• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{ يا مريم إن الله اصطفاك }

{ يا مريم إن الله اصطفاك }
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/5/2024 ميلادي - 4/11/1445 هجري

الزيارات: 1993

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ ﴾

 

﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آل عمران: 42 - 44].

 

لما فرغ من قصة زكريا، وكان قد استطرد من قصة مريم إليها، رجع إلى قصة مريم، وهكذا عادة أساليب العرب، متى ذكروا شيئًا استطردوا منه إلى غيره، ثم عادوا إلى الأول، إن كان لهم غرض في العود إليه، والمقصود تبرئة مريم عمَّا رمتها به اليهود من الزنا، وإظهار استحالة أن يكون عيسى إلهًا، فذكر ولادته.

 

﴿ وَإِذْ ﴾ [آل عمران: 42] اذكر، وتضمين الجملة لهذا يدل على العناية بها، وأنه ينبغي إشهارها وإظهارها؛ حتى تتبين وتتضح للناس.

 

﴿ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ ﴾ [آل عمران: 42] المراد بهم الجنس؛ إذ ليس المراد كل الملائكة بل واحد منهم، وهو في الغالب جبريل.

 

﴿ يَا مَرْيَمُ ﴾ [آل عمران: 42] مريم: عَلَمٌ عِبراني، وهو في العِبرانية بكسر الميم، وهو اسم قديم سُمِّيت به أخت موسى عليه السلام، وليس في كتب النصارى ذِكْرٌ لاسم أبي مريم أم عيسى، ولا لمولدها، ولكنها تبتدئ فجأة بأن عذراء في بلد الناصرة مخطوبة ليوسف النجار، قد حملت من غير زوج.

 

والعرب يُطلقون اسم مريم على المرأة المترجِّلة التي تُكْثِر مجالسة الرجال؛ وقال في الكشاف: "مريم في لغتهم - أي لغة العبرانيين - بمعنى العابدة".

 

وفي النداء لها باسمها تأنيسٌ لها، وتوطئة لِما يُلقى إليها، وقيل: نداؤها باسمها نوع من التكريم، إذ لم يقل: يا هذه باسم الإشارة، بل أتى باسمها الاسم العلم تكريمًا لها.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ ﴾ [آل عمران: 42]؛ أي اختارك، وهي مأخوذة من الصفوة؛ أي: جَعَلَكِ من صفوة الخلق، واصطفاؤه إياها سبحانه وتعالى من عدة وجوه:

منه: أنه تقبَّلها بقبول حسن؛ حين قالت أمها: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ﴾ [آل عمران: 35]، مع أن المعروف عندهم أنه لا يخدُم المساجد إلا الرجال، لكن هي قُبِلَتْ.

 

ومنه: أنه أنبتها نباتًا حسنًا، مما تضمن التربِيَتَين؛ الروحية والجسدية.

 

ومنه: أن الله تعالى اختار أن تكون عند نبيٍّ من الأنبياء، حتى تتربَّى في بيت نبوة.

 

﴿ وَطَهَّرَكِ ﴾ [آل عمران: 42] التطهير هنا من الحيض؛ قاله ابن عباس، وقال السدي: وكانت مريم لا تحيض، وعن مجاهد: عما يَصِمُ النساء في خُلُق وخَلْقٍ ودين، وعنه أيضًا: من الريب والشكوك.

 

والظاهر أنه طهَّرها من الأرجاس المعنوية، وأنها بالنسبة للأرجاس الحسية كالبول والغائط والحيض كغيرها من النساء، لكنه طهَّرها من الأرجاس المعنوية، فبرَّأها الله تعالى مما رماها به اليهود، وكذلك طهَّرها من سفاسف الأخلاق، حتى كانت دائمًا في عبادة الله سبحانه وتعالى.

 

﴿ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 42]؛ أي: ميَّزكِ من بينهن.

 

قيل: كرر على سبيل التوكيد والمبالغة، وقيل: لا توكيد؛ إذ المراد بالاصطفاء الأول اصطفاء الولاية، وبالثاني اصطفاء ولادة عيسى؛ لأنها بولادته حصل لها زيادة اصطفاء، وعلو منزلة على الأكْفَاء.

 

وقيل: الاصطفاء الأول «ذاتي»؛ وهو جعلها مُنزَّهة زكية، والثاني بمعنى «التفضيل على الغير»، فلذلك لم يُعَدَّ الأول إلى متعلق، وعُدِّي الثاني، ونساء العالمين نساء زمانها، أو نساء سائر الأزمنة، فاصطفاها الله تعالى من بين سائر النساء؛ حيث جعلها من النساء الكُمَّل.

 

روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نساءُ قريش خيرُ نساء رَكِبْنَ الإبل، أحناه على طفل، وأرعاه على زوج في ذات يده، ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط)).

 

قال في فتح الباري: "قوله: يقول أبو هريرة على أثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط، في رواية لأحمد وأبي يعلى، وقد علِم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مريم لم تركب بعيرًا قط، أراد أبو هريرة بذلك أن مريم لم تدخل في النساء المذكورات بالخيرية؛ لأنه قيَّدهن بركوب الإبل، ومريم لم تكن ممن يركب الإبل، وكأنه كان يرى أنها أفضل النساء مطلقًا.

 

ورُوي أيضًا عن هشام عن أبيه قال: سمعت عبدالله بن جعفر يقول: سمعت عليًّا بالكوفة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد))، قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض.

 

وروى الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حسبك من نساء العالمين: مريم بنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون))؛ [هذا حديث صحيح].

 

وقال عبدالله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه قال: كان ثابت البناني يحدِّث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)).

 

وروى البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كمُل من الرجال كثير، ولم يكمُل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).

 

وفيه: جواز تكرار المناقب؛ لأن أوصاف الكمال كلما كررت، ظهر من كمال الموصوف ما لم يكن معلومًا من قبل، وهي فائدة أيضًا تتعلق بصفات الله عز وجل، وهي أن أكثر ما وصف الله به نفسه «الصفات الثبوتية» التي يثبتها لنفسه، أما الصفات التي ينفيها عن نفسه، فوصفه بها قليل بالنسبة لوصفه بصفات الإثبات؛ لأن صفات الإثبات كمالات، وصفات النفي نقائص تُنفَى لا لذاتها، ولكن لإثبات كمال ضدها، مع أنها هي منفية أيضًا حقيقة.

 

ثم أخبر تعالى عن الملائكة أنهم أمروها بكثرة العبادة، والخشوع والخضوع، والسجود والركوع والدأب في العمل لها؛ لِما يريد الله تعالى بها من الأمر الذي قدَّره وقضاه، مما فيه محنة لها ورفعة في الدارين، بما أظهر الله تعالى فيها من قدرته العظيمة؛ حيث خلق منها ولدًا من غير أب؛ فقال تعالى:

﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ ﴾ [آل عمران: 43] القنوت هو الطاعة في خشوع، وقيل: هو دوام الطاعة، والخشوع، والاشتغال بالطاعة عما سواها؛ ولهذا لما نزلت: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، أُمِروا بالسكوت، ونُهوا عن الكلام؛ ليشتغلوا بالطاعة عما سواها، فالقنوت دوام الطاعة مع الاشتغال بها عن غيرها؛ كما قال تعالى: ﴿ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ [البقرة: 116].

 

واللام في قوله ﴿ لِرَبِّكِ ﴾ [آل عمران: 43] للاختصاص: أي قنوتًا خالصًا لله، أي طاعة خالصة له.

 

والربوبية هنا «ربوبية خاصة»، تختص بمن خصها الله به، وتفيد تربية واعتناء أكثر واختصاصًا من الربوبية العامة.

 

﴿ وَاسْجُدِي ﴾ [آل عمران: 43] عطف السجود على القنوت من باب عطف الخاص على العام، وذكر الخاص بعد العام يدل على فضله ومَزِيَّتِهِ، ولا شكَّ أن السجود من أفضل أنواع الطاعة؛ لذلك كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

 

﴿ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 43] أمرتها الملائكة بفعل ثلاثة أشياء من هيئات الصلاة، فإن أُرِيد ظاهر الهيئات، فهي معطوفة بالواو، والواو لا تُرتِّب، مثل قولنا: قام زيد وعمرو، لأن قيام زيد وعمرو ليس له رتبة معلومة، فلا يُسأَل: لِمَ قدَّم السجود على الركوع؟ إلا من جهة علم البيان.

 

والجواب: أن السجود لما كانت الهيئة التي هي أقرب ما يكون العبد فيها إلى الله قُدِّم، وإن كانت متأخرًا في الفعل على الركوع، فيكون إذ ذاك التقديم بالشرف.

 

و«مع» في قوله: ﴿ مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 43] تقتضي الصحبة والاجتماع في إيقاع الركوع مع مَن يركع، فتكون مأمورة بالصلاة في جماعة، ويحتمل أن يتجوز في «مع»، فتكون للموافقة للفعل فقط دون اجتماع؛ أي: افعلي كفعلهم، وإن لم تُوقِعي الصلاة معهم، فإنها كانت تصلي في محرابها.

 

ويكون المعنى: ولتكن صلاتك مع المصلين؛ أي في الجماعة، أو انظمي نفسك في جملة المصلين، وكوني معهم وفي عِدادهم، ولا تكوني في عداد غيرهم.

 

وقال ابن عطية: القول عندي في ذلك أن مريم أُمِرَت بفعلين ومَعْلَمين من معالم الصلاة؛ وهما: طول القيام والسجود، وخُصَّا بالذكر لشرفهما في أركان الصلاة.

 

وهذان يختصان بصلاتها منفردة، وإلا فمن يصلي وراء إمام لا يُقال له: أطِلْ قيامك، ثم أُمِرت بعد بالصلاة في الجماعة؛ فقيل لها: ﴿ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 43] وقُصِد هنا مَعْلَمٌ آخر من معالم الصلاة لئلا يتكرر لفظٌ.

 

وجاء: ﴿ مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 43] دون الراكعات؛ لأن هذا الجمع أعم إذ يشمل الرجال والنساء على سبيل التغليب، ولمناسبة أواخر الآيات قبل وبعد، ولأن الاقتداء بالرجال أفضل إن قلنا: إنها مأمورة بصلاة الجماعة.

 

وقيل: ولم يقل مع الراكعات مع أنها امرأة؛ لأن الكمل من الرجال أكثر من الكمل من النساء.

 

وهذا الخطاب مقدمة للخطاب الذي بعده وهو: ﴿ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: 45]؛ لقصد تأنيسها بالخبر الموالي لأنه لما كان حاصله يجلب لها حزنًا وسوءَ قالة بين الناس، مُهِّد له بما يجلب إليها مسرة، ويُوقنها بأنها بمحل عناية الله، فلا جرم أن تعلم بأن الله جاعل لها مخرجًا وأنه لا يخزيها.

 

وفيه: بيان أنه كلما منَّ الله سبحانه وتعالى على إنسان بشيء، كانت مطالبته بالعبادة أكثر؛ لأن الملائكة لما قالت: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 42]، أمرتها بالقنوت والسجود والركوع، فدلَّ هذا على أنه ينبغي للإنسان كلما ازدادت عليه نِعَمُ الله، أن يزداد على ذلك شكرًا بالقنوت لله والركوع والسجود، وسائر العبادات.

 

﴿ ذَلِكَ ﴾ [آل عمران: 44] الإشارة إلى ما تقدَّم من قصص امرأة عمران، وبنتها مريم، وزكريا، ويحيى، والمعنى: أن هذه القصص وصولها إليك من جهة الوحي؛ إذ لست ممن دارس الكتب، ولا صحِب مَن يعرف ذلك، وهو من قوم أُمِّيِّين، فمدرك ذلك إنما هو الوحي من عند الله، كما قال في الآية الأخرى، وقد ذكر قصةَ أبعدِ الناس زمانًا من زمانه صلى الله عليه وسلم؛ وهو نوح عليه السلام، واستوفاها له في سورة هود أكثر مما استوفاها في غيرها: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49].

 

وفي هذا دليل على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أخبر بغيوب لم يطَّلع عليها إلا مَن شاهدها، أو من قرأها في الكتب السابقة، أ: من أوحى الله إليه بها، وقد انتفى العيان والقراءة، فتعيَّن الثالث؛ وهو الوحي من الله تعالى.

 

﴿ مِنْ أَنْبَاءِ ﴾ [آل عمران: 44] أخبار ﴿ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران: 44] الوحي في اللغة: الإعلام بسرعة وخفاء، فإذا أعلمك إنسان بسرعة على وجه خفيٍّ، يسمى في اللغة «وحيًا»، ولكنه في الشرع: إخبار الله سبحانه وتعالى لنبي من أنبيائه بما يشاؤه من شَرْعِهِ، ثم إن كلَّفه بتبليغه كان رسولًا، وإلا كان نبيًّا.

 

﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ ﴾ [آل عمران: 44]: وما كنت معهم بحضرتهم، وفيه إيماء إلى خلو كتبهم عن بعض ذلك.

 

ونظيره في قصة موسى: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [القصص: 44]، ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 46]، وفي قصة يوسف: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 102].

 

﴿ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ ﴾ [آل عمران: 44] كانوا يكتبون بها التوراة، فاختاروها للقرعة؛ تبركًا بها، وقد استدل بهذه الآية على إثبات القرعة.

 

والناس يصيرون إلى القرعة عند انعدام ما يُرجِّح الحق، وليس هذا من شعار الإسلام، وليس لإعمال القرعة في الإسلام إلا مواضع تمييز الحقوق المتساوية من كل الجهات.

 

﴿ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ﴾ [آل عمران: 44]؛ أي: ما كنتَ عندهم يا محمد فتخبرهم عنهم معاينةً عما جرى، بل أطلعك الله على ذلك كأنك كنت حاضرًا وشاهدًا لِما كان من أمرهم، حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها؛ وذلك لرغبتهم في الأجر.

 

﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آل عمران: 44]؛ أي: بسبب مريم، والمقصود شدة رغبتهم في التكفل بشأنها، هذا الاختصام الظاهر أنه قبل إلقاء الأقلام، لكن أُخِّر في الذكر لمناسبة رؤوس الآيات.

 

عن عكرمة قال: ثم خرجت بها - يعني أم مريم بمريم - تحملها في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى عليهما السلام، قال: وهم يومئذٍ يَلُون في بيت المقدس ما يَلِي الحَجَبَةُ من الكعبة فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي ابنتي، ولا تدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي، فقالوا: هذه ابنة إمامنا - وكان عمران يؤمُّهم في الصلاة - وصاحب قرباننا، فقال زكريا: ادفعوها إليَّ؛ فإن خالتها تحتي، فقالوا: لا تطيب أنفسنا، هي ابنة إمامنا، فذلك حين اقترعوا بأقلامهم عليها التي يكتبون بها التوراة، فقَرَعَهم زكريا، فكفَّلها.

 

وقد ذكر عكرمة أيضًا، والسدي، وقتادة، والربيع بن أنس، وغير واحد دخل حديث بعضهم في بعض، أنهم دخلوا إلى نهر الأردن، واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم فيه، فأيهم ثبت في جرية الماء فهو كافلها، فألقَوا أقلامهم فاحتملها الماء إلا قلم زكريا ثبت، ويُقال: إنه ذهب صُعُدًا يشق جرية الماء، وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم، وعالمهم وإمامهم ونبيهم، صلوات الله وسلامه عليه.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)

مختارات من الشبكة

  • يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين... }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتب ودراسات حول سورة مريم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • فضل الصوم في شهر الله المحرم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • { واصطفاك.. }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب