• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

لطائف من كتاب الداء والدواء (7)

لطائف من كتاب الداء والدواء (7)
سائد بن جمال دياربكرلي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/9/2024 ميلادي - 6/3/1446 هجري

الزيارات: 1402

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لطائف من كتاب الداء والدواء (7)

(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)


أربعة مداخل للمعاصي على العبد:

أولًا: اللحظات:

فهي رائد الشهوة ورسولها، وحِفْظُها أصلُ حِفْظِ الفَرْجِ، فمن أطلق بصره، أورده موارد الهَلَكات.


قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والجلوسَ على الطرقات، قالوا: يا رسول الله، مجالسنا ما لنا منها بدٌّ، قال: فإن كنتم لا بد فاعلين، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه؟ قال: غضُّ البصر، وكف الأذى، وردُّ السلام)).

 

والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تُولِّد خَطْرةً، ثم تولد الخطرة فكرةً، ثم تولد الفكرة شهوةً، ثم تولد الشهوة إرادةً، ثم تقوى فتصير عزيمةً جازمةً، فيقع الفعل، ولا بد، ما لم يمنع منه مانع.

 

قال الشاعر:

كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشَّرَرِ
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها
كمبلغ السهم بين القوس والوترِ
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه
في أعين العين موقوف على الخطرِ
يسُرُّ مقلته ما ضر مهجته
لا مرحبًا بسرور عاد بالضَّرَرِ

 

ثانيًا: الخطرات:

وأما الخطرات فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته، ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومن غلبته خطراته، فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات، قادته قسرًا إلى الهلكات.

 

ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير مُنًى باطلة: ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].

 

وأخسُّ الناس همة وأوضعهم نفسًا من رضِيَ من الحقائق بالأمانيِّ الكاذبة، واستجلبها لنفسه، وتحلَّى بها، وهي لَعَمْرُ الله رؤوسُ أموال المفلسين، ومتاجر البطَّالين، وهي قوت النفس الفارغة التي قد قنعت من الوصل بزورة الخيال، ومن الحقائق بكواذب الآمال؛ كما قال الشاعر:

منًى إن تكن حقًّا تكن أحسن المنى
وإلا فقد عشنا بها زمنًا رغدا

ثالثًا: اللفظات:

وأما اللفظات، فحفظها بألَّا يُخرج لفظةً ضائعةً، بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة، نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح، أمْسَكَ عنها، وإن كان فيها ربح، نظر: هل يفوته بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه.

 

وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب، فاستدل عليه بحركة اللسان؛ فإنه يُطلِع ما في القلب، شاء صاحبه أم أبى.

 

قال يحيي بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر الرجل حين يتكلم، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه: حُلو وحامض، وعذب وأُجاج، وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغترافُ لسانه.

 

وقد سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يُدخله الجنة، ويباعده من النار، فأخبره برأسه، وعموده، وذِروة سَنامه، ثم قال: ((ألا أخبرك بمِلاك ذلك؟ قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: كُفَّ عليك هذا، فقال: وإنَّا لَمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكِلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟))؛[قال الترمذي: حديث صحيح].

 

ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يُشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يزِلُّ بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول!

 

رابعًا: الخطوات:

وأما الخطوات، فحفظها بألَّا يثقل قدمه إلا فيما يرجو ثوابه، فإن لم يكن في خُطاه مزيدُ ثوابٍ، فالقعود عنها خير له، ويمكنه أن يستخرج من كل مباح يخطو إليه قربةً ينويها لله، فتقع خُطاه قربةً.

 

ولما كانت العثرة عثرتين: عثرة الرِّجْل، وعثرة اللسان، جاءت إحداهما قرينة الأخرى في قوله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، فوصفهم بالاستقامة في لفظاتهم وخطواتهم؛ كما جمع بين اللحظات والخطرات في قوله: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19].

 

كثير من المحتضَرين يُحال بينه وبين حسن الخاتمة عقوبةً على معاصيه:

وإذا نظرت إلى كثير من المحتضرين وجدتهم يُحال بينهم وبين حسن الخاتمة؛ عقوبةً لهم على أعمالهم السيئة؛ قال الحافظ أبو محمد عبدالحق بن عبدالرحمن الإشبيلي رحمه الله: واعلم أن لسوء الخاتمة - أعاذنا الله منها - أسبابًا، ولها طرق وأبواب، أعظمها: الإكباب على الدنيا، والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة، ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض، ونصيب من الجرأة والإقدام، فملك قلبه، وسبق عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حُجُبه، فلم تنفع فيه تذكرة، ولا نجعت فيه موعظة، فربما جاءه الموت على ذلك، فسمع النداء من مكان بعيد، فلم يتبين له المراد، ولا علِم ما أراد، وإن كرَّر عليه الداعي وأعاد.

 

قال: ويُروى أن بعض رجال الناصر نزل به الموت، فجعل ابنه يقول: قل: لا إله إلا الله، فقال: الناصر مولاي، فأعاد عليه القول، فأعاد مثل ذلك، ثم أصابته غشية، فلما أفاق قال: الناصر مولاي، وكان هذا دأبه، كلما قيل له: قل: لا إله إلا الله، قال: الناصر مولاي، ثم قال لابنه: يا فلان، الناصر إنما يعرفك بسيفك، والقتلَ، القتلَ، ثم مات.

 

قال عبدالحق: وقيل لآخَر ممن أعرفه: قل: لا إله إلا الله، فجعل يقول: الدار الفلانية أصلِحوا فيها كذا، والبستان الفلاني افعلوا فيه كذا.

 

وقال: وفيما أذِن لي أبو طاهر السلفي أن أحدِّث به عنه أن رجلًا نزل به الموت، فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فجعل يقول بالفارسية: ده، يازده، تفسيره: عشرة، إحدى عشرة، وقال عبدالحق بعد ذكر الحكاية: كان هذا الرجل من أهل العمل والديوان، فغلب عليه الحساب والميزان.

 

تفسير حديث: ((ما تقرب إليَّ عبدي...)):

كما في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ((ما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يُبصر، وبي يبطِش، وبي يمشي، ولئن سألني لأُعطِيَنَّه، ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه)).

 

فتضمن هذا الحديث الشريف الإلهي - الذي حرام على غليظ الطبع، كثيف القلب، فَهْمُ معناه والمراد به - حصرَ أسباب محبته في أمرين: أداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل.

 

وأخبر سبحانه أن أداء فرائضه أحبُّ ما تقرب به إليه المتقربون، ثم بعدها النوافل، وأن المحب لا يزال يُكثر من النوافل حتى يصير محبوبًا لله، فإذا صار محبوبًا لله، أوجبت محبة الله له محبةً أخرى منه لله، فوق المحبة الأولى، فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير محبوبه، وملكت عليه روحه، ولم يبقَ فيه سَعَةٌ لغير محبوبه ألبتة، فصار ذكر محبوبه وحبه ومثله الأعلى مالكًا لزمام قلبه، مستوليًا على روحه، استيلاء المحبوب على محبه الصادق في محبته التي قد اجتمعت قوى حبه كلها له.

 

ولا ريب أن هذا المحب إن سمع سمع بمحبوبه، وإن أبصر أبصر به، وإن بطش بطش به، وإن مشى مشى به؛ فهو في قلبه، ومعه، وأنيسه، وصاحبه، فالباء ها هنا باء المصاحبة، وهي مصاحبة لا نظير لها، ولا تُدرَك بمجرد الإخبار عنها والعلم بها، فالمسألة حالية لا علمية محضة.

 

وخصَّ في الحديث السمعَ والبصر، واليد والرجل بالذكر، فإن هذه الآلات آلات الإدراك، وآلات الفعل، والسمع والبصر يُورِدان على القلب الإرادة والكراهة، ويجلبان إليه الحب والبغض، فيستعمل اليد والرجل، فإذا كان سمعُ العبد بالله وبصره بالله كان محفوظًا في آلات إدراكه، وكان محفوظًا في حبه وبغضه، فحُفِظَ في بطشه ومشيه.

 

وتأمل كيف اكتفى بذكر السمع والبصر، واليد والرجل عن اللسان[1].

 

وتأمل كيف حقق تعالى كون العبد به عند سمعه وبصره، وبطشه ومشيه، بقوله: ((كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)) تحقيقًا لكونه مع عبده، وكون عبده به، في إدراكاته بسمعه وبصره، وحركاته بيده ورجله؟ وتأمل كيف قال: ((فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش))، ولم يقل: فلي يسمع، ولي يبصر، ولي يبطش؟[2]

 

فمتى كان العبد بالله هانت عليه المشاقُّ، وانقلبت المخاوف في حقه أمانًا، فبالله يهون كل صعب، ويسهُل كل عسير، ويقرب كل بعيد، وبالله تزول الهموم والغموم والأحزان، فلا همَّ مع الله، ولا غمَّ، ولا حزن، إلا حيث يفوته معنى هذه الباء، فيصير قلبه حينئذٍ كالحوت إذا فارق الماء، يثِبُ ويتقلَّب حتى يعود إليه.

 

ولما حصلت هذه الموافقة من العبد لربه في محابِّه، حصلت موافقة الرب لعبده في حوائجه ومطالبه، فقال: ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه))؛ أي: كما وافقني في مرادي بامتثال أوامري، والتقرب إليَّ بمحابِّي، فأنا أوافقه في رغبته ورهبته فيما يسألني أن أفعله به، ويستعيذني أن يناله.

 

وقوِيَ أمرُ هذه الموافقة من الجانبين، حتى اقتضى تردد الرب سبحانه في إماتة عبده؛ لأنه يكره الموت، والرب تعالى يكره ما يكرهه عبده، ويكره مساءته؛ فمن هذه الجهة يقتضي ألَّا يميته، ولكن مصلحته في إماتته، فإنه ما أماته إلا ليُحيَيه، ولا أمرضه إلا ليصحه، ولا أفقره إلا ليُغنيَه، ولا منعه إلا ليُعطيه، ولم يُخرِجه من الجنة في صلب أبيه إلا ليُعيده إليها على أحسن أحواله، ولم يقل لأبيه: اخرج منها، إلا هو يريد أن يُعيده إليها[3].

 

العبودية أشرف أحوال العبد ومقاماته:

وقد ذكر الله سبحانه أكرمَ الخلق عليه وأحبَّهم إليه - وهو رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - بالعبودية في أشرف مقاماته؛ وهي: مقام الدعوة إليه، ومقام التحدي بالنبوة، ومقام الإسراء؛ فقال: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19]، وقال: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23]، وقال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1].

 

وفي حديث الشفاعة: ((اذهبوا إلى محمد، عبدٌ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))، فنال مقام الشفاعة بكمال عبوديته، وكمال مغفرة الله له.

 

والله سبحانه خلق الخلق لعبادته وحده لا شريك له، التي هي أكمل أنواع المحبة، مع أكمل أنواع الخضوع والذل؛ وهذا هو حقيقة الإسلام، وملة إبراهيم التي من رغب عنها فقد سفِه نفسه[4].

 

أصل الشرك بالله: الإشراك به في المحبة:

كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، فأخبر سبحانه أن من الناس من يشرك به، فيتخذ من دونه ندًّا يحبه كحب الله، وأخبر أن الذين آمنوا أشد حبًّا لله من أصحاب الأنداد لأندادهم.

 

وقيل: بل المعنى أنهم أشد حبًّا لله من أصحاب الأنداد لله، فإنهم وإن أحبوا الله، لكن لما أشركوا بينه وبين أندادهم في المحبة، ضعُفت محبتهم لله، والموحِّدون لله لما خلصت محبتهم له كانت أشد من محبة أولئك، والعدل برب العالمين والتسوية بينه وبين الأنداد هو في هذه المحبة، كما تقدم.

 

والمقصود أن حقيقة العبودية لا تحصل مع الإشراك بالله في المحبة، بخلاف المحبة لله، فإنها من لوازم العبودية وموجباتها، فإن محبة الرسول بل تقديمه في الحب على الأنفس والآباء والأبناء، لا يتم الإيمان إلا بها؛ إذ محبته من محبة الله، وكذلك كل حب في الله ولله؛ كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان، وفي لفظ في الصحيح: لا يجد حلاوة الإيمان إلا من كان فيه ثلاث خِصال: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يُلقى في النار)).

 

أنواع المحبة:

وها هنا أربعة أنواع من المحبة يجب التفريق بينها، وإنما ضلَّ من ضلَّ بعدم التمييز بينها:

أحدها: محبة الله، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذابه والفوز بثوابه، فإن المشركين وعُبَّاد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.

 

الثاني: محبة ما يحبه الله، وهذه هي التي تُدخله في الإسلام، وتُخرجه من الكفر، وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدُّهم فيها.

 

الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب، ولا يستقيم محبة ما يحب إلا بالحب فيه وله.

 

الرابع: المحبة مع الله، وهي المحبة الشركية، وكل من أحب شيئًا مع الله، لا لله ولا من أجله ولا فيه، فقد اتخذه ندًّا من دون الله، وهذه محبة المشركين.

 

وبقِيَ قسم خامس: ليس مما نحن فيه، وهو المحبة الطبعية؛ وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه، كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم والزوجة والولد، فتلك لا تُذَمُّ إلا إذا ألْهَتْ عن ذكر الله، وشغلت عن محبته؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9]، وقال: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [النور: 37].

 

الخُلَّة: وهي تتضمن كمال المحبة ونهايتها:

بحيث لا يبقى في قلب المحب سَعَةٌ لغير محبوبه، وهي منصب لا يقبل المشاركة بوجه ما، وهذا المنصب خلص لخليلَينِ صلوات الله وسلامه عليهما: إبراهيم ومحمد؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا)).

 

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن صاحبكم خليلُ الله)).

 

وفي حديث آخر: ((إني أبرأ إلى كل خليل من خُلَّتِهِ)).

 

المحبة ليست أكمل من الخلة:

وأما ما يظنه بعض الغالطين أن المحبة أكمل من الخلة، وأن إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، فمن جهله؛ فإن المحبة عامة، والخلة خاصة، والخلة نهاية المحبة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله اتخذه خليلًا، ونفى أن يكون له خليلٌ غير ربه، مع إخباره بمحبته لعائشة ولأبيها، ولعمر بن الخطاب وغيرهم.

 

وأيضًا فإن الله سبحانه يحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب الصابرين، ويحب المحسنين، ويحب المتقين، ويحب المقسطين، وخُلَّتُه خاصة بالخليلين، والشابُّ التائب حبيب الله.

 

العاقل يؤثِر أعلى المحبوبين وأيسر المكروهين:

وقد تقدم أن العبد لا يترك ما يحبه ويهواه إلا لِما يحبه ويهواه، لكن يترك أضعفهما محبةً لأقواهما محبةً، كما أنه يفعل ما يكرهه لحصول ما محبته أقوى عنده من كراهة ما يفعله، أو لخلاصه من مكروهٍ كراهتُه عنده أقوى من كراهة ما يفعله.

 

وتقدم أن خاصية العقل إيثار أعلى المحبوبين على أدناهما، وأيسر المكروهين على أقواهما، وتقدم أن هذا كمال قوة الحب والبغض.

 

ولا يتم له هذا إلا بأمرين: قوة الإدراك، وشجاعة القلب، فإن التخلُّف عن ذلك والعمل بخلافه يكون إما لضعف الإدراك، بحيث إنه لم يدرك مراتب المحبوب والمكروه على ما هي عليه، وإما لضعف في النفس، وعجز في القلب لا يطاوعه لإيثار الأصلح له، مع علمه بأنه الأصلح، فإذا صح إدراكه، وقوِيَت نفسه، وتشجَّع القلب على إيثار المحبوب الأعلى والمكروه الأدنى، فقد وُفِّق لأسباب السعادة.

 

أعقل الناس من آثر اللذة الآجلة الدائمة على العاجلة الزائلة:

وكل واحد من الفعل والترك الاختياريين إنما يُؤثِره الحيُّ لِما فيه من حصول المنفعة التي يلتذ بحصولها، أو زوال الألم الذي يحصل له الشفاء بزواله؛ ولهذا يُقال: شفى صدره، وشفى قلبه، قال:

هي الشفاء لدائي لو ظفِرت بها
وليس منها شفاء الداء مبذول

وهذا مطلوب يؤثره العاقل، بل الحيوان البهيم، ولكن يغلَط فيه أكثر الناس غلطًا قبيحًا، فيقصِد حصول اللذة بما يعقُب عليه أعظم الألم، فيؤلم نفسه من حيث يظن أنه يحصل لذتها، ويَشفي قلبه بما يعقب عليه غاية المرض.

 

وهذا شأن من قصر نظره على العاجل، ولم يلاحظ العواقب، وخاصَّةُ العقل النظرُ في العواقب، فأعقل الناس من آثَرَ لذته وراحته الآجلة الدائمة على العاجلة المنقضية الزائلة، وأسفه الخلق من باع نعيم الأبد، وطِيب الحياة الدائمة، واللذة العظمى التي لا تنغيص فيها ولا نقص بوجه ما، بلذة منغَّصة مشوبة بالآلام والمخاوف، وهي سريعة الزوال، وشيكة الانقضاء.

 

المحبوب قسمان: محبوب لنفسه ومحبوب لغيره:

والمحبوب لغيره لا بد أن ينتهي إلى المحبوب لنفسه؛ دفعًا للتسلسل المحال، وكل ما سوى المحبوب الحق فهو محبوب لغيره، وليس شيء يُحَبُّ لنفسه إلا الله وحده، وكل ما سواه مما يُحَبُّ وإنما محبته تبع لمحبة الرب تعالى، كمحبة ملائكته وأنبيائه وأوليائه، فإنها تبع لمحبته سبحانه، وهي من لوازم محبته، فإن محبة المحبوب تُوجِب محبة ما يحبه.

 

وهذا موضع يجب الاعتناء به، فإنه محل فرقان بين المحبة النافعة لغيره، والتي لا تنفع، بل قد تضر.

 

فاعلم أنه لا يُحَبُّ لِذَاتِهِ إلا مَن كماله من لوازم ذاته، وإلهيته وربوبيته وغِناه من لوازم ذاته، وما سواه وإنما يُبغَض ويُكرَه لمنافاته محابَّه ومضادته لها، وبغضه وكراهته بحسب قوة هذه المنافاة وضعفها، فما كان أشد منافاةً لمحابِّه، كان أشد كراهةً من الأعيان والأوصاف، والأفعال والإرادات، وغيرها.

 

فهذا ميزان عادل يُوزَن به موافقة الرب ومخالفته، وموالاته ومعاداته، فإذا رأينا شخصًا يحب ما يكرهه الرب تعالى، ويكره ما يحبه، علمنا أن فيه من معاداته بحسب ذلك، وإذا رأينا الشخص يحب ما يحبه الرب، ويكره ما يكرهه، وكلما كان الشيء أحب إلى الرب، كان أحبَّ إليه وآثَرَ عنده، وكلما كان أبغض إلى الرب، كان أبغض إليه وأبعد منه، علمنا أن فيه من موالاة الرب بحسب ذلك.

 

فتمسك بهذا الأصل غاية التمسك في نفسك وفي غيرك؛ فالولاية عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابِّه ومساخطه، ليست بكثرة صوم ولا صلاة، ولا تمزُّق ولا رياضة.

 

والمحبوب لغيره قسمان أيضًا:

أحدهما: ما يلتذ المحب بإدراكه وحصوله.

 

والثاني: ما يتألم به، ولكن يحتمله لإفضائه إلى محبوبه، كشرب الدواء الكريه.

 

قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، فأخبر سبحانه أن القتال مكروه لهم، مع أنه خير لهم؛ لإفضائه إلى أعظم محبوب وأنفعه.

 

والنفوس تحب الراحة والدَّعَة والرفاهية، وذلك شرٌّ لها؛ لإفضائه إلى فوات هذا المحبوب، فالعاقل لا ينظر إلى لذة المحبوب العاجل فيُؤثرها، وألم المكروه العاجل فيرغب عنه، فإن ذلك قد يكون شرًّا له، بل قد يجلب عليه غاية الألم، ويفوته أعظم اللذة، بل عقلاء الدنيا يتحملون المشاقَّ المكروهة لما يعقبهم من اللذة بعدها، وإن كانت منقطعة.



[1] فإنه إذا كان إدراك السمع الذي يحصل باختياره تارة، وبغير اختياره تارة، وكذلك البصر قد يقع بغير الاختيار فجأةً، وكذلك حركة اليد والرجل التي لا بد للعبد منها، فكيف بحركة اللسان التي لا تقع إلا بقصد واختيار، وقد يستغني العبد عنها إلا حيث أمر بها؟ وأيضًا فانفعال اللسان عن القلب أتمُّ من انفعال سائر الجوارح؛ فإنه تَرْجُمانه ورسوله.

[2] وربما يظن الظان أن اللام أولى بهذا الموضع؛ إذ هي أدل على الغاية ووقوع هذه الأمور لله، وذلك أخص من وقوعها به، وهذا من الوهم والغلط؛ إذ ليست الباء ها هنا لمجرد الاستعانة، فإن حركات الأبرار والفجار وإدراكاتهم إنما هي بمعونة الله لهم، وإنما الباء ها هنا للمصاحبة؛ أي: إنما يسمع ويبصر ويبطش ويمشي، وأنا صاحبه ومعه؛ كقوله في الحديث الآخر: ((أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه)).

[3] وانظر: جواب شيخ الإسلام عن سؤال عن التردد المذكور في الحديث في مجموع الفتاوى (18/ 129– 131)، وانظر أيضًا (10/ 58– 59).

[4] قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 130 - 133].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لطائف من كتاب الداء والدواء (8)
  • تغريدات من كتاب الداء والدواء

مختارات من الشبكة

  • لطائف من كتاب الداء والدواء (6)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من غزوة الطائف (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من غزوة الطائف (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من غزوة الطائف (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دعوة إلى مطالعة كتاب "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف"؛ لابن رجب الحنبلي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب