• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الاستدلال على حتمية البعث من بعض الظواهر الكونية في قوله تعالى: (ألم تر)

الاستدلال على حتمية البعث من بعض الظواهر الكونية في قوله تعالى: (ألم تر)
د. أحمد مصطفى نصير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/2/2025 ميلادي - 26/8/1446 هجري

الزيارات: 761

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاستدلال على حتمية البعث من بعض الظواهر الكونية

في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ... ﴾ [الفرقان: 45]

 

قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا * وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 45 - 54].

 

حث هذا المقطع من سورة الفرقان على التأمل بقوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ [الفرقان: 45] في عدة ظواهر كونية؛ هي: امتداد الظل وتقلصه بحسب دوران الأرض حول الشمس، وزاوية سقوط أشعتها على الأرض، وظاهرة الليل وما فيه من سكون، وظاهرة النوم حيث ينقطع النائم عن الحياة الدنيا، وعن ملكه وكل ما يشغله، وظاهرة النهار وانتشار ضوء الشمس في ربوع الأرض، وظاهرة إرسال الريح وتحريكها للسحاب، وظاهرة نزول ماء المطر طاهرًا مطهَّرًا ليكون سببًا للحياة على الأرض، وإحياء الأرض الموات، وإنعاش الكائنات الحية والناس، وظاهرة تصريف ماء المطر وتوزيع الأرزاق على الناس، وظاهرة الحجز بين ماء البحر المالح وماء البحر العذب ببرزخٍ فلا يبغيان، وظاهرة اختلاط الأنساب بالزواج، فيُنسَل نسلٌ بماء الرجل والمرأة، واختتم بقوله: ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54].

 

أي: بعد أن ساق الله الأمثلة من مصارع الغابرين، ساق - كذلك - أمثلة من الكون، وما يحيط بالإنسان من ظواهر فيزيائية تدل على صنع اللطيف الخبير، بهذه الدلالة يعرفون ربهم وكتابهم، ونبيَّهم وحظهم من الإسلام إن شاؤوا.

 

فكما أن الظل يمتد ويتقلص بدلالة دوران الأرض حول الشمس، فكذلك لا بد للفكر أن يُعمَل؛ ليستدل على أن القرآن الذي أُنزل وارتبط بحياة الناس، كالشمس بالنسبة للمسلم، يرتبط به كالارتباط بظله.

 

وكما أن الناس ينامون ثم يستيقظون، ثم ينامون ثم يستيقظون، فليتهم يستدلون من ذلك على حتمية البعث والنشور، مثلما أنهم لا ينكرون قدرة الله الذي يُميتهم موتة صغرى، ثم يحييهم كل يوم من جديد، فكذلك البعث هو حياة من جديد بعد موتٍ أشبه بالسُّبات في الحياة البرزخية.

 

كذلك حين يتأملون حركة الرياح والسحاب ونزول المطر، فلعلهم يستبشرون بالقرآن لينالوا حظهم منه، كما أنهم يتربصون حظهم من المطر.

 

ثم عاد الحديث عن الذين كفروا بنِعم الله وآياته، على رغم أن الله أكْثَرَ لهم الآيات والنُّذر، لكن لم تغنِ عنهم كثرتها؛ ولذلك أوصت الآيات النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يستمر في دعوته، ويجاهد الكفار بالكلمة وبالسيف إن اضطُر لذلك، وسوف يُضطر حتى يجاهدهم جهادًا كبيرًا.

 

ثم عادت الآيات مرة أخرى للحديث عن بعض الظواهر الفيزيائية التي تدل على تدبير الله للعوالم، فلا يختلط أحدها بالآخر، في إشارة إلى أن الله سبحانه يحفظ معسكر المسلمين من أن يبغيَ عليهم الكفار، وأنه سبحانه قادر بقدرته وحده أن يؤلِّف بين المعسكرين في إطار من السَّلم عند تطبيق أحكام الإسلام، بجهد دعاة الخير، فيحدث بينهما النسب والمصاهرة، وهنا تتحقق إرادة الله الشرعية، مثلما أن الكون مُسيَّر وَفق إرادته الكونية.

 

قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ... ﴾ إلى قوله: ﴿... ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾ [الفرقان: 45، 46]؛ أي: بسط الظل ومدَّه وجعله متحركًا تبعًا لحركة الشمس؛ قال العلماء: "وهذا إيماء إلى تصوير حال الناس قبل نزول القرآن بحال الظل حين يمتد، ثم يتقلص تدريجيًّا حتى ينعدم"[1]؛ أي: وكأن الناس يعيشون قبل الإسلام في الظل؛ كناية عن الضلال، وظلوا على هذا الحال حيث يمتد الظل؛ كناية عن استمرارهم في الضلال، ثم إذا ارتفعت الشمس انكمش الظل؛ كناية عن نزول آيات القرآن بالتدريج حيث ينقشع الظلام، وهكذا من حيث المجاز لا الحقيقة، وكأن هذا المثال ضربه الله ردًّا على قول الكافرين: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [الفرقان: 32].

 

قوله: ﴿ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ﴾ [الفرقان: 45]؛ أي: ثابتًا على حاله في الطول والامتداد، ولا يقصر ولا يطول؛ أي: دائمًا لا يتغير[2]، والمفسرون على أن هذا الوقت هو بعد الفجر قبل طلوع الشمس[3].

 

إذ لو حصل ذلك، لَما توصل الناس للعلوم، ولقلَّت قدرتهم على الاستنباط والتفسير لظواهر الأشياء، ولكن الله أراد منهم أن يتفكروا ويتمعنوا؛ ليكتشفوا بأنفسهم قدرة الله على تسيير هذا الكون، ويدركوا من خلال حركة الظل حركةَ الكواكب، ودوران بعضها حول بعض، ليدركوا أنها لا تتحرك بذاتها، ولا بد من قوة تحركها؛ أَلَا إنها قدرة الله العظيم.

 

وكذلك لو نزل القرآن جملة واحدة وانتهى الأمر، ولم ينزل منجَّمًا بحسب وقائع الناس، ولم يرتبط بحياتهم مثلما نزل، لكان الناس في شأنه بين مؤمن وكافر قبل أن يؤثر القرآن في حياتهم، ولفاتَهم إدراكُ الحِكم من نزول الآيات في كل حادثة ونازلة، ولكن رحمة الله أن أنزله مفرَّقًا على الليالي والأيام، والسنين والشهور، حتى يثوبوا إلى الإسلام رويدًا رويدًا.

 

قوله: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 45]، فلولا الشمس ما عُرف الظل[4]؛ إذ يألف الناس الحياة في الظلام ولا يفقهون أن هناك نورًا، ومن هنا وضع العلماء قاعدة: (الأشياء لم تُعرَف إلا بأضدادها)، وهكذا يعرف الناس فضل الإيمان، وقد كانوا يقبعون في ظلمات الكفر، ويعرفون فضل القرآن حين يفرِّق لهم بين الحلال والحرام، فيعرفون العدل وقد كانوا ألِفوا الظلم، ويعرفون الخير وقد كانوا لا يعرفون غير الشر، فلولا القرآن لما عرف الناس فضل الإسلام، فكأن القرآن هو الشمس التي تضيء للناس بالنور رويدًا رويدًا، فيشع ضوؤها وحرارتُها؛ لتعتدل الحياة في الكون؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا؛ فطوبى للغرباء))[5].

 

قال ابن عاشور: "هذا تمثيل نزول القرآن بظهور الشمس في المواضع التي كانت مظلَّلة، فإن حال الناس في الضلالة قبل نزول القرآن أشبه بحال امتداد ظلمة الظل، وصار ما كان مظللًا ضاحيًا بالشمس، وكان زوال ذلك الظل تدريجًا حتى ينعدم الفيء، فنظْمُ الآية بما اشتمل عليه من التمثيل أفاد تمثيل هيئة تنزيل القرآن منجَّمًا بهيئة مدِّ الظل مدرجًا، ولو شاء لجعله ساكنًا، كما أن نظم الآية أفاد عبرة بمد الظل وقبضة في إثبات دقائق قدرة الله تعالى، وهذان المفادان من قبيل استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، بما فيه من الاستعارة التصريحية من تشبيه الهداية بنور الشمس"[6].

 

وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان وتجذُّره في قلوب الرجال، ثم رفعه شيئًا فشيئًا بمثل ذلك؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الأمانة نزلت في جَذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السُّنة))[7]، بذلك نفهم أن الأمانة يعني "الإيمان"[8]، تسبق تعلم القرآن وتعلم السنة، ثم حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم عن رفعها؛ أي: رفع الأمانة؛ فقال: ((ينام الرجل النومة، فتُقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوَكْتِ، ثم ينام النومة فتُقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر الْمَجْلِ، كجمرٍ دحرجتَه على رجلك فنفِط، فتراه مُنْتَبِرًا، وليس فيه شيء))[9]؛ قال السيوطي: "معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئًا فشيئًا، فإذا زال أول جزء منها، زال نورها وخلَفه ظلمة كالوكت؛ وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله، فإذا زال شيء آخر، صار كالمجل؛ وهو أثر محكَم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شبَّه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب، وخروجه بعد استقراره فيه، واعتقاب الظلمة إياه بجمر يُدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر ويبقى النَّفط، وأخذُه الحصاة ودحرجته إياها أراد بها زيادة البيان وإيضاح المذكور"[10].

 

ثم بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم حال الناس في آخر الزمان، وقد قل فيهم الإيمان، فلا تجد أحدًا يُرفع بالأمانة إلا نادرًا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيُقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، ويُقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان))[11].

 

قوله: ﴿ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾ [الفرقان: 46]، القبض عكس المد، يعني أن يطول الظل شيئًا فشيئًا ثم يقصر شيئًا فشيئًا؛ "يعني: في وقت علو الشمس بالنهار، ينقص الظل نقصانًا يسيرًا بعد يسير، وكذلك زيادته بعد نصف النهار يزيد يسيرًا بعد يسير حتى يعم الأرض"[12]، وفي ذلك دليل على أن الكون كله يسير وفق سنة مطردة؛ وهي أن ما من شيء ارتفع إلا سقط ووقع؛ ذلك مثلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن حقًّا على الله ألَّا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه))[13]، وهو ما يعني بطريق اللزوم أن الإنسان مهما عمَر في هذه الدنيا فلا بد له من زوال، وكما أنه خُلق من عدم، فإنه سوف يعود للعدم مرة أخرى، ثم يعود للحياة كذلك بعد البعث.

 

قال ابن عاشور: "وفي ذلك إشارة إلى أصل المخلوقات، كيف طرأ عليها الإيجاد بعد أن كانت عدمًا، وكيف يمتد وجودها في طور نمائها، ثم كيف تعود إلى العدم تدريجًا في طور انحطاطها إلى أن تصير إلى العدم... فيكون قد حصل من التذكير بأحوال الظل في هذه الآية مع المنة والدلالة على نظام القدرة، تقريبٌ لحالة إيجاد الناس وأحوال الشباب وتقدم السن، وأنهم عقب ذلك صائرون إلى ربهم يوم البعث مصيرًا لا إحالة فيه، فلما صار قبض الظل مثلًا لمصير الناس إلى الله بالبعث، وُصف القبض بيسير؛ تلميحًا إلى قوله: ﴿ ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ [ق: 44]، وفي هذا التمثيل إشارة إلى أن الحياة في الدنيا كظل يمتد وينقبض، وما هو إلا ظل"[14].

 

قوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 47]؛ هذا من باب التقسيم والتوزيع، فلكل منهما وظيفته؛ فالليل للنوم والسبات، والنهار للنشور.

 

فوصف "الليل" باللباس، وكأنه غطاء أسود يستر الكون، وذلك كناية عن الراحة بعد الحركة الدؤوب في النهار، تأوي الكائنات إلى أوكارها في الليل؛ لتتهيأ للنوم وتستعد للراحة والسبات.

 

ولما كان النوم قد يكون بالليل وقد يكون بالنهار، وقد يكون بينهما؛ ذكره وحده ووصفه بأنه سبات، فالسبات هو الانقطاع، والمقصود به هنا الانقطاع عن الدنيا فترة معينة، وعن الحركة والعمل، فالنوم بهذا الانقطاع أشبه بالموت، بل يسمى بالموتة الصغرى، كأصحاب الكهف؛ لأن بعد النوم يعود الإنسان ليتقلب في الأرض للحركة والعمل، وكذلك الميت يعيش حياة برزخية في القبر، قبل أن يُبعث، فهو في سبات إلى قيام الساعة؛ أي في انقطاع من الحركة التي كان يفعلها في الدنيا حيث لا عمل، وقبل الانتقال للآخرة حيث الحساب والجزاء، فيظل في البرزخ في سبات إلى يوم البعث.

 

ووصف النهار بالنشور؛ لأنه أشبه به، فالميت حينما يُبعث من القبر وتتزاوج الأرواح في الأجساد، فذلك أشبه باستيقاظ النائم من النوم، فتعود فيه الروح من جديد؛ فعن حذيفة بن اليمان قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا، وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور))[15].

 

فالآية اشتملت على تشبيه بليغ لحال البعث بعد الموت بالاستيقاظ بعد النوم، فكما أن الإنسان يبعثه الله بالنهار بعدما قضى الليل في النوم والسبات، فكذلك يبعث الله الأموات فيصيرون أحياء بعد موات.

 

قوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48]؛ هذه الآية الكونية يستشهد الله به على قدرته في تصريف الكون، فلولا الرياح لما تحركت السحب؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾ [النور: 43]، ولولا حركة السحب لما وصل المطر للأرض الموات، ولظلَّت على ذلك، لا زرع فيها ولا ماء.

 

فالذي يرسل الرياح بما يبشر الناس بنزول سبب رزقهم، أفيُظَنُّ فيه أنه سبحانه يترك الخلق بعد أن يرزقهم بلا منهج يسيرون عليه، ولا قدوة حسنة يتبعونها؟ فالذي يستبشر بنزول المطر لا بد وأن يستبشر بنزول القرآن كذلك، فالذي أنزلهما واحد، فبالمطر تحيا البلاد، وبالقرآن يحيا العباد.

 

ووصف الماء بأنه طهور؛ لأن ماء المطر طاهر في نفسه مطهر لغيره، فهو يطهر الأرض من الأمراض فيشفيها ويحييها، وليس كالأمطار الحمضية وما شابهها من أمطار تضر ولا تنفع، وكذلك القرآن به يحيي الله قلوب العباد.

 

قوله: ﴿ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: 49]؛ هذا استشهاد آخر بآيات الله الكونية على قدرته على البعث، فكما أنه سبحانه يحيي الأرض الموات بمجرد إنزال المطر، فتُرزق الأنعام ويأكل الناس، فكذلك مسألة البعث حيث يحيي الله الأموات يوم القيامة، فينبُتون كما ينبت البقل؛ أي: الزرع.

 

فلو تأمل منكرو البعث – الذين لا يرجون لقاء الله - هذه الآية لعلِموا حتمية البعث، وأنه على مثل ذلك تمامًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بين النفختين – نفخة الصعق ونفخة البعث – أربعون... قال: ثم يُنزل الله من السماء ماءً، فينبتون كما ينبت البقل[16]))[17]؛ أي: فتنبت أجساد الخلق من عجب الذَّنَب، كما ينبت البقل من المطر[18].

 

قوله: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50]؛ قال ابن جزي: (الضمير للقرآن، وقيل: للمطر)[19]، والسياق يدل على أن المعنى الحقيقي للآية هو تصريف المطر بين الخلق والعباد؛ رُوي عن ابن عباس قال: "ما من عام بأقل مطرًا من عام، ولكن الله تعالى يصرفه حيث يشاء؛ ثم تلا هذه الآية ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50]"[20]، ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا السماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء))[21].

 

قال الرازي: "اعلم أنهم اختلفوا في أن الهاء في قوله: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ ﴾ [الفرقان: 50] إلى أي شيء يرجع، وذكروا فيه ثلاثة أوجه؛ أحدها وهو الذي عليه الجمهور: أنه يرجع إلى المطر، وثانيها وهو قول أبي مسلم: أن قوله: ﴿ صَرَّفْنَاهُ ﴾ [الفرقان: 50] راجع إلى المطر والرياح، والسحاب والظلال، وسائر ما ذكر الله تعالى من الأدلة، وثالثها: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ ﴾ [الفرقان: 50] أي: هذا القول بين الناس في القرآن وسائر الكتب والصحف التي أُنزلت على الرسل، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القَطْر ليتفكروا، ويستدلوا به على الصانع، والوجه الأول أقرب؛ لأنه أقرب المذكورات إلى الضمير"[22].

 

والآراء الثلاثة صحيحة والأخير يحتمله المجاز بقوة، فقد صرف الله القرآن على أكثر من وجه ومثالٍ؛ لكي يكون تذكرة للناس؛ كما في قوله: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾ [الروم: 58]، فأكثَرَ فيه الأمثلة والعِبر والآيات؛ حتى يعتبر الناس ويتذكروا ربهم، وهذا المعنى المجازي مستند إلى ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا؛ فكان منها نقية قبِلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادبُ أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقَوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان، لا تُمسك ماءً ولا تنبت كلأً؛ فذلك مثَل من فقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به))[23].

 

فالناس بالنسبة للوحي الذي هو كتاب الله كالأرض بالنسبة للمطر، فكما يصرف الله ماء المطر فينزل على أرض فتنبت خيرًا، وأخرى قيعان تُمسكه، وأخرى لا تمسكه ولا تستفيد منه، فكذلك الناس منهم من ينتفع بالقرآن، ومنهم من يحفظه وينقله لغيره، ومنهم من لا يستفيد منه إطلاقًا، وأكثر الناس مثل تلك القيعان، لا تنتفع بالعلم، ولا تمسك به؛ أي: على رغم وضوح الأمثلة وكثرة الآيات والعِبر، لكن الحقيقة أن أكثر الناس لا يؤمنون بهذا الكتاب، وبه يكفرون.

 

قوله: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 51]؛ فالعبرة ليست بكثرة الرسل، وليس الإشكالية في البلاغ، فقد بعث الله كثيرًا من الأنبياء لبني إسرائيل، كلما هلك نبيٌّ تلاه نبي بعده، ولم يزدهم ذلك إلا نفورًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]، ولكن الله لم يجعل غير نبي واحد في آخر الزمان؛ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، لا نبي بعده إلى يوم القيامة، وذلك بعد أن أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، وأقام الحجة على العالمين؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُعطيت خمسًا لم يُعطَهن أحد قبلي: بُعثت إلى الأحمر والأسود، وكان النبي إنما يُبعث إلى قومه خاصةً، وبُعثت إلى الناس عامةً))[24].

 

وليس بعد ذلك بيان، وقد أعظم الله أجره؛ إذًا يُعاب عليهم هم أنهم لم يقبلوا دعوة الرسل وأتباع الرسل، فكما أن المطر لا ينقص عامًا عن عام، فكذلك دعوة الله لا ينقص البلاغ بها عامًا عن عام، بل يبعث الله الرسل والنذر في كل مكان وكل بقعة من الأرض، وفيها من يقبل الدعوى، وفيها من يرفضها.

 

قال أبو حيان: "لما علِم تعالى ما كابده الرسول من أذى قومه، أعلمه أنه تعالى لو أراد لبعث في كل قرية نذيرًا، فيخفف عنه الأمر، ولكنه أعظم أجره وأجله؛ إذ جعل إنذاره عامًّا للناس كلهم، وخصَّك بذلك ليكثر ثوابك؛ لأنه على كثرة المجاهدة يكون الثواب، وليجمع لك حسناتِ من آمن بك؛ إذ أنت مؤسسها"[25].

 

من هنا نتعلم تأسيس الدعوة على أساس من العمل المشترك وبطريقة غير مركزية؛ إذ يتعذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشر الدعوى بأسلوب مركزي، فمستحيل أن يتحرك الرسول بالدعوة إلى جميع القرى، ولكن يبعث عنه رسلًا ينوبون عنه في البلاغ؛ كما بعث مصعب بن عمير للمدينة، وبعث الصحابة للحبشة...؛ إلخ.

 

وهذا يعني أن الأسلوب غير المركزي هو الأنجع في نشر الدعوى الإسلامية؛ ليبلغ صداها إلى جميع القرى، وتلك كانت منهجية الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة؛ إذ أرسل أبا موسى الأشعري إلى اليمن؛ فعنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذًا إلى اليمن، فقال: يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا))[26]، وقد اجتهد البعض في حصر رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض، فجمعهم في ثمانية وأربعين رسولًا[27]؛ هم:

1- الأقرع بن عبدالله الحميري رضي الله عنه إلى ذي مران.

2- أُبي بن كعب رضي الله عنه إلى سعد هذيم.

3- جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه إلى ذي الكلاع بن ناكور.

4- حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس ملك الإسكندرية.

5- حسان بن سلمة رضي الله عنه مع دحية إلى هرقل ملك الروم.

6- الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه إلى صاحب بُصرى.

7- حريث بن زيد الخير رضي الله عنه إلى يحنة بن رؤبة الأيلي.

8- حرملة بن حريث رضي الله عنه إلى يحنة بن رؤبة الأيلي.

9- خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أكيدر ملك دومة.

10- خالد بن الوليد رضي الله عنه أيضًا إلى بني الحارث بن كعب.

11- دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه إلى هرقل ملك الروم.

12- رفاعة بن زيد الضبيبي رضي الله عنه إلى قومه.

13- زياد بن حنظلة رضي الله عنه إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر.

14- سليط بن عمرو العامري رضي الله عنه إلى هوذة بن علي الحنفي.

15- عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى مسيلمة الكذاب.

16- السائب بن العوام رضي الله عنه إلى مسيلمة الكذاب.

17- شجاع بن وهب الأسدي رضي الله عنه إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء.

18- صدى بن عجلان أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه إلى قومه باهلة.

19- صدي بن عجلان أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه إلى جبلة بن الأيهم.

20- الصلصل بن شرحبيل رضي الله عنه إلى صفوان بن أمية.

21- ضرار بن الأزور الأسدي رضي الله عنه إلى الأسود وطليحة.

22- ضرار بن الأزور الأسدي رضي الله عنه إلى عوف الزرقاني.

23- ظبيان بن مرثد رضي الله عنه إلى بني بكر بن وائل.

24- عبدالله بن حذافة رضي الله عنه إلى كسرى.

25- عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي رضي الله عنه إلى اليمن.

26- عبدالله بن قيس أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى اليمن.

27- عبدالله بن عوسجة العرني رضي الله عنه إلى سمعان بن عمرو.

28- عبدالرحمن بن بديل بن ورقاء الخزاعي رضي الله عنه إلى اليمن.

29- أبو هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه إلى البحرين.

30- عبيدالله بن عبدالخالق رضي الله عنه إلى طاغية الروم.

31- العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين.

32- عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى جيفر بن الجلندي ملك عمان.

33- عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي ملك الحبشة.

34- عمرو بن حزم رضي الله عنه إلى اليمن.

35- عقبة بن عمرو رضي الله عنه إلى صنعاء.

36- عياش بن أبي ربيعة رضي الله عنه إلى اليمن.

37- فرات بن حيان رضي الله عنه إلى ثمامة بن أثال.

38- قدامة بن مظعون رضي الله عنه إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين.

39- قيس بن نمط رضي الله عنه إلى قيس بن عمرو.

40- معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن.

41- مالك بن مرارة رضي الله عنه إلى اليمن.

42- مالك بن عقبة رضي الله عنه إلى اليمن.

43- المهاجر بن أمية رضي الله عنه إلى الحارث بن عبدكلال الحميري.

44- نمير بن خرشة رضي الله عنه إلى ثقيف.

45- نعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه إلى ابن ذي اللحية.

46- واثلة بن الأسقع رضي الله عنه إلى أكيدر ملك دومة.

47- وبر بن يحنس الأزدي رضي الله عنه إلى داذويه.

48- الوليد بن بحر الجرهمي رضي الله عنه إلى أقيال اليمن.

 

[انظر: الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية][28].

 

قوله: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]؛ أي: لا تكُفَّ عن دعوتهم طاعة لطلبهم بأن يكف عنهم تلاوة كلام الله، ولا يبعث رسله إليهم، فنهاه القرآن عن أن يقبل ذلك، وأوجب عليه أن يستمر في دعوته لهم، والإكثار من إرسال الرسل إليهم في كل مكان، بل وأمره بجهادهم بالكلمة، والصبر على آذاهم، وأمره بجهاد السيف بعد نفاد جهاد الكلمة؛ للحيلولة دون الظالمين وصدهم عن سبيل الله.

 

فالهاء في قوله: ﴿ بِهِ ﴾ [الفرقان: 52] تعود على القرآن؛ أي: جاهد الكفار بالقرآن وبالسيف[29]، وقوله: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19]، والمقصود بالجهاد الكبير هو جهاد السيف بعد الكلمة[30]، كما في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: 73]، وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾ [التوبة: 123]؛ قال الشنقيطي: "ومعلوم أن المنافقين كافرون، فكان جهاده صلى الله عليه وسلم للكفار بالسيف، ومع المنافقين بالقرآن، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في عدم قتلهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه"[31].

 

قوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾ [الفرقان: 53]؛ فكما جعل الله بين البحرين حاجزًا بالبرزخ بين الْمِلح والعذب، ففرق بينهما بذلك البرزخ، وجعله حجرًا محجورًا، لا يبغي أحدهما على الآخر، فكذلك جعل الله القرآن فرقانًا بين الحق والباطل، يحجز الباطل عن الحق، فيُحق الحق، ويُبطل الباطل، فهو يحجز الباطل عن الحق.

 

قال ابن عاشور: "الله تعالى كما جعل بين البحرين برزخًا يحفظ العذب من أن يكدره الأُجاج، وكذلك حجز بين المسلمين والمشركين، فلا يستطيع المشركون أن يدسوا كفرهم بين المسلمين، وفي هذا تثبيت للمسلمين بأن الله يحجز عنهم ضرَّ المشركين؛ لقوله: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾ [آل عمران: 111]، وفي ذلك تعريض كنائي بأن الله ناصر لهذا الدين من أن يكدره الشرك"[32].

 

قوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54]؛ هذه اللطيفة سِيقت في هذا الموضع من السورة، بعدما أبان الله أنه وضع حواجزَ حتى لا تبغي أُمة على أُمة، ولا بحر على بحر، بيدَ أن ثمة حاجة للاختلاط بين الأجناس المختلفة؛ حتى تستبين قدرة الله تعالى في تأليف المختلف، وهذا هو شأن الدعوة المباركة؛ لأن بها تختلط الأعراق والأنساب، فكلما مضت، زاد تعارف الناس وتقارب الشعوب، وإقبال بعضهم على بعض بالزواج، وتتعدد روابط النسب والمصاهرة بينهم، فيقل الاختلاف، وينتشر السلام بينهم، بهذا تستبين قدرة الله في التأليف بين الناس؛ كما في قوله: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63].

 

قال ابن عجيبة في قوله: ﴿ فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾ [الفرقان: 54]: "قسم البشر قسمين: ذوي نسب؛ أي ذكورًا، يُنسب إليهم، فيُقال: فلان بن فلان، وذوات صهر؛ أي: إناثًا يُصاهر بهن"[33]، ومثله قال ابن جزي وأضاف: "والنسب أن يجتمع إنسان مع آخر في أب أو أمٍّ، قرب ذلك أو بعُد، والصهر هو الاختلاط بالنكاح"[34]، يقول الصابوني: "فإذا تزوج الرجل من عشيرة صار كأحد أفرادها، فينبغي أن تكون أم زوجته بمنزلة أمه في الاحترام، وبنتها التي في حجره كبنته من صلبه، وكذلك ينبغي أن تكون زوجة ابنه بمنزلة ابنته، وهكذا"[35].



[1] التحرير والتنوير، ج19، ص62.

[2] الجياني، التبيان تفسير غريب القرآن، ص316، ابن كثير ج6، ص114.

[3] رُوي عن ابن عمر وأبي مالك، وسعيد بن جبير وأبي العالية، وإبراهيم النخعي ومسروق، والحسن والضحاك، والسدي وقتادة والشيباني؛ [تفسير ابن أبي حاتم، ج10، ص317].

[4] ابن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل ج1، ص1277.

[5] رواه مسلم، ج1، ص350، رقم: 208.

[6] التحرير والتنوير، ج19، ص62.

[7] رواه البخاري، ج21، ص482، رقم: 6559.

[8] قال العلماء: هي عين الإيمان؛ [انظر ابن علان: دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، ج2، ص198].

[9] رواه البخاري، ج21، ص482، رقم: 6559.

[10] الديباج على مسلم، ج1، ص159.

[11] رواه البخاري، ج21، ص482، رقم: 6559.

[12] البحر المحيط، ج8، ص379.

[13] رواه البخاري، ج20، ص157، رقم: 6020.

[14] التحرير والتنوير، ج19، ص66.

[15] رواه البخاري، ج19، ص374، رقم: 5837.

[16] البقل بدل الزرع.

[17] رواه البخاري، ج15، ص261، رقم: 4554.

[18] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج16، ص80.

[19] التسهيل لعلوم التنزيل، ج1، ص1280.

[20] رواه البيهقي في سننه الكبرى، ج3، ص363، رقم: 6717، وصححه الألباني: صحيح كنوز السنة، ج1، ص130.

[21] رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار، ج6، ص30، رقم: 2104، وصححه الألباني: السلسلة الصحيحة، ج5، ص592.

[22] مفاتيح الغيب، ج24، ص86.

[23] رواه البخاري، ج1، ص141، رقم: 77.

[24] رواه أحمد، ج28، ص294، رقم: 13745، وصححه الألباني: إرواء الغليل، ج1، ص317، وصحيح أبي داود، ج2، ص393.

[25] البحر المحيط، ج8، ص383.

[26] رواه مسلم، ج9، ص153، رقم: 3263

[27] قال الشيخ وحيد: من (1 - 48) "الطبقات" 1/222 - 252، "سبل الهدى" 11/344 - 374، ولم أتمكن من ترتيبهم زمنيًّا لعدم معرفة التاريخ في كثير منها، فرتبتها هجائيًّا؛ ا.هـ.

[28] الشيخ محمد طه شعبان: رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض

[29] البحر المحيط، ج8، ص384.

[30] انظر: استشهاد الشنقيطي: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ج6، ص64.

[31] أضواء البيان، ج8، ص224 سورة التحريم.

[32] التحرير والتنوير، ج19، ص75.

[33] البحر المديد، ج4، ص305.

[34] التسهيل لعلوم التنزيل، ج1، ص1282.

[35] تفسير آيات الأحكام، ج1، ص211.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دلالات تربوية على سورة الناس
  • دلالات تربوية من سورة الإخلاص
  • دلالات تربوية على سورة المسد
  • دلالات تربوية على سورة الكوثر
  • دلالات تربوية على سورة المرسلات
  • دلالات تربوية على سورة قريش
  • لماذا ينزل الله تعالى الماء الثجاج قبل يوم الفصل؟
  • دلالات تربوية على سورة الفيل

مختارات من الشبكة

  • مهارات الاستدلال(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الاستدلال بالقواعد الفقهية عند الشافعية لعبد الرحمن بن عبدالله السقاف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • شبهة التطوريين (وجود الأعضاء الأثرية) تاريخ يثبت خرافتها وخطأ الاستدلال بها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أثر الاحتمال في إسقاط الاستدلال (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الاستدلال بتنزيه الشارع (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شبهة والرد عليها في حجية السنة: الاستدلال بآية (وما آتاكم الرسول فخذوه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستدلال بالمشاهدة عند الفقهاء وأثر ذلك في تغير الأحكام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مصادر الاستدلال في المذهب المالكي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفهوم الاستدلال عند الأصوليين وتطور دلالته(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الاستدلال بالقرآن الكريم في الخطابة الإسلامية: فوائد وقواعد ومقاصد(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب