• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

فقه الرشد في زمن الفتن (خطبة)

فقه الرشد في زمن الفتن (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/10/2024 ميلادي - 22/4/1446 هجري

الزيارات: 5509

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه الرُّشد في زمن الفتن


الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد، الداعي إلى دار الخلود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، البَرُّ الودود، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المحفود، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أهمية الحديث عن الرُّشد:

أيها المسلمون، الرُّشد هو قمة وعي الإنسان واكتماله ونضجه، وصِمام الأمان من أوضاع التحلُّل والفساد، التي قد تؤول إليها حياة الأمم والجماعات والأفراد، إنه - إذا فُقِهَ - أعظمُ خِصال الإنسان الصالح، والجماعة الصالحة، والأمة الصالحة.

 

ولما كان مبنى الرُّشد على طلب الأكمل والأحسن، وتحرِّي الصواب في المواقف والآراء، والتصرفات الفردية والجماعية، فإن مشروع الإسلام العام هو صياغة نموذج ثقافي ومجتمعي من الرُّشد، لأنفسنا وحياتنا، ودولتنا وعالمنا، والارتقاء به إلى أسمى تجليَّاته ومقاماته.

 

وأساس هذا المشروع ودَيدنُه ودأبُه فقهُ الرُّشد وتعلُّمه، وترسيخ مبادئه وقِيَمِهِ في الوعي والثقافة والسلوك، وتجديد صلة الأمة به فكرةً وتربيةً ومنهاجًا، والتخلُّق به علمًا وفعلًا وحالًا.

 

إن الأمَّة حينما ينعدم فيها فقه الرُّشد تظهر مظاهرُ التناقض والتخلُّف والاغتراب، بين القول والفعل، أو بين المبدأ والواقع، أو بين الظاهر والباطن، أو بين الشعار وحقيقة الحال، مما يجعل بعض أطراف الأمة في خصومة مع ذاتها، ومع تاريخها، ومع العصر الذي تعيش فيه، أو في حالة فقدان التوازن والانسجام بين الضمير الديني والقيم الأخلاقية، وبين الواقع التاريخي المتغير.

 

القرآن والسُّنَّة يُحدِّثاننا عن الرُّشد:

أيها المسلمون: لقد جاء القرآن يدعو إلى منهج الرُّشد والرَّشاد وفقهه، بهداياته وأحكامه ومواعظه، والرُّشد في القرآن على خمسة معانٍ، فصَّلتها آياته؛ فمنها أن الرُّشد بمعنى الإيمان؛ ومن ذلك قول االله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]؛ قال الشوكاني: "الرُّشد هنا الإيمان، والغي الكفر"، والرُّشد بمعنى الهداية والاستقامة، وجُلُّ ما جاء في القرآن الكريم من هذا النوع؛ من ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]؛ قال القرطبي: الرشاد: الهدى والاستقامة، والرُّشد بمعنى الخير والنفع؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن: 10]؛ قال الزمخشري: "أي: خيرًا"، والرُّشد بمعنى الحق والسداد والصواب؛ ومن ذلك ما جاء على لسان مؤمن آل فرعون في قول االله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 38]، ويأتي الرُّشد بمعنى حسن التصرف في الأمور، وذُكِرت في موضع واحد: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6]، وفي السنة النبوية المطهَّرة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه؛ فمن حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا كَنَزَ الناس الذهبَ والفضة، فاكنِزوا أنتم هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرُّشد، وأسألك شُكْرَ نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، وأسألك لسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لِما تعلم؛ إنك أنت علَّام الغيوب))؛ [أحمد، والترمذي].

 

الأمة في حال الرُّشد:

أيها المسلمون، من يتأمل ما يمرُّ به العالم اليوم من ألوان الحروب والاضطرابات، وما يعصِف به من فتن الشبهات والشهوات، يُوقِن أن الناس بحاجة إلى فقه الرُّشد، الذي يُقوِّم المعوَّج، ويصلح الفساد، ويحقِّق الرشاد، ويُعين على اتباع الحق، والوقوف أمام الباطل، ويتطلب اجتناب طريق الغواية والضلال، والكفر بجميع الطواغيت، وتحرير الإرادة الإنسانية بالإيمان بالله وحده، والاستمساك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها؛ قال الله تعالى: ﴿ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ﴾ [البقرة: 256]، وفي قصة أهل الكهف ما يجعل المسلم يتأمَّل بعين البصيرة حينما ﴿ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ [الكهف: 10]، لم يسألوا الله النصر، ولا الظَّفَر، ولا التمكين، ولا شيئًا من متاع الدنيا، بل قالوا بعد أن تحلَّوا بالإيمان وتزيَّنوا بالرُّشد: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10]، ذلك أن الرُّشد هو إصابة وجه الحقيقة، وهو السداد، وهو السير في الاتجاه الصحيح، فإذا أرشدك الله فقد أُوتيتَ خيرًا كثيرًا، وخطواتك مباركة، وبهذا يوصيك الله أن تردد: ﴿ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 24]، بالرُّشد تختصر المراحل، وتختزل الكثير من المعاناة، وتتعاظم لك النتائج حين يكون الله لك ﴿ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]، حين بلغ موسى عليه السلام إلى الرجل الصالح، لم يطلب منه إلا أمرًا واحدًا هو: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]، فإن الله إذا هيَّأ لك أسباب الرُّشد، فإنه قد هيأ لك أسباب الوصول للنجاح الدنيوي والفلاح الأخروي؛ لأن حقيقة الإسلام تحرِّي الرُّشد، واتباع سبيل الرُّشد، ولا يمكنك أن تتبع سبيل الرُّشد دون أن تتبيَّنَه، لا بد أن تكون مفرداته ومعالمه واضحة جلِيَّة في ذهنك، والطريق إلى هذا البيان والتبيان هو سلوك سبيل العلم والفقه والمعرفة؛ كما قال موسى عليه السلام: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]، إننا بحاجة إلى الرُّشد في جميع أمور حياتنا؛ رشدٍ في الإيمان والالتزام بأحكام الدين، ورشد في السلوك والمعاملات، ورشد في الأقوال والأفعال والنِّيَّات، ورشد في العلم والعمل؛ لذا كان يدعو صلى الله عليه وسلم ربه، ويطلب الرُّشد والعزيمة عليه؛ فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا أن نقول: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرُّشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك لسانًا صادقًا، وقلبًا سليمًا، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك مما تعلم، إنك أنت علَّام الغيوب))؛ [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة].

 

عندما تفقد الأمة الرُّشد:

أيها المسلمون: عالمنا بحوادثه وفتنه وأحواله يَدَعُ الحليمَ حيرانَ، كأن فلسفته ووجهته تقوم على نبذ الرُّشد ومناقضته، ومحاصرته في أضيق زوايا الحياة، إن عبادة المال، وأصولية السوق، والربا، والثراء السريع، والمتاجرة بالحروب، والمتاجرة بالسياسة، والتسلق الاجتماعيَّ، وحب الدَّعَةِ والتَّرَفِ، والإدمان، والمخدِّرات، والقِمار، والاكتئاب، والطغيان والفساد، واحتراف القتل، والعنف، والعنف المضاد، والحسد، والأنانية، والجنس، والخلاعة، والمثْلِيَّة، والشذوذ، كلها متاهات للاستلاب الذي تتورط فيه البشرية كل يوم، وتستحوذ عليها مؤثرات مستفِّزة تسحق وعيَها بالرُّشد، وقدرتها على تمييزه، والعمل به، على الرغم من الاقتدار والتطور الكبيرين اللذين حققهما الإنسان في حضارة المعرفة اليوم، ومناهج البحث، وتكنولوجيا المعلومات، ووسائل الاتصال، ومصادر الطاقة، ورغد العيش، ولكن مع ذلك هناك مفارقة كبرى بين البعد المادي والبعد الإنساني في أوضاع العالم وأحواله على جميع الأصعدة، كما نبَّه عليه الباحث الأمريكي صاحب كتاب "جنون القوة" بقوله: "لقد وضعنا رجلًا على سطح القمر، ولكن أقدامنا على الأرض غائصة في الوحل"، عندما ينعدم الرُّشد يسقط الناس في الوحل الآسن، فيخرجون من مكانتهم البشرية إلى دركات الحيوانية؛ ويكون حالهم كما قال الله تعالى: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44]، ويبحث الإنسان عن الرشيد فيهم، فلا يجد، وهذا ما صوَّره القرآن عن لوط عليه السلام وقومه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾ [هود: 77، 78]، ما أسوأه من زمان! وما أشبه زماننا به! إنهم يُقنِّنون الشذوذ، وينكرون على من ينكره، وأهل الشذوذ لا يستحيون أن يظهروا أنفسهم بأي طريقة وبأي وسيلة؛ قال قوم لوط عليه السلام له: ﴿ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 79، 80]، عندما ينعدم الرُّشد وفقهه، تكون الأمة مصروفة عن آيات الله وهَدْيِه، وتوفيقه وإحسانه؛ قال الله تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 146]، وفي الآية تنبيه على علة العِلَلِ التي تجعل الإنسان فاقدًا للرشد، حتى إنه يرى سبيله، وتقوم عليه حجته، ومع ذلك لا يسلكه، كأن الله جل وعلا يقول: إن المانع الأخطر الذي يحجُز الإنسان عن رؤية الرُّشد والعمل به هو التكبر في الأرض بغير الحق.

 

واعلموا - عباد الله - أن هناك من يسعى لغواية البشر عن سلوك الرُّشد واتباعه بشتى الطرق والوسائل، ويُنفق في سبيل ذلك الأموال والأوقات، ويُجنِّد الجنود من شياطين الجن والإنس، يُسخِّر لذلك وسائل الإعلام بجميع أنواعها، ويفرغ لذلك كثيرًا من طاقات البشر، الذين يقلِبون الحقائق، ويُزيِّفون الرُّشد، وقد ذكر القرآن لنا بعض النماذج التي تصارع في سبيل تحقيق الرُّشد، وبثِّه بين الناس، ومن يقلب الحقائق ويدَّعي أنه يدعو إلى الرُّشد، وهو أبعد ما يكون عنه، انظر إلى هذا المؤمن الذي خُلِّد ذكره في القرآن، يحمل اسم (المؤمن)، يجادل عن بيان سبيل الرشاد الذي أراد فرعون أن يحتكر الدلالة إليه؛ ظنًّا منه أنه بتزييف المصطلح سيزيف الحقيقة؛ إذ يقول لقومه مدلِّسًا عليهم: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]، فردَّهم العبد المؤمن إلى الحق ناصحًا ومرشدًا إلى سبيل الرشاد: ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 38 - 40].

 

كيف نحقق الرُّشد في حياتنا؟

أيها المسلمون، إن تحقيق الرُّشد في الفرد المسلم والمجتمع المسلم، يكون بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر؛ قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، ومن ذلك القول الحسن والتثبت من الأقوال، وعدم التسرع والعَجَلَة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، ومن ذلك المسارعة إلى الخيرات؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 48]، وَوَصَفَ الله عباده بقوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، ووَضْعُ الأمور في نصابها، والتصرف على وفق المصلحة، وبذل المعروف وكفُّ الأذى، والتعاون على البر والتقوى، ونشر الأُخُوَّة والمحبة في المجتمع وتقديم النفع؛ من علامات الرُّشد، وكثرة الدعاء، وطلب الرُّشد من الله توفيقٌ ورحمة؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل الله الرُّشد؛ ومن ذلك قوله: ((اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي))؛ [رواه الترمذي، وصححه الحاكم].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي
  • تفسير: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)
  • الرشد والتدبر في الكون سمو بالإنسانية
  • {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}
  • تفسير قوله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي...}
  • موقف المسلم من الفتن (خطبة)
  • وصايا نافعة في زمن الفتن (خطبة)
  • الثبات في زمن الفتن (خطبة)
  • سنة المغالبة وفقهها (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الفقه في الدين ضرورة ملحة في زمن الفتن والعولمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرية البدائل بين فقه الأولويات وفقه الضرورة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفقهاء والأخذ بالسنة (رسالة موجزة في بيان مكانة السنة عند الفقهاء وأعذارهم في ترك العمل ببعضها)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فقه الدعوة وفقه الرفق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العالم بالفقه دون أصوله، والعالم بأصول الفقه دون فروعه: هل يعتد بقولهما في الإجماع؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقيقة مفهوم الفقه وأثرها في تدريس علم الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فقه المرافعات (3) استمداد فقه المرافعات (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب