• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

لطائف من كتاب الداء والدواء (2)

لطائف من كتاب الداء والدواء (2)
سائد بن جمال دياربكرلي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/7/2024 ميلادي - 17/1/1446 هجري

الزيارات: 1324

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لطائف من كتاب الداء والدواء (2)

(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)


أمران تتم بهما سعادة المرء وفلاحه:

أحدهما: أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير، ويكون له بصيرة في ذلك بما يشاهده في العالم، وما جرَّبه في نفسه وغيره، وما سمعه من أخبار الأمم قديمًا وحديثًا.

 

ومن أنفع ما في ذلك تدبُّر القرآن، فإنه كفيل بذلك على أكمل الوجوه، وفيه أسباب الشرِّ والخير جميعًا مفصَّلة مبيَّنة، ثم السُّنَّة، فإنها شقيقة القرآن، وهي الوحي الثاني، ومن صرف إليهما عنايته اكتفى بهما عن غيرهما، وهما يُرِيانِك الخير والشرَّ وأسبابهما، حتَّى كأنَّك تُعاين ذلك عيانًا.

 

وبعد ذلك إذا تأملتَ أخبار الأمم وأيام الله في أهل طاعته وأهل معصيته طابق ذلك ما علمتَه من القرآن والسنة، ورأيت تفاصيل ما أخبر الله به ووعد به، وعلمتَ من آياته في الآفاق ما يدلُّك على أن القرآن حق، وأن الرسول حق، وأن الله ينجز وعده لا محالة. فالتاريخ تفصيل لجزئيات ما عرَّفنا الله ورسوله به من الأسباب الكلية للخير والشر.

 

والأمر الثاني: أن يحذر مغالطةَ نفسِه له على هذه الأسباب. وهذا من أهم الأمور، فإنَّ العبد يعرف أنَّ المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته، ولا بدَّ، ولكن تغالطه نفسه بالاتِّكال على عفو الله ومغفرته تارةً، وبالتسويف بالتوبة تارةً، وبالاستغفار باللسان تارةً، وبفعل المندوبات تارةً، وبالعلم تارةً، وبالاحتجاج بالقدر تارةً، وبالاحتجاج بالأشباه والنظراء والاقتداء بالأكابر تارةً.

 

وكثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل، ثم قال: "أستغفر الله" زال أثر الذنب، وراح هذا بهذا!


وهذا الضرب من الناس قد تعلَّق بنصوص الرَّجاء، واتَّكل عليها، وتعلَّق بها بكلتا يديه. وإذا عُوتِب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء.

 

حسن الظن بالرب إنما يكون مع طاعته:

ولا ريب أنَّ حسن الظن إنَّما يكون مع "الإحسان"، فإنَّ المحسن حسن الظن بربه أنَّه يُجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصرُّ على الكبائر والظلم والمخالفات، فإنَّ وحشة المعاصي والظلم والإجرام تمنعه من حسن الظن بربِّه. وهذا موجود في الشاهد، فإنَّ العبد الآبق المسيء الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به.

 

ولا يجامع وحشةَ الإساءة إحسانُ الظنِّ أبدًا، فإنَّ المسيء مستوحش بقدر إساءته. وأحسنُ الناس ظنًّا بربِّه أطوعُهم له، كما قال الحسن البصري: إنَّ المؤمن أحسن الظنَّ بربِّه، فأحسن العمل، وإنَّ الفاجر أساء الظنَّ بربِّه، فأساء العمل.

 

وكيف يكون محسنَ الظن بربِّه مَنْ هو شارد عنه، حالٌّ مرتحل في مساخطه وما يغضبه، متعرض لِلَعْنَتِه، قد هان حقُّه وأمرُه عليه فأضاعه، وهان نهيه عليه فارتكبه، وأصرَّ عليه!

 

وكيف يحسن الظن به من بارزه بالمحاربة، وعادى أولياءه، ووالى أعداءه، وجحد صفات كماله، وأساء الظن بما وصف به نفسه ووصفَتْه به رُسُلُه، وظن بجهله أن ظاهر ذلك ضلال وكفر؟

 

وكيف يحسن الظنَّ به من يظن أنه لا يتكلَّم، ولا يأمر، ولا ينهى، ولا يرضى، ولا يغضب؟

 

حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه:

ومن تأمل هذا الموضع حقَّ التأمل علِمَ أنَّ حسنَ الظن بالله هو حسنُ العمل نفسه، فإنَّ العبد إنما يحمله على حُسْنِ العمل حُسْنُ ظنِّه بربِّه أن يجازيه على أعماله، ويثيبه عليها، ويتقبَّلها منه، فالذي حمله على العمل حُسْنُ الظن، وكلَّما حسُن ظنُّه حسُن عملُه، وإلا فحُسْنُ الظن مع اتِّباع الهوى عجز.

 

وبالجملة، فحسن الظن إنَّما يكون مع انعقاد أسباب النجاح، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك، فلا يتأتَّى إحسان الظن.

 

فإن قيل: بل يتأتَّى ذلك، ويكون مستندُ حسن الظن سعةَ مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده، وأنَّ رحمته سبقت غضبه، وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضرُّه العفو.

 

قيل: الأمرُ هكذا، واللهُ فوق ذلك، وأجلُّ وأكرم وأجوَد وأرحم، ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به، فإنه سبحانه موصوف بالحكمة، والعزة، والانتقام وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة، فلو كان معوَّلُ حُسنِ الظنِّ على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البرُّ والفاجرُ، والمؤمن والكافر، ووليُّه وعدوُّه، فما ينفع المجرمَ أسماؤه وصفاته، وقد باء بسخطه وغضبه، وتعرَّض لِلَعْنَتِه، وأوضعَ في محارمه، وانتهك حرماته؛ بل حسن الظن ينفع من تاب، وندم، وأقلع، وبدَّل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة، ثم حسَّن الظنَّ، فهذا حسن الظن، والأول غرور! والله المستعان.

 

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 218]، فجعل هؤلاء أهل الرَّجاء، لا البطَّالين والفاسقين.

 

وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 110]، فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها، فالعالِم يضع الرَّجاء مواضعه، والجاهل المغترُّ يضعه في غير مواضعه.

 

أحاديث وآثار لردع الجُهَّال العصاة المغترين برحمة الله:

وكثيرٌ من الجُهَّال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، وضيَّعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يردُّ بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار فهو كالمعاند.

 

وقال معروف: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخِذلان والحمق.

 

وقيل للحسن: نراك طويل البكاء! فقال: أخاف أن يطرحني في النار، ولا يبالي.

 

وسأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد، كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوِّفونا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال: والله لأن تصحب أقوامًا يخوفونك حتى تدرك أمْنًا خيرٌ لك من أن تصحب قومًا يؤمِّنونك حتى تلحقك المخاوف[1].

 

اغترار بعضهم على ما أنعم الله عليه في الدنيا:

وربما اتَّكل بعض المغترِّين على ما يرى من نِعَم الله عليه في الدنيا، وأنه لا يغيَّر به، ويظنُّ أنَّ ذلك من محبة الله له، وأنَّه يعطيه في الآخرة أفضل من ذلك، وهذا من الغرور[2].

 

وقال بعض السلف: إذا رأيت الله يتابع نعمَه عليك، وأنت مقيم على معاصيه، فاحذره؛ فإنما هو استدراج يستدرجك به.

 

وقد قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 33- 35].

 

وقد ردَّ سبحانه على من يظن هذا الظن بقوله: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا * كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾ [الفجر: 15 - 21]؛ أي: ليس كلُّ من نعَّمتُه ووسَّعتُ عليه رزقَه أكون قد أكرمتُه، ولا كلُّ من ابتليتُه وضيَّقت عليه رزقه أكون قد أهنتُه؛ بل أبتلي هذا بالنعمة، وأكرم هذا بالابتلاء.

 

وقال بعض السلف: رُبَّ مستدرج بنعم الله عليه، وهو لا يعلم، ورُبَّ مغرور بسَتْر الله عليه، وهو لا يعلم، ورُبَّ مفتون بثناء الناس عليه، وهو لا يعلم.

 

أعظم الخلق غرورًا من اغترَّ بالدنيا وعاجلها:

فآثرها على الآخرة، ورضي بها من الآخرة، حتى يقول بعض هؤلاء: الدنيا نقد، والآخرة نسيئة، والنقد أنفع من النسيئة! ويقول بعضهم: ذَرّة منقودة، ولا دُرّة موعودة! ويقول آخر منهم: لذاتُ الدنيا متيقَّنة، ولذات الآخرة مشكوك فيها، ولا أدع اليقين للشك!

 

وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله، والبهائم العُجْم أعقل من هؤلاء، فإنَّ البهيمة إذا خافت مضرةَ شيء لم تُقْدِم عليه ولو ضُرِبَتْ، وهؤلاء يُقدِم أحدُهم على عطَبه، وهو بين مصدِّق ومكذِّب، فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء، فهو من أعظم الناس حسرةً؛ لأنه أقدم على علم، وإن لم يؤمن بالله ورسوله، فأبْعِدْ له!

 

وقول هذا القائل: "النقد خير من النسيئة"، فجوابه أنَّه إذا تساوى النقد والنسيئة، فالنقد خير، وإن تفاوتا وكانت النسيئة أكثر وأفضل، فهي خير، فكيف والدنيا كلُّها من أوَّلِها إلى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة![3]

 

أسباب تخلُّف العمل مع التصديق الجازم بالمعاد:

فإن قلت: كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار، ويتخلَّف العمل؟ وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غدًا إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشدَّ عقوبة، أو يكرمه أتمَّ كرامة، ويبيت ساهيًا غافلًا، لا يتذكر موقفه بين يدي الملك، ولا يستعدُّ له، ولا يأخذ له أهبته؟ قيل: هذا - لَعمرُ الله - سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق، واجتماعُ هذين الأمرين من أعجب الأشياء.

 

وهذا التخلُّف له عدة أسباب:

أحدها: ضعف العلم ونقصان اليقين، ومن ظنَّ أن العلم لا يتفاوت، فقولُه من أفسد الأقوال وأبطلها. وقد سأل إبراهيم الخليل ربَّه أن يُريه إحياءَ الموتى عيانًا، بعد علمه بقدرة الربِّ على ذلك، ليزداد طمأنينةً، ويصير المعلوم غيبًا شهادةً[4].

 

فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدمُ استحضاره وغَيبتُه عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها، لاشتغاله بما يضادُّه، وانضمَّ إلى ذلك تقاضي الطبع، وغلَباتُ الهوى، واستيلاءُ الشهوة، وتسويلُ النفس، وغرورُ الشيطان، واستبطاءُ الوعد، وطولُ الأمل، ورقدةُ الغفلة، وحبُّ العاجلة، ورُخَصُ التأويل، وإلفُ العوائد، فهناك لا يمسك الإيمانَ إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا؛ ولهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان حتى ينتهي إلى أدنى أدنى مثقال ذرة في القلب.

 

وجِمَاعُ هذه الأسباب يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر؛ ولهذا مَدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين، وجعلهم أئمة الدين، فقال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

 

الفرق بين حسن الظن والغرور:

فقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأنَّ حسن الظن إن حمل على العمل، وحثَّ عليه، وساق إليه، فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي، فهو غرور.

 

وحسن الظن هو الرجاء. فمن كان رجاؤه حاديًا له على الطاعة، زاجرًا له عن المعصية، فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاءً، ورجاؤه بطالةً وتفريطًا، فهو المغرور.

 

ولو أن رجلًا له أرض يؤمِّل أن يعود عليه من مُغَلِّها ما ينفعه فأهملها، ولم يبذُرها، ولم يحرثها، وأحسن ظنه بأنه يأتي من مغلِّها ما يأتي مَن حَرَث، وبَذَر، وسقَى، وتعاهَد الأرضَ، لعدَّه الناس من أسفه السفهاء.

 

وسرُّ المسألة أنَّ الرَّجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه، وقدَره، وثوابه وكرامته؛ فيأتي العبد بها، ثم يحسن ظنَّه بربه، ويرجوه ألَّا يكِلَه إليها، وأن يجعلها موصلةً إلى ما ينفعه، ويصرف ما يعارضها، ويبطل أثرها.

 

وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 218]، فتأمَّلْ كيف جعل رجاءَهم إتيانَهم بهذه الطاعات! وقال المغترون: إنَّ المفرِّطين المضيِّعين لحقوق الله، المعطِّلين لأوامره، الباغين على عباده، المتجرِّئين على محارمه، أولئك يرجون رحمة الله!

 

لوازم الرجاء:

ومما ينبغي أن يعلم أنَّ من رجا شيئًا استلزم رجاؤه أمورًا:

أحدها: محبة ما يرجوه.

الثاني: خوفه من فواته.

الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.

 

وأما رجاءٌ لا يقارنه شيء من ذلك، فهو من باب الأماني، والرجاء شيء، والأماني شيء آخر، فكلُّ راجٍ خائفٌ، والسائر على الطريق إذا خاف أسرَعَ السيرَ مخافةَ الفوات.

 

كل راجٍ خائف:

وهو سبحانه كما جعل الرَّجاء لأهل الأعمال الصالحة، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال لا البطَّالين، فعُلِمَ أنَّ الرَّجاء والخوف النافع هو ما اقترن به العمل، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57- 61][5].

 

والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن. ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير - بل التفريط - والأمن!

 

خوف الصحابة على أنفسهم من النفاق:

قال البخاري في صحيحه: "باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر. وقال إبراهيم التَّيمي: ما عرضتُ قولي على عملي إلا خشيتُ أن أكون مكذَّبًا. وقال ابن أبي مليكة: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلُّهم يخاف النفاقَ على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل. ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمِنَه إلا منافق".

 

وكان عمر بن الخطاب يقول لحذيفة: أنشُدك الله، هل سمَّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني في المنافقين فيقول: لا، ولا أزكِّي بعدك أحدًا.

 

فسمعتُ شيخنا[6] - رحمه الله - يقول: ليس مراده أنِّي لا أبرِّئ غيرك من النفاق، بل المراد: لا أفتح عليَّ هذا الباب، فكلُّ من سألني: هل سمَّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأزكيه.

 

قلت: وقريب من هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي سأله أن يدعو له أن يكون من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: "سبقك بها عكاشة". ولم يُرِد أنَّ عكاشة وحده أحقُّ بذلك ممن عداه من الصحابة، ولكن لو دعا له لقام آخر وآخر، وانفتح الباب، وربَّما قام من لم يستحق أن يكون منهم، فكان الإمساك أولى، والله أعلم.



[1] ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُجاءُ بالرجل يوم القيامة، فيُلقَى في النار، فتندلق أقتابُ بطنه، فيدور في النار كما يدور الحمار برَحاه، فيُطيف به أهلُ النار، فيقولون: يا فلان، ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عُرِجَ بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمِشون وجوههم وصدورهم، فقلتُ: مَن هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".

وفيه أيضًا عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: "يا مقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك"، فقلنا: يا رسول الله، آمنَّا بك وبما جئتَ به، فهل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إنَّ القلوب بين إصبَعين من أصابع الله، يقلِّبها كيف يشاء".

وفي صحيح مسلم عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُؤتَى بأنعَمِ أهل الدنيا من أهل النار، فيُصبَغ في النار صَبغةً، ثم يقال له: يا بن آدم، هل رأيتَ خيرًا قطُّ؟ هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا ربّ، ويُؤتى بأشدِّ الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صَبغةً، فيقال له: يا بن آدم، هل رأيت بؤسًا قطُّ؟ هل مرَّ بك شدة قطُّ؟ فيقول: لا، والله يا ربِّ ما مرَّ بي بؤس قط، ولا رأيتُ شدة قط".

[2] قال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان، حدثنا رشدين بن سعد، عن حرملة بن عمران التجيبي، عن عُقْبة بن مسلم، عن عُقْبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتَ الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحِبُّ، فإنما هو استدراج". ثم تلا قوله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

[3] كما في مسند الإِمام أحمد والترمذي من حديث المستورِد بن شدَّاد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يُدخِلُ أحدُكم إصبَعَه في اليمِّ، فلينظُرْ بم ترجع"؟

[4] روى أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس الخبر كالمعاينة".

[5] روى الترمذي في جامعه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلُّون ويتصدَّقون، ويخافون ألَّا يُتقبَّل منهم. أولئك يسارعون في الخيرات". وقد روي من حديث أبي هريرة أيضًا.

[6] يقصد شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لطائف من كتاب الداء والدواء (1)
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (3)
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (4)
  • روائع الانتقاء من كتاب الداء والدواء
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (5)
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (6)
  • رحيق الشفاء من كتاب الداء والدواء
  • لطائف من كتاب الداء والدواء (8)

مختارات من الشبكة

  • لطائف من كتاب الداء والدواء (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من غزوة الطائف (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من غزوة الطائف (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لطائف من غزوة الطائف (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دعوة إلى مطالعة كتاب "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف"؛ لابن رجب الحنبلي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوجيه الصوتي للقراءات القرآنية في كتاب "لطائف الإشارات لفنون القراءات" للقسطلاني، الصوامت نموذجا(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • من لطائف الإمام ابن عساكر في رواية الكتب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أصحاب الكهف لطائف وفوائد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من كنوز القرآن الكريم: قصة يوسف عليه السلام (وقفات - فوائد - لطائف)(محاضرة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • لطائف من زاد المعاد في هدي خير العباد (6)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب