• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

ثمرات الاعتصام بالله تعالى

ثمرات الاعتصام بالله تعالى
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/3/2024 ميلادي - 15/9/1445 هجري

الزيارات: 4073

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثمرات الاعتصام بالله تعالى


الحمد لله؛ أما بعد:

فكلُّ ما أمر الله تعالى به فهو عظيم وحقيق بشديد الاهتمام، ومن ذلك أمْرُه تعالى عباده بالاعتصام بحبله، فالاعتصام بالله تعالى نجاة وفلاح، وثمراته طيبة، وأوقاته نافعة، ومُخرجاته مباركة، ونهاياته سعيدة، ومن تلك الثمرات:

1- رِضا الله تعالى:

فالاعتصام توحيدٌ وتعلُّق وثقة وتوكل وثبات على الإيمان، ومن كان هذا دَيدنه وسبيله؛ فلْيُبشَّر بالرضوان من لدن الرحيم الرحمن.

 

2- حصول المأمول:

ويكفي لبرهان ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]، فقد ضمِن الحق سبحانه الهدى لمن اعتصم به، ومِن أفراد الهدى نَيلُ المراد، هذا من جانب، ومن جانب آخر فالمعتصم متوكل على ربه، مفوِّض أمورَه إليه، وقد سبق ما وعد الله به المتوكلين من توفيق وظَفَر ونَيلِ مأمول.

 

3- دفع المكروه:

وهذا متعلق بما قبله، فإذا اعتصم العبد بربه أناله مطلوبه، ويسَّر له أسباب سعادته، وقرَّب إليه مَباعِدَ رغائبه، ودفع عنه مكروهه، بل ودفع عنه أمورًا تضره مآلاتها وإن ظنَّ عبده خلاف ذلك، فقد يحرص العبد على تحصيل أمر، ويستغرق جهده في نيله، وربُّه يحميه عنه ويمنعه من بلطف خفيٍّ، والعبد يكرر احتياله لنَيله، وربه الرحيم محيط به ويرحمه ويحجُزه عنه؛ لعلمه أن هَلَكَته أو نقصه في حصوله، فتبارك أرحم الراحمين.

 

4- الظَّفَر والنصر:

شريطة أن يكون الاعتصام حقيقيًّا لا متوهمًا، وراسخًا لا متداعيًا، وعميقًا لا سطحيًّا، وعن علم وثقة لا عن ريبة وتجريب، فالاعتصام لزومٌ وثباتٌ وثقة وعمق، ومتى اعتصم عبادُ الله به أنزل عليهم نصره، وأظْفَرَهم بعدوِّه وعدوِّهم؛ سُنَّة الله ولن تجد لسنة الله تحويلًا ولا تبديلًا.

 

5- انشراح الصدر:

وكيف لا ينشرح صدر المعتصم وهو واثق بمعية الله له بحفظه وتوفيقه، ولطفه ومَدَده، ومعونته وربوبيته، وحسن تدبيره؟ فهو محسنٌ ظنه بربه، عظيم الرجاء به، تامُّ التوكَّل عليه، راسخ اليقين به، معوِّلٌ كلَّ التعويل عليه، حافظ قلبه وقالبه مما يخدِش اعتصامه، واثق بوعد ربه، عالم أن مع العسر يسرًا، وأن مع الشدة لطفًا، وأن مع الابتلاء رحمة، وأن مع الكرب فَرَجًا، وبعد الليل صبحًا، وأن تدبير ربه كله خير، وأنه بربه لا بنفسه وغيره، وأن الدنيا دار ممر ومعبر، فلا تستحق عناءً لا يُبلغ للدار الآخرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

 

6- الثبات على الحق:

لما كان الاعتصام لزومًا لباب الله تعالى، كان الثبات على ذلك ملازمًا له طبيعةً، فالثبات على الاعتصام يُورث الثبات على الإيمان جملة، ويورث الثبات على الخير النامي في قلب المؤمن المعتصم، فأعمال القلوب بعضها روافد لبعض، سيما ما كان موقعها قريبًا من بعض في قلعة الفؤاد المؤمن.

 

7- اليقين بموعود رب العالمين:

لأن المعتصم لا يزال يرى ثمرات اعتصامه شيئًا بعد شيء، وثمرة طيبة بعد أختها، فتارة في تقوية إيمانه، وانشراح صدره، وحصول مأموله، وتارة بالمزيد من العلم بالله وبدين الله وبموعود الله، فلا يزال يترقَّى في مدارج اليقين حتى يتذوق ثلج اليقين، وبَرَد الحقيقة، فتتابع على بصيرة فؤاده العلومُ النافعة، فيعلمها ويراها ويتحقَّقها، ويعيش بها وتعيش به، حتى يلقى بها الحقَّ تبارك وتعالى راضيًا مرضيًّا.

 

8- صدق التعلق بالله تعالى:

لأن الاعتصام لا يكون إلا بالتعلق، فكلما زاد الاعتصام كمًّا وكيفًا، زاد التعلق الصادق برب العالمين دون ما سواه.

 

9- الاستقامة:

وأجمِلْ بها من ثمرة! وأكرِمْ به من شرف! وأسعِدْ به من نَوَال! فالمعتصم يراقب خواطره وأقواله وأفعاله، ويحرس كنز إيمانه من عبث الشيطان وتلاعبه، فيلزم جادة الاستقامة، ويلتوي على حبل الهداية، ويحرص على ما يعينه على بلوغ غايته بأن يموت موتة الْمَرْضِيِّين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

 

10- تحصيل محبة الله تعالى ومحبة الناس:

فالنفوس الزكية المؤمنة مجبولة على حب ما يُشاكلها، ومودة مَن يُشابهها، فمن أحب الله أحب من يحبون الله، ومَن يحبهم الله، وكلَّ عمل يوصل لمحبة الله، ومن أجَلِّ أعمال القلوب الاعتصام بعلَّام الغيوب، فمن كان بالله معتصمًا أحبَّ المعتصمين بالله، وأحبه المعتصمون بالله، وإذا أحب الله عبدًا أنزل له القَبول في أرضه، وبسط له المودة في قلوب أوليائه، ونَشَرَ له أعراف المِسك في عليائه.

 

11- السكينة:

فلا شيء في الدنيا يستحق تكدير النفس وضيقها وغمَّها، فقلب المعتصم بالله ساكن، وعينه قريرة، ونفسه منشرحة، وروحه مستريحة، فإذا تزاحم الناس على أبواب غموم المعايش، وهموم الأيام، رأينا المعتصم في وادٍ ليس واديهم، ومنتجع ليس كناديهم، حتى وإن زاحمهم أحيانًا بجسده في طلب رزقه المأمور به، فإنَّ قلبه ونفسه ليسا معهم، بل روحه تسبح بسكينة وسعادة في الملأ الأعلى والملكوت الأسمى؛ لنفاذ بصيرته، وسَعَةِ علمه، وعظيم توفيقه، قد أدى عبادة الجسد بطلب المعاش، وأدَّى عبادة القلب بتحقيق التجريد وتفريد التوحيد، فسكنت حينئذٍ نفسه، وسبَحت في الملكوت الأعلى روحه، واطمأنت بربه جوارحه، وطاب بإلهه عيشه، وأفلح في دنياه وأخراه، والله لا يضيع أجر المحسنين، وواهًا لعيش الجنة في دار الغربة!

 

12- الامتثال لأمر الله عز وجل:

فالاعتصام بحبل الله والالتفاف بدينه، فيه امتثال لأمر الله تعالى، وسمع وطاعة له، ورضًا بما ارتضاه، فالله سبحانه وتعالى لا يأمر إلا بخير، ولا يُحذِّر إلا من شر؛ قال سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]؛ أي: تعلقوا بأسباب الله جميعًا، وتمسَّكوا بدينه الذي أمركم به، وعهدِهِ الذي عهِدَهُ إليكم في كتابه؛ من الأُلفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله، فقد كرِهَ الله لكم الفرقة وحذركموها ونهاكم عنها، ورضِيَ لكم السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضِيَ الله لكم[1].

 

13- الهداية إلى صراط الله المستقيم:

فالهداية إلى الحق ثمرة من ثمرات الاعتصام بحبل الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]، "فالاعتصام بالله والتوكَّل عليه هو العمدة في الهداية، والعُدَّة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد، وحصول المراد"[2]؛ قال الشوكاني: "أرشدهم الله إلى الاعتصام به ليحصل لهم بذلك الهداية إلى الصراط المستقيم الذي هو الإسلام"[3].

 

ويقول محمد الطاهر بن عاشور: "سياق الآية مؤذِن بأنها جَرَتْ على حادثة حدثت وأن لنزولها سببًا، وسبب نزولها أن الأوس والخزرج كانوا في الجاهلية قد تخاذلوا وتحاربوا حتى تفانَوا، وكانت بينهم حروب كان آخرها يوم بُعَاث، التي انتهت قبل الهجرة بثلاث سنين، فلما اجتمعوا على الإسلام، زالت تلك الأحقاد من بينهم، وأصبحوا عُدَّة للإسلام، فساء ذلك يهودَ يثربَ، فقام شاس بن قيس اليهودي وهو شيخ قديم منهم بإرسال شاب يهودي جلس إلى الأوس والخزرج يذكِّرهم حروب بُعاث، فكادوا أن يقتتلوا، ونادى كل فريق: يا للأوس، يا للخزرج، وأخذوا السلاح، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينهم وقال: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظْهُرِكم؟ ثم قرأ عليهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 100، 101]، فما فرغ منها النبي صلى الله عليه وسلم حتى ألقوا السلاح، وعانق بعضهم بعضًا)).

 

وقوله: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]؛ أي: من يتمسك بالدين فلا تخشَ عليه الضلال، وفي هذا إشارة إلى التمسُّك بكتاب الله ودينه لسائر المسلمين، الذين لم يشهدوا حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك هو السبيل في عصمة المسلمين من كيد أعدائهم من المشركين وأهل الكتاب، الذين يحاولون جاهدين في الإيقاع بين المسلمين، كما كانوا يفعلون زمن النبي صلى الله عليه وسلم"[4].

 

فطاعة أهل الكتاب تحمل معنى الهزيمة الداخلية، والتخلي عن دور القيادة الضروري للأمم، وهم أيضًا لا يحرصون على شيء حِرْصَهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها وفضيلتها، وشريعتها وأخلاقها، وإثارة الفتن والقلائل بين أبنائها، ويبذلون في سبيل ذلك كل ما في وُسْعِهم من مكر وغدر، وحيلة وقوة وعُدَّة، وحين يُعييهم أن يحاربوا الإسلام بأنفسهم، فإنهم يجنَّدون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام، أو ممن ينتسبون زُورًا إليه لينخِروا لهم في جسمه وجسم أتباعه من داخل الدار، فالاعتصام بالله والتمسك بكتابه، والوثوق بوعده يعصِم الأُمَّة من مكايدهم ومخططاتهم بإذن الله العليِّ سبحانه.

 

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استوفى أجَلَه، واختار الرفيق الأعلى، فإن آيات الله باقية، وهَدْيُ رسول الله صلى الله عليه وسلم باقٍ، وشريعته معصومة من الزَّلَلِ، فلا خير إلا دلَّنا عليه، ولا شر إلا حذَّرنا منه، ونحن اليوم مخاطبون بهذا القرآن كما خُوطب به الأولون، وطريق العصمة بيِّنٌ، ولواء العصمة مرفوع، ورايته ظاهرة، وأهله ظاهرون، ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم.

 

14- الدخول في رحمة الله تعالى، ونيل فضله وهدايته:

قال سبحانه: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175].

 

والمراد آمنوا بالله في ذاته وصفاته وأفعاله، وأحكامه وأسمائه، واعتصموا به في أن يثبتهم على الإيمان، ويصونهم عن نزغ الشيطان، ويدخلهم في رحمة منه وفضل، ويهديهم إليه صراطًا مستقيمًا.

 

فوعد الله المعتصمين به بأمور ثلاثة: الرحمة والفضل والهداية؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الرحمة الجنة، والفضل ما يتفضل به عليهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175] يريد: دينًا مستقيمًا"[5].

 

وقال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: "الذين آمنوا بالله واعتصموا به جَمَعُوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم، فهؤلاء يرحمهم الله، ويدخلهم الجنة، ويزيدهم ثوابًا ومضاعفة، ورفعًا في درجاتهم من فضله عليهم وإحسانه إليهم، ﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175]؛ أي: طريقًا واضحًا لا اعوجاج فيه ولا انحراف، وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم الْمُفْضي إلى روضات الجِنان"[6].

 

والاعتصام بالله ثمرةٌ ملازمة للإيمان به، متى صحَّ الإيمان، ومتى عرفت النفس حقيقة الله، وعرفت حقيقة عبودية الكل له، فلا يبقى أمامها إلا أن تعتصم بالله وحده، وهو صاحب السلطان والقدرة وحده، فهؤلاء يدخلهم الله في رحمة منه وفضل؛ رحمة في هذه الحياة الدنيا قبل الحياة الأخرى، وفضل في هذه العاجلة قبل الفضل في الآجلة.

 

فالإيمان هو الواحة النَّدِيَّة التي تجد فيها الروحُ الظلالَ من هاجرة الضلال، في تِيهِ الحَيرة والقلق والشرود، كما أنه هو القاعدة التي تقوم عليها حياة المجتمع ونظامه، فالذين آمنوا بالله واعتصموا به في رحمة من الله، وفضل في حياتهم الحاضرة، وفي حياتهم الآجلة.

 

وكلمة (إليه) في قوله: ﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175] تخلع على التعبير حركة مصوَّرة، إذ ترسم المؤمنين ويد الله تنقل خُطاهم في الطريق إلى الله على استقامة، وتُقرِّبهم إليه خطوة خطوة، وهي عبارة يجد مدلولها في نفسه من يؤمن بالله على بصيرة، فيعتصم به على ثقة؛ حيث يُحِسُّ في كل لحظة أنه يهتدي، وتتضح أمامه الطريق، ويقترب فعلًا من الله كأنما هو يخطو إليه في طريق مستقيم.

 

15- استحقاق معية المؤمنين ومرافقتهم في الدارين:

فقد شهِد الله لمن اعتصم بحبله، وتمسَّك بدينه، وأخلص عمله فيه بأنه مع المؤمنين؛ بقوله سبحانه: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 146].

 

وقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد الحديث عن المنافقين، وما يستحقون من الله من عذاب يوم القيامة، فهم أشد الناس عذابًا وفي الدرك الأسفل من النار، إلا الذين تابوا منهم، وأصلحوا عملهم، واعتصموا بالله، وأخلصوا لدينهم، بحيث لم يشِبوا عملهم بتردد، ولا تربص بانتظار من ينتصر من الفريقين المؤمنين والكافرين، فأخبر أن من صارت حاله إلى هذا الخير فهو مع المؤمنين، وفي لفظِ (مع) إيماء إلى فضيلة مَن آمن مِن أول الأمر، ولم يَصِمْ نفسه بالنفاق، لأن (مع) تدخل على المتبوع وهو الأفضل[7].

 

ويقول القرطبي: "هذا استثناء ممن نافق، ومن شرط التائب من النفاق أن يصلح في قوله وفعله، ويعتصم بالله؛ أي يجعله ملجأً ومعاذًا، ويخلص دينه لله، وإلا فليس بتائب؛ قال الفراء: معنى: ﴿ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 146]؛ أي: من المؤمنين[8].

 

فهذه بعض ثمرات الاعتصام بحبل الله، فما أحوجنا إلى الامتثال لأمر الله، والاعتصام بحبله، وأن نتعرف على الله في الرخاء حتى يتعرف علينا وقت الشدة! وما أحوجنا أن نلجأ إليه سبحانه ليمنحنا الهداية الإلهية إلى صراطه المستقيم! وما أحوجنا إلى رحمات الله ونيل فضله لنكون في معية المؤمنين في الدارين!

 

فكل هذه الثمرات وَعَدَ بها رب العزة والجلال، إذا اعتصمنا بحبله، والتزمنا بشرعه، ووثِقنا بوعده[9].

 

فيا طيب عيش الصالحين! ويا سعادة مآل المعتصمين!

 

والحمد مِن قبل ومِن بعد لله رب العالمين.



[1] جامع البيان لابن جرير الطبري (4/ 31-33) بتصرف وزيادات.

[2] تفسير ابن كثير (1/ 387).

[3] فتح القدير (1/ 367).

[4] التحرير والتنوير (3/ 428) بتصرف.

[5] التفسير الكبير ومفاتيح الغيب، مجلد (6) (11/ 122).

[6] تفسير القرآن العظيم (1/592).

[7] التحرير والتنوير، لابن عاشور، م 3 (5/ 244).

[8] الجامع لأحكام القرآن (5/ 423).

[9] الثمرات الأربع الأخيرة ملخصة بتصرف وزيادات عن: الاعتصام بحبل الله بين الواقع والمبشرات (دراسة قرآنية واقعية)، د. محمود هاشم عنبر (1/1-19)، شَكَرَ الله تعالى له.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاعتصام بالله
  • خطبة في الاعتصام بالله من الشيطان
  • فضل الاعتصام بالله تعالى (خطبة)
  • ماهية الاعتصام بالله تعالى
  • الاعتصام بالله في زمن غربة الإسلام
  • فضل الاعتصام بالله تعالى وضرورة المؤمن له
  • الاعتصام بالسنة وسبيل السلف الصالح
  • مظاهر الاعتصام بغير الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • الدرس التاسع والعشرون: ثمرات الإيمان بالله في الحياة الدنيا(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: ثمرات تربية الأولاد على الإيمان بالله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثمرات حسن الظن بالله تعالى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثمرات الإيمان بالله في الحياة الدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثمرات الإيمان بالله تعالى(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • الثمرات الإيمانية للدعوة إلى الله في المرحلة الثانوية (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثمرات الابتلاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مائدة العقيدة: ثمرات العقيدة الصحيحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: ثمرات الافتقار إلى الله تعالى (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثمرات تفريج كربات الناس(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب