• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

التطير والتشاؤم (خطبة)

التطير والتشاؤم (خطبة)
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/12/2024 ميلادي - 27/6/1446 هجري

الزيارات: 2491

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التطير والتشاؤم

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خيرَ الكلام كلام الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين، بعث الله إلينا محمدًا صلى الله عليه وسلم هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعية إلى الصراط المستقيم، وإلى المنهج القويم، فما من خيرٍ إلا دلنا عليه، وما من شرٍّ إلا حذَّرنا منه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله نبيًّا من الأنبياء إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ويحذِّرهم من شرِّ ما يعلمه لهم»[1]، فلقد حثنا على الخير وما فيه إلى قيام الساعة، وحذَّرنا من الشر، وما فيه إلى قيام الساعة، فهو الرؤوف الرحيم، وهو الحريص الشفيق على هذه الأمة؛ كما امتن الله بذلك: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

فيا أمة الإسلام، ويا أمة العقيدة والتوحيد، من الخير الذي دلنا عليه، ومن الشر الذي حذرنا منه: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر»[2]، وزاد مسلم: «ولا نوء ولا غول»[3]، فهذه ست خصال نفى ما يكون فيها صلى الله عليه وسلم من الاعتقادات الفاسدة التي كانت حاصلة في الجاهلية قبل الإسلام، فجاء الإسلام وأبطَلها، ووجَّهها التوجيهات السليمة، فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى»؛ أي: لا عدوى مؤثرة بذاتها كما كان يعتقد أهل الجاهلية الأولى أن من جالس المريض أيًّا كان مرضه، فلابد أن تنتقل العدوى، فجاء الإسلام فأبطَل هذه العقيدة بذاتها، لكنها قد تنتقل بتقدير من الله كما فسَّر ذلك في حديث آخر، وهو ما جاء في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد»[4]، فبعض أهل العلم يقول: سدًّا للذريعة حتى إذا أصبت بالجذام، لا يعترض على أقدار الله، ولا تعتقد أن العدوى مؤثرة بذاتها، وبعض أهل العلم يقول في هذا دليل على انتقال العدوى، وقد يوافقون على ذلك، والعدوى تنتقل حسًّا ومعنًى، ولكن ليس بذاتها، أما كونها تنتقل حسيًّا، فلما جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سأله رجل: فما بال الإبل الصحيحة تبقى مع الإبل الجرب، فتجرب بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: «من الذي أعدى الأول؟»[5].

 

إن الأول كان مرضه بتقدير من الله، وكان الجرب للبقية بتقدير الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر واقع، فرُبَّ رجلٍ جالس مريضًا محمومًا أو مزكومًا أيًّا كان مرضه، فتنتقل العدوى، هل بذاتها؟ لا ولكن بتقدير من الله سبحانه وتعالى، وهكذا قد تنتقل العدوى المعنوية؛ كما جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»[6].

 

والطباع مؤثرة، وكما قيل: (الصاحب ساحب)، وقيل قديمًا:

إذا ما صحبتَ القوم فاصحَب خيارهم
ولا تصحَب الأردى فتَردى مع الردي
عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه
إن القرين بالمقارن يَقتدي

 

فتجد أن العدوى قد تنتقل، ولكن ليس بذاتها، هذه عقيدة جاهلية، لكنها تنتقل بتقدير من الله الواحد الأحد، ومن كان عنده عقيدة قوية، فجالس المجذوم أو الأجرب، أو أيًّا كان مرضه، فليعلم أنه لا تتسرب الأمراض إلا بشيء أراده الله، ونحن نشاهد في كثير من دول الإسلام، أولئك الأطباء والممرضين الذين يختلطون بالمرضى، وقد تكون أمراضهم مزمنة، سواء كانت فيهم أمراض خطيرة فتَّاكة مستعصية؛ كالإيدز والسيلان أو كان كالجذام، وما أشبهه من الأمراض، أو أمراض قليلة التضرر، فإن الأطباء لا يتأثرون بذلك، وهذا أمرٌ معلوم من الواقع بالضرورة، فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى» بذاتها، والمراد الطيرة التشاؤم بمرئي أو مسموع، فقد كان يتطيرون لا سيما ببعض الصالحين، كما ذكر الله عن آل فرعون حينما صاحوا في وجه موسى وهارون: ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يس: 18]، فكان التشاؤم بأهل الصلاح، ولا زال بعض الناس يتشاءم بأهل بالصلاح، فيقول: هؤلاء مدبرون، أو عبارة نحوها فجاء الإسلام ليبطل هذه العقائد الزائفة، ما يتعلق بأمر التطير، سواء كان تشاؤمًا بشهر أو بأسبوع أو بعام، برجل أصلع أو بامرأة مجنونة، أو بأي شيء من الأشياء التي خلقها الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز التشاؤم بذلك أبدًا، جاء الإسلام ليبطل مثل هذه العقائد بقوله صلى الله عليه وسلم «ولا طيرة»؛ أي: لا يتشاءم أحد بأمر هو من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، ولقد جاء أن عكرمة مولى بن عباس قال: كنا عند ابن عباس، فمرَّ طائرٌ يصيح، فقال بعض الحاضرين: خير، خير، فقال ابن عباس: «لا خير ولا شر»[7]، مبادرة منه إلى الإنكار لما يحصل من هذه العقائد الزائغة، ولما أراد عمر بن عبد العزيز الخروج من المدينة النبوية متجهًا إلى أرض العراق، نظر غلامه مزاحم إلى القمر، وإذا بالقمر في منزلة تُعَدُّ عند المنجِّمين فيها من الضرر والتشاؤم، فكره أن يقول مزاحم لعمر القمر في الدبران، لكنه قال له: يا أبا حفص، تأمل إلى القمر، ما أحسن استواءه وبهاءه في هذه الليلة، فنظر عمر إلى القمر وكان ذكيًّا فطنًا، قال: فكأنك يا مزاحم تريد أن تخبرني أن القمر في الدبران، والله إنا لنسافر ثقة بالله وتوكلًا على الله وما يصدنا ذلك[8].

 

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما أراد الخروج إلى الخوارج الذين كفَّروا أصحاب رسول الله، أولئك القوم البغاة الغلاة الذين غالوا في الأحكام، فكفَّروا من الصحابة عليًّا، ومن وافقه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أولئك القوم الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: «هم كلاب أهل النار[9]، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد[10]، وإرم»، الذين يكفرون بمطلق الذنوب والمعاصي، أراد أمير المؤمنين أن يخرج إليهم من الكوفة؛ ليناجزهم وليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فقال له منجم: يا أمير المؤمنين القمر في العقرب لا تخرج، أخشى أن تعود بهزيمة لك ولأصحابك، قال له أمير المؤمنين: بل والله سنخرج ثقة بالله، وتكذيبًا لك، فخرج وفتح الله على يديه[11]، وهكذا المعتصم بن هارون الرشيد لما خرج ليلبي دعوة امرأة قالت:

رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامِس نخوةَ المعتصم

 

سمع المعتصم قول امرأة المستغيثة وامعتصماه، فإذا به يجهز جيشًا ليخرج لإنقاذها، حينما كانت الدولة الإسلامية في وفرة قوتها وبأسها، فيخرج فاعترضه أحد المنجمين، قال له يا أمير المؤمنين، أرى ألا تخرج إلا بعد أن ينضح التين والعنب، فقال له: والله سنخرج توكلًا على الله، وكان النصر المبين على أيدي المعتصم رحمه الله، فكان التطير حاصلًا في هذه الأمة كما كان حاصلًا في الجاهلية قبل الإسلام، فمن المسلمون اليوم من يتشاءم بأمر من الأمور، إن حصل هذه صده ذلك عن الإقدام، وما كان له أن يصده شيء إلا أمرٌ حرَّمه الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز له إذًا أن يقدم، فلابد أن يكون جبانًا أمام المحرمات، أما أمر أراده الله، حث الله عليه فلا ينبغي له أن يحجم، وهكذا مما قاله صلى الله عليه وسلم: «ولا هامة ولا صفر»، هذه عقيدة في الجاهلية، وظلت إلى يومنا هذا، والمراد بالهامة هو طائر يشبه البومة إذا وقف على بيت رجل قالوا: هذا ينعي موت فلان، أو على شجرة قريبة، قالوا: سيموت فلان من الناس، وهذه عقيدة أبطلها الإسلام، فأي طائر ناح أو نعق أو صاح، فلا تعلق له بموت ولا حياة.

 

فالله جل وعلا يقول: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «ولا صفر»، والمراد بـ (لا) ها هنا النافية، نفى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطيَّر بشهر صفر، هذا الشهر الذي نحن فيه، فهو شهر من الأشهر التي عناها الله بقوله في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]، فهو شهرٌ أيامه من أيام الله، ولياليه من ليالي الله، فلا ينبغي الاعتراض ولا الإحجام على أمر مباح، فمن المسلمين من يعتقد بشهر صفر أنه لا يسافر ولا يتزوج ولا يرضى أن يزوج ابنته مثلًا، اعتقادًا أن هذا الشهر شهر شؤم وشهر شر، لا ينبغي أن يكون المسلمون بهذا المستوى من الجهل، وقوله: «لا صفر»، فقد تعدَّدت أقوال العلماء فيه، فمنهم من يقول: صفر الشهر المعروف، وبعضهم يقول: هو داء يعرف في المعدة لبعض الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفى هذا الداء أو هذا الشهر أن يكون حاصلًا على حسب ما يعتقده أهل الجاهلية الأولى، هذه توجيهات وتعليمات.

 

وهذا في قوله: «ولا نوء» من المسلمين من يعتقد أنه إذا طلع النجم الفلاني، النوء الفلاني في جهة من جهات السماء غربًا أو شرقًا شمالًا أو جنوبًا، ظن ذلك أو اعتقد أن المطر سيكون حاصلًا لا محالة، فأقول: إن كان هذه مجرد علامة، وأن الله المقدَّر، فلا بأس بذلك، أما إن كان الاعتقاد أنه هو المتصرف في الكون، فهذه عقيدة فاسدة، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صباح ليلة الحديبية في العام السادس من الهجرة، فلما انتهى من صلاة الفجر أقبل على الناس بوجهه، فقال: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ »[12].

 

وقوله صلى الله عليه وسلم «ولا غول»، هذه عقيدة أيضًا كان عليها أهل الجاهلية، فقد كانوا يعتقدون أن الغيلان تتشبه لهم بالغلاوات والخلاوات، وهي عبارة عن شياطين تتمثل لهم، فكانوا يقولوا هذه الغيلان، ومن المسلمين اليوم من يعتقد هذا، وهذه خرافات لا نؤمن بصحتها يقول الناظم:

أما آن للسرداب أن يلدَ الذي
كلَّفتموه بزعمكم ما آن
فعلى عقولكم العفاء فإنها
ثلثتم العنقاء والغيلان

 

فالعنقاء والغيلان هي عبارة عن وهميَّات كان عليها أهل الجاهلية الأولى، فمن المسلمين اليوم من يذبح للجن أو يخاف من الجن، والله سبحانه وتعالى مكن المسلمين من سلاح عظيم يصدون به كيد الشيطان ومكره، وهو قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]، وقوله سبحانه: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]، وهذه الاستعاذة هي بقائلها، فإن كان قائلها قوي الثقة قوي الإيمان بالله سبحانه وتعالى، كانت الاستعاذة نافعة له، وإن كان ضعيفًا فهو بمثابة سيف بيد رجل مريض أو عجوز شمطاء، لا تستطيع أن تدافع به، فكم من المسلمين اليوم ركضه الجن صباحًا ومساءً، يعيش في أوهام وفي كوابيس وفي أمراض نفسية، مِن مَشفى إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، مصاب بأوهام، وكان الواجب له أن يعتقد العقيدة الصحيحة.

أنت القوي فقد حملت عقيدةً
أما سواك فحاملُ الأسفار
يتعلقون بهذه الدنيا وقد
طُبعت على الإبراد والإصدار
دنيا وباعوا دونَها العليا فيا
بؤسًا لبيع المشتري والشاري

 

اللهم بارِك لي ولكن بالقرآن العظيم، وانفَعنا بسُنة سيد المرسلين، هذا ما قلته لكم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

عباد الله، اتقوا الله سبحانه وتعالى، واعلموا يا عباد الله أنكم تجتمعون في هذا اليوم يوم الجمعة لمقصد ولغاية عظيمة، أمر الله عز وجل بها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9]. لكن من المسلمين مَن يجهل أحكام الجمعة، فبعض الإخوان – هدانا الله وإياهم - يحضر إلى صلاة الجمعة، فيرتكب عدة أخطاء وعدة مخالفات، فمن المسلمين من يولي ظهره للخطيب من يوم الجمعة، وكان إجماع العلماء كما ذكر ذلك الترمذي رحمه الله على استقبال السامعين للخطيب من يوم الجمعة وجوبًا ليستمع إلى التوجيهات، ويستمع إلى كلام الله، وإلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك خطأ أفظع من هذا، وهو أن بعض المسلمين يأتي متأخرًا لصلاة الجمعة، فيبقى في مؤخرة المسجد أو خارج المسجد، يولي ظهره ويزيد الطين بِلَّة بأن يتكلم مع صاحبه، أو يَمزح أو يرد السلام، وهذا أمرٌ غير جائز، ما دام الخطيب يخطب وأنت أحد المستمعين، فإذا كنت في المسجد والخطيب يخطب، أو أن ترد السلام، أو أن تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر، لا يجوز لك، إذا عطس أحد بجانبك أن تشمِّته، أن تقول له: يرحمك الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من تكلم يوم الجمعة والخطيب يخطب يوم الجمعة، فقد لغا»، وجاء في بعض الروايات: «ومن لغا فلا جمعة له»، فالواجب علينا معاشر المصلين أن نتقي الله عز وجل في ديننا، وفي جمعتنا، وفي صلاتنا وعبادتنا، والواجب علينا أن نتعلم أحكام الصلاة، وفقه صلاة الجمعة، فمن المسلمين من يبقى خارجًا، فينشغل إما بالكلام، أو الصخب، أو ينشغل بالمسواك، أو بالنظر إلى التلفون السيار، أو ساعته، أو يعبث بلحيته، وهذه كلها مما تسبب ضياع جمعتك، فلتكُن حريصًا أيَّما حرصٍ بما أن الكثير ربما يكون عنده حرص على الدنيا على أمرٍ معيشته، فليكن حرصُك على دينك يا عبد الله أعظم من حرص ذلك على دنياه.

 

أسأل الله بمنِّه وكرمه وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى - أن يجعلنا هداةً مهتدين، وأن يأخذ بأيدينا إلى كل خير، وأن يجنبنا كل ضير.

 

اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا هَمًّا إلا فرَّجته، ولا دينًا إلا قضيته.

اللهم أعطنا ولا تَحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان... إلخ.

وآخر دعونا، أن الحمد لله رب العالمين.

 


[1] صحيح: سبق تخريجه.
[2] صحيح: رواه البخاري رقم الحديث (5380)، ومسلم رقم الحديث (2220).
[3] مسلم رقم (2220).
[4] صحيح: البخاري رقم (5380).
[5] صحيح: رواه مسلم رقم (2220- 2222).
[6] رواه البخاري رقم (1995)، ومسلم رقم (2628).
[7] صحيح: «تفسير القرطبي» (7/ 233)، و«فتح الباري» (10/ 215)، و«فيض القدير» (5/ 231)، و«فتح المجيد» (1/ 294).
[8] صحيح: كنز العمال رقم (26433)، وتاريخ دمشق (18/ 72)، ومفتاح دار السعادة (2/ 235)، وأبجد العلوم (2/ 368).
[9] صحيح: رواه الطبراني في الكبير رقم (8042)، وأبو نعيم رقم (5/ 56)، ومسند الحميدي رقم (908)، وصححه الألباني في ظلال الجنة رقم (904).
[10] صحيح: رواه البخاري رقم (6995)، ومسلم (1064).
[11] صحيح: رواه القرطبي (19/ 28)، وروح المعاني (23/ 108)، وتاريخ الخلفاء (1/ 229).
[12] صحيح: رواه البخاري رقم (991-801)، ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان الكفر لمن قال: مطرنا بالنوء رقم (104).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النهي عن التطير والتشاؤم
  • التطير والتشاؤم ( خطبة )
  • خطورة التطير والتشاؤم، وعلاجه في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)
  • التطير والتشاؤم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • عادات ينبذها الإسلام (الخرافة، التطير، إتيان العرافين والمنجمين، التشاؤم، السحر) (PDF)(كتاب - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • التطير بشهر صفر (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • التطير بالصالحين(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • شرح كتاب التوحيد (28) (باب ماجاء في التطير)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • معنى التطير وحكمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما جاء في التطير بشهر صفر وسبل علاجه(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • ما جاء في التطير بشهر صفر، وسبل علاجه(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • أمثلة على التطير(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • التشاؤم من منظور الشرع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في التحذير من الشرك والتطير(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب