• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

غزوة بني قريظة

غزوة بني قريظة
أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/5/2024 ميلادي - 22/11/1445 هجري

الزيارات: 2857

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ


الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ « غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ ».


أَيُّهَا النَّاسُ لَقَدْ ظَهَرَ فِي غَزْوَةِ الأَحْزَابِ غَدْرُ اليَهُودِ وَخِيَانَتَهُمْ، وَكَيْفَ أَنَّهُمْ كَانُوا السَّبَبَ فِي تَجْمِيْعَ الأَحْزَابِ حَوْلَ المَدِيْنَةِ، ثُمَّ خِيَانَةِ يَهُودُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي أَشَدِّ الأَوْقَاتِ وَأَعْظَمَهَا مِحْنَة، فَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَوْنًا لِلمُسْلِمِيْنَ بِحَسْبِ العَهْدِ الَّذِي بَيْنَهُمْ كَانُوا أَحْزَابًا عَلَيْهِمْ مَعَ بَقِيَّةِ الكُفْرِ، فَهَذِهِ - أَيُّهَا النَّاسُ - طَبِيْعَةُ اليَهُودِ الَّتِي لاَ يَنْفَكُّونَ عَنْهَا وَلاَ يَسْتَطِيْعُونَ التَّخَلُّصَ مِنْهَا، وَلِذَا وَصَفَهُمْ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-:﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 100].

 

لِهَذَا كَانَتْ سَبَبُ هَذِهِ الغَزْوَةِ - أَيُّهَا النَّاسُ - هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ الخَنْدَقِ مِنْ نَقْضِ عَهْدِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَمُعَاوَنَتِهِمُ الأَحْزَابِ عَلَى حَرْبِهِ.

 

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: وَكَانَتْ - أَيْ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ - لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ ( فِي السَنَةِ الخَامِسَةِ مِنَ الهِجْرَةِ ).

 

وَكَانَ عَدَدُ جَيْشِ المُسْلِمِيْنَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ المُسْلِمِيْنَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ فَرَسًا.

 

فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [1] مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ »، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ.

 

وَكَانَتْ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ - أَيُّهَا النَّاسُ - يَتَقَدَّمَهَا جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَام- فِي مَوْكِبٍ مِنَ المَلائِكَةِ.

 

فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ»[2]، مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخَنْدَقِ، وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَام- فَقَالَ: « قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ، وَاللهِ مَا وَضَعْنَاهُ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَإِلَى أَيْنَ؟، قَالَ: هَا هُنَا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ ».

 

فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ»[3]، مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِيَ غَنْمٍ، مَوْكِبَ جَبْرَئِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.

 

وَفِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «الصَّحِيْحَةِ»[4]، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ، فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ، قَالَتْ: فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ، فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ، قَالَتْ: فَمَرَّ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يَقُولُ:

لَبِّثَ قَلِيلًا يُدْرِكِ الْهَيْجَا حَمَلْ
مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ

قَالَتْ: فَقُمْتُ فَاقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً، فَإِذَا فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ تَسْبِغَةٌ لَهُ، تَعْنِي: الْمِغْفَرَ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: وَيْحَكِ، مَا جَاءَ بِكِ؟ وَيْحَكِ، مَا جَاءَ بِكِ؟ وَاللهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ، مَا يُؤَمِّنُكِ أَنْ يَكُونَ تَحَوُّزٌ وَبَلَاءٌ؟، قَالَتْ: فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الْأَرْضَ انْشَقَّتْ فَدَخَلْتُ فِيهَا. قَالَ: فَرَفَعَ الرَّجُلُ التَّسْبِغَةَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: فَقَالَ: يَا عُمَرُ، وَيْحَكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمَ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ أَوِ الْفِرَارُ إِلَّا إِلَى اللهِ.

 

قَالَتْ: وَيَرْمِي سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالَ لَهُ: حِبَّانُ ابْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَطَعَهُ فَدَعَا اللَّهَ، فَقَالَ: اللهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ قُرَيْظَةَ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَرَقَأَ كَلْمُهُ، وَبَعَثَ اللهُ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25].

 

فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ بِتِهَامَةَ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرِ بْنِ حِصْنٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ وَوُضِعَ السِّلَاحُ، قَالَتْ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟! وَاللهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ، فَاخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ.

 

فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحِيلِ وَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، فَخَرَجَ فَمَرَّ عَلَى بَنِي غَنْمٍ، وَكَانُوا جِيرَانَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنْ مَرَّ بِكُمْ؟، فَقَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، وَكَانَ دِحْيَةُ تُشْبِهُ لِحْيَتُهُ وَسُنَّةُ وَجْهِهِ بِجِبْرِيلَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَيْهِمْ قِيلَ لَهُمْ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ، فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ ابْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَنَزَلُوا.

 

وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَحُمِلَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ، وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَايَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ، لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ دَارِهِمُ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: قَدْ أَنَى لِسَعْدٍ أَنْ لَا يُبَالِيَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.

 

فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ». قَالَ عُمَرُ: سَيِّدُنَا اللهُ. قَالَ: أَنْزِلُوهُ. فَأَنْزَلُوهُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « احْكُمْ فِيهِمْ».

 

قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ.

 

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ».


قَالَ: ثُمَّ دَعَا اللَّهَ سَعْدٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. فَقَالَ: فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ وَكَانَ قَدْ بَرَأَ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ الْخُرْصِ.

 

قَالَتْ: فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَعَ سَعْدٌ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي كَانَ ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، قَالَتْ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللهُ: ﴿ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

 

قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ: أَيْ أُمَّهْ، فَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ؟ قَالَتْ: كَانَتْ عَيْنُهُ لَا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ.

 

وَفِي بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلَ قَوْلُ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 26، 27].

 

قَالَ القَاسِمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ ﴾؛ أَيْ عَاوَنُوا الْأَحْزَاب وَسَاعَدُوهُمْ عَلَى حَرْب رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ يَعْنِي بَنِي قُرَيْظَة كَانَ قَدْ نَزَلَ آبَاؤُهُمْ الْحِجَاز لَمَّا فَرُّوا مِنَ الاضْطِهَادِ وَتَشَتَّتُوا كُلَّ شَتَاتٍ فِي أَطْرَافِ البِلاَدِ ﴿ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ﴾؛ أَيْ: حُصُونهمْ، ﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾؛ أَيْ وَهُوَ الْخَوْف[5].

 

قَالَ ابْنُ كَثِيْرٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: « ثُمَّ لَمَّا اسْتَنْزَلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ، امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِمْ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يُخْرَجُ بِهِمْ إلَيْهِ أَرْسَالًا، وَفِيهِمْ عَدُوُّ اللهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، رَأْسُ الْقَوْمِ، وَهُمْ سِتُّمِائَةٍ أَوْ سَبْعُمِائَةٍ، وَسَبَيَ مِنْ لَمْ يَنْبُتْ مِنْهُمْ مَعَ النِّسَاءِ وَأَمْوَالِهِمْ. [6]


وَقَالَ: أَيْ ابْنُ كَثِيْرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-:« لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَالؤُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ، فَأَخَافُوا الْمُسْلِمِينَ وَرَامُوا قَتْلَهُمْ لِيَعِزُّوا فِي الدُّنْيَا، فَانْعَكَسَ عَلَيْهِمُ الْحَالُ، وَانْقَلَبَ إِلَيْهِمْ القِتَالُ، لَمَّا انْشَمَرَ الْمُشْرِكُونَ وَرَاحُوا بِصَفْقَةِ الْمَغْبُونِ، فَكَمَا رَامُوا الْعِزَّ ذُلُّوا، وَأَرَادُوا اسْتِئْصَالَ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتُؤْصِلُوا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴾ [الأحزاب: 26]، يَعْنِي: قُتِلَ الرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ، سَبْيِ الذَّرَارِي وَالنِّسَاءِ ».

 

وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدَ فِي «مُسْنَدِهِ» بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْحِ ابْنِ مَاجَهْ»[7]، عَنْ عَطِيَّةُ الْقُرَظِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كُنْتُ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ »، وَفِي رِوَايَةٍ بِهَذَا الحَدِيْثِ وَفِيْهِ: « فَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تَنْبُتْ فَجَعَلُونِي مِنْ السَّبْيِ» [8].

 

قَالَ القَاسِمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: « وَبِتَمَامِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَرَاحَ اللهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ مُجَاوَرَةِ الْيَهُودِ الَّذِينَ تَعَوَّدُوا الْغَدْرَ وَالْخِيَانَةَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا بَقِيَّةٌ مِنْ كِبَارِهِمْ بِخَيْبَرَ مَعَ أَهْلِهَا، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا السَّبَبَ فِي إِثَارَةِ الْأَحْزَابِ» [9].

 

قَالَ بَعْضُهُمْ: « يَالَلَّهِ! مَا أَسْوَأَ عَاقِبَةَ الطَّيْشِ! فَقَدْ تَكُونُ الْأُمَّةُ مُرْتَاحَةَ الْبَالِ هَادِئَةَ الْخَوَاطِرِ، حَتَّى تَقُومَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهَا بِعَمَلِ غَدْرٍ يَظُنُّونَ مِنْ وَرَائِهِ النَّجَاحَ، فَيَجْلِبُ عَلَيْهِمُ الشُّرُورَ وَيُشَتِّتُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَهَذَا مَا حَصَلَ لِلْيَهُودِ فِي الْحِجَازِ، فَقَدْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عُهُودٌ يَأْمَنُ بِهَا كُلٌّ مِنْهُمُ الْآخَرَ، وَلَكِنَّ الْيَهُودَ لَمْ يُوفُوا بِتِلْكَ الْعُهُودِ حَسَدًا مِنْهُمْ وَبَغْيًا. فَتَمَّ عَلَيْهِمْ مَا تَمَّ، سُنَّةَ اللهِ فِي الْمُفْسِدِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ أَعْمَالَهُمْ: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 27]؛ أَيْ: وَقَدْ شَاهَدْتُمْ بَعْضَ مَقْدُورَاتِهِ فَاعْتَبَرُوا بِغَيْرِهَا[10].

 

وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

اسْتِشْهَادُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، أَمَّا بَعْدُ:

فَتَقَدَّمَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ « غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ »، وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ «اسْتِشْهَادُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -».

 

جَاءَ فِي «سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ» بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْح التِّرْمِذِيِّ »[11]، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: رُمِيَ يَوْمَ الأَحْزَابِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَتَرَكَهُ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: « اللهُمَّ لا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ»، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ، فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ، وَيُسْتَحْيَا نِسَاؤُهُمْ، ويَسْتَعِينُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَبْتَ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ»، وَكَانُوا أَرْبَعَ مِائَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمُ، انْفَتَقَ عِرْقُهُ، فَمَاتَ.

 

وَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[12]، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْرَجُوهُ، اللهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ، فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

وَلَمَّا مَاتَ -أَيُّهَا النَّاسُ- اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنُ فَرِحًا بِقُدُومِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[13]، مِنْ حَدِيْثِ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَقُولُ: « اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ».


وَحَمَلَتِ المَلائِكَةُ جَنَازَتَهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِفِي «سُنُنِ» التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «المِشْكَاةِ »[14]، مِنْ حَدِيْثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ، وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ».

 

قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَمَّا حُمِلَتْ جِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ)؛ أَيْ: لَمَّا حَمَلَهَا النَّاسُ وَرَأَوْهَا خَفِيفَةً (مَا أَخَفَّ جِنَازَتَهُ) مَا لِلتَّعَجُّبِ (وَذَلِكَ)؛ أَيِ: اسْتِخْفَافُهُ وَاسْتِحْقَارُهُ (لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ)؛ أَيْ: بِأَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، فَنَسَبَهُ الْمُنَافِقُونَ إِلَى الْجَوْرِ وَالْعُدْوَانِ، وَقَدْ شَهِدَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْإِصَابَةِ فِي حُكْمِهِ ( فَبَلَغَ ذَلِكَ )؛ أَيْ: كَلَامُهُمْ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ أَيْ: وَلِذَا كَانَتْ جِنَازَتُهُ خَفِيفَةً عَلَى النَّاسِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: كَانُوا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ حَقَارَتَهُ وَازْدِرَاءَهُ، فَأَجَابَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَلْزَمُ مِنْ تِلْكَ الْخِفَّةِ تَعْظِيمُ شَأْنِهِ وَتَفْخِيمُ أَمْرِهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ، رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.

 

اللَّهُمَ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّه إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.

 

سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.



[1] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4119).

[2] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4117).

[3] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4118).

[4](حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَد (25140)، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي «الصَّحِيْحَةِ» (67).

[5] « مَحَاسِنُ التَّأْوِيْل » (13/ 245).

[6] نَقْلًا مِنْ « مَحَاسِنُ التَّأْوِيْل » (13/ 244).

[7] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (4404)، والتِّـرْمِذِيِّ (1584)، وَالنَّسَائِيِّ (6/ 155)، وَابْنُ مَاجَهْ (2541)، وَأَحْمَد (4/ 310)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ - فِي «صَحِيْحِ َابْنُ مَاجَه» (2541).

[8] « تَفْسِيْرُ ابْن كَثِيْر » (3/ 478) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْر.

[9] « مَحَاسِنُ التَّأْوِيْل » (13/ 246).

[10] « مَحَاسِنُ التَّأْوِيْل » (8/ 65).

[11] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد(5/ 205)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ-رَحِمَهُ اللهُ-فِي «صَحِيْحِ أَبَي دَاوُد» (1582).

[12] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4122)، وَمُسْلِمٌ (1769).

[13] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3803)، وَمُسْلِمٌ (2469).

[14] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيِّ(3849)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي «مِشْكَاةِ المَصَابِيْحِ» (6228).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • غزوة بني قريظة الغدر والعقوبة
  • غزوة بني قريظة دروس وعبر
  • أحداث غزوة بني قريظة
  • قصة غزوة بني قريظة
  • خاتم النبيين (26) غزوة بني قريظة
  • غزوة بني قريظة في ذي القعدة وصدر من ذي الحجة سنة خمس من الهجرة
  • غزوة بني قريظة: دروس وعبر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • غزوة حمراء الأسد والرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وغزوة بني المصطلق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس وعبر من غزوة: «الخندق» و «بني قريظة»(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • غزوة: « بني قريظة »(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • غزوة خالد بن الوليد بني جذيمة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (15)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موسوعة المتسابقين في السيرة النبوية (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس غزوة الخندق وبني قريظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة تبوك أو العسرة(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • نظرية السلم الاجتماعي من خلال تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب