• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

وبشر الصابرين (خطبة)

وبشر الصابرين (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/1/2025 ميلادي - 25/7/1446 هجري

الزيارات: 3740

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وبشر الصابرين

 

إن الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ﴾ [آل عمران:102]..

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحشر:18]..

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70]..

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار..

 

معاشر المؤمنين الكرام: لا شك أنّ حياة الانسان عموماً، وحياة المسلم خوصاً مليئةٌ بالمزعجات والأزمات، والفتن والمغريات، والشبه والشهوات، كما أنه مطالبٌ فيها بأداء الكثير من الفرائض والواجبات، وتحمُّلِ عددٍ كبيرٍ من المسؤوليات، ومواجهةِ أنواعٍ متعددةٍ من الصعوبات والتحديات، ويحتاجُ دائماً إلى كثيرٍ من المجاهدة والمعاناة، وإنّ من أعظمِ ما يُعينُ على ذلك كلهِ الاستعانةُ بالله تعالى والتّحلي بالصبر والثّبات، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين ﴾ [البقرة:153]..

 

والصبرُ ليس مجردَ القدرةِ على تحمُّلِ الآلامِ والمنغصات، وليس مجردَ القوةِ على اجتياز المصاعبِ والعقبات، بل هو عزيمةٌ في مواجهة التّحديات، وإصرارٌ على تحقيق الأهدافِ والغايات، والعيشُ بسكينةٍ وطمأنينةٍ وراحةٍ وثبات..

 

الصبر: من أعظمِ وسائلِ مواجهِ الأزمات، والوقوفِ في وجه الفتنِ والمغريات، والاستعلاءِ على المحرمات..

 

الصبر: خلقٌ عظيم، وخصلةٌ من خصال الكمِّل من الرجال، دعا إليها ديننا الحنيف، وحثَّ عليها القرآن والسنة، بل هو من الصفات التي تميز بها رسلُ الله وانبياءُه عليهم السلام، ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾.. وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾.. والمُسلِمُ يحتَاج كثيراً لأن يتَّسلحَ بِالصَّبرِ في كل جانبٍ من جوانِبِ حَيَاتِه، فلا ثبات على حقٍ، ولا قيام بطاعةٍ، ولا بُعدَ عن معصيةٍ، ولا تحمُّلَ لبلاءٍ إلا بالصبر.. ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً ﴾ [المعارج:5]، ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ ﴾ [النحل127]، ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين ﴾ [هود:115]..

 

ألا وَإِنَّ أمراً يتكرر ذكرهُ فِي القرآن الْكَرِيمِ أكثر من مائة مرةٍ لجديرٌ بأن يهتم به كل مسلمٍ غاية الاهتمام، وأن يربي كلٌ منا نفسه على اكتسابه والتحلي به، وإلا فهو خاسر.. ﴿ وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ﴾ [العصر:1-3]..

 

فلا غنى للمسلم عن الصبر، في كل أحواله وفي سائر أحيانه، قَالَ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾ [آل عمران:200]، في الحديث الصحيح، قال رَسُولُ اللهِ:(وَمَا أُعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيرًا وَأَوسَعَ مِنَ الصَّبرِ). قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "وَإِنَّمَا كَانَ الصَّبرُ أَعظَمَ العَطَايَا؛ لأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أُمُورِ العَبدِ وَكَمَالاتِهِ، وكُلُّ حَالَةٍ مِن أَحوَالِهِ تَحتَاجُ إِلى صَبرٍ، فَإِنَّ المُؤمِنَ يَحتَاجُ إِلى الصَّبرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ حَتى يَقُومَ بها وَيُؤَدِّيَهَا، وَإِلى صَبرٍ عَن مَعصِيَةِ اللهِ حَتى يَترُكَهَا للهِ، وَإِلى صَبرٍ عَلَى أَقدَارِ اللهِ المُؤلِمَةِ فَلا يَتَسَخَّطُهَا"..

 

ومن أعجب عجائب الصَّبرِ أَنَّ أَجرَهُ لا يُقَدَّرُ بقدرٍ وَلا يُحَدُّ بحدٍ، بل هو كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر:10].. ومهما وَجَدَ المسلم في الصبر من عنتٍ ومَشَقَّة, فإن مَحَبَّةُ اللهِ ومعيتهُ التي وعدَ بها اِلصَّابِرِينَ لتُخَفِّفَ عَنهُم كل مشقة، وَتُهَوِّن عَلَيهم أي تعب، ووالله لو لم يكن في الصبر إلا قوله تعالى: ﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران:146]، لكفى، كيف وقد تكرر قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين ﴾ [الأنفال:46]، في القرآن أربع مرات، ومن كان الله معه فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. ثم إنَّ للصابرين بشارةٌ خاصةٌ، وعليهم من ربهم صلاةٌ ورحمةٌ: فقال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون ﴾ [البقرة:155]..

 

إنَّهُ الصَّبْرُ يا عباد الله.. وهو مَعَ الْإِيمَانِ أعظمُ وسيلةٍ لصْنَاعة الْمُعْجِزَات، وَأكبرُ سببٍ لتحَقيق الْمُنْجَزَاتُ، وَهو السِّرُ الْعَجِيبُ في انقلاب مَوَازِينِ الْمَعَارِكِ والصراعات، فَبه يَتَحَوَّلُ الضُّعَفَاءُ إِلَى أَقْوِيَاءَ، وَبدونه يتحولُ الْأَقْوِيَاءُ إِلَى ضُعَفَاءَ.. و﴿ كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ ﴾ [البقرة:249]..

 

والمسلم ذو العقيدة السليمة يعلمُ يقيناً أنّ النصرَ ليس بكثرة الأعدادِ ولا بقوة السلاح والعتاد؛ ولكنهُ بمقدار ما يتحلى به العبدُ من صبرٍ وتقوى، وحسنَ توكلٍ على المولى، قال جلّ وعلا: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران:160].. ولئن كانت القوة الماديَّة مطلوبةٌ من المسلم شرعًا، كما قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال:60]، إلا أنه ينبغي ألا يَغتر بها فيعتمدَ عليها، ثم يوكَلُ إليها فيخسر، تأمل: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين ﴾ [التوبة:25]، فالمؤمنون إنما يستمِدون قوَّتَهم ونصرهم من الله وحده، قال تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [الأنفال:10]..

 

وأصحاب الحق متى ما تحلَّوا بالصبر والثباتِ واستعانوا بفاطرِ الأرض والسموات؛ فإنّ العاقبةَ والنّصرَ دائماً ما تكون لهم، قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد ﴾ [غافر:51]، وقال الله تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف:128]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف:90]، فهما شرطانِ اساسيانِ وضعهما الله ثمناً للنصر على الأعداء: الصبرُ والتقوى، وقد نصَّ الله عليهما في أكثر من آية، فقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾..

 

هذا هو يا عباد الله منهجُ اللهِ في نصر الأمة، وتلك هي سنته، ولن تجدَ لسنة الله تبديلا، ولن تجدَ لسنة الله تحويلا، ومتى ما تخلّى المسلمون عن منهج الله وسنته حلَّ بهم الضعفُ والذلة، والهزيمة والضياع، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم"..

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران:146]..

 

أقول ما تسمعون...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب ﴾ [الزمر:18]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: الصبر مرٌّ كاسمه، والتَّحَلِّي بِالصَّبْرِ لا بدَّ له من جُهدٍ ومجاهدة؛ ولا بد له من بذل أسبابٍ، واتخاذ وسائل، ليكون المسلم بإذن الله من أهل الصَّبْرَ والثبات:

 

وأول أسباب اكتساب فضيلة الصبر وأهمها، هو تقوية الإيمان بالله تعالى، وطاعةُ الله تعالى وطاعةُ رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾ [آل عمران:200]، وقال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين ﴾ [الأنفال:46]..

 

ومن أهم أسباب اكتساب فضيلة الصبر، التَّصَبُّرُ، ومجاهدة النفس وتزكيتها وتعليمها الصَّبْرِ والمصابرة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾ [آل عمران:200]، وفي صحيح البخاري، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»..

 

ومن أهم أسباب اكتساب فضيلة الصبر: مرافقة الصالحين والتعلم من سمتهم، قال تَعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف:28]..

 

ومن الأسباب المعينة على اكتساب فضيلة الصبر، كثرة الذكر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون ﴾ [الأنفال:45].. وقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه:130]..

 

ومن أسباب اكتساب الصبر: الدُّعَاءِ، قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة:250]، ومعنى أفْرِغ علينا، أي صُّبّهُ علينا صباً كَثِيراً.. وكان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثبِّتْ قلبي على دينِك".. كيف وقد قال الله له: ﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا ﴾ [الإسراء:74]..

 

ومن الأسباب كذلك، دراسةُ قصص الأنبياء والصالحين الذين واجهوا المحن والصعوبات بصبرٍ وثبات، ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾ [الأحقاف:35].. وقال تعالى: ﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين ﴾ [هود:120]..

 

ومن الأسباب المعينة على اكتساب فضيلة الصبر: تدبر آيات الصبر وتأملها، قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِين ﴾ [هود:49]، وقال جل وعلا: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُون ﴾ [الروم:60]، وقال تعالى على لسان لقمان الحكيم: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ﴾ [لقمان:17].. وغيرها من الآيات كثير جداً..

 

ومن الأسباب المُعِينة عَلَى نيل الصَّبْرِ: استشعارُ عِظَمِ أجورِ الصَّابِرِينَ، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر:10]، وقال تعالى: ﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون ﴾ [النحل:96]، وقال تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ [القصص:54]، ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون:111]، وقال تعالى: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان:12]، ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار ﴾ [الرعد:24]..

 

ومن الأسباب: استشعار أَنَّ عَاقِبَةَ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، هي النَصْرُ والتمكين، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة:24]، ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ﴾ [الأعراف:128]..

 

وهكذا فإِنَّ من وفقه الله وأعانه فصبر عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأدى الفرائض والواجبات كما أمر الله، وَصبر عَنِ مَعَاصِي الله ونواهيه، وصبر على أقدار الله المؤلمة كل ذلك طاعة لله، ورجاء ما عند الله، فلَا بُدَّ أَنْ يَسْعَدَ فِي حَيَاتِهِ وَيُفلحَ، وَأن يَجِدَ من عاجل البشرى: لَذَّةَ في أداء الطَّاعَةِ، وطمأنينةً في القلب، وانشراحاً في الصدر، وسعادة في الحياة، وبركة في الوقت، وَإِنَّ أُمَّةً تعوَّد أَفْرَادُهَا ومجتمعاتها على مرارة الصبر، وقسوة المعاناة، واستفراغ الوسع والطاقة، فلَا بُدَّ أَنْ تَنْتَصِرَ، طال الزمان أو قصر، ومَهْمَا بَلَغَتْ قُوَّةُ العدو وعلى واستكبر؛ ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام:34].. ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم ﴾ [فصلت:35]..

 

ألا فاتقوا الله عباد الله وتمسَّكوا بحبله المتين، واعتصِموا بدينه القويم، واثبتوا على صراطه المستقيم، واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون..

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

 

اللهم صل على محمد..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إمام الصابرين
  • مع الصابرين
  • وبشر الصابرين (خطبة)
  • وبشر الصابرين (خطبة)
  • الصبر على الأقدار ﴿وبشر الصابـرين﴾
  • خطبة: {إن الله مع الصابرين}

مختارات من الشبكة

  • وبشر الصابرين: أنواع الصبر - ما يهون المصائب - ثمرات الصبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • وبشر الصابرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وبشر الصابرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • وبشر الصابرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وبشر المؤمنين (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • {وبشر المخبتين} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أول يوم في القبر حسرة وندامة على الكافرين وسرور وبشر للمؤمنين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب