• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

تفسير سورة التوبة (الحلقة الحادية عشرة) المنافقون حسدة بخلاء لمازون

تفسير سورة التوبة (الحلقة الحادية عشرة) المنافقون حسدة بخلاء لمازون
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/5/2024 ميلادي - 20/11/1445 هجري

الزيارات: 1652

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة التوبة (الحلقة الحادية عشرة)

المنافقون حَسَدةٌ بخلاء لمَّازون


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 73 - 80].

في السنتين الأخيرتين من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وغزوة حنين والطائف كان الورم النفاقي قد تضخم في المجتمع المسلم وبلغ أوجه، سواء من حيث عدد المنافقين أو من حيث شدة خطرهم وحِدَّة مكرهم، وبلغت محاولات اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم عددًا لا يكاد يُحصى، من يوم حاول فيه أبو جهل في مكة قتله غيلة، فعجز ونكص على عقبيه وهو يتقي بيديه، فقيل له: "ما لك؟"، فقال: "إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلـى الله عليه وسلم: (لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا)، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6]...الآية، وإلى آخر محاولة فاشلة أثناء عودته من غزوة تبوك؛ إذ دبر اثنا عشر من جيشه ليلًا مؤامرة لاعتراض ناقته، ودفعها في أعلى وأضيق ممر بالعقبة، كي يسقط في هوتها ويقتل، فلا عين رأت ولا أذن سمعت، وطيلة سنوات هجرته صلى الله عليه وسلم، استعانوا في المكر به ومحاولة القضاء عليه ببقايا أهل الكتاب في المدينة وسائر أطراف الجزيرة، وسخرهم لنفس الهدف ملك الروم في القسطنطينية، ولكن عناية الله عز وجل قرآنًا ينزل وملائكة تتنزل، كانت لهم بالمرصاد، تطمئنه بما كُتِب له من السلامة والعصمة والحفظ، وتكشف له نواياهم ومؤامراتهم، وتحذره من مكرهم، من أول خطواته صلى الله عليه وسلم في غار حراء إلى آخر ما نزل من القرآن في حجة الوداع، قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم بحوالي ثلاثة أشهر؛ إذ خاطبه الله تعالى في سورة المائدة وهي آخر سورة نزلت قبل سورة النصر بقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 41]، وهي آية جامعة موجزة لحال المنافقين عقيدةً ومكرًا وخيانةً وتآمرًا، أصبحوا به ورمًا خبيثًا في الجسد الإسلامي نزلت بتشخيصه وكشف أبعاده ومخاطره من قبلُ سورةُ التوبة في السنة التاسعة للهجرة بعد غزوة تبوك، وقد بلغت فيها المؤامرات عليه صلى الله عليه وسلم أوجها على يد عتاة للمنافقين في صفه، أجمعوا على التخلص منه والتحلل من دينه، بجريمة تامة الأركان تقتضي اغتياله وبناء مسجد ضرار بديل لمسجده صلى الله عليه وسلم واتخاذ مركز بديل لمركز دعوته[1]، ومبايعة زعيم بديل للنبوة يباركه ملك الروم، هو أبو عامر الراهب الذي سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبا عامر الفاسق"، وما تم تفصيله في هذه السورة المباركة من أمر المنافقين وتم شرحه فيما سبق، من قوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [التوبة: 42]، إلى: قوله عز وجل: ﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [التوبة: 70]، وإذ استنفد نصح المنافقين وتأنيبهم وتحذيرهم غايته القصوى، ولم يبق حكمة ولا سياسة ولا لكف شرهم إلا اتخاذ القرار الحاسم باستئصالهم، حمايةً للدين وأمته الناشئة ورسولها الكريم صلى الله عليه وسلم ما لم يتوبوا، نزلقوله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التوبة: 73]، وهي المرة الثانية التي نزلت فيها هذه الآية الكريمة بعد نزولها من قبل في سورة التحريم وظروف مشابهة بقوله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التوبة: 73]، وكان في مخاطبة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم بصفة النبوة لا باسمه المجرد؛ إذ قال له: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾، تفضيلٌ خاصٌّ له على غيره من الرسل والأنبياء؛ إذ خاطبهم بأسمائهم المجردة، فقال: ﴿ يَاآدَمُ ﴾ [البقرة: 35]، و﴿ يَانُوحُ ﴾ [هود: 32]، و﴿ يَامُوسَى ﴾ [طه: 11]، و ﴿ يَاعِيسَى ﴾ [المائدة: 116].


والأمر بالجهاد بعد النداء بقوله عز وجل:﴿ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ يوجب مجاهدتهم جميعًا، ويضعهم تحت حكم واحد يسري عليهم، وإن كان بعض الفقهاء يترددون في اعتبار المنافقين كفارًا، ويرون جهادهم بالنصح والتذكير والتخويف والتحذير.


ولئن اختلف الفقهاء والمفسرون حول مفهوم جهاد الكفار والمنافقين، فإن الصحيح في نظري- والله أعلم - أن الآية نزلت في المحاربين والمتآمرين منهم والذين استباحوا دماء المسلمين في مكة قبل الهجرة، وهاجموهم بعدها في المدينة، وتآمروا عليهم، وألَّبوا عليهم قبائل الجزيرة العربية، وصار بعضهم أداة بيد الروم، ويدخل فيهم من يفعل فعلهم في كل زمان ومكان، ولم تنزل في المسالمين منهم والذين كانوا يزورون الرسول صلى الله عليه وسلم ويسألونه ويحاورونه ويجادلونه ويناظرونه ويستفتونه أحيانًا، وفي أمثالهم من كل عصر، كما تبيَّن من قبل فيما سبق من سورة التوبة، وفي جميع سور القرآن الكريم قبلها وبعدها، وأن جهاد المسالمين من غير المسلمين بكل فئاتهم وعقائدهم لا يكون إلا ببذل الجهد في تعريفهم بالإسلام وتبليغهم عقيدته وآدابه ومناهجه وإعطائهم القدوة من النفس، عملًا بقوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]، وقوله عز وجل: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، وذلك هو السبيل الذي نهجه الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته في معاملته أهل الكتاب وغيرهم من عبدة الأوثان، لم يحد عنه إلى أن توفَّاه الله إليه، أما الحروب التي خاضها فكانت كلها دفاعية في جوهرها، ودفاعية في مسيرتها التاريخية، كما يبدو واضحًا للدارس المتمعن لأحداثها ومثيراتها وأهدافها، ويوجب إعادة دراستها بمنهج فقهي وعلمي وسياسي وإستراتيجي وعسكري.


وحرف ﴿ يَا ﴾ في هذه الآية الكريمة للنداء، مناداه "أيُّ" مبني على الضم، و﴿ النَّبِيُّ ﴾ بدل من "أيُّ"، و﴿ جَاهِدِ ﴾ فعل أمر حُرِّك بالكسر لالتقاء الساكنين، والفاعل مستتر تقديره: أنت؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم ومن يأتمر بأمره ويستن بسنته، و﴿ الْكُفَّارَ ﴾ مفعول به منصوب.


ثم أضاف الحق تعالى للأمر بجهادهم الأمرَ بالإغلاظ عليهم، فقال عز وجل: ﴿ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾، والإغلاظ لغة من فعل "غلُظ"؛ أي: اشتدَّ وخشن أو ثخن وصلب، خلاف لان ورقَّ ودقَّ، يقال: أغلظ له في القول أو المعاملة؛ أي: اشتدَّ عليه، والإغلاظ على المنافقين والكفار في هذه الآية ورد مطلقًا غير مقيد، ويعني معاملتَهم بالتشدد والخشونة والازدراء، والإجهازَ عليهم بقوة في الحرب؛ لأنهم جمعوا إلى الكفر والنفاق آفات الغدر والخيانة والقتل غيلة والتآمر مع العدو الخارجي ملك الروم في القسطنطينية ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ والمأوى لغة اسم مكان من فعل "أوى"؛ أي: لجأ إلى مأمن، فيقال: أوى الرجل إلى بيته؛ لأن بيته آمن، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ [الكهف: 10]، وقوله عز وجل: ﴿ وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ﴾ [المؤمنون: 50]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]، وسميت جهنم مأوى وهي للعذاب وليست للأمن نكاية بالكفار والمنافقين وزراية، كما في قوله تعالى عن العذاب فيها: ﴿ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ [الدخان: 48، 49]، وقوله عز وجل عنها: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 39]، ثم وصف تعالى مآلهم في مأواهم بالبؤس والشقاء، وقال: ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.


إن هذا الأمر الإلهي بجهاد الكفار والمنافقين والإغلاظ عليهم كان ضرورة مرحلية لبقاء الإسلام مكينًا في الأرض؛ لأن سعيهم الحثيث للقضاء عليه بتصفية نبيه والصادقين من أتباعه في هذه المرحلة بلغ أوجه، وقد أخذوا يشنون عليه حروبهم النفسية والسياسية والاجتماعية وينصبون له كمائن الغدر والخيانة تباعًا، حتى إذا انكشف ما دسوا أو مكروا تبرؤوا من فعلهم، ويتقولون الأقاويل زورًا وبهتانًا في حق الرسول صلىالله عليه وسلم فإن انكشف الباهتون والمزورون جاءوه ينكرون أقوالهم وأفعالهم، ويقسمون بأغلظ الأيمان، وهو صلى الله عليه وسلم يداري مكرهم ودسائسهم وإنكارهم وأيمانهم الغُمُس[2] على براءتهم منها، من ذلك على سبيل الاستشهاد وضرب المثل لا على سبيل الإحصاء والحصر ما أخرجه عبدالرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عُرْوَة أَن رجلًا من الْأَنْصَار يُقَال الْجُلاس بن سُوَيْد قَالَ لَيْلَة فِي غَزْوَة تَبُوك: "وَالله لَئِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًّا لنَحْنُ شَرٌّ من الْحمير"، فَسَمعهُ غُلَام يُقَال لَهُ عُمَيْر بن سعد وَكَانَ ربيبه، فَقَالَ لَهُ: "أَي عَمّ، تُبْ إِلَى الله"، وَجَاء الْغُلَام إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ، فَجعل يحلف وَيَقُول: "وَالله مَا قلت يَا رَسُول الله"، فَقَالَ الْغُلَام: "بلَى وَالله لقد قلته فتب إِلَى الله، وَلَوْلَا أَن ينزل الْقُرْآن فيجعلني مَعَك مَا قلته"، فجَاء الْوَحْي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَكَتُوا فَلَا يتحركون إِذا نزل الْوَحْي، فَرفع عَن النَّبِي فَقَالَ: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ﴾، فَقَالَ الجُلاس: "قد قلته وَقد عرض الله عليَّ التَّوْبَة فَأَنا أَتُوب"، فَقُبِل ذَلِك مِنْهُ، وَقتل لَهُ قَتِيل فِي الإِسلام فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ دِيَته فاستغنى بذلك، وَكَانَ همَّ أَن يلْحق بالمشركين، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للغلام: (وَعَتْ أُذُنك)، وما قاله ابن أُبَيٍّ مع جمع من المنافقين: "سَمِّن كَلبَك يأكُلك" كما أخبر بذلك القرآن بقوله تعالى: ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ [المنافقون: 8]، فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر وحلف[3].


لذلك عقب تعالى على أمره بجهادهم والإغلاظ عليهم، فبيَّن بإيجاز دواعيه ومناسبته لحالهم، وقال عز وجل: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ﴾؛ أي: إنهم يحلفون لرسوله صلى الله عليه وسلم كلما انكشف مكرهم أنهم لم يصدر عنهم ما يؤدي إلى الكفر من قول سوء في حقه صلى الله عليه وسلم، أو في حق دينه، أو أمرٍ بقتله أو التحريض عليه، أو الرضا بما قد يؤذيه.


وقوله تعالى: ﴿ يَحْلِفُونَ ﴾ فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو ضمير الفاعل، ﴿ باللهِ ﴾ جار ومجرور متعلقان بـ﴿ يَحْلِفُونَ ﴾، و﴿ مَا ﴾ حرف نفي و﴿ قَالُوا ﴾: فعل ماضٍ مبنيٌّ على الضم، والواو: فاعل، ومفعول "قالوا" محذوف دلت عليه الآية بعدها؛ وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ﴾؛ أي: ولكنهم قالوا كلمة الكفر وائتمروا بها، واطمأنت بها نفوسهم ظلمًا وعدوانًا، وكلمة الكفر مصطلح لكل كلمة تخرج من المِلَّة، كما أن كلمة الإسلام مصطلح للنطق بالشهادتين ﴿ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ﴾، هموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم غيلة عند العقبة مرجعه من غزوة تبوك، ولكن الله أفشل مساعيهم، وأبطل كيدهم، فلم ينالوا ما هَمُّوا به، مثلما لم ينالوا من قبل ما أرادوه من اغتياله في مكة قبل الهجرة، وفي المدينة بعدها مرات عديدة يعصمه الله وينجيه منهم فيها، وما هَمُّوا به من اتخاذ مسجد ضرار بديلًا لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيعة أبي عامر الفاسق زعيمًا يرث دعوة الإسلام إذا ما تم اغتياله صلى الله عليه وسلم في العقبة.


ثم بيَّن الحق تعالى ما دعاهم لمحاولة قتله صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل: ﴿ وَمَا نَقَمُوا ﴾، والفعل "نقموا" من فعل "نقَم" ينقِم الشيءَ؛ أي: أثار حفيظته ودعاه لرد فعل عدواني أو عنيف، مثل قوله تعالى: ﴿ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ [المائدة: 59]؛ أي: هل تنكرون منا إلا أننا آمنا بالله وما أنزل إلينا من القرآن، فتغتاظون وتعتدون علينا، ومنه "النِّقْمَةُ" وهي الإِنكار للشيء أو الفعل بغضب عدواني، كما كان موقف المنافقين من انتصارات الرسول صلى الله عليه وسلم وإفاضته الغنى بأمر الله على المسلمين برهم ومنافقهم ﴿ إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾؛ أي: ما آثار حفيظة المنافقين ونقمتهم عليه صلى الله عليه وسلم إلا أن الله آثره عليهم بالفضل، فأغدق عليهم بأمر الله من الغنائم والزكوات وأموال الفيء والصدقات، وملكهم الأسرى، فسخروهم للخدمة والتجارة والزراعة والأشغال العامة، واغتنوا من فضل الله، فبطروا النعمة، واستطابوا الراحة والنعيم، وتنصَّلوا من أداء الحقوق زكاة أو صدقة وواجبات أو جهادًا ومدافعة، وظنوا أن موته صلى الله عليه وسلم يعفيهم من الحرج بكفر يكتمونه، والتمتع بأموال يكنزونها، أو عودة إلى أوثان هجروها، ويشفي صدورهم من حسد له حملوه من رواسب جاهلية قبلية لم يتخلَّصوا منها.


ولأن رحمة الله تسع البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وقد قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وقال: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، فإنه سبحانه وتعالى، على رغم ما ارتكبوه من الآثام، وما بدا من نفاقهم واشتد من عدوانهم، وإثباتًا للحجة عليهم، عرض عليهم التوبة من جديد كي يتوبوا، كما كان قد عرض عليهم الإسلام من قبل فأسلموا ثم ارتدُّوا، وقال تخييرًا لهم بينها وبين الإصرار على الردة والخيانة والغدر والعدوان: ﴿ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ ﴾ إن يتوبوا عن ظلم أنفسهم بالكفر وظلم المسلمين ونبيهم صلى الله عليه وسلم بالتآمر غدرًا وخيانةً يكنْ ذلك خيرًا لهم في أنفسهم حاضرًا ومستقبلًا، وحذفت النون جوازًا من جواب الشرط "يكن" لتوفر شروط حذفها[4] ﴿ خَيْرًا لَهُمْ ﴾، كانت التوبة خيرًا لهم في الدنيا والآخرة ﴿ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا ﴾، وإن يعرضوا عن التوبة ﴿ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾، يعذبهم الله في الدنيا على يد المسلمين يسلطون عليهم، وفي الآخرة بنار جهنم ﴿ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾، ولا يجدون إذ يسلط الله عليهم المسلمين ﴿ مِنْ وَلِيٍّ ﴾ يتولَّاهم بحمايته ﴿ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ ينصرهم أو يحميهم من جنود الله.


ثم عقب الحق تعالى بطائفة أخرى من المنافقين وعدوا فأخلفوا، وعاهدوا فخانوا، بغير دافع من الحسد أو الرواسب القبلية الموروثة، وإنما بدافع حب المال والحرص عليه، والتعلق والبخل به، والخوف عليه، فقال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ ﴾ من هؤلاء المنافقين ﴿ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ ﴾ طائفة أعطوا عهدًا لله على يد رسوله ﴿ لَئِنْ آتَانَا ﴾ لئن أعطانا الله ﴿ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ من الرزق فضلًا فوق حاجتنا ﴿ لَنَصَّدَّقَنَّ ﴾ بنون التوكيد الشديدة؛ أي: لنؤتين منه الصدقة، ولنخرجن منه الزكاة ﴿ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ بنون التوكيد الشديدة، من الصالحين عقيدةً ووفاءً بالعهد وصلاحًا في الدين، وقرأ الأعمش الفعلين معًا بنون التوكيد الخفيفة:"لَنَصَّدَّقَنْ وَلَنَكُونَنْ".


والتعبير في هذه الآية الكريمة عن هؤلاء المنافقين بصيغة الجمع، وما نزل من القرآن قبلها بصيغة الجمع كذلك؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]، وقوله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 37]، وقوله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الحديد: 24] وقوله سبحانه: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، دليل على أنهم أصبحوا من الكثرة طائفة مخربة في المجتمع المسلم، وإن لم يبلغنا إلا أخبار لآحاد منهم مثل حاطب بن أبي بلتعة وغيره، كما هو الشأن فيما أخرجه الْحسن بن سُفْيَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والعسكري فِي الْأَمْثَال وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه والباوردي وَأَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: جَاءَ ثَعْلَبَة بن حَاطِب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: "يَا رَسُول الله، ادْع الله أَن يَرْزُقنِي مَالًا"، قَالَ: (وَيحك يَا ثَعْلَبَة، أما ترْضى أَن تكون مثلي، فَلَو شِئْتُ أَن يُسَيِّر رَبِّي هَذِه الْجبَال معي لَسَارَتْ)، قَالَ: "يَا رَسُول الله، ادْعُ الله أَن يَرْزُقنِي مَالًا، فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ إِن آتَانِي الله مَالًا لَأُعْطيَن كل ذِي حق حَقَّه"، قَالَ: (وَيحك يَا ثَعْلَبَة، قَلِيل تطِيق شكره خيرٌ من كثير لَا تطِيق شكره)، فَقَالَ: "يَا رَسُول الله، ادْع الله تَعَالَى"، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللهمَّ ارزقه مَالًا)، فاتَّجَرَ وَاشْترى غنمًا فبُورِك لَهُ فِيهَا، ونمت كَمَا يَنْمُو الدُّود حَتَّى ضَاقَتْ بِهِ الْمَدِينَة، فَتنحَّى بهَا، فَكَانَ يشْهد الصَّلَاة بِالنَّهَارِ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يشهدها بِاللَّيْلِ، ثمَّ نمت كَمَا يَنْمُو الدُّود، فَتنحَّى بهَا، فَكَانَ لَا يشْهد الصَّلَاة بِالنَّهَارِ وَلَا بِاللَّيْلِ إِلَّا من جُمُعَة إِلَى جُمُعَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ نمت كَمَا يَنْمُو الدُّود، فَضَاقَ بِهِ مَكَانُهُ، فَتنحَّى بِهِ، فَكَانَ لَا يشْهد جُمُعَة وَلَا جَنَازَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجعل يتلَقَّى الركْبَان ويسألهم عَن الْأَخْبَار، وفقده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَ عَنهُ فأخبروه أَنه اشْترى غنمًا، وَأَن الْمَدِينَة ضَاقَتْ بِهِ وَأَخْبرُوهُ بِخَبَرِهِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَيْح ثَعْلَبَة بن حَاطِب).


ولذلك عقب تعالى بذكر مآل هذه الطائفة بصيغة الجمع لا بصيغة الإفراد، فقال عز وجل: ﴿ فَلَمَّا آتَاهُمْ ﴾ أعطاهم الله ﴿ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ من رزقه ﴿ بَخِلُوا بِهِ ﴾ ضنوا به ﴿ وَتَوَلَّوْا ﴾ عمَّا عاهدوا الله عليه ﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ عمَّا بذل لهم من النصح والتذكير والتحذير ﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ فجعل الله عقوبتهم وعاقبة أمرهم أن رسخ في قلوبهم النفاق لإصرارهم عليه، فصار سجية فيهم لا فكاك لهم منها ﴿ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾ يوم يلقونه بها ويعرضون عليه متلبسين بها ﴿ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ ﴾ جزاءً وفاقًا لخيانتهم ما عاهدوا الله عليه ﴿ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ على الله وعلى رسوله، ولما مردوا عليه من الكذب في الحياة، وقد روي أن ثعلبة بُعِثَ له في أخذ زكاة ماله فقال: ما هذه صدقة، ما هذه إلا أخت الجزية، فنزلت فيه الآية، فجاء بالصدقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الله منعني أن أقبل منك، فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال له صلى الله عليه وسلَّم: (هذا منك)، ثم جاء بها إلَى أَبِي بَكْر فَلَمْ يَقْبَلهَا، ثُمَّ إلَى عُمَر فَلَمْ يَقْبَلهَا، ثُمَّ إلَى عُثْمَان فَلَمْ يَقْبَلهَا، وَمَاتَ فِي زَمَانه.


كل هؤلاء المنافقين ممن أغناهم الله بعطايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مغانم الجهاد وزكوات المسلمين وصدقاتهم، عاهدوه على الإنفاق في سبيل الله، فلما اغتنوا ضاقوا به صلى الله عليه وسلم، وتآمروا عليه؛ ولذلك عقب تعالى على مواقفهم الجاحدة المتآمرة مستنكرًا تنكرهم لما عاهدوه بقوله عز وجل: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ والهمزة المبدوء بها في هذه الآية لإنكار فعل المنافقين وتوبيخهم وتهديدهم بعاقبة أمرهم؛ أي: هل غابت عنهم حقائق الإيمان إذ أسلموا وبلغهم الرسول ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ﴾ يعلم ما يسرونه في أنفسهم وما يناجون به أقرب الناس إليهم من الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم والسخرية من رسالته والإعداد لقتله ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ وعبَّر تعالى عن علمه بصيغة المبالغة ﴿ عَلَّامُ ﴾ وعن الغيب الذي يعلمه بصيغة الجمع ﴿ الْغُيُوبِ ﴾ إزالة لأي غبش أو لبس في ضمائر المنافقين عن علمه الغيب سبحانه.


ثم أضاف الحق تعالى لهاتين الطائفتين من المنافقين صفة أخرى مشتركة بينهما وبين جميع المنافقين، فقال عز وجل: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾ والاسم الموصول ﴿ الَّذِينَ ﴾ خبر لمبتدأ تقديره: "هم"، مبني على الفتح في محل رفع؛ أي: أولئك المنافقون الذين أغناهم الله ورسوله من فضله، والذين دعا لهم الرسول بالغنى فاغتنوا هم ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ و﴿ الْمُطَّوِّعِينَ ﴾ أصله "الْمُتَطَوِّعِينَ" أدغمت التاء في الطاء لقرب مخرجيهما؛ أي: يعيبونهم، وجملة ﴿ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ ﴾ صلة ﴿ الَّذِينَ ﴾، والجارّ والمجرور ﴿ مِنَ المُؤمِنِينَ ﴾ متعلق بحال من ﴿ الْمُطَّوِّعِينَ ﴾، والجار والمجرور: ﴿ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾ متعلق بـ ﴿ يَلْمِزُونَ ﴾ واللمز لغة هو العيب، من فعل "لمَزَ"؛ أي: عاب تقول: لمزه يلمزه؛ أي: عابه أو ذكره بسوء في وجهه فهو "لمُـَـزَة"؛ أي: طبعه العيب في الناس في وجوههم، مثل هُمَزة للذي يعيبهم في غيبتهم، قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1]، وكان هؤلاء المنافقون من شدة كراهيتهم للمؤمنين وحقدهم عليهم، يتصيدون العيوب ويصطنعونها في الصف المسلم، فلم يسلم من شرهم المؤمنون ولا رسولهم صلى الله عليه وسلم، وقد لمزوه في الصدقات كما في قوله تعالى عنهم: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [التوبة: 58]، ثم عادوا للمز المؤمنين أيضًا فيها بقوله عز وجل: ﴿ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ ﴾؛ أي: المتطوعين بصدقاتهم فيما سوى الزكاة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد حث على الصدقة عند إعداده لغزوة تبوك على أرجح الروايات، فجاء عبدالرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، وَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، جِئْتُكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَاجْعَلْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْسَكْتُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ لِعِيَالِي"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ)، فَبَارَكَ اللَّهُ في مال عبدالرحمن حَتَّى إِنَّهُ خَلَّفَ امْرَأَتَيْنِ يَوْم مَاتَ، فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةً وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَتَصَدَّقَ يَوْمَئِذٍ عَاصِمُ بْنُ عديٍّ الْعَجْلَانِيُّ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، وَجَاءَ الحبحاب أبو عقيل الأنصاري بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِتُّ لَيْلَتِي أَجُرُّ بِالْجَرِيرِ[5] الْمَاءَ حَتَّى نِلْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَمْسَكْتُ أَحَدَهُمَا لِأَهْلِي، وأتيتك بالآخر"، فَأَمَرَه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْثُرَهُ فِي الصدقة، فلمزهم المنافقون، وقالوا: مَا أَعْطَى عَبْدُالرَّحْمَنِ وَعَاصِمٌ إلا رياء، وإن كان اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَغَنِيَّانِ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُذكَر فيمن أعطى الصَّدَقَة، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ ﴾؛ أَيْ: يَعِيبُونَ ﴿ الْمُطَّوِّعِينَ فِي الصَّدَقاتِ ﴾؛ أي: الْمُتَبَرِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ﴾ كما يعيبون أيضًا الفقراء الذين ليس لهم إلا جهدهم يبذلونه للكسب فيتصدقون بما يكسبونه من عمل أيديهم، كما فعل الإمام علي رضي الله عنه؛ إذ أجر نفسه من يهودي يستقي له من بئره كل دلو بتمرة، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جمعه من التمر، ﴿ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ﴾ يستهزئون بهم ويلمزونهم بالسوء ﴿ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ﴾ في الآخرة يوم تعرض الأعمال وتعرف ثمارها جنةً أو نارًا ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في نار جهنم.


لقد حرمهم الله التوبة بهذه الآيات بما نافقوا، وأصرُّوا على السخرية بالمؤمنين، وتصيُّد طرق لمزهم، وإلحاق الأذىبهم، بل سدت في وجوههم أبواب الاستغفار، وفُتِحَت لهم أبواب جهنم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم بما جبل عليه من الرأفة والرحمة وما خصَّه الله به من فضائل الخلق الكريم يستغفر لعامة المؤمنين كلما جاءوه تائبين لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64]، ولكنه عز وجل لغضبه على المنافقين حرمهم هذا الفضل، ومنع رسوله صلى الله عليه وسلم من الاستغفار لهم، فقال له: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 80].


والاستغفار لغةً من "الغَفْر" وهو في معظم معانيه الستر، ومنه المغفرة والغُفْران والغَفْر، ومنه المِغْفَر، وهو حِلَق من حديد تسبغ على عنق المحارب تحت الخوذة[6] فتقيه ضربات العدو، ومنه: غفر الشيء؛ أي: ستره وغطَّاه، زيد فيه الألف والسين والتاء للطلب، ومنه استغفر؛ أي: طلب الستر، وخص في الاستعمال بطلب المغفرة من رب العالمين على ما يقترفه العبد من الآثام، والاستغفار عقيدةً وشرعًا باب من أبواب رحمة الله فتحه عز وجل للتوبة التي لا يُغلَق بابُها إلا عند طلوع الشمس من مغربها، قال الله تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ [الأنعام: 158]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ ﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأنعام: 158].


والآية الكريمة في مضمونها العام أمر من الله تعالى لرسوله بألَّا يستغفر للمنافقين الذين وردت صفاتهم في الآيات السابقة؛ لأن قوله تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ فيه تسوية بين الاستغفار وعدم الاستغفار، وإخبار لطيف لا يحزنه صلى الله عليه وسلم بعدم جدوى القيام بهما، لما قضت به الحكمة الإلهية في تسيير الكون، وصدر به الحكم النهائي من رب العزة تعالى في أمر العباد، زاده وضوحًا قوله تعالى بعدها: ﴿ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾؛ أي: إنك مهما أكثرت من الاستغفار لهم فلن يغفر الله لهم، وتقدير الاستغفار بسبعين مرة لا يراد به مقدار خاص، سبعين أو أكثر أو أقل؛ وإنما يراد به الكثرة والتكثير كما هي عادة العرب فيما يجري به المثل من كلامهم، يؤكد ذلك ما فهمه الرسول صلى الله عليه وسلم إذ عقب على الآية بقوله: (لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَوْ زِدْتُ عَلَى السبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ)[7].


ولذلك بيَّن الحق تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أسباب هذا القرار الحاسم بإبعادهم من رحمة الله، وعدم قبول الشفاعة فيهم، فقال عز وجل: ﴿ ذَلِكَ ﴾ الحكم بألَّا يغفر لهم ﴿ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ كفرًا مخرجًا من المِلَّة أصروا عليه، ولم يسمعوا نصحًا أو تحذيرًا من عاقبته ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ الذين أصرُّوا على الفسق واستعلوا به.



[1] محاولات قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بلغت في حياته قريبًا من عشرين محاولة منها:ما حاوله أبو جهل في مكة قبل الهجرة، وما حاوله عقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص قبل إسلامه مما اعترف به رضي الله عنه عند موته باكيًا، وما أجمعت عليه قريش من قتله ليلة هجرته، وما هَمَّ به سُراقة بن مالك والرسول صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة مع أبي بكر رضي الله عنه، وما أعده أُبَيُّ بن خلف لقتله وهدَّده به جهارًا، وما دبَّره عامر بن الطفيل للغدر به،وما حاوله غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ من بني محارب يوم أُحُد، وما أصابه يوم أُحُد من سقوط في حفرة نصبها له أبو عامر الراهب، وعندما أُفرِد في أحد في سبعة من الأنصار قاتلوا دونه، وما حاوله اليهود من تسميمه، وحاوله بنو النضير من اغتياله وهو جالس إلى جدار من بيوتهم، ثم مؤامرة الاثني عشر منافقًا في طريق عودته من غزوة تبوك، وما هَمَّ به فضَالَةُ بن عُمَير بنِ المـُلوَّح اللَّيثيُّ الذي أَرَادَ قَتْلَه صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، ثم عندما أحاط به المشركون يوم حنين فقَبَضَ قَبْضَة مِنْ تُرَاب ثم استقبل بها وجوههم وقال: (شَاهَتِ الْوُجُوه)، فولَّوا منهزمين، وما حاوله شيبة بن عثمان يوم حنين فغشي عليه ولم يستطع، وحاوله النضير بن الحارث في حنين قبل أن يسلم.
[2] الغُمُس جمع مفرده غَمُوس؛ أي: غامس، بوزن فعول؛ أي: فاعل، يقال: يمين غَموس وأيمان غُمُس، واليمين الغموس هي كل يمين كاذبة يقتطع بها حق أو ينتقص بها من حق أو يؤذى بها إنسان، سميت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، قال صلى الله عليه وسلم: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس).
[3] أخرجه البيهقي فى الدلائل (باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلَّم من تبوك) عن عروة بن الزبير.
[4] تحذف النون من فعل "يكون" إذا كان الفعل مضارعًا، ومجزومًا، وعلامة جزمه السكون، وبعده حرف متحرك، وكان وصلًا لا وقفًا.
[5] الجرير: الحبل.
[6] الخوذة: قبعة من حديد على رأس الفارس تقيه ضربات خصمه.
[7] البخاري والترمذي.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الأولى) شهادة الله تعالى على الأمة آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بها
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثانية) المفاصلة مع الشرك والمشركين ظاهرًا وباطنًا
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثالثة) الوفاء للأوفياء والحزم مع الناكثين الطاعنين
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة) ولائج السوء والبطانات الفاسدة أصل البلاء
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الخامسة) لا مأمن من البلاء إلا بخالص الولاء
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة السادسة) الدولة الإسلامية الناشئة بين سندان أهل الكتاب والمنافقين في الداخل، وبين مطرقة الغزو البيزنطي من الخارج
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة السابعة) {إلا تنصروه فقد نصره الله}
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثامنة) نشأة النفاق في المجتمع الإسلامي الأول
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة التاسعة) مصارع المنافقين في قلوبهم وألسنتهم وأيديهم
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة العاشرة) للمنافقين خسران وللمؤمنين رحمتان
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثانية عشرة) منافقون ذوو طول سفهاء وأعراب حول المدينة جبناء
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الثالثة عشرة) حكمة الوحي وتصنيفه للمجتمع الإسلامي في آخر عهد النبوة
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الرابعة عشرة) الجهاد جهادان، بالقرآن وبالسنان
  • تفسير سورة التوبة (الحلقة الخامسة عشرة - الأخيرة) بالقرآن يتميز الصادق عن المنافق

مختارات من الشبكة

  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مناسك الحج (الحلقة الحادية عشرة)(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الحلقة الحادية عشرة(مقالة - موقع الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب