارة عن رضاه عنه وإرادة الخير به، فهي مبدأ لكل سعادة.

 

واللام إما للعهد، وإنما وضع المظهر موضع ضمير المعهودين؛ للإشعار بأن ما حُكِيَ عنهم من الأفعال والأقوال من باب الإحسان، وإما للجنس وهم داخلون فيه دخولًا أوليًّا، وهذا أنسب بمقام ترغيب المؤمنين في تحصيل ما حُكي عنهم من المناقب الجليلة.

 

والله تعالى وصف المؤمنين بثلاث صفات، وكل واحدة منها قد استحقت جزاء، فالوصف الأول أنهم شاكرون؛ فقال: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145]؛ لأن الشكر أول أبواب الطاعة، والرغبة في الفداء؛ إذ هو الإحساس بحق الْمُنْعِم فيما أنعم به.

 

والوصف الثاني: الصبر؛ لأن الإيمان الذي هو أول ثمرات الشكر يقتضي ضبط النفس عن أهوائها، ومنع الاضطراب في الصدمات، والرضا بكل شديدة من غير أنين، والصابرون يحبهم الله عز وجل.

 

والوصف الثالث: الإحسان، وهو نتيجة للصبر؛ وهو أن تكون النفس كلها لله، تراقبه في كل عمل تعمله، وكل قول تقوله، وكأنها ترى الله؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))؛ [البخاري ومسلم]، وبذلك يكون ممن يحبهم الله.

 

قال الرازي: فيه دقيقة لطيفة؛ وهي أن هؤلاء لما اعترفوا بكونهم مسيئين؛ حيث قالوا: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا... ﴾ [آل عمران: 147]؛ الآية، سمَّاهم الله محسنين، كأن الله تعالى يقول لهم: إذا اعترفت بإساءتك وعجزك، فأنا أصفك بالإحسان، وأجعلك حبيبًا لنفسي، حتى تعلم أنه لا سبيل للعبد إلى الوصول إلى حضرة الله إلا بإظهار الذِّلَّة والمسكنة والعجز.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • {ويعلمه الكتاب والحكمة}
  • {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم}
  • { لا تتخذوا بطانة من دونكم }
  • {والذين إذا فعلوا فاحشة}
  • {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم}
  • {ولا تهنوا ولا تحزنوا}

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قول الله تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • حكم القتال في الحرم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة البقرة (10)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب