• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    تفسير سورة المسد
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

حاسب نفسك (خطبة)

حاسب نفسك (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/7/2024 ميلادي - 11/1/1446 هجري

الزيارات: 16370

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حاسب نفسك (خطبة)

 

إن الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بَعْدُ:

فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهدي هدي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكل محدثة بدعة، وَكُلُّ بدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المؤمنين الكرام، الإنسان منذ أن ينزل من بطن أمه إلى هذا الدنيا، وهو يغذُّ السير في طريقه المقدور، ثم إنَّ مرورَ الأيامِ والأعوامِ يُدنيهِ شيئًا فشيئًا من نهاية الطريق، فهو اليومَ أقربُ منه أمس، وهو غدًا أقربُ منه اليوم، وكما أن لعامنا هذا يومًا أخيرًا، فلكل حيٍّ من المخلوقين يومٌ أخير ﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6]، و﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 57].

 

ومع نهاية العام يحسنُ بالمسلم أن يقفَ مع نفسه وقفةَ مُراجعةٍ ومحاسبة، حِفاظًا على ما حقَّقَ من المكاسِبِ، وتصحِيحًا لما وقع فيه من أخطاء، وتلافيًا لما وقع فيه من تقصير، وسعيًا للأفضلِ والأكمل ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10].

 

فلنتأمل يا عباد الله، سنةٌ كاملةٌ نقصَت من أعمارنا، أبعدتنا عن الدنيا، وقرَّبتنا من الآخرة، اثنا عشرَ شهرًا مُتوالِية، فيها من الساعاتِ ما يزيدُ على ثمانيةِ آلافِ ساعةٍ، ومن الدقائقِ ما يربو على نصفِ مليونِ دقيقةٍ، كُلُّها مرَّت تِباعًا، وتصرَّمت سِراعًا، وأُغلِقَت سِجِلاتُها جميعًا، فما الذي أودعناه فيها، وهل ستشهدُ لنا أو علينا، ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، ويقول جل وعلا: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14].

فيا لها من غفلةٍ عظيمةٍ أن يسيرَ الانسانُ في هذه الحياةِ بلا مُحاسبةٍ لنفسه، كيف:

والنفسُ كالطفل إن تهملهُ شبَّ على
حبِّ الرضاع وإن تفطِمهُ ينفطم
والنفس راغبةٌ إذا رغبتها
وإذا تردُّ إلى قليلٍ تقنعُ

 

والله جلَّ جلاله يقول: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1]، وقال أمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه: أيُّها الناس، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]، وقالَ الإمام ابن القيم رحمه الله: "تركُ المحاسبةِ والاسترسالُ، وتسهيلُ الأمورِ وتمشيتُـها، يقودُ إلى الهلاكِ، وهذه حالُ أهلِ الغرور، يُغْمضُ أحدهم عينَيهِ عن العواقبِ ويمشي الحال، ويتكِلُ على العفو، ويُهملُ المحاسبة والنظر في العواقب، فإذا فعل ذلك سهُلَ عليه مواقعةُ الذنوبِ وأنسَ بها وعَسُر عليه فِطامها".

 

وكتبَ عمرُ بن الخطابِ رضي الله عنه إلى بعضِ عمُّالِهِ: "حاسب نفسكَ في الرخاء قبلَ حسابِ الشِّدَّة؛ فإنَّ من حاسبَ نفسهُ في الرخاءِ قبلَ حساب الشدة، عادَ أمرُه إلى الرضا والغِبطة، ومن ألهتهُ حياتهُ وشغلتْـهُ أهواؤه عادَ أمرُه إلى النَّدامة والخسارة"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "إنَّ المؤمنَ لا تراهُ إلا يلومُ نفسهُ على كلِّ حالاته، ويندمُ ويحاسب نفسَهُ، وإنَّ الفاجرَ يمضي قُدُمـًا ولا يعاتبُ نفسَه"، وقال الإمام الماوردي: "محاسبةُ النفسِ أن يتصفحَ الإنسانُ في ليله ما صدرَ من أفعال نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه، وأتبعه بما شابهه وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركهُ إن أمكن، وامتنعَ عن مثله في المستقبل".

 

وقال قتادة رحمه الله: "صلاحُ القلبِ بمحاسبة النفس، وفسادهُ بإهمالها والاسترسالِ معها"، وقال الإمام ابن القيم: "حقٌّ على المؤمن الحازم ألَّا يغفَلَ عن محاسبة نفسهِ والتضييقِ عليها، فكلُّ نَفَسٍ من الأنفاسِ جوهرةٌ نفيسة يمكن أن يُشترى بها كنزٌ لا يتناهى نعيمه، فإضاعةُ هذه الأنفاسِ خُسران عظيم لا يَسمحُ بمثله إلا أجهلُ الناس، وأقلُّهم عقلًا، وإنما يظهرُ لهُ حقيقةُ هذا الخسران يومُ التغابن ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30].

 

فلنَتَذكَّر يا عباد الله، لنتذكر في آخرِ العامِ ونَحنُ نَرى دِقةَ الحِسابِ في بيانات الشَّرِكاتِ، دِقَة حِساب الآخرة ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

 

ولنتذكر كِتابَ أعمالنا الذي سُجِّلَ فيه كُلُّ شيءٍ ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ [الكهف: 49]، فيقال له: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 14].

 

ولنَتَذكَّرُ في آخرِ العامِ ونَحنُ نرى تَقييمَ الموظفينَ السَّنويَّ، فَمنهُم محسنٌ ومسيء، وسعيدٌ وحزين، كَيفَ سيتَفاوتُ تقييم النَّاس يومَ القِيامةِ ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾ [الحاقة: 19 - 27].

 

ولنَتَذكَّرُ في آخرِ العامِ ونَحنُ نرى تَصفيَّةَ التُّجارِ للبَضائعِ القَديمةِ، تَصفيةَ القُلوبِ مِن الشَّحناءِ والخِلافاتِ الأثيمةِ، يَقولُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الحديث الصحيح: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى ‌يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى ‌يَصْطَلِحَا».

 

ولنَتَذكَّرُ ونَحنُ في آخر العَامِ، نِهايةَ الدُّنيا وكأنَّها حِلمٌ مِن الأحلامِ، وأنها مَتَاعُ الْغُرُورِ، متاعٌ مؤقتٌ زائل؛ جَدِيدُهَا يبلى، وَجَمِيلُهَا يذوي، وقَوِيُّهَا يضعف، وَشَبَابُهَا يهرم، وعامرها يخرب ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، أَمَّا الْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا، فَإن شَبَابهَا يبقى ولَا يَبْلَى، وَحَسَنُهَا يزيد لَا ينقصُ، ونعيمها يتجدد ولا ينفد، وأهلها لَا يَمْرَضُونَ وَلَا يَهْرَمُونَ ولا يسأمون وَلَا يَمُوتُونَ ﴿ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 102]، ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 35].

 

فمحاسبةُ النفسِ أمرٌ ضروري ولا بدَّ منه؛ لأنها تبينُ عيوب النفسِ ومثالبها، وتورثُ التواضعَ والسلامة من العجب، ثم إنَّ السائر إلى الدار الآخرة يسلك طريقًا لا توقُّف فيها، وهو بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يسرع في سيره ويجِدَّ في أمره، فلعله أن يصل في أول الركب، فينجو من الآفات، ويفوز مع الفائزين، ويد الله مع الجماعة، وإما أن يتباطأ ويتثاقل، وتتجاذبه السبل يَمْنةً ويَسْرةً، فيوشك ألَّا يصل إلى مراده، وإن وصل وصل متأخِّرًا، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، و(الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني)، وفي الحديث الصحيح: «لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ، وَعَن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ، وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ، وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ».

 

فليتعاهد كل منا نفسه، وليتعود أن يكون له في كل يومٍ قبل نومه جلسة محاسبة، فإن لم يكن ففي الأسبوع مرة، فإن لم يكن ففي الشهر مرة، فإن لم يكن ففي السنة مرة، وليس وراء ذلك إلا الإهمال والغفلة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الحشر: 18 - 20].

 

أقول ما تسمعون...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله، أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].

 

معاشر المؤمنين الكرام، سيقف كلٌّ منا أمام ربه عاريًا حافيًا، يُختمُ على فيهِ، وتتكلَّمُ جوارحهُ، فتهيَّأ يا عبدالله لهذا الموقف الرهيب، العصيب، واجلس مع نفسك وحاسِبها، فقد قال جلَّ وعلا عن الخاسرين: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ﴾ [النبأ: 27]، ولمن يسأل: وعلى ماذا أحاسِبُ نفسي؟ نقول: حاسِبها على فروضك وصلواتك، هل أديتها كما ينبغي، أم قصَّرت فيها، فأول ما يحاسبُ المرءُ على صلاته، حاسِبها على وِرْدِكَ من القرآن، هل تعاهدته أم هجرته، فالقرآنُ حجةٌ لك أو عليك، ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، حاسِبها على أرحامِك وأقاربِك، هل واصلتهم وجدَّدت العهد بهم، أم قطعتهم وهجرتهم، فـ "ما مِن ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يَدَّخرُ لهُ في الآخرةِ، من البَغي وقطيعةِ الرَّحمِ".

 

حاسِبها على أموالك ونفقاتِك، هل اكتسبتها من حلال، وهل أنفقتها فيما يرضى الله تعالى، فكل جِسمٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به، ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، ومنها عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه.

 

حاسِبها على لسانِك، وعلى كلماتِك، فلا يكُبُّ الناسَ في النار إلا حصائِدُ ألسنتهم.

 

حاسِبها على أبنائك وبناتك ومن هم تحت يدك، هل تابعتهم وصدقت النصيحة لهم، فكلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسؤول عن رعيته.

 

حاسِبها على جوالِك وأجهزة حواسيبك، هل كُلُّ ما فيها سليمٌ من المحاذير الشرعية، فالعين تزني وزناها النظر، وفي محكم التنزيل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

 

حاسِبها على أوقاتِك وساعاتِك فيم تمضي وكيف تمرُّ، فالفراغ نعمةٌ كبيرةٌ وأكثرُ الناسِ لا يُحسِنُ استثمارهُ.

 

حاسِبها على غفلاتِك وبعدك عن مولاك، فما ضرب القلوب شرٌّ من الغفلة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

 

حاسِبها على الغيبة والنميمة، فهذا عبدالله بن وهب رحمه الله يقول: نذرت أني كلما اغتبتُ إنسانًا أن أصوم يومًا فأجهدني- أي طال الأمر علي- فنويت أني كلما اغتبتُ إنسانًا أن أتصدَّقَ بدرهم، فمن حُبِّ الدَّراهم تركتُ الغيبة. هكذا يحاسِبُ المسلم نفسهُ، يسألها عن حقوقِ الناس: هل أدَّاها أم ضيَّعها، عن الولائم التي أقامها، والأماكن التي زارها، والمناسبات التي حضرها، والأحاديث التي خاض فيها ونوعها، والرسائل التي كتبها وأرسلها، ونحو ذلك من الأسئلة، وإذا علم الله تعالى من عبده حُسن النيةِ، وصدقَ الرغبةِ في التوبة والتَّحسن، ومحبةَ القيام بما أوجب الله عليه، أعانهُ اللهُ وسدَّدهُ، وهيأ له الأسباب، وفتح له من خزائنِ جوده كل باب، ففي الحديث القدسي الصحيح قال الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرتهُ في ملإِ خيرٍ منه، وإن تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقربتُ منهُ ذراعًا، وإن تقربَ مني ذراعًا تقربتُ منهُ باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتهُ هرولة»، وإن الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم، و﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11].

 

ويا بن آدم، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مُفارِقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تَدين تُدان.


اللهم صل على محمد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حاسب نفسك في ختام هذا الشهر

مختارات من الشبكة

  • نظام الحسبة في الإسلام(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • خطبة حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 27/12/1431هـ - حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أصلح نفسك بنفسك(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تفسير: (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اعرف نفسك بنفسك(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب