• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

ليلة القدر: أغلى فرصة في العمر (خطبة)

ليلة القدر: أغلى فرصة في العمر (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/4/2024 ميلادي - 22/9/1445 هجري

الزيارات: 7018

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ليلة القدر: أغلى فرصةٍ في العمر

 

الحمد لله، ثمَّ الحمد لله.. ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام:1]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 78]. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى:25].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾، ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون ﴾ [القصص: 70].

 

وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، اصطفاهُ اللهُ تَعَالَى واجتباهُ، وقربه إليه وأدْناهَ، وطهَّرَ قلبهُ وزكاه، وشرحَ صدْرهُ وهداهُ، ورفعَ ذِكرهُ وأعلاهُ، وآتاهُ الوسيلةَ والفضيلةَ والشّفاعةَ وأرضاهُ، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبهِ ومن والاهُ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا لا حدَّ لمنتهاه، أمَّا بعدُ:

فأوصيكم أيها الناسُ ونفسي بتقوى الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70].

 

معاشر الصائمين الكرام، مَضَت أَيَّامُ شهرِنا المباركِ سِرَاعًا، وتَصَرَّمَت لَيَالِيهِ تِبَاعًا، كَأَنَّمَا هِيَ سَاعَاتٌ أَو لَحَظَاتٌ، وَهَكَذَا هُوَ العُمرُ أَيُّهَا المُوَفَّقُونَ، يَمضِي حثيثًا وينقضي سريعًا، فالأعمارُ مَهمَا طَالَت فهي قَصِيرَةٌ، والحَيَاةُ مهما طابتْ فهي يسيرةٌ.

 

والحياةُ أيُّها الكرامُ فُرص، والفُرصُ حَقُّها أن تُقتنَص، ففواتها غَبنٌ وغُصص.

إذا هبَّت رِياحُك فاغتنِمْها
فإنَّ لكل عاصفةٍ سُكون
وبادِر فُرصةً سنَحت وهيَّا
فما تدري المماتُ متى يكون

 

ومن تذكرَ حلاوةَ العاقبة، نسيَ مرارةَ الصبر، ومن عرَفَ شرفَ ما يطلب هانَ عليهِ ما يبذل.

 

وَهَا نَحنُ نَتهيَّأُ لِدُخولِ العَشرِ الأواخِرِ من رمضان، ها نحنُ نَستعِدُّ لاغتنام أفضلِ لَيالي العام، مِسكُ الخِتامِ، ودُرَّةُ الليالي والأيَّامِ، لياليَ مُبارَكَاتٍ نيِّرَات، كَانَ المصطفى صلى الله عليه وسلم يَحسِبُ لها حِسَابًا كَبِيرًا، ويَجتهِدُ فِيهَا اجتِهَادًا عظيمًا، حَتَّى لَقَد كَانَ يُحيِي اللَّيلَ كُلَّهُ، وَيَعتَكِفُ في مَسجِدِهِ طوالَ وقتهِ، يَتَفَرَّغَ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، ففي صحيح مُسلم عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجتَهِدُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا، وفي الصحيحين أنّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان إِذَا دَخلَ العشرُ شدَّ مِئزَرهُ، وَأَحيَا لَيلَهُ، وَأيقَظَ أَهلَهُ، فَطُوبَى لِعَبدٍ وفَّقه الله فشمَّرَ عن ساعد الجِد، وقامَ مع القائمين: ﴿ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64]، والذين: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا ﴾، والذين: ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون:61].

 

إنَّها يا عباد الله أيام وليالٍ معدودات، وأوقات فاضلة مباركات، موسمٌ لا يُقدَّرُ بثمنٍ، والعاقلُ من يُدركُ قيمةَ الموسم، وأنهُ فرصةٌ سَرعان ما تمضي، وأنَّها إذا فاتت فلا يُمكن تَعويضُها أبدًا، ومن يتأمَّلُ حالَ التُّجارِ في المواسم فسيتعلَّم منهم درسًا بليغًا، فهم يعرفون جيدًا كيف يربحون، ألا ترى الواحد منهم يأتي بأنواعٍ جديدة من البضاعةِ لم يكن يأتي بها في الأيام العادية، لعلمه أنها مرغوبةٌ في أيام الموسم، وتراهُ يوفرُ الأصناف بكمياتٍ أكبر مما كان يُوفره في الأيام العادية؛ لأنه يعلمُ شِدةَ الإقبالِ عليها في الموسم، وتراهُ أيضًا يُضاعِفُ أوقات عمله مرتين أو ثلاثًا، بل ربما واصلَ البقاءَ في المحل ليلًا ونهارًا حتى ينتهي الموسم، وعلى قدر اجتهادهِ في كل ذلك، ينجحُ في تجارته، وتتضاعفُ أرباحه ومكاسبه..

 

ألا وإن أعظمَ مواسِم المؤمنِ هو هذا الشهر المبارك، وأعظَمُ ما فيه عشرهُ الأخيرة، وبضاعةُ المؤمنِ إنما هي أعمالهُ الصالحة، وما يُقدمهُ من طاعاتٍ وقُربات، وقراءةٍ وصلوات، ودُعاءٍ وصدقات، وكلما كان الإنسانُ موفقًا في إدارة وقته، جادًّا في حُسن استثمارهِ وعمارته - تضاعفَت أرباحه، وازدادَت مكاسبه، وعلى قدرِ نيةِ العبدِ وهِمَّته، يكونُ توفيقُ اللهِ لهُ وإعانتهُ، وللإمام ابنُ قُدامة المقدسي وصِيَّةٌ بليغة، جاء فيها: "فاغْتنمْ يا رعاك الله فرصةَ الحياة، واعْلمْ أنَّ مُدَّتك فيها مُدَّةً محدودة، وأنَّ أنفاسَك فيها أنفاسًا معدودة، وأن كلُّ نَفَسٍ منها جوهرةٌ غاليةٌ لا تُقدرُ بثمن، فهي تعدِلُ خلودَ الأبدِ، وخلودَ الأبدِ يعدِلُ أكثرَ من مليار مليار عام، بل وأكثر من ذلك بكثير، فلا تضيِّعْ جواهرَ عُمرِك الغاليةِ بغيرِ عملٍ، ولا تُذهبها بغير عِوضٍ، واجتهدْ ألا يذهبَ نَفَسٌ من أنفاسِك إلا في عملٍ وطاعة، تتقرَّبُ بها إلى مولاك، وتخيَّل لو كان معك جوهرةٌ من أغلى جواهرِ الدنيا ثم ضاعت، ألا يسوؤك ذلك، فكيف لا يسوؤك ذهابُ الأوقاتِ بغير عِوضٍ، وهي أغلى من الجواهر بكثير، وصدق من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ).. فحري بالمسلم الموفق أن يبادر الفرص السانحة، وأن يُحسنَ الاستفادة من الأزمان الفاضلة، والمواسم المباركة، فيخصَّها بمزيدٍ من الاجتهاد في العبادة، فمن مِنَّا نوَّع بضاعته، ومن مِنَّا أكثرَ من الأصنافِ القيِّمة التي يحبها ربه، ومن منا زادَ في وقت العمل ليزداد ربحهُ وتعظُمَ تجارتهُ ومكاسبه، فالله جلَّ وعلا يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور ﴾ [فاطر: 29، 30].

 

وتأمّل معي هذا التوجيه النبويَّ العجيب، ففي حديثٍ صحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: "إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةً، فإنِ استَطاعَ ألا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها"، والمعنى: إذا تيسرت لك فرصةُ خيرٍ، فبادر وإياك أن تُفرط فيها، وشاعرُ الحكمة يقول:

وعاجزُ الرأيِ مِضياعٌ لفرصته
حتى إذا فاتهُ خيرٌ أظهرَ الأسفَ

والمتنبي يقول:

ولم أرَ في عيوب الناسِ عيبًا
كعجز القادرينَ على التمامِ

فإياكَ والعجزِ والتسويف، فإنه أكبرُ جنودِ إبليس، ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56].

 

فهَيَّا يَا عِبَادَ اللهِ، فمَن كَانَ مُحسِنًا فليزداد، وَمَن كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَلْيُبادر بالأَوبَةَ والتعويض؛ فإِنَّمَا الأَعمَالُ بِالخَوَاتِيمِ، وَالتَّوبَةُ تَجُبُّ مَا قَبلَهَا، وَالرَّبُّ غَفُورٌ شَكُورٌ، وَلَيسِ لِفَضلهِ حُدُودٌ، خزائنهُ ملئا، ويدهُ سحاء، ولا يتعاظمهُ عطاء، ينفقُ سبحانهُ كيف يشاء..

 

وجدوا يا عباد الله واجتهدوا، وَاستَعِينُوا بِاللهِ ولا تعجِزوا، واصبروا وصابروا ورابطوا واصطبروا، وادعوا ربكم بصدق وأَلِحُّوا، وأبشروا وأمَّلِوا، فرَّبُّكم كَرِيمٌ جِدُّ كريم، وَفَضلَه عَظِيمٌ جِدُّ عظيم، وَمَن جَاهَدَ وَصبرَ وَصَدَقَ، أُعِينَ وهُدِيَ وَوُفِّقَ: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].. ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

 

أقول ما تسمعون...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كثيرًا، والصلاة والسلام على المبعوث بالحق بشيرًا ونذيرًا؛ أمَّا بعد:

فـ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ﴾[المائدة:35]، ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون ﴾ [البقرة:281]..

 

معاشر المؤمنين الكرام، جاء في صحيح مُسلم أنَّ ربيعةَ بن كعبٍ الأسلمي رضي الله عنه، عندما كان غلامًا صغيرًا، كان يبيتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأتيه بوَضوئه وحاجته، فأرادَ صلى الله عليه وسلم أن يكافئه، فقال له: سلني يا ربيعة، فقال ربيعة: أسألك مُرافقتكَ في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك يا ربيعة، قال ربيعة: هو ذاك، قال صلى الله عليه وسلم: فأعني على نفسك بكثرة السجود، لله درُّك يا ربيعة، ما أحلى موقفك، وما أرفعَ هِمَتك، وما أروعَ كلمتك، وما أمضى عزيمتك، (أسألُك مرافقتك في الجنة)، حقًّا فالحياة فرص، وحقُّ الفرصِ أن تُقتنص، ففواتها غبنٌ وغُصص، وبحمد الله فلا يزالُ بين أيدينا الكثيرُ من الفرص الغالية، ليلةُ القدرِ فرصةٌ، بل هيَ أغلى فرصةٍ في العمر، ولذا كَانَ المصطفى صلى الله عليه وسلم يتركُ كلَّ شيءٍ من أجلها، ويظلُ مُعتَكِفًا في المسجد طولَ العَشرِ كُلها، ويُحيي ليلهُ كُلهُ ما بين صلاةٍ وذكرٍ ومدارسةٍ للقرآن، ولمَ لا؟ فهي ليلةٌ السَّعدِ والهنا، والفوزِ والرضا، والدرجاتِ العلا، ليلةٌ عظيمةُ القدر، عاليةُ الذِّكر، كثيرةُ الأجر، ليلةٌ مباركةٌ لها ما بعدها، ولذا فهي تستحقُّ النَّصَبَ والتعبَ من أجلها، فمَن قَامَهَا، فَكَأَنَّمَا قامَ ثَلاثةً وثَمانِينَ عامًا مُتواصِلة، مَن قامَها فكأنما قامَ العُمرَ كُله، إنها دُرَّةُ ليالي الدهر، وهيَ بنصِّ القرآنِ خيرٌ من ألف شهر، العَمَلِ القَلِيلُ فِيهَا كَثِيرٌ، وَالكَثِيرُ فيها لا يصِفهُ تعبير.

 

ليلةٌ مباركة، مَن اجتهدَ فيها فقد أفلحَ وربِح، ومن فرَّط فيها فقد غُبِن غبنًا بينًا، فطُوبَى لِمَن أحيا هَذِهِ اللَّياليَ المباركة كُلَّها، وقامَ معَ إِمامِهِ حَتى يَنصرِفَ؛ ليُكتبَ لهُ قِيامُ ليلةٍ بتمامِها، ففي الحديث الصحيح: قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَن قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ". هذه فرصة.

 

وخلوةٌ مع كتابِ اللهِ فرصة، فأهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصته، والقرآنُ يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه، وركعةٌ في ظلام الليلِ فرصة، فالصَّلاة ُنور، وفي الحديث الصحيح: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".

 

وعمرةٌ في رمضانَ فرصة، ومن لك بحجةٍ مع الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم.

 

وكثرةُ الذكرِ فرصة، ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]. والدعاءُ في مظانه فرصة، فاللهُ جلَّ جلاله هو الذي يقول لي لك: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، هل من سائلٍ فأُعطيه؟ وتفطيرُ الصائمينَ فرصة، فمن فطَّر صائمًا فله مثل أجره.

 

وصحتكَ قبل مرضك فرصة، فكم من مريضٍ يتمنى عافيةَ يومٍ من أيامك، وفراغكَ قبل شغلك فرصة، فاللهُ جلَّ وعلا يقول: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنبياء: 1، 2].

 

وشبابكَ قبل هرمك، فرصة، واسألوا أبناءَ الثمانين والتسعين، فلسان حالهم

بَكيتُ على الشَبابِ بِدمعِ عيني
فلَم يُغنِ البُكاءُ ولا النَّحيبُ
ألا ليت الشبابَ يعود يومًا
فأُخبرهُ بما فعلَ المشيبُ

 

وغِناك قبل فقرك فرصة، واسأل من تقلَّبت بهم الأحوال، وذاقوا الفقر بعد الغنى، يقول قائلهم:

مَن باتَ بَعدكَ في عزٍّ يُسَرُّ بِهِ
فَإِنَّما باتَ بِالأَحلامِ مَغرورَا

وحياتك قبل موتك، فرصة بل فرص، وإن لك في المقابر لموعظةً وعبرة، فوالله ما من صاحب قبرٍ إلا وهو يتمنى يومًا من أيامك، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون:99].

 

وفي القرآن العظيم والسنة المطهرة حثٌّ متكررٌ على اغتنام الفرصِ والمناسبات، واستثمارِ الطاقاتِ والأوقات، كقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة:148]، و﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ [آل عمران:133]، و﴿ انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ [التوبة:41]، ومن أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال"، و«اغتَنِم خَمسًا قبلَ خَمسٍ»، و"التؤدةُ في كلِّ شيءٍ إلا في عمل الآخرة"، و«لا يَزال قَومٌ يتأخَّرُون حتى يُؤخِّرهم اللهُ في النار»، و"من خافَ أدلَج، ومن أدلجَ بلغَ المنزل"، وغيرها من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة.

 

وكذلك فإن للسلف أقوالٌ جميلة في ذلك؛ قال وهيب بن الورد: "إن استطعتَ ألا يسبقكَ إلى الله أحدٌ فافعل"، وقال خالد بن معدان: "إذ فُتِح لأحدكم بابُ خيرٍ فليُسرع إليه، فإنه لا يدري متى يُغلقُ دونه"، وقال الحسن البصري: "الليل والنهار يعملان فيك، فاعمَل فيهما"، وهكذا:

لكلِّ امرئ من دهره ما تعوَّدا
فتعود الخيرَات ترقى وتسعدا
وإن كنتَ ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ
فإن فسادَ الرأيِ أن تترددا
وإن كنت في قومٍ فصاحِب خيارَهم
ولا تصحَب الأردى فتَردى مع الرَّدي

 

فيا أيُّها العقلاء، الحياةُ فرص، والفرصُ حقُّها أن تُقتنص، وفواتها غبنٌ وغُصص، فكلُّ نفسٍ من انفاسك فُرصة، أليسَ كلُّ تسبيحةٍ صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، والكلمةُ الطيبةُ صدقة، وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة، والحياة كلها فرص، وفواتُ الفرصِ غبنٌ وغصص، ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِين * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُون * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُون ﴾ [الشعراء:205]..

 

فيا بن آدم عشْ ما شئت فإنك ميِّت، واحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يَبلى والذنب لا يُنسى والديان لا يموت، وكما تدين تُدان..

 

اللهم صلِّ على محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • {إنا أنزلناه في ليلة القدر}
  • ليلة القدر
  • العشر الأواخر وليلة القدر
  • ليلة القدر
  • بيان قدر ليلة القدر
  • الليلة السادسة: أيام العمر
  • ليلة القدر

مختارات من الشبكة

  • ليلة القدر أعظم ليالي العام ليلة الرحمة والمغفرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحري ليلة القدر(مقالة - ملفات خاصة)
  • الكلمة الطيبة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بين يدي رمضان (3)(مقالة - ملفات خاصة)
  • ليلة القدر(مقالة - ملفات خاصة)
  • ليلة القدر: ليلة العفو والصفح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ليلة هي من أقسى ليالي الدنيا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ليلة رفع القرآن الليلة الحزينة(مقالة - ملفات خاصة)
  • بين ليلة (المولد) وليلة (المبعث)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ليلة 21 من رمضان أول ليالي العشر(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب