• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة: الظلم ظلمات يوم القيامة

خطبة: الظلم ظلمات يوم القيامة
عبدالعزيز أبو يوسف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/1/2025 ميلادي - 26/7/1446 هجري

الزيارات: 4164

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الظلم ظُلمات يوم القيامة


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أحمده جل وعلا وأشكره، وأُثني عليه الخير كله، هو رب كُل شيء ومليكه، أشهد أنه الإله الحق المبين، وأُصلي وأُسلم على خير البرية، وأزكى البشرية، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، فقد فاز وأفلح المتقون؛ لتحقيقهم مُراد ربهم عز وجل، والقيام بوصيته سبحانه للأولين والآخرين: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].



عباد الله، منكر كبير وإثم عظيم، بسببه تحل المصائب، وتعُم النقم والبلايا، وتضيع بسببه الحقوق، به يضيع العدل، وتضطرب حياة الناس، وتنفجر النفوس منه غيظًا وكمدًا، مُذهِب للدين والدنيا، مُوجِب لغضب الله ومقته؛ ذلكم هو الظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه.


ولأجلِ كثرةِ مضارِّ الظُّلم وعظيم خطرِه وتنوُّع مفاسدِه وكثير شرِّه، وسوء عاقبته حرَّمه الله على نفسه، وحرَّمه بين عباده، فقال تعالى في الحديث القدسيِّ: "يا عبادي، إني حرَّمت الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا، فلا تظالموا"، حرمه على نفسه جل وعلا؛ لأنه العدل، وأحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وحرَّمه على عباده ليحفَظوا بذلك دينَهم ويحفظوا دنياهم، وليُصلِحوا آخرَتهم، وحرَّمه فيما بينهم ليتمَّ بينهم التعاوُن والتراحمُ، ويحفظ كل منهم حق الآخر، ويعيشوا بسلام.


والظلم درجات، فأعظَمُه وأخطره الشركُ بالله تعالى، وذلك بأن يجعل العبد لله عز وجل ندًّا وهو خلقه، أو ينسب الخلق والرزق لغيره، أو يزعم مشاركة غيره سبحانه له في الرزق والعبادة والفضل، وغير ذلك من أفعال الله تعالى، فالإشراك به جل وعلا في كل ما هو من خصائصه ولا يُصرف إلَّا له جل وعلا، ظُلمٌ عظيمٌ، وهو الذنب الذي لا يغفره الله عز وجل لصاحبه إن مات عليه من غير توبة، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].


لما نزل قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82] شقَّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيُّنا لم يَظلِمْ نفسَه؟! فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس كما تظنون؛ إنما هو كما قال لقمان لابنه: ﴿ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]"؛ رواه البخاري، فمن أشرك بربه عز وجل فقد ظلم وأساء لصرفه ما يستحقه ربه عز وجل وحده من العبادة لمخلوق لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وساواه بالخالق العظيم سبحانه.


أيها المسلمون، لما كان كثير من الناس أَسْرى ظلمِ أنفسهم بالمعاصي، حذرهم سبحانه من ذلك، فقال في الأشهر الحرم: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، فهو نهي عن ظلم النفس عمومًا؛ لكنه في الأشهر الحُرم أشد حُرمة، وظلم النفس يكون بارتكاب ما حرم الله تعالى، فإن ابن آدم إذا عصى ربه بكفر أو شرك ومات عليه؛ فقد ظلم نفسه وأضاع حقها من رضا الله تعالى ودخول جنته في الآخرة، واستحق بذلك غضب الله وناره مخلدًا فيها يوم الدين، والعاصي من المسلمين بفعله ما حرم الله تعالى يظلم نفسه باستجلاب غضب الله تعالى وعقوبته له في الدنيا والآخرة إن شاء، أو عفا عنه سبحانه بكرمه، مع نقص درجته في الجنة؛ ذلك أن درجات أهل الجنة متفاوتة بأعمالهم، وهذا من عدل الله تعالى، وقد ختم سبحانه بعض نواهيَه في كتابه العزيز بالتحذير من ظلم النفس، فقال عن التعدي على حدوده سبحانه، وهي محارمه التي حرَّمها على عباده: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]، وقال سبحانه في ظلم الزوجات: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 231]، وغيرها من الآيات في هذا الباب، ومن ظلم نفسه بعصيان ربه جل وعلا بأي أمر، فقد جلب لها الشقاء والعقوبة العاجلة والآجلة إن لم يتب ويستغفر.


والظلم من المعاصي التي يعجِّل الله العقوبة لصاحبه في الدنيا قبل الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنبٍ أجدر أن يعجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم"؛ رواه أبو داود، وعاقبته في الآخرة أليمة؛ ظُلمة يوم البعث وظُلمة على الصراط، يقول عليه الصلاة والسلام: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"؛ رواه مسلم.


ولقد حذَّرنا الله عز وجل من ظلم النفس بالكفر والمعاصي غايةَ التحذير، وأخبر بأنَّ هلاكَ القرون الماضية إنما كان بظلمِهِم لأنفسهم، فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يونس: 13] وقال سبحانه: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾ [الكهف: 59]، فمن اتقى الكفر والمعاصي ووقاه الله عز وجل من ذلك فقد أفلح ونجا.


والنوع الثالث من الظلم أيها الفضلاء: المظالم بين الخَلق في حقوقٍ لبعضهم من بعض؛ وصورها كثيرة: فمن أعظمِها التعدي على أموالِ اليتامى والضعفاء الذين لا يستطيعون حيلة لاسترداد حقوقهم بأي طريقة وأسلوب، وقد حذر الله تعالى من هذا الظلم العظيم وبيَّن عاقبته فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

 

ومن صور ظلم الخلق الاعتداء على المال العام والمنافع المشتركة بين أفراد المجتمع، ومنع كل صاحب حقٍّ حقه أو تأخيره عنه، أو عدم القيام بالوظيفة المسندة إليه على الوجه المطلوب، أو استغلها لتحقيق بعض مقاصده بما هو محرم، أو اختلس من المال العام وبيت مال المسلمين بأي وسيلة أو مبرر والتساهل في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين"؛ رواه مسلم.


فيا مَن جعَل اللهُ حَاجاتِ الخلقِ عِندهم، احذَروا أن تَضطرُّوا عباد الله لما لا يُحمَد شرعًا، ولا يُرتَضَى طبعًا، من كثرة الترداد والإلحاح والاستجداء، أو التنازل عن العزة والكرامة، أو دفع الرِّشا المحرمة للوصول لحقوقهم المشروعة، فباؤوا بالإثم والغضب من الله جل وعلا، قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منَعوا الحقَّ حتى اشتُرِي، وبَسَطوا الجورَ حتى افتُدِي".


ومِن الظُّلمِ الظاهر الذي يَقَع فيه بَعضُ الناسِ ظلمُ الأُجَرَاء والمستَخدَمين من عمّالٍ وخدم ونحوِهم ببخسِهِم حقوقَهم، أو تأخيرها عن أوقاتها، أو إِهانَتِهم بقولٍ أو فعل، أو تحميلهم ما يشق عليهم ولا يطيقونه، ففي صحيحِ البخاريِّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ أنا خَصْمُهُم يَومَ القيامة"، وذكر مِنهم: "ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستَوفى مِنه ولم يعطِهِ أجرَه".


أيها المباركون، ظلم ذوي القرابة أشد مضاضةً وثقلًا على النفس، وأقرب الناس إلى الإنسان والداه اللذان أمر الله تعالى ببرهما والإحسان إليهما فقال: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، فمن لم يُحسن لوالديه ويبرهما فقد ظلم وأساء، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فكل من عقَّ والديه وأدخل عليهما الحزن والهم فقد أتى منكرًا عظيمًا وظلمًا كبيرًا، والعاق مُتوعَّد بالعقوبة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ذَنْبٌ أَحْرَى أنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصاحِبِه العُقُوبَةَ في الدنيا، مع ما يَدَّخِرُ لهُ في الآخرةِ من قَطِيعَةِ الرَّحِمِ والبَغْيِ"؛ رواه الترمذي، والوالدان أعظم ذي الرحم حقًّا، ومن ظلم أُولي القُرْبى من ظلم زوجه وأم ولده، بالتقتير عليها، أو سوء معاملتها أو إهانتها أو هجرانها أو تهديدها بالطلاق وغيره مما تكره، أو عدم إحسان الخُلُق معها، ومن لا خير فيه لأهله لا خير فيه لأمته؛ قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله"، ومن ظلم زوجته فقد خالف أمر الله تعالى القائل بشأن الزوجات: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: "استوصوا بالنساء خيرًا"؛ رواه البخاري.


ومن صور ظلم ذوي القُربى ظلم الأولاد بإهمال تربيتهم، أو سوء معاملتهم، أو تفضيل بعضهم على بعض، وعدم توجيههم، وتعاهد أخلاقهم، وإحسان تنشئتهم كما أمر الله تعالى، أو العناية بأمر دنياهم وإهمال أمر دينهم، فكل هذه صور من صور ظلمهم ولو كانوا راضين بذلك، وكذا عضل البنات وعدم تزوجيهم طمعًا في مصلحة مالية أو غيرها، أو تزويجهن بغير من يُرضى خُلُقه ودينه، فكل ذلك من ظلمهم، فهم من الرعية التي أمر الله برعايتها حق الرعاية، وأنها موطن السؤال يوم الدين أحُفظت أم ضُيعت؟ قال صلى الله عليه وسلم: "والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسؤولة عنهم"؛ رواه البخاري، وصور الظلم كثيرة جدًّا، فكل من بخس حقًّا، أو تعَدَّى على ما ليس له، أو استغل ما أُعطي من نعمه لتحقيق مصالح له بغير وجه حق أو غير ذلك، فهو ظالم لنفسه مبين.


أيُّها المباركون، لا فلاحَ مع الظلمِ، ولا بقاءَ للظالم، ولا استقرارَ للمعتَدِي، مهمَا طالَ الزمان، ومهما بلَغ به الشأن، يقولُ ربنا جلَّ وعَلا: ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 21]، ويَقول عزَّ شأنُه: ﴿ هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 47].

 

وقد تتأخر عقوبة الظلم إلى حين وأَجَل يعلمه الله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

 

أيها المؤمنون، التوبة من مظالِم العباد لا بدَّ من التحلُّل من أصحابها، ورد حقوقهم إليهم في الدنيا؛ ليسلم الظالم من سوء العاقبة في الآخرة والقصاص العدل منه يوم الدين، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا خَلَصَ المؤمِنون منَ النَّار حُبِسوا بقنطرةٍ بين الجنَّة والنَّار، فيتقاصّون مظالِمَ كانت بَينهم، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا أُذِن لهم بِدخولِ الجنَّة"؛ رواه البخاريّ، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن كانَت له مَظلَمةٌ لأخيهِ مِن عِرضِه أو شَيءٍ فليتحلَّله منه اليومَ قبل أن لا يكونَ دِرهمٌ ولا دِينار، إن كان له عَمَلٌ صالح أُخِذ منه بقدرِ مظلمته، وإن لم تَكن له حسنات أخِذَ من سيِّئات صاحبه فحُمِل عليه"؛ رواه البخاري.


اللهم أجرنا من الظلم وأهله، ورد كيد الظالمين في نحورهم، وردهم للحق ردًّا جميلًا، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله حق حمده، والشكر له حق شكره، والصلاة والسلام على رسوله وعبده محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها المسلمون، الظلم شره مستطير، وخطره عظيم، فلا بد من مدافعته، وتطهير أُسرنا ومجتمعاتنا منه بالوسائل الشرعية، ومن أعظم وسائل إزالة الظلم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وبيان خطر الظلم وعواقبه السيئة في الدارين لتنفير الناس منه.


ومن الوسائل: عدم الركون إلى الظالم؛ لأنه سبب في انتشار الظلم، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]، فالركون إلى الظالم ومحاباته سكوت عن ظلمه وتأييد له.


ومن الوسائل: هجر الظالم وعدم إعانته على ظلمه ومنعه من الوقوع فيه، ونصر المظلوم والسعي معه للوصول لحقه؛ قال صلى الله عليه وسلم: "انصُر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، قالوا: يا رسولَ الله، هذا ننصُرُه مظلومًا، فكيفَ ننصُره ظالمًا؟! قالَ: "تأخُذُ فوقَ يَدِه"؛ متَّفَق عليه، فهذا من حق المسلم على أخيه المسلم، ومن الواجبات الشرعية، فالله تعالى يقول: ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾ [الأنفال: 72]، وكلما كان الناس للمظلوم ناصرين ومؤيدين كان ذلك سببًا في ردع كل ظالم من الوقوع في الظلم لعلمه بسوء العاقبة وتكالُب الناس عليه نُصرةً لمن ظلم.


والحذر الحذر أيها المباركون من تأييد الظالم بأي شكل كان، فإن من أتى ذلك فهو شريك له في ظلمه، فلا تتسلط على الناس بسبب قوتك أو مالك أو سلطانك، إذا غرتك قدرتُك على ظلمِ الناس فتذَكَّر قدرةَ الله جلَّ وعلا عليك، وأن الله يمهل ولا يهمل، وأن حلمه لحكمة بالغة، وأن نصره للمظلوم سُنَّة باقية، وأن للظالم يومًا يعض على يديه، وأن الذي أهلك الظالمين السالفين قادر على الانتقام من اللاحقين.


وليحذر كل ظالم من دعوةِ المظلوم؛ فإنَّها ليسَ بَينها وبين الله حِجاب، قال عليه الصلاة والسلام لمُعاذ بن جبل رضي الله عنه حين أرسَلَه إلى اليَمَن: "واتَّق دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حِجاب"؛ رواه البخاري، ويقول عليه الصلاة والسلام: "ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتهم"، وذكَر منهم "ودَعوة المظلوم، يرفعها الله فوقَ الغَمامِ، ويَفتَح لها أَبوابَ السماء، ويَقولُ الربُّ جلَّ وعلا: وعِزَّتي، لأنصُرَنَّك ولو بعدَ حين"؛ رواه الترمذي وابن ماجه.


عباد الله، صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصَّحْب والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحِّدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، ومُدهما بنصرك وإعانتك وتوفيقك وتسديدك، اللهم أدم على هذه البلاد عزها وأمنها وأيمانها ورغد عيشها، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا على القوم الظالمين، واحفظهم واشفِ مريضهم، وداوِ جريحهم، وتقبَّل ميتهم في الشهداء، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، وحرِّم على النار أجسادنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.


عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصدق مع الله تعالى باب التوفيق (خطبة)
  • حال السلف رحمهم الله مع تلاوة القرآن في رمضان
  • غزوة تبوك: دروس وعبر (خطبة)
  • الخير في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • خطبة: اترك أثرا قبل الرحيل
  • خطبة: خطوات الشيطان لإضلال الإنسان
  • أسماء الله الحسنى وصفاته العلى (خطبة)
  • الفرج بعد الشدة والكرب (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الظلم ظلمات يوم القيامة: ظلم النفس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الظلم ظلمات يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 30/4/1433 هـ - الظلم ظلمات يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الظلم ظلمات يوم القيامة (ظلم العباد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن حديث (يا عبادي إني حرمت الظلم) وأنواع من الظلم 28-4-1435هـ(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الظلم ظلمات يوم القيامة (عاقبة الظالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الظلم ظلمات يوم القيامة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الظلم ظلمات يوم القيامة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الظلم ظلمات يوم القيامة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ظاهرة الظلم فاجعة كبرى(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب