• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

معسكر شعبان "تهيئة السلوكيات"

معسكر شعبان تهيئة السلوكيات
سمر سمير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/3/2025 ميلادي - 13/9/1446 هجري

الزيارات: 224

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثالثًا: تهيئة السلوكيات

 

تحدثنا في المقالات السابقة عن تهيئة الأفكار والمشاعر، وبقي لنا تهيئة السلوكيات والجوارح، فكيف يكون ذلك؟ هيَّا بنا لنرى معًا؟

 

أولًا: المجاهدة والنَّصَب:

عندما رجع النبي عليه الصلاة والسلام من أحد الغزوات قال: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"،

 

والجهاد الأكبر هو جهاد النفس التي تأمرك بالكسل والتراخي والذنوب والمعاصي.

 

وفي أشهر الخير هذه لا بد أن نجاهد أنفسنا التي طغت علينا، ونلزمها بالسير في الطريق، وإن وجدنا الصعاب والمشاق فهذه طبيعة الطريق التي لا بد أن نوطن أنفسنا عليها.

 

الصيام يحتاج إلى صبر وجهاد، الصلاة والقيام يحتاجان إلى عزيمة ومثابرة، غض البصر ومسك اللسان عن شهوة الغيبة، تربية الأبناء، طاعة الوالدين والزوج، معاملة الناس، معظم العبادات تحتاج إلى جهد بدني أو مجاهدة النفس عليها، فلا بد أن نوطن أنفسنا على التعب والنَّصَب والمجاهدة، لا بد أن نقاوم شهواتنا حتى نحصل على الجائزة الكبرى في رمضان، أنسينا أن الجنة حُفَّت بالمكاره؟ أنسينا قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142]؟ لن تدخل الجنة حتى يختبر الله جهادك وصبرك على مرضاته.

 

أنسينا قول الإمام أحمد لما سئل: متى الراحة؟ فقال: مع أول قدم تضعها في الجنة؟

 

لا بد إذا كنت تريد أن تُولَد من جديد في رمضان أن تعرف أن هناك آلامًا لتلك الولادة لا بد من تحمُّلها.

 

إذا كان من يريد أن يصل إلى خط النهاية في أي لعبة رياضية لا بد له من دفع ثمن النجاح من ساعات نومه وراحته وبذلها في ساعات تدريب طويلة يومية، ولا بد له من ترك الكثير من المتع والملذات التي يتمتع بها غيره، ولا بد له أن يبذل قصارى جهده في التدريب المستمر.

 

إذا سألنا أي ناجح في أي مجالات الحياة، سيحكي لنا عن مقدار التعب والمشاق والصعوبات التي تجاوزها حتى يصل إلى النجاح الباهر الذي نراه، لم يقل أحدهم: إن الطريق للنجاح سهل ووردي ومليء بالداعمين والمشجعين؛ فما بال المتسابقين إلى جنان الرحمن لا يدركون تلك الحقيقة!

 

يقول ابن القيم: "هيهات ما وصل القوم إلى المنزل إلا بعد مواصلة السرى، ولا عبروا إلى مقر الراحة إلا على جسر التعب"، وقال: "إنه قد استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب، ولا يُدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر وتحمُّل المشاق"، وقال أيضًا: "الكمالات كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب".

 

قال إبراهيم الحربي: "أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم"؛ فنعيم الجنة لا ينال بالجري وراء نعيم الدنيا، بل إذا أردنا نعيم الآخرة لا بد من التضحية بنعيم الدنيا، ومن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، ومن يشرب الخمر في الدنيا لا يشربها في الجنة.

 

وكما قال الشاعر:

وإذا كانت النفوس كبارًا
تعبت في مرادها الأجسامُ

وقال آخر:

لولا المشقَّة لساد الناسُ كلهم
الجودُ يفقر والإقدامُ قتَّال

بشريات المجاهدة:

ولكني أبشرك أن الله سيجازيك على هذه المجاهدة والصبر فوق ما تتخيل، ولمَ لا وقد قال سبحانه في سورة المؤمنون: ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 111]؟ اقرأها مرة أخرى ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾، أتحبُّ أن تكون مع هؤلاء الفائزين حقًّا؟ لا بد من المجاهدة والصبر ﴿ بِمَا صَبَرُوا ﴾ صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على الأقدار المؤلمة.

 

مجاهدتك وصبرك على ترك المعصية التي تتوق إليها نفسك، صبرك على مشقة وعناء القيام والسهر، صبرك على آلام الجوع والعطش في اليوم الحار، كل ذلك لن يضيع عند الله؛ بل سيجازيك به وتكون من الفائزين إن شاء الله.

 

تذكر قصة الثلاثة الذين أغلقت عليهم الصخرة، أحدهم توسل بتركه الفاحشة مع أحب النساء إليه عندما قالت له: "اتق الله"، وتركه هذا كان لله خالصًا لوجهه خوفًا من عقابه، فقال: "اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه"، ففرج الله عنهم شيئًا من الصخرة، انظر كيف نجَّاه صبره عن هذه الفاحشة في الدنيا من الكرب الذي وقع فيه، وإن شاء الله سيجازيه الله به يوم القيامة، فمن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه.

 

وأبشرك أن أجرك على قدر نَصَبِك وتعبك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "إن لك من الأجر على قدر نَصَبك ونفقتك"؛ رواه الحاكم، وصححه الألباني.

 

قال تعالى: ﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]، هل تعرفون سبب نزول هذه الآية؟

 

عن أبي سعيد الخُدري: "كانَت بنو سلَمةَ في ناحيةِ المدينةِ، فأرادوا النُّقلةَ إلى قُربِ المسجدِ، فنزلت هذِهِ الآية: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾ [يس: 12]، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: "إنَّ آثارَكُم تُكْتبُ فلا تنتَقِلوا"؛ صحيح.

 

تخيل إن مجرد خطواتك التي تمشيها للمسجد وآثار أقدامك في أي عمل صالح- ولو أتعبك وأصابك بالمشقة- تكتب لك في كتابك، وإن نسيتها فما كان ربك نسيًّا.

 

كل قطرة عرق، وكل ألم، وكل نَصَب، إن كان للخير يكتب لك، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

 

فلماذا لا نستزيد؟

 

قال قتادة: لو كان الله تعالى مُغْفِلًا شيئًا من شأنك يا بن آدم، لأغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله، حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله أو من معصيته، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله، فليفعل.

 

وأبشرك أنك كلما جاهدت في طريق القرب من الله، قربك الله، إن تقربت شبرًا تقرب منك ذراعًا، وكلما زدت زاد الله منك قربًا، وكلما جاهدت هداك ويسَّر لك سبيلك، فهو سبحانه القائل: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].

 

فهدايتك في الطريق موقوفة على بَذْلِك الجهد والمجاهدة والصبر والمثابرة في طريق الوصول لله.

 

وأبشرك أيضًا بأنه لو كانت العبادة تشق على البدن لكنها راحة عجيبة للروح والنفس لو صبرنا عليها وتذوقنا حلاوتها في قلوبنا.

 

حلاوة قال عنها إبراهيم بن أدهم: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف". وقال ابن تيمية: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"؛ وذلك لأننا خلقنا من بدن وروح، فالبدن خلق من الأرض وغذاؤه من الأرض، والروح خلقت من ملكوت السماء وغذاؤها في العبادة والطاعة، فكلما اشتغل الإنسان بغذاء البدن والجسد من الأكل والشراب والنوم، عظم بدنه وتقلصت روحه وهبطت إلى الأرض وثقلت، والعكس كلما خف الجسد، صعدت الروح إلى غذائها الرباني؛ فتشعر وقتها بالراحة والسكينة والطمأنينة رغم مشقة البدن.

 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "خلق بدن ابن آدم من الأرض، وروحه من ملكوت السماء، وقرن بينهما، فإذا أجاع بدنه وأفقره وأقامه في الخدمة وجدت روحه خفة وراحة؛ فتاقت إلى الموضع الذي خلقت منه، واشتاقت إلى عالمها العلوي، وإذا أشبعه ونعمه ونومه واشتغل بخدمة البدن وراحته؛ أخلد البدن إلى الموضع الذي خلق منه، فانجذبت الروح معه فصارت في السجن، فلولا أنها ألفت السجن وتعودت عليه لاستغاثت من ألم مفارقتها وانقطاعها عن عالمها العلوي الذي خلقت منه كما يستغيث المعذب، وبالجملة فكلما خف البدن لطفت الروح وخفت وطلبت عالمها العلوي".

 

وهذا يحسه الإنسان في الصيام والاشتغال بالذكر؛ فإنك إذا اشتغلت بذلك تجد خفة البدن وكأنك تشعر أحيانًا أنك لو سقطت من مكان عالٍ تكون كالريشة من خفة شعورك بالخفة في بدنك.

 

يقول: "وكلما ثقل وأخلد إلى الشهوات والراحة ثقلت الروح وهبطت من عالمها وصارت أرضية سفلية"؛ الفوائد.

 

ولذلك فالصائم يفرح بصومه عند إفطاره، ويفرح بصومه عند لقاء ربه، فيجازيه على صومه وصبره وامتناعه عن الطعام والشراب والشهوة لله؛ كما في الحديث أن الله قال عن الصائم: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"، وهذا الترك إن كان شاقًّا على النفس ومكروهًا لها فإنه يفرح به بين يدي الله تعالى.

 

هل أديت يومًا عملًا متعبًا مرهقًا لأحد تحبه، ثم وجدته يقول لك: "لقد أتعبتك كثيرًا" فرددت عليه قائلًا: "تعبك راحة"، لماذا التعب لأجل من تحب راحة؟ لأنك تستلذُّ بالتعب إذا كان في مرضاته.

 

ولله المثل الأعلى، ألا تحب ربك خالقك المنعم عليك بنعمه الظاهرة والباطنة، ألا تحب اللطيف بك المدبر لأمرك، الذي يعفو عنك ويغفر لك زلَّاتك؟ فلماذا لا تتعب قليلًا في مرضاته ومحابِّه؟

 

تذكر دائمًا أنك لا تتعب لأي أحد بل تعبد من ليس له سميًّا، فاعبده واصبر لعبادته، ﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]، فمتى نرفع شعار مضى عهد النوم؟! متى نقول: لن أبرح حتى أبلغ؟

 

ألا فلنترك ركن الراحة ونهيئ أنفسنا لتحمل المشاق، ونشمر عن سواعد الجد، ونترك الدعة والكسل، ونستعد للعرق والتعب اللذيذ على جسر التعب؛ لنصل إن شاء الله إلى بر الأمان فائزين برضا الله.

 

ثانيًا الديمومة:

لو سألتك: أيهما أحب إلى الله والرسول أن تقرأ خمس أجزاء كل يوم ثم تنقطع، أم أن تقرأ صفحة واحدة وتستمر عليها؟

 

لا شك أن القليل المستمر خيرٌ من الكثير المنقطع، وهذا أحب لله ولرسوله؛ فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ فقال: "أدومُها وإنْ قَلَّ"؛ صحيح البخاري، وصحيح مسلم.

 

ورويت أيضًا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبته"؛ رواه مسلم في صحيحه.

 

وروي عنها كذلك: "كان عمله صلى الله عليه وسلم دِيمَةً"؛ رواه البخاري ومسلم.

 

والديمة؛ أي: المطر الخفيف المستمر.

 

وكان من دعاء النبي: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر".

 

ومن هذه الأحاديث يتبين لنا أن الاستمرارية على الأعمال الصالحة أهم من الكم، فالأولية للديمومة والاستمرار؛ لأن الاستمرار يجعل الكم يتراكم بالوقت بعكس الحماس ثم الانقطاع، وذلك من فقه التعامل مع النفس، فإن النفس ملولة فإذا عوَّدناها على الثبات والاستمرار ثبتت، وإن قللنا الكم مؤقتًا حتى نحقق الاستمرارية فإننا بالوقت يمكننا زيادة الكم تدريجيًّا.

 

أي إن الهدف أن تكون العبادة عادة وروتينًا نستمر عليه يوميًّا، وحتى نستطيع أن نثبت في البداية لا بد أن يكون الكم صغيرًا بل صغيرًا جدًّا جدًّا "يسميه بعض علماء العادات بالعادات الذرية"؛ أي: عادة صغيرة جدًّا كالذرة، فلا تكسل النفس عند أدائها.

 

لذلك ابدأ من الآن تثبيت ورد صغير من كل عبادة واستمر عليه حتى يدخل رمضان فتكون العادة تكونت عندك، فلا يصعب عليك الزيادة عليها في رمضان، كأنك تبذر بذورًا صغيرة من العبادات وتستمر في سقيها وتعاهدها حتى ترى ثمرتها بعد ذلك إن شاء الله.

 

وهذا ينقلنا للنقطة التالية؛ وهي ألَّا تستصغر أي عمل.

 

ثالثًا: لا تحتقر عملًا ولو صغيرًا:

من رحمة الله بنا أنه يحاسبنا على العمل ولو مثل النملة الصغيرة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

 

ومن عدله أنه يجازينا على الحسنة الصغيرة، فلا يظلمنا سبحانه مقدار ذرة؛ بل يضاعفها لنا من رحمته وفضله ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40].

 

فهو سبحانه شكور يجازي بالعمل القليل الجزاء الكبير العظيم، فلا تحتقر الصدقة القليلة ولو مقدار نصف تمرة فإن الله يتقبلها بيمينه ويربيها وينميها لصاحبها حتى تكون كالجبل العظيم؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل"؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبدالله الأنصاري، حدثنا كثير بن زيد، عن المطلب بن عبدالله، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة، استتري من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان"؛ تفرد به أحمد.

 

لذلك ورد عن السيدة عائشة أنها كانت تتصدق بالعنبة، فلما سألت عن ذلك فقالت: كم فيها من مثقال الذر.

 

وفي صحيح البخاري، عن عدي مرفوعًا: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة".

 

وفي الصحيح أيضًا: "يا نساء المؤمنات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة".

 

يعني: ظلفها؛ أي: العظم الذي أسفل قدم الشاة، فلا تحتقر الجارة أن تعطيه لجارته لصغره أو مرقه؛ كما في حديث "يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك".

 

وفي الحديث الآخر: "ردوا السائل ولو بظلف محرق".

 

ولا تحتقر الكلمة الطيبة التي تقولها للإصلاح بين متخاصمين ولا تلقي لها بالًا، ولا تظن أنها ستؤثر فيرفعك الله بها درجات، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم"؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

ولا تحتقر من المعروف أي شيء حتى الابتسامة التي تقابل بها أخيك أو ابنك أو أحد معارفك، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق"؛ (رواه مسلم).

 

وفي الصحيح: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط".

 

ولا تحتقر أن تُعلِّم ولدًا صغيرًا سورة صغيرة من القرآن أو تحفظه حديثًا؛ فترتقي به في الجنة، فلأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمْر النَّعَم.

 

وقد دخلت امرأة النار في هرة حبستها، وغفر الله للبغي التي سقت الكلب.

 

وذلك لأن الأعمال عند الله بالنية وليست بالظاهر منها، فالله ينظر إلى قلوبنا، فقد يسبق الدرهم مائة ألف درهم كما في حديث "سبقَ دِرهمٌ مائةَ ألفِ درهمٍ، قالوا وَكَيفَ؟ قالَ: كانَ لرجلٍ درهمانِ تصدَّقَ بأحدِهِما وانطلقَ رجلٌ إلى عرضِ مالِهِ، فأخذَ منهُ مائةَ ألفِ درهمٍ فتصدَّقَ بِها".

 

فالرجل الفقير الذي لا يملك إلا درهمين تصدق بنصف ماله عن طيب خاطر وإخلاص نية؛ فشكر الله له ذلك، وجعل هذا الدرهم خيرًا من مائة ألف تصَدَّق بها غني آخر.

 

كما قال عبدالله بن المبارك - رحمه الله تعالى -: "رُبَّ عمل صغير تعظِّمه النية، ورُبَّ عمل كبير تصغِّره النية"؛

 

إذن نسارع في الأعمال الصالحة قدر وسعنا وقدرنا وبما نطيق ولو قليلًا، فلا نعرف أي عمل سيكون سببًا في نجاتنا من النار ودخولنا الجنة.

 

رابعًا: التدرج:

لو لاحظتم أسلوب الطائرة في الإقلاع، ماذا نسميه؟ وماذا لو لم تفعل ذلك بل انطلقت بأقصى سرعتها مرة واحدة؟

 

التدرج، لا بد أن تتدرج الطائرة في السرعة شيئًا فشيئًا حتى تصعد إلى الارتفاع الذي يمكنها من الانطلاق بأقصى سرعتها.

 

من فقه الإنسان بنفسه أن يعرف أن النفس البشرية تحتاج إلى التدرُّج في الأشياء غير المعتادة عليها؛ لئلا تملها وتتركها سريعًا.

 

فلا ينطلق في العبادة مثلًا بنشاط البدايات وحماس البدء ثم يكسل ويفتر بعد فترة قليلة، بل يداري نفسه ويسايسها كما يعامل الطفل العنيد الذي يريد أن يروضه حتى لا تنفر نفسه ويترك العمل بالكلية، فيتدرج من القليل في العبادة ثم يزيد شيئًا فشيئًا حتى يصل للمستوى الذي يريده، فلا يعقل أن من لم يرفع أثقالًا قبل ذلك وأراد أن يبدأ، فيبدأ بحمل مائة كيلو مرة واحدة، لا بد أنه سيهلك نفسه بذلك؛ بل لا بد أن يحمل خمسة كيلوات مثلًا كبداية ثم إذا وجد عضلاته تطيق أكثر من ذلك يزيد حتى يصل إلى ما يريد.

 

فإذا لم يكن لك ورد من القرآن طول العام فلا تقل: سأختم القرآن كل أسبوع مثلًا؛ لأن النتيجة أنك ستحبط وتتوقف وتشعر بجلد الذات، والخطأ أنك وضعت خطة مثالية وغير واقعية وغير مناسبة لعضلاتك الإيمانية.

 

كما قال نبينا: "خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ"؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

وقد روى أحمد في "المسند": "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق"؛ حسنه الألباني.

 

وقد شرح الحديث المناوي فقال: "إن هذا الدين متين"؛ أي: صلب شديد، فأوغلوا: أي سيروا فيه برفق، ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه، فتعجزوا وتتركوا العمل.

 

وقال الغزالي: "أراد بذلك ألَّا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئًا فشيئًا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبًا عنده ممقوتًا، وما كان مكروهًا عنده مشربًا هنيئًا لا ينفر عنه"

 

فلا يعقل لمن كان تاركًا للنوافل بالكلية طول العام، أن يحمل نفسه ويلزمها بجميع النوافل والصلوات من أول يوم في رمضان؛ بل يتدرج من قبل رمضان بالثبات على نافلة واحدة لفترة، ثم يزيد بعد فترة نافلة أخرى، وهكذا حتى لا تنفر نفسه وتستثقل العبادة وتتركها بالكلية.

 

وكذلك في المشتتات والملهيات يتدرج في تركها شيئًا فشيئًا حتى يدعها بالكلية أما المحرَّمات فلا تدرج فيها بل يتركها مباشرة ويلزم نفسه بذلك ويسدده الله ويثبته بحول منه وقوة.

 

خامسًا: التجديد:

من أهم عوامل التهيئة التجديد؛ وذلك لأن النفس تمل وتحب كل شيء جديد يحفزها على الاستكشاف وعيش تجربة جديدة وكسر الروتين.

 

ومن أمثلة ذلك: أذكار جديدة لم نقُلْها من قبل، نجهِّزها في دفترنا، ونفهم معناها، ونحرص عليها في رمضان، دعاء جديد من أدعية القرآن والسنة لسنا معتادين عليه، ويمكنك كتابة قائمة بثلاثين دعاء حتى لا تنساها، دعاء لأشخاص لم تدعُ لهم من قبل كمعلميك في الروضة، ختمة قرآن جديدة كختمة سماع مثلًا أو تتبع آيات الشكر أو الصبر أو اليقين أو خلق معين أو قصة معينة أو حقارة الدنيا أو ذكر الآخرة أو أي موضوع في القرآن، عبادة جديدة لم نفعلها من قبل دون أن نبتدع عبادة من أنفسنا، صدقة لم تفعلها من قبل من حيث الكم أو الكيف، الإفطار على تمرات وتأخير الطعام إلا بعض التراويح في بعض الأيام، نصلي في مسجد جديد لم نذهب إليه من قبل، نشتري ملابس صلاة ودفترًا رمضانيًّا وخاتم تسبيح جديدًا أو سجادة صلاة ونعطرها بعطر جديد، نصنع ركنًا للصلاة والعبادة في أحد أركان البيت، تعليق زينة رمضان وتغيير ترتيب أثاث البيت قبل رمضان، صنع زينة رمضان بنفسك، اعتكف هذا العام إذا لم يسبق لك الاعتكاف الكلي، تحديات جديدة ومسابقات أو وقت لتدارس آية يوميًّا مع العائلة أو الأصدقاء.

 

بقي لنا عنصر واحد من عناصر التهيئة وهو بناء العادات، نستكمله في المقال القادم بإذن الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • معسكر شعبان الإيماني
  • تهيئة المشاعر "معسكر شعبان"
  • التهيئة لاستقبال رمضان "معسكر شعبان"
  • معسكر شعبان "إزالة العوائق"

مختارات من الشبكة

  • دراسة تطبيق نموذج أهل الصفة في معسكرات اللاجئين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: معسكر صيفي لأطفال المسلمين بموسكو(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المعسكر الصيفي للأطفال المسلمين في بليموث(مقالة - المسلمون في العالم)
  • معسكر القرآن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • روسيا: معسكر بمنطقة ساراتوف لأطفال المسلمين في روسيا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إيطاليا: مشروع بناء مسجد بمعسكر استقبال المهاجرين في صقلية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: معسكر تعليمي ترفيهي لأطفال المسلمين في قازان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ميانمار: قوات الأمن تحول مسجدًا في أراكان إلى معسكر أمني(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الأقليات المسلمة في المعسكر الشيوعي الصيني(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • الفلبين: الجيش ينتهك حرمة المساجد بإقامة معسكرات فيها(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب