• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

نافخ الكير ومذكي الفتن

نافخ الكير ومذكي الفتن
بكر البعداني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/9/2024 ميلادي - 10/3/1446 هجري

الزيارات: 987

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نافخ الكِير ومُذْكِي الفتن


الحمد لله أقضى مَا افْتُتحت بِهِ الكلمة، واستُنجحت بِهِ الطِّلبَة، واستُزيدت بِهِ الْمَوَهِبة، واستُديمت بِهِ النِّعْمَة، والشُّكْر لله بِمَا هُوَ أَهله أَجْدَر ما استُجلب به الثَّنَاء على المنة، والإشادة على العطِيَّة، فَلهُ الْحَمد وَله الشُّكْر المضاهي مِنَنَه، والْمُوازِي إنعامه، والْمجَازِي أفضاله، وَصلى الله وسلم وبارك أزكى صلواته وأنماها، وأتمها وأوفاها، وأعمها وأهنأها، وأدومها وأخلصها، على خَاتِم رسله، وناصح أمته، وحَامِل حكمته، وخيرته من خلقه، ونجيبه من بريَّتِهِ، مُحَمَّدٍ، وَآله وصحبه وسلم؛ أما بعد:

فحديثنا عن نافخ الكير ومذكي الفتن؛ لأن الناس قد أشَطَّوا في هذا الباب شَطًّا، وجَنِفوا جَنَفًا، فاختلفت في مثل هذا الباب أغراضهم، وتباينت في مثل هذا الْمِضْمار مشاربُهم؛ فكان منهم من اعتنى بتتبع العورات، وهتك الحُرماتِ، وتصيُّد الأخطاء والزَّلَّات، ومنهم من اعتنى بإذكاء الفتن وشبِّها، وبثِّ نارها وإضرامها، وهكذا دَوالَيْكَ، هَذَاذَيْكَ كرَّةً بعد كرَّة، ومرة بعد مرة: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلَّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 10]؛ أي: لا يرقُبون اللهَ عز وجل فيهم ولا ذمَّته، ولا يراعون في مسلم عهده ولا قرابته، جاؤوا بالطِّمِّ والرِّمِّ، فلا ترك الله لهم سَبَدًا ولا لَبَدًا، ولا لقِيَ أحدهم أبدًا إلَّا وَبَدًا.

 

وكنت مع ذلك كله، أقول للنفس مماطلًا، وللهمة معاضلًا: ربَّ غيث غبَّ البارقة، ومغيث تحت الخافقة، حتى بلغت نار فِعالهم وأقوالهم العَنان، وعجَز الكثير عن الإحاطة بهذا الشأن، وذاع ذلك في عموم الأقطار، وشاع في معظم الأمصار، وتفشَّى تفشِّي الليل والنهار، وخصوصًا في بلاد أهل الإسلام، ولا سيما فيما أسموه -كَذِبًا ومَيْنا، وزورًا وبهتانًا - مواقع المؤاخاة والتواصل، وهي عند التحقيق ليست إلَّا مواقع للتصارم والتدابر، والتقاطع والتهاجر، والتنازع والتناحر.

 

أقول: فلما كان ذلك كذلك، واختلج الهم في الصدر فَأَطَنَّها، واعتلج الغم في النفس فأغمَّها، عزمتُ على حَشَدِ جيش الكلمة صراعًا وقتالًا، وحشر جند اللفظ كرًّا ونزالًا؛ لأن داعيَ هذا القول يقتضي الإجابة، وتداعي هذه الفِعال يستلزم الاستجابة، ولا سيما أن بعض الناس ممن شغله عيب الناس عن عيوبهم، وأنزف ماء شبابه بتتبُّع عوراتهم، قد عظُم منهم التخليط والخَلَلُ، وكثُر عنهم الزيغ والزلل، فكان لا بد من تسطير هذه الكلمات، وتحبير هذه الرسالة في هذه الوريقات، فقمتُ بهذه الوظيفة، مستعينًا برب البرية، سائلًا من المولى الإخلاصَ، حتى يكون سببًا لي في الخلاص، وحرَصتُ أن أقوم بهذا الغرض، وأن آتيَ على كله، فإن لم، فالبعض؛ لتكون هذه الكلمات - بعون المولى - رسائلَ شافية من غلَّةٍ، وأن يسد بها - بإذن الله - مسدَّ خَلَّة، فانتدبت نفسي لتسويد هذه الكراسة، ورجوت على كبر السن ووهنِهِ، وضعْفِ الجسم وهَرَمِهِ، أن أضطلع بحمل هذا الأمر، واحتمل هذا الجمرَ، دون نكلٍ في قدم، ولا وَهْيٍ في عزمٍ، فاتخذت الليل جملًا لهذه الطَّيَّة، وانتضيت غارب الاستعانة ونعمت المطِيَّة؛ إذ لا مؤنس ولا أنيس، ولا صاحب ولا جليس، إلَّا الكتب والقراطيس، والكواغِد والكراريس، مسامرًا لقلبي، وجائلًا في ضميري، عازمًا على نقش خواطر تنالها أمنيتك، ولا يتَجَاوَزها أمَلُك، وماضيًا في رقْشِ جواهرَ يبلغها رجاؤك، ولا يتغامضها جَفْنُك، وأنا على إيمان لا يزيله شكٌّ، ويقين لا يمحوه ظنٌّ، أنه متى صحب العمل صدق النية، أشرقت من شمسه كلَّ ثنيَّة، ونبتت من أرضه كل ثمرة جنِيَّة، وقد علِم الله عز وجل أني لم أرجُ بها دنيا أستمنحها، ولا نسمة جاه أستنشقها، وإنما هو صبح تبيَّن، وحقٌّ رأيته عليَّ قد تعيَّن، بذلت فيه جهدي، وأقطعته جانب سُهدي، ليظهر لمن يأتي عليه محاسنه، وتتجلى لمن يمر عليه بدائعه، وأن تصبح كمَعْدِنٍ كرُمت علائقه، تَقَرُّ له الْعُيُون، وتُمسي كجَوْهَر شاعت مكارمه، ترنو إِلَيْه الجفون.

 

ولذا فقد اقْتَبَلْتُ الكلام اقْتِبَالًا، واقْتَرَحْتُهُ اقْتِرَاحًا، وارْتَجَلْتُهُ ارْتِجَالًا، واقْتَضَبْتُهُ اقْتِضَابًا، ثم لَمَقْتُهُ ونَمَّقْتُهُ، وذَبَرْتُهُ وزَبَرْتُهُ، حتى إذا ما رأيت أنه أَوْمَضَ إِيمَاضًا، ووَبَصَ وَبِيصًا، وبات كالنَّاصِع والنَّاصِح، شَعَبْتُ الأمر فيه بعد أن شَعَبْتُهُ وأَفَدتُ منه نفسي، فرجوت لو أَفَدتُهُ غيري، وأعتذر -قبل الشروع - إن كان لساني في أماكن قد غَمَدْتُهُ، وأخرى سَلَلْتُهُ، وكذا كلامي في مواضع شَدَدتُهُ، وغيرها أَرْخَيْتُهُ، فالمقصد إزَهَاقُ كل قول باطل، ورد كل فعل عاطل، وجعل أهله وذويه عِبْرَةً لمن اعْتبر، وبَصِيرَة لمن أبْصَرَ، وعِظةً لمن تذكر، وهذا أوان الشروع؛ فأقول:

اعلم - رعاك الله - أن نافخ الكير ومذكيَ الفتن قد جاء بما لم يَجُلْ في فكر، وَلَا نازعه خاطر، وَلَا دلَّت عَلَيْهِ فكرة، وَلَا اجتنته مَخِيلة، وَلَا هجست بِهِ الخواطر، وَلَا شاهدته النواظر، وَلَا أُلقِي في روع، وَلَا وَقع فِي خَلَدٍ، وَلَا لَاحَ للمتوسِّم، وَلَا أَوْمَأ إِلَيْهِ ظن.

 

كيف لا يكون الأمر كذلك وهو لم يدع فتنة إلَّا استنجدها، ولا مصيبة إلَّا احتشدها، ولا ثلبة إلَّا نشدها، ولا فرصة إلَّا اهتبلها، ولا عثرة إلَّا انتهزها، ولا كبوة إلَّا ركِبها، ولا سَيِّئَةً إلَّا أَذَاعَهَا، ولا حسنة إلَّا دَفَنَهَا.

 

مجتهد في هذا غير مقصِّر، ومُسهب في غيِّه غير متحسر، ومُطنب في تيهه غير متذمر، قد تدرع جِلْبَاب الظُّلم ومرق، وتجبَّب لِباس البغي وفسق، وأورى زِناد الإحَنِ وحشد، وأذكى جَمْرَة المحن وجند، وأضرم نَارَ الفتن وشدَّ، وأسعر لهيب الْفِتْنَة ورصد، فبدد شمل الإخوان وصدع شِعْبَهم، وشتت جمع الخِلَّان ومزق صفهم، وزلزل أَقْدَامهم ونخر قُلُوبهم، وهزم أفئدتهم وأطاش عُقُولهمْ، وشقَّ عصاهم وصدع أُلفتهم، وهدَّ ركنهم وفتَّ فِي عَضُدهم، وشتت حزبهم، حَتَّى جعلهم أحدوثة سائرة، وأسطورة شائعة.

 

وكيف لا يكون الأمر كذلك، وهو متى ذُكِر عنده رجلٌ كثُّ اللحية، متبع للسنة، سَفَرَ عَنْ وَجْهِهِ، وكَشَفَ عَنْ سَاقِهِ، وافْتَرَّ عَنْ نَابِهِ، وكَشَرَ عَنْ أَسْنَانِهِ فشَتَمه، وذَأَمه، وجَدَبه، وثَلَبه، ولَحَاه، فلا يأتي إلَّا بالوَنْش من الكلام، فكلامه كالقِشْبُ - وجمعه أَقْشَابٌ - والمُثَمَّلُ والثُّمَال، يَنْبِرُهم بلسانه، فلا يعدو أن يدور، بَيِّنُ القَحَةِ والقِحَةِ.

 

وكذا متى ذُكر الدين ومسائله، رأيته كالنساء الخَرَامِل يكذب كَذِبًا، ويمين مَيْنًا، يقدح ولا ينثني، ويكذب ولا يَرْعَوي، حاطبُ ليلٍ، لا يرتجُّ في باطل، ولا يستغلق عليه منكر، الهُراء ديدنه، والخَطَل مطيته، يحدِّث بالكذب والأباجير، ويروي الإفك والأساطير، ويشدو بالخزعبلات والأباطيل، والتُّرَّهات والأقاويل، بل وتراه على جانب كبير من الجرأة، لا يَثنيه شيء عن الفتوى، وهو بعيد كل البعد عن التَّقْوَى، يُفتي فيأتي بكل آبِدَة وداهِيَة وباقِعَة، وبائِقَة وحَاطِمَة وفَاقِرَة، وغاشِية وواقِعَة وقارِعَة، وكلما وقع في وَرْطَةٍ ودَوْكَةٍ، شمَّر فجاء بنَوْطَةٍ، يَكْبُو ولَا ينأى عن السقطة، ويهفو ولا يبتعد من الزَّلَّة، يكاد يُغشى عليك من قوله، ويُغمى عليك من دَجَلِهِ، وتُصعق من هَذَرِهِ، وتخرُّ مغشيًّا عليك من سفهٍ، فيا لله ما أصبر الأرض عليه! وصدق حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم حين مُرَّ عليه بجنازة فقال: ((مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: العبد المؤمن يستريح من نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب)).

 

وكيف لا يكون الأمر كذلك؟ وهو ينظر نظرَ حسود، ويُعرِض إعراض حقود، نَواقِرُه لا تكاد تُعَدُّ، ولواذعه ليس لها حدٌّ، قوارصه بلا عدد، ولواسعه كالسَّبَد، مشَّاء بالنميمة، مفرِّق بين الأحبة، يبغي للبريء العَنَتَ، إذا ذكر أحدهم بالخير بين يديه، رأيته عابسًا قطوبًا، وإذا ما أُثني على أحد بمرأى من عينيه، تجَهَّم وجهه، وتربَّد وتمعَّر غَضَبًا وترمَّد، وكأنما سُفِيَ في وجهه الرَّمادُ، أو طُلِيَ وجهه بتَنُّوم، بل كأنما فُقِئَ في وجهه حَبُّ الحُمَّاض، وصار أسحمَ الوجه مُسخَّدًا، وتلبَّسه حزن يترك الوجه أسفعًا، جوفه يحترق شرًّا، وصدره ينبعث شررًا، وإن في جوفه لضِغنًا وغِلًّا وغِمْرًا، وإن في صدره لإحْنَةً ودمنةً ووغرة وضبًّا، لسان حاله ومقاله: لأَبْعَثَنَّ عليكم عُلْعُولًا، وإنه لَعِلْبُ شَرٍّ لا يأتي بخير.

 

وكيف لا يكون الأمر كذلك؟ وهو زَلوق اللِّبد نعوذ بالله من حاسد إذا حسد، يختلق الكلامَ ويرتجله، وحديثه حديث خرافة، يأتي بالأعاجيب، ويشذ بالأغاريب، كأن الجنَّ اسْتَهْوَته فرجع على الناس كالوسواس الخناس، يدور مع خزعبلة، فإن وقف أتى بخَرْفَشَة، كلامه صَكَكٌ، وقوله فكك، يستملح الكذب، ويستطرف الإفك، أفَّاك أثيم، خرَّاص لئيم، ليس لحديثه نَجْم، لا يُوثق بسَيل تَلعتِه، ولا يُصَدَّق أثَرُه، ولا تُسَالمُ خَيْلاه، يتلمَّس الكذب ويبتدعه، ويفتري الحديث ويَفْتَئِتُه، يخترصه ويزوِّره، ويُوشِّيه ويموِّهه، ويصوغه وينسُجه، ويصنعه ويُنشئه، إنه لقَمُوص الحنجرة، ولا يَصدُقُ أثرُه، نعَّار في الفتن، خَرَّاج فيها ولَّاج، أكذبُ مَن دَبَّ ودَرَج؛ وصدق زهير:

يرهب السوط سريعًا فإذا
ونت الخيل من الشدِّ مَعَج

وكيف لا يكون الأمر كذلك؟ وهو رجل معنٌّ متيح، يُدخل أنفه في كل شيء لا يعنيه، ونسِيَ أو تناسى أن ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))، رجل دِرْعِمٌ، ودِعْرِمٌ: رديءٌ لا خير فيه، سَفْسَافُ الأخلاق، نِبْرٌ قليلُ الحياءِ؛ هدَّار هذَّار، ثرثار مكثار، كثير الجلبة هجَّار، بَجْبَاجٌ فَجْفَاجٌ، ألْخَى يجيد المُنَاقَلَة باللَّخَا، في كلامه حُكْلة، وفي خطابه عُجْمة، لِمثلِ كلامِه رُزِق الصمتُ المحبةَ.

 

وكيف لا يكون الأمر كذلك؟ وهو ينهش أعراض الناس نهشًا، ويَنْهَسُ لحومها نَهْسًا، نكَّاتٌ في الأعراض طعَّان، كتَّان بينهم لعَّان، قسَّاس في الأنساب لمَّاز، قمَّام بين الناس همَّاز، شُغِل بعيوب الناس ونسِي عيبه؛ وفي الحديث لأمثاله: ((يُبصِر القَذَاة في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه))، عقرب عُقَيرب، مغتاب عيَّاب، نمَّام قبَّاب، ينشر بين الناس الهاجِرَات المُهَجِّرَات، المُنْدِيَات المُخْزِيَاتِ، وهو في نشرها كالناقة العَصُوفِ أو الدِّلَاثِ، أو كالأسفى من البغال سَرِيعٌ شَمَيذَر، ويتعمد الوقيعة بينهم، قد عانوا منه الأَزَابِيَّ والأَمَرَّين، والبَجَارِيَّ والأَقْوَرَين، ويسعى بينهم بأمورٍ دُبْسٍ بَائِقَة، أو رُبْسٍ بَائِجَة، تملأ النفوس غِلًّا وَغمًّا، ووَغرًا ووَحرًا، فتُذكي بينهم الإِحَنَ، وتوري بينهم الضِّغْن، فكأني بصدر أحدهم قد تَقَطَّرَ وتَقَتَّرَ، وتَشَذَّرَ وتَشَزَّرَ، كأنه قد تَهَيَّأَ للقتال، إنه المُؤَرِّثُ والمُؤَرِّجُ، والمُؤَلِّبُ لنيران الفتن، ولسان حاله: أَرَّثْتُ النار وحَشَشْتُهَا، وأَحْمَشْتُهَا وأَثْقَبْتُهَا، وها أنا أَوْقَدْتُهَا، لَيْسَ فيهم برٌّ، وأمهم مثلهم، أَو شرٌّ، فنعوذ بالله منهم.

 

وكيف لا يكون الأمر كذلك؟ وهو متتبع للعثرات، كاشف للعورات، ودافع للحسنات، فرِح بالسيئات، يُوقِد بين الناس بالحظرِ الرطب، ولا يتخير من الحديث إلَّا ما يثير النفوس ويقلبها، ويذكي الفتن ويؤججها، وكلما رأى حجرًا ألقاه، وكلما شاهد ما يؤذي، زاد فيه وأنماه، يَنعَى ولا يشعر على نفسه ذنوبَه، مخلوعُ الرسن لا يرتدع، منقطعُ العقالِ لا يَنقرعُ، بطانته الكَرَعُ السفَلة، وشر مطيتهم القُلْعة، ينقرون الرؤوس بحديثهم، ويضجرون الصدور بكلامهم، فعجبًا، أي سيل جاء بهذا العُود السبي علينا؟ وأي مد وجزر احتمله إلينا؟

 

فما له هَوَت أمه - والحال هذه - لا يتوب؟ وما له - سَبَاه الله - لا يؤوب؟ وما له - سحَتَه الله عما هو فيه - لا يرجع ويرعوي، ولا ينصرف عن القبيح وينثني؟ رمى نفسه في المهالك، وفي الظُّلَمِ الحوالك، ما له صَفِر فناؤه، وقَرِع مُراحُه؟! تَعِسَ وانتكس، وإذا شِيكَ فلا انتقش، كم أذى وظلم بلا وجل ولا ندم! فقطَعَ اللهُ مَطَاه، وشُلَّت يدُه، وتَرِبت يداه، ورماه الله من كل أَكَمة بِحَجَر، وبليلةٍ لا أختَ لها، وعليه العِفاءُ والكَلْبُ العَوَّاء، وإلى الله منهم المشتكى، وعليه المعوَّل، وعند الله تجتمع الخصوم.

 

فاتق الله عز وجل يا نافخ الكير، ويا مذكي الفتن، تَفكَّر في نفسك التي بين جنبيك، وتذكر الحساب يومئذٍ، وما لك وعليك، ولتنبعث منك الآهات، زرافاتٍ ووحدانًا؛ حزنا على ما هو مقدم عليك، وقديمًا قيل: من لم يتفكر في عمره كيف انقرض، لم يبلغ من الحزن الغرض، لقد عظُم خطؤك، وطال والله خُسرانك، وخفَّ وأنت لا تشعر ميزانك، وأنساك ذلك كله العذاب وأشكاله، والحساب وألوانه، فقدِّم توبتك، وابعث دمعتك دليلًا على أوبتك، وليكن لسان الحال والمقال:

أَنُوحُ عَلَى نَفسِي وَأَبكِى خَطِيئةً
تَقُودُ خَطَايا أَثقلت مِنِّي الظَّهرَا
فيا لَذَّة كانت قَلِيل بَقَاؤُهَا
ويا حَسرَةً دَامَت ولم تُبق لي عُذرَا

 

أخي لئن كنت أثقلت عليك، وأكثرت، وشددت، وأغلظت، فإنها والله ذنوب ما تُحصى، لو أنها عُدَّت، وصحائف من كثرتها اسودَّت، وأيادي للمظلومين منك امتدت، وأكفهم إلى السماء رفعت، ودعواتهم عن قريب ستُجاب، ودعاؤهم يومًا ولا بد سيُستجاب، فيا ليت شعري كيف سيكون الحال؛ والله عز وجل يقول كما في الحديث القدسي، فيما رواه عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((وعزتي وجلالي، لأنصرنَّكِ ولو بعد حين))، فيا قاسي القلب، ارْبَعْ على نفسك، وكُفَّ وارفُق بحالك، ويا ذاهلًا عما أنت مُقدِم عليه، تمهَّل، وعليك بالهوينا، ولا تتعجل، ويا نافخ الكير، خَفْ من غبِّ معصيتك، ويا مذكي الفتن نُح على خطيئتك؛ وتذكروا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10]، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نافخ الكير (قصيدة)
  • إعلام الورى بجواز التحية بمرحبا

مختارات من الشبكة

  • حكم النفخ في الصلاة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • مسائل في البعث: النفخة الأولى(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • خصائص الجمعة وحديث "ما من دابة إلا وهي مصيخة تنتظر النفخ في الصور يوم الجمعة"(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير: (ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير الوسوسة والهمز واللمز والنفخ والنفث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند أزه ووسوسته وهمزه ونفخه ونفثه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفخ الروح في الجنين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تبريد الطعام وعدم النفخ فيه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة مختصرة عن النفخ في الصور(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب