• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ذكر الله عز وجل (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    عناية الأمة بروايات ونسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    وحي الله تعالى للأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل الكتاب لو ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    عاشوراء بين مهدي متبع وغوي مبتدع (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطبة: كيف نجعل أبناءنا قادة المستقبل؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الدرس الثلاثون: العيد آدابه وأحكامه
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحكمة من أمر الله تعالى بالاستعاذة به من
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حسن المعاملة (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    زكاة الفطر تطهير للصائم مما ارتكبه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    مجالس من أمالي الحافظ أبي بكر النجاد: أربعة مجالس ...
    عبدالله بن علي الفايز
  •  
    لماذا لا نتوب؟
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وكن من الشاكرين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حكم صيام يوم السبت منفردا في صيام التطوع مثل صيام ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وما الصقور؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    آيات عن مكارم الأخلاق
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

دقة الإمام البخاري في إيراد ألفاظ الحديث: دراسة تحليلية لحديث في النياحة

دقة الإمام البخاري في إيراد ألفاظ الحديث: دراسة تحليلية لحديث في النياحة
د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/1/2025 ميلادي - 19/7/1446 هجري

الزيارات: 849

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دقة الإمام البخاري في إيراد ألفاظ الحديث

دراسة تحليلية لحديث في النياحة


الحمد لله الذي أكرم الأمة بعلماءَ بذلوا حياتهم في خدمة الحديث الشريف، وعلى رأسهم إمام أهل الحديث بلا منازع، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، لقد تميَّز البُخاريُّ بدقة منهجه، وشدة تحرِّيه في جمع الأحاديث وانتقائها، مما جعل كتابه "صحيح البخاري" أعظمَ كتب السُّنَّة وأوثقها، ومن يتأمل صنيعه في إيراد الأحاديث وألفاظها يجد بديعَ صنعته، وحرصه على توضيح المعاني واستبعاد ما لا يثبت بدقة علمية، هذا البحث محاولة لتسليط الضوء على نموذج من دقة الإمام البخاري في إيراد الأحاديث وألفاظها، من خلال دراسة إحدى الروايات المشهورة وتحليلها عبر المصادر المختلفة.

 

أخرج ابن سعد في "الطبقات ط الخانجي" (10/ 8) قال:

وأخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا عَمْرو بن فرُّوخ، أخبرنا مُصعب بن نوح، قال: أدركتُ عجوزًا لنا ممن بايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ((فأتَتْهُ تبايعه، قالت: فأخذ علينا فيما أخذ ألَّا نَنُحْنَ، قالت عجوز: يا رسول الله، إنَّ ناسًا أسعدوني على مصابة أصابتني، وإنَّهم أصابتهم مصيبة، فأنا أريد أن أُسْعِدهم، قال: انطلقي فأسعديهم، فانطلقتُ ثمَّ أتيتُه فبايعته، وقالت: هو المعروف الذي قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ [الممتحنة: 12])).

 

ابن سعد لم يشترط الصحة في كتابه "الطبقات"، فأورد هذا الخبر بهذه الصيغة في كتابه، وفي أثناء مدارسة هذا الخبر مع الأخ الحبيب الشيخ رامي مصطفى حفظه الله، أَشْكَلَ عليَّ لفظة: (انطلقي فأسعديهم)؛ لورود الأخبار الصحيحة في النهي عن النياحة، بل إن الخبر التاليَ لهذا الخبر في كتاب "الطبقات" فيه بيان ذلك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخِّص للمرأة التي سألته أكثر من مرة في النياحة، هذه واحدة، يمكنك الجواب عنها أن هذا كان استثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بأي جواب آخر.

 

أما الثانية، فلو أن هذه المرأة التي ذكرت الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((انطلقي فأسعديهم))، وفي روايات أخرى يأتي تخريجها معنا إن شاء الله: ((انطلقي فكافئيهم))، وأخَّرت البيعة، كانت قد ماتت قبل أن تبايع على الإسلام، ما كان وضعها؟

 

اعلم - رحمني الله وإياك - أن هذا ليس تكلُّفًا، فقد أتى في سياق المذاكرة، يمكنك الجواب أن هذا وحي أُوحي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا محل للسؤال، لكن على كل حال قبل تكلُّف الجواب، لنتوقف ونبحث في صحة الحديث، وثبوت اللفظة، لعلنا نجد الجواب بفضل الله ورحمته.

 

أما خبر ابن سعد، فقد أخرجه الطبري في "تفسيره ت التركي" (22/ 598)، والخطيب البغدادي في "المؤتنف تكملة المؤتلف والمختلف، ط المكتبة العمرية، دار الذخائر" (2/ 520/ 1758)، وابن الجوزي في "جامع المسانيد" (8/ 440/ 7784)، من طريق عُمَر بن فَرُّوخ القَتَّابُ، عن مُصْعَب بن نُوح الأَنْصَاري، بلفظه.

 

لفظ الطبري: ((قال: فانْطَلِقي فكافِئيهم)).

 

وعَزَاه السيوطي في "الدر المنثور ط دار الفكر" (8/ 141) لأحمد، وعبد بن حميد، وابن سعد، وابن مردويه، وقال: بسند جيد.

 

وأخرجه البخاري في "صحيحه" في موضعين:

أخرج البخاري في "صحيحه" (4892) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ((بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ عَلَيْنَا: ﴿ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ [الممتحنة: 12]، وَنَهَانَا عَنِ ‌النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ يَدَهَا، فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ، أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ، فَبَايَعَهَا)).

 

وأخرج في "صحيحه" (7215) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: ((بَايَعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ عَلَيَّ: ﴿ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ [الممتحنة: 12]، وَنَهَانَا عَنِ ‌النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا، فَقَالَتْ: فُلَانَةُ أَسْعَدَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَمَا وَفَتِ امْرَأَةٌ إِلَّا أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ، وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ)).


فالخبر صحيح ثابت لا مِرْيَةَ فيه، لإخراج البخاري له، ولكن تأمَّل قول البخاري في الموضع الأول: ((فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا))، وفي الموضع الثاني: ((فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا))، فليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجازها في ذلك، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ: ((انطلقي فأسعديهم))، أو ((انطلقي فكافئيهم)).

 

أما إسناد ابن سعد والطبري، والبغدادي وابن الجوزي، والسيوطي: فيه مصعب بن نوح هو الأنصاري.

 

قال شمس الدين الحسيني في "الإكمال في ذِكْرِ مَن له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال سوى من ذُكِرَ في تهذيب الكمال - منشورات جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي - باكستان" (ص 410) رقم (853): "مُصعب بن نوح الْأنْصَارِي قَالَ: أدْركْتُ عجوزًا لنا كَانَت فِيمَن بَايَعت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَعنهُ عَمْرو بن فروخ ذكره ابن حبَّان فِي الثِّقَات، وَقَالَ ابن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: هُوَ مَجْهُول".

 

قال ابن حبان في "الثقات – ط دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند" (7/ 479) رقم (11035): "مصعب بن نوح الأنصاري يروي المقاطيع، روى عنه عمرو بن فرُّوخ".

 

قال ابن حجر في "تعجيل المنفعة ط دار البشائر" (2/ 264) رقم (1043): "مُصعب بن نوح الْأنْصَارِي قَالَ: أدْركْتُ عجوزًا لنا بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعنهُ عمر بن فروخ قَالَ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول، وَذكره ابن حبَّان فِي الثِّقَات، قلت: لكنه ذكره فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة، فَقَالَ: يروي المقاطيع، فَكَأَنَّهُ عِنْده لم يسمع من الصحابية الْمَذْكُورَة".

 

قال ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون، ط دار الكتب العلمية" (3/ 123) رقم (3338): "مُصعب بن نوح قَالَ الرَّازِيُّ: مَجْهُول".

 

فهذا إسناد ضعيف بلا شك، ولا وجه لمقارنته مع إسناد البخاري، ولم أقف على لفظ: ((اذهبي فأسعديهم))، أو ((اذهبي فكافئيهم))، إلا بهذا الإسناد التالف، ولا تثبت به هذه اللفظة أبدًا بحال.

 

فتأمل صنيع الإمام البخاري في انتقاء أسانيد نقية كالشمس، وفي تحرِّي أدق الألفاظ، وتأمل كذلك صنيع الإمام أحمد عندما أخرج هذا الحديث في "مسنده ط الرسالة" (16556) من نفس طريق ابن سعد قال: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ - أَدْرَكْتُ - الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: ‌أَدْرَكْتُ ‌عَجُوزًا ‌لَنَا كَانَتْ فِيمَنْ بَايَعْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَتَيْنَاهُ يَوْمًا، فَأَخَذَ عَلَيْنَا أَلَّا تَنُحْنَ، قَالَتِ الْعَجُوزُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نَاسًا قَدْ كَانُوا أَسْعَدُونِي عَلَى مُصِيبَةٍ أَصَابَتْنِي، وَإِنَّهُمْ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُسْعِدَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهَا أَتَتْهُ فَبَايَعَتْهُ، وَقَالَتْ: هُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَ اللهُ عز وجل: ﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ [الممتحنة: 12])).

 

تأمل كيف أعرض الإمام أحمد عن ذكر هذه اللفظة أيضًا، مع أنه أتى بالخبر من نفس إسناد ابن سعد؟ لله درُّ الإمامين أحمدَ والبخاريِّ.

 

يبقى لنا تخريج مسلم في "صحيحه ط التركية" (3/ 46/ 937) قال: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - جَمِيعًا - عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: ((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا... وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ [الممتحنة: 12]، قَالَتْ: كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا آلَ فُلَانٍ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُسْعِدَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِلَّا آلَ فُلَانٍ)).

 

قال النووي في "المنهاج" (6/ 533): "وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالُوا فِيهِ أَقْوَالًا عَجِيبَةً".

 

وقال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب صحيح مسلم" (2/ 590): "وقول أم عطية عند المبايعة: إلا آل فلان، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بدَّ لي من أن أُسعدهم، فقال: إلا آل فلان، أَشْكَلَ هذا الحديثُ على العلماء، وكثُرت فيه أقوالهم، فقيل فيه: إن هذا كان قبل تحريم النياحة، وهذا فاسد بمساق حديث أم عطية هذا، فإن فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن في البيعة: ألَّا يَنُحْن، وذكر النياحة مع الشرك، وألَّا يعصينه في معروف، فلولا أن النياحة محرَّمة، لما أكدَّ أمرها عليهن، وذكرها في البيعة مع محظورات أُخَرَ، ولَمَّا فهمت أم عطية التحريم استثنت.

 

وثانيها: أن ذلك خاص بأم عطية، وهذا أيضًا فاسد، فإنه لا يخصُّها بتحليل ما كان من قبيل الفواحش؛ كالزنا والخمر.

 

وثالثها: أن النهي عن النياحة إنما كان على جهة الكراهة، لا على جهة العزم والتحريم، وهذا أيضًا فاسد بما تقدَّم، وبقوله: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية))، وبقوله: ((النائحة إذا لم تَتُبْ جاءت يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطران، ودرع من حرب))، وهذا وعيد يدل على أنه من الكبائر.

 

ورابعها: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((إلا آل فلان))، ليس فيه نصٌّ على أنها تساعدهم بالنِّياحة، فيمكن أنها تساعدهم باللقاء والبكاء الذي لا نياحة فيه، وهذا أشبهُ مِمَّا قبله.

 

وخامسها: أن يكون قوله: ((إلا آل فلان)) إعادةً لكلامها على جهة الإنكار والتوبيخ؛ كما قال للمستأذن حين قال: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا أنا))، مُنكرًا عليه، ويدل على صحة هذا التأويل ما زاد النسائي في حديثٍ بمعنى حديث أم عطية، فقال: ((لا إسعاد في الإسلام))؛ أي: على النياحة، والله أعلم".

 

قلت: أما صنيع الإمام مسلم في "صحيحه" فمنه أنه يُورِد أحاديثَ معلولةً ليبين علتها، ويأتي بها في آخر الباب، كما فعل في حديثنا هذا، فقد أورد قبل هذا الحديث خمسة أحاديث فيها النهي الصريح عن النياحة؛ قال أبو عمرو بن الصلاح في "صيانة صحيح مسلم" (ص 91): "فَإِنَّهُ ذكر فِي كِتَابه هَذَا أَحَادِيث الطَّبَقَة الأولى وَجعلهَا أصولًا، ثمَّ أتْبَعها بِأَحَادِيث الطَّبَقَة الثَّانِيَة على سَبِيل الْمُتَابَعَة والاستشهاد، وَلَيْسَ مُرَاد مُسلم بذلك إِيرَاد الطَّبَقَة الثَّانِيَة مُفْردَة، وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مُسلم من أَنه يذكر علل الْأَحَادِيث قد وفَّى بِهِ فِي هَذَا الْكتاب فِي ضمن مَا أَتَى بِهِ فِيهِ من جمع الطُّرق والأسانيد وَالِاخْتِلَاف".

 

وفي هذا الحديث: أبو معاوية محمد بن خازم، قال ابن حجر: ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يَهِمُ في حديث غيره، وقال الذهبي: ثبت في الأعمش وكان مرجئًا، وهذا ليس من حديث الأعمش.

 

وبما ذكرنا من أقوال العلماء، فلا يبقى مجال للاحتجاج بمثل هذا الحديث بحالٍ.

 

ختامًا:

يتبين من خلال هذا البحث أن دقة الإمام البخاري في إيراد ألفاظ الحديث لم تكن مجرد اختيار للأحاديث الصحيحة فحسب، بل تجاوز ذلك إلى التدقيق في الألفاظ، واستبعاد ما لم تثبت صحته، أو ما كان يحتمل التأويل الخاطئ نتيجة الرواية بالمعنى مثلًا، ومن خلال تحليل الروايات المتعلقة بالموضوع، يظهر بوضوح منهجه الراقيَ في عرض الأحاديث، الذي يقوم على الجمع بين الصرامة العلمية والوضوح في الاستدلال.

 

رحم الله الإمام البخاريَّ، وجزاه عن الأمة خير الجزاء، فقد ترك لنا إرثًا علميًّا خالدًا، يضيء درب الباحثين في علوم الحديث عبر العصور.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فائدة في الفارق بين (البيان) و (الجدل والبرهان)
  • من آداب طالب العلم في التعامل مع الكتاب والسنة
  • من الأحكام الفقهية المتعلقة بخطبة الحاجة
  • حول المعلقات في صحيح البخاري: مدخل إلى دراسة "تغليق التعليق" لابن حجر العسقلاني
  • التصحيف والتحريف: الماهية والتعليل
  • خطبة: فضل أمة الإسلام على سائر الأمم عامة، وعلى بني إسرائيل خاصة
  • مكانة الإمام البخاري العلمية وشهادة العلماء له

مختارات من الشبكة

  • دقة بدقة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دقة المحدثين في نقل السنة وتدوينها ونشأة علمي مصطلح الحديث والجرح والتعديل (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • دقة الإمام محمد بن جرير الطبري وأمانته العلمية في تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نقد النقد الحديثي المتجه إلى أحاديث صحيح الإمام البخاري: دراسة تأصيلية لعلم (نقد النقد الحديثي) (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • كل حديث في صحيح البخاري تابعه على روايته غيره من المحدثين المعاصرين له واللاحقين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دقة اللفظ القرآني ومناسبته لمواضعه في الآيات (فتياتكم / إماؤكم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لكل ذي لب .. تخير ألفاظك بدقة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الدقة والنظام وشدة الانضباط سمة الخلق الإلهي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دقة متناهية والإتقان مذهل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدقة في الترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/1/1447هـ - الساعة: 14:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب