• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الأمة والعدل (3) (خطبة)

الأمة والعدل (3) (خطبة)
د. أمير بن محمد المدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/5/2024 ميلادي - 20/11/1445 هجري

الزيارات: 4648

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأمة والعدل (3)

 

الحمد لله هدى من شاء من عباده لسلوك سبيل الرشاد، وثبّت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم المعاد، وأضل الظالمين بعدله، فلهم النار وبئس المهاد، أحمده سبحانه حمداً مقراً بفضله ورحمته على العباد.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تنزه عن الشركاء والأنداد، وعن الصاحبة والأولاد، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله، بعثه ربه رحمة للعباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ثبتوا على دين الله، وتزودا من التقوى، فنعم الزاد، والتابعين لهم بإحسان إلى التناد، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وراقبوه؛ فهو القائل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

عباد الله:

إن الظلم ظلمات.. يجعل صاحبه في حبسٍ دائمٍ.. لا يسير إلا وحوله حرس مُدجَّج بالسلاح.. لا ينام ولا يصحو إلا وهو مُتخوِّف من المظلوم الذي يُريد أن يَنتقم منه.. الظلم حين يشيع في أُمَّة لا يمكنها أن تَسْتَقِرَّ أو تستريح. قال تعالى: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42-43]، فالله يُعلِن في كتابه العزيز ألاَّ يتصور الظالِمُ أن الله غافلٌ عن هذا الظلم، فإذا كان الله يمد للظالم في الإمهال فهذا من الاستدراج، لا غفلةً من الله العزيز جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾.

 

عباد الله: الظلم يُعرِّض صاحبه إلى جزاء أليم في هذه الدنيا، فمهما يَطُل الزمان بالظالم، فإن الله تبارك وتعالى لا بد أن يأخذه على أُمِّ رأسه وأن يُشدِّد في أخذه، كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: «إن الله لَيُمْلِي للظالم- أي يُمهله ويعطي له فرصةً وأكثر، فيظلم ويطول له في حبل الأماني- حتى إذا أخذه لم يُفْلته»، ثم قرأ قول الله عز وجل:﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [البخاري ح4409]، ويقول الله عز وجل: ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴾ [الحج: 45]، بعد أن كانت هذه القرية الظالمة تعيش في بَحبُوحة وفي راحة يجعل الله- تبارك وتعالى- عَالِيَها سَافِلَها.

 

الظالم يُسلِّط اللهُ تبارك وتعالى عليه جندَه، وينتقم منه في الدنيا ثم في الآخرة، قد يُؤخره، ولكن إياك أن تظن أن تأخير الله غفلةٌ منه عز وجل.

لا تَظلمنَّ إذا ما كُنتَ مُقتدِرا
فالظلمُ تَرجع عُقبَاهُ إلى النَّدَمِ
تَنَامُ عينُك والمظلوم مُنْتَبِهٌ
يدعو عليك وعَيْنُ اللهِ لم تَنَمِ

 

أنت تنام بعد أن ظَلَمْتَ منفوخ البطن مُغترًَّا بقوتك، والمظلومُ قائمٌ بالليل يُنادي ربه، ويقول: رَبِّ إني مظلوم فانتصر.. تَخرُج الدعوة من فَمِ المظلوم، فلا يمنعها من الله شيء، وتُفْتَح لها أبواب السماء.. إن دعوة المظلوم تُفْتَح لها أبواب السماء، ولا يَقف لها حجابٌ، ويقول رب العزة جل وعلا: «وعزتي وجلالي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين»[أخرجه أحمد (2/445)]، وَعْدٌ من الله أن ينصر المظلوم ولو بعد حين!!

 

حين يفرح الظالم بظلمه ويَستعلي بجبروته، يقول الله عز وجل: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 44 - 45].

 

العدل هو الذي يجعل الحياة في راحة، والظلم هو الذي يجعل الحياة قلقةً مُضطربةً.. العدل ليس فقط عدلاً في القضاء بل هو عدلٌ في كل الأحوال، فالله- جل وعلا- يدعونا أنا وأنت وكلَّ مسلم، يقول جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135]، فلو كنتَ تشهد على نفسك أو على والديك أو على أقاربك لا بد أن تقول الحق ﴿ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135] يُحذِّرُنا الله تبارك وتعالى أن نُغالِط أو نُجَامِل الظالم ولو كان هذا الظالم أبانا أو أخانا أو قريبنا، فضلاً عما سوى ذلك.

 

إنَّ أشدَّ الناس حُمقًا مَنْ يجامل الظالم في ظُلمه؛ لأنه لم يَسْتَفِدْ شيئًا بهذه المُجاملة، وإنما بَاعَ آخرتَه لِيكسب غيره دنياه، أشد الناس حمقًا من باع آخرته بدنيا غيره، باع آخرته ليكسب غيره، حينما لا يقول كلمة الحق.. الظلم جرثومةٌ متى فشت في أُمَّةٍ أهلكها الله عز وجل.

 

عباد الله:

اعلموا أن أعظم صُور الظلم وأشدها وَبَالاً ظُلم الحاكم لِرعيته، وظلم الوالي أهلَ ولايته؛ لأن الناس إنما ينصِّبون الأئمة والرؤساء لِيُحقِّقُوا العدل فيما بينهم.. الناس يختارون رؤساءهم لكي يأخذوا للضعيف حقه من القوي، وللمظلوم حقه من الظالم، فإذا صار الحاكمُ هو الظالِمَ فقُلْ على الدنيا السلام.. إذا صار الذي من واجبه أن يُرسِيَ دعائمَ العدل هو الذي يُقَوِّض العدلَ ويُقيم الظلمَ فقُلْ على الدنيا السلام؛ ولهذا كان أعظم الناس عند الله درجةً وأول الواقفين في ظل عرش الله يوم القيامة: «الإمام العادل». نسال الله أن يهدي ولاة أمرنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد.

 

عباد الله:

الحاكم العادل هو أول من يُنادَى يوم القيامة ليقف في ظلِّ عرش الله؛ لأن الحاكم إذا عدل وأرسى دعائم العدل استقرَّتْ أمورُ الناس، وعاش الناسُ في راحة، فأما إذا جار وظلم فإنه يُشجِّع الناسَ على الظلم.

 

معاوية رضي الله عنه كان قائمًا على المنبر يخطب، فقام أحد المسلمين من التابعين - وكان اسمه أبو مُسلم الخَوْلاني[1] فقال: يا معاوية، قال: نعم. قال: يا معاوية، إنما أنت قبرٌ من القبور «أي غايتك في النهاية أنك ستصير في قبر ولن تخلد في هذه الدنيا»، إن جئتَ بشيءٍ كان لك شيءٌ، وإن لم تجئ بشيءٍ لم يكن لك شيءٌ، يا معاوية: لا تحسبنَّ الخلافة جمعَ المال وتفريقَه، إنما الخلافةُ: القولُ بالحق والعملُ بالْمَعْدَلة، يا معاوية: إنا لا نُبَالِي بكدَر الأنهار ما صَفَتْ لنا رأسُ عيننا، وأنت رأسُ عيننا... يقول: أنت المسئول عن هذه الأمة.. أنت الذي لو أقمتَ العدل أقام من حولك العدل، ولو كان فيهم فاجر أو فاسد، فإن عدلك سيمحو ظلمه وسيكشف أمره ويبعده، لكن إذا كان الظلم منك أنت فلا ينفع عدل من دونك، بل سيتحولون بعد ذلك إلى ظلمة).

إذا كان ربُّ البيت بالدُّفِّ ضاربًا
شِيمَةُ أهل البيت كلهم الرَّقْص

يقول له هذا الرجل الصالح: يا معا وية: إنا لا نُبَالِي بكَدَرِ الأنهار ما صَفَتْ لنا رأسُ عيننا، وأنت رأسُ عيننا، يا معاوية: إياك أن تَحِيفَ على قبيلة من القبائل فيذهب حَيْفُك بعدلك (أي يذهب الظلم بالعدل) والسلام.

 

فقال معاوية رضي الله عنه: يرحمك الله (قَبِل النصيحة مع أنها قُدِّمَت له في محضر من الملأ.. قَبِل النصيحة لأنه يعلم أن الاستقرار في أُمَّةِ محمد بالعمل بهذه النصيحة)، وهكذا كان الصالحون وكان الناصحون.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه, واشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع اخوانه.

 

وبعد عباد الله:

ومن الظلم شيوع المحسوبية والوساطة والرشاوى حينما يُوضَع الإنسان في غير مكانه لأنه قريب من فلان، حين تُبْعَد الكفاءات من أماكنها ويُوَسَّد الأمرُ لغير أهله لأن هذه الكفاءات ليست على هوى فلان، وليست على رغبة فلان، حين تنعدم الشورى ويضيع الحق، ولا يكون الرجل المُناسب في المكان المناسب، ، حينما يشيع هذا الجو؛ فهذا من أعظم الظلم، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: »من ولَّى على المسلمين رجلاً وفيهم مَن هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين »[أخرجه الحاكم في المستدرك (4/92) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".] ، فحين يكون بإمكانِك أو من سلطاتِك توظيفُ شخصٍ ما أو أشخاصٍ ما، فتُوظِّف مَنْ تهواه نفسُك أو يَمِيل إليه قلبُك أو مَنْ يدفع لك الرشوةَ على حساب الحق فقد خُنْتَ اللهَ ورسولَه والمؤمنين، والأُمَّةُ إذا شاع فيها هذا الجو فإنها تعيش في حالة من الحقد والحسد.

 

حين نرى هذه المظالم، حين نرى شَابًا كُفئًا يُبعَد عن موضعه اللائق به ويتقدَّم غيرُه ممن استطاع أن يُجامِل أو يرشو أو كان حسيبًا أو نَسِيبًا، فإن هذا من أنواع المظالم التي تُدمِّر الأمم.. الرشوة يقول فيها تبارك وتعالى: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]، ويقصد القرآن بالحكام كلَّ من كان قادرًا ويأخذ رشوةً لِيُبْعِد إنسانًا عن موضعه، أو يُعطيَ إنسانًا غير حقه.

 

ومن الظلم عباد الله أخذ الناس بالشبهة ومعاملة الناس على سوء الظن، كان المنافقون يُسيئون إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار، وكان يعرفهم  صلى الله عليه وسلم بأسمائهم، وربما عرَّف بعضَ أصحابه بعضَ الأسماء، ومع ذلك لم نسمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم عاقب واحدًا منهم على شيءٍ، فالأصل عنده أن الإنسان بريءٌ ما لم ينطق ويَتلفَّظ ويسمعه الناس، فأَخْذُ الناس بالشبهة ظلمٌ مُبينٌ وإثمٌ كبيرٌ، وإفكٌ يرى صاحبُه عاقبةَ أمره عند الله خُسرانًا مبينًا؛ وكم ظُلم أُناس، وحُبس أُناس، واعتقل أناس والسبب بلاغات كاذبة وتقارير مغلوطة ولهذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: «ادرءوا الحدودَ بالشبهات»[ضعفه الألباني، كما في ضعيف الجامع، رقم ( 258 )]، ويقول: «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فمن وجدتم له مخرجًا فخَلُّوا سبيله».. هذا هو العدل.. العدل ألا يُؤخَذَ إنسانٌ بشبهةٍ ما دام لم يرتكب ما يُوجِب العقوبة، ولا يجوز سَوْقُ الناس إلى التعذيب تحت وطأة الشبهات، بزعم أن هذا هو السبيل لكشف الحق.. فهذا باطل.

 

ومن الظلم عباد الله التَّنَصُّت على الناس لِتَسمُّع ما يقولون، الذي يتنصَّت على عباد الله ليسمع ما يقولون في مجالسهم وفي سِرِّهم، يوم القيامة يُوضَع في أُذنيه الرصاص المغلي المُذَاب في النار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون- أو وهم يَفِرُّون منه- صُبَّ في أُذنَيْه الآنُك يوم القيامة»[رواه البخاري]، والآنك: هو الرصاص المُذَاب من شدة الحرارة، هذا الرصاص يُوضَع في أُذنَيْ مَن يتنصَّت على الناس.

 

سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان قاضيًا على الكوفة، وجاءه رجل فقال: هذا فلانٌ تَقْطُر لحيتُه خمرًا، (أي أن فلان هذا يشرب الخمر)، فقال رضي الله عنه: إنا قد نُهِينا عن التجسس، ولكن إنْ يظهرْ لنا شيءٌ نأخذْ به (أي لا نأخذ الناس بالشبهة).. بل إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مَرَّ يومًا في سكك المدينة فسمع صوت غناء- ومعه عبد الرحمن بن عوف- فقال: يا عبد الرحمن، أتدرى بيتُ من هذا؟ ! قال: لا.. قال: هو بيت فلان، وهم الآن شُرب (أي أنهم يشربون الخمور)، فما ترى؟ ! قال: يا أمير المؤمنين، أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله عز وجل: ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا ﴾، ونحن الآن نتجسس. فانصرف عمر رضي الله عنه (بالرغم من علمه، لكن لا يأخذ بالشبهة).

 

ألوان الظلم كثيرة وفاشية في المجتمعات، ولا سبيل إلى نجاة الأمم إلا بمحاربة هذا الظلم ومنع هذا الظلم.

 

أيها الأحبة الكرام.. العدل فريضة.. أمر اللهُ بها بين الناس.. لا بين المسلمين فحسب.. بل بين الناس ككل، فحينما جاء اليهود يحتكمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾[المائدة: 42]، حتى مع اليهود، ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «إن المُقسطِين على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا»[رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الأمير العادل (12/211) بشرح النووي، عن ابن عمرو. ]، أي هم الذين يعدلون في أحكامهم، سواءٌ كانوا حكامًا أو قضاةً أو أمراءَ أو رؤساءَ مصالح، أو آباءَ في البيوت.. كل هذه ولايات.. بل إن العدل بين الأولاد أمر الله به، فقد جاء رجل اسمه بشير بن ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُشْهِده على أنه أعطَى ولدَه النُّعمان حديقةً، فقال: «يا بشير، أعطيتَ سائرَ ولدك مثلَ ما أعطيتَه؟ »، قال: لا.. قال: «أَتُحِبُّ أن يكونوا في البِرِّ لك سواءً»؟ ! قال: نعم. قال: «فاعدل بينهم»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إني لا أشهد على جور».. (أي أنه صلى الله عليه وسلم لا يشهد على ظلم) وقال: «ساووا بين أولادكم في العَطِيَّة».

 

يُريد الإسلام أن يتحقَّق العدلُ على كل المستويات، على مستوى الأسرة في البيت، وعلى مستوى الإدارة والمصلحة، وعلى مستوى المدينة، وعلى مستوى المحافظة، وعلى مستوى الدولة، وعلى مستوى الخلافة، لا بد أن يكون كل إنسان في موقعه عادلاً، وبهذا تستقر أمور الناس.

 

ما واجب الأمة في مواجهة الظلم؟

على الأُمَّة واجبٌ في مواجهة هذا الظلم؛ فلا يكفي أن نعرف الظلم وتسكت، أو أن نجلس فنتلاوم على الظلم الحاصل، بل لا بد أن يكون لكل منا دورٌ في تحقيق العدالة وفي تحقيق المساواة بين الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك اللهُ أن يَعُمَّهم بعقابٍ من عنده»[ أخرجه أبو داود والترمذي ]، إن من حق الراعي على رعيته أن ينصحوه، وإذا مال وانحرف أن يُقوِّمُوه.. قام أبو بكر رضي الله عنه حين تولَّى الخلافة وقال: أيها الناس: القويُّ فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخُذَ الحقَّ منه، والضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى آخُذَ الحقَّ له، وقام عمر رضي الله عنه فقال: «أيها الناس: لو رأيتُم فيَّ اعوجاجًا فقوِّمُونِي»، فقال رجل: لو رأينا فيك اعوجاجًا لَقوّمناك بحدِّ السَّيْفِ.

 

الأُمَّة حينما تقوم بواجبها فلا يستطيع الظالم أن يسير إلى النهاية.. ضرب اللهُ لنا مثلاً بأكبر الظلَمة على وجه الأرض، كيف ظلم، وهو فرعون، كيف ظلم؟ ! قال: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ﴾ [الزخرف: 54]، أي ظَلَمَهم فاستكانوا له، وتَجَبَّر عليهم فركعوا تحت قدميه، قال لهم: أنا رَبُّكم، فعبدوه من دون الله، والله جل وعلا حين وصف فرعون بالظلم لم يصفه وحدَه، إنما وصفه وكلَّ مَنْ ساعده، فقال: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 8]، فلا بد للأُمَّة إذا رأت الظالم أن تَنصحه، على أي مستوى، المدير في المدرسة، الأب في المنزل.. أيّ مستوى من مستويات القيادة في الأمة، يجب أن يُنْصَح لِيُقام العدلُ بين الناس، وهذا واجبُ الأمة حتى تنهض.. لم نَرَ في تاريخ البشرية ظالمًا رجع عن ظلمه؛ لأنَّ قلبَه رَقَّ للمظلوم.. لم يحدث هذا.. إنما تأخذ الأمم حقوقَها بقوة النصيحة، بقوة العمل:

وما نَيْلُ المطالب بالتَّمَنِّي
ولكن تُؤْخَذُ الدُّنْيَا غِلابَا

حين تَسكتُ الأمةُ كلُّها سيعمُّها الظلمُ، ويُهلكها اللهُ جل وعلا، وحين تَنْشَط الأمةُ وتنهضُ لمحاربة الظلم في كل أشكاله وأصنافه.. حين تمتنع عن دفع الرشوة.. حين تقول كلمةَ الحق ولو على نفسك.. حين تدعو الناس إلى العدل ولو كان في ذلك مَضرَّةٌ عليك.. حين يكون هذا فإن الله تبارك وتعالى يملأ الدنيا سعادةً، ويملأ الحياةَ استقرارًا ورخاءً.

 

أسألُ الله العلى العظيم أن يُقيم فينا العدل وأن يرفع عنا وعن أمتنا الظلم والضَّيْم.

 

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.



[1] أَبُو مُسْلِم الخَوْلاني(000 - 62 هـ = 000 - 682م): عبد الله بن ثوب (بضم ففتح) الخولانيّ: تابعيّ، فقيه عابد زاهد، نعمة الذهبي بريحانة الشام.أصله من اليمن. أدرك الجاهلية، وأسلم قبل وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم ولم يره، فقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وهاجر إلى الشام، وفي أكثر المصادر: وفاته بدمشق، وقبره بداريّا. وكان يقال: أبو مسلم حكيم هذه الأمة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأمة والعدل (1) (خطبة)
  • الأمة والعدل (2) (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • "حب بحب" حب الأمة لحاكمها المسلم "مسؤوليات الأمة تجاه الحاكم"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوص أفرادها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: «كل أمتي يدخلون الجنة» الجزء السابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء السادس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الخامس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الرابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثالث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثاني(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الأول(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أمة وسط: رؤية لوسطية الأمة في الآية الكريمة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب