• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

فلما جن الليل

فلما جن الليل
وليد سميح عبدالعال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/3/2024 ميلادي - 29/8/1445 هجري

الزيارات: 2303

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فلما جن الليل


بربِّك هل هُناك ما هو أبدَع من هذا وأجمل وأبلغ؟


مَن يستَطِيع أنْ يُواجِه هذا السِّياق ولا يذل قلبه وينخذل لربه؟!


انظُر لهذه الآيات من سورة الأنعام واقرأها، وأمرَّها على قلبك، ولا تَعجَل حتى تعقلها وتتدبَّرها.


ثم بعد ذلك نعود لنُدَندِن سويًّا عن هذا البَلاغِ المبين.


يقول - سبحانه -: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 74 - 83].


هل انتهيت؟

إذًا فأَخبِرني أي سَماء صعدت؟ وأي أرض قطعت؟

 

وأي يقين أيقنت؟


ها هو إبراهيم - عليه السلام - يُواجِه أباه داعيًا وناهيًا ومُستَنكِرًا، لم تمنَعْه هيبة الأب ولا سُلطانه ولا سَطوته من أداء هذا الواجب الجليل، ولم تَحمِله محبَّة الوالد الطبيعيَّة الفطريَّة على ترك هذه الرِّسالة.


لكنَّه برغم قوَّة الخِطاب وصَدمته، تلطَّف مع أبيه غاية التلطُّف، وتأدَّب معه غاية الأدَب، مع أنَّه وقومه في ضَلالٍ من أوضح وأبين الضَّلال والانحِراف عن دين الله وعِبادته.


نجدُه يُخاطِبه في سورة مريم بسِياقها الممتع العجيب، فيقول مُتحبِّبًا مُتودِّدًا: يا أبت... ويُكرِّرها المرَّة تِلوَ المرَّة، وفي هذا من رقَّة قلب إبراهيم وشفقته ما الله به عليم.


يقول - تعالى -: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 41 - 42].


فبدَأ بالاستِدلال عليه بالدَّليل العقلي: أنَّ هذه الأصنام لا تَسمَع ولا تَعقِل، فكيف تَدعُوها وتَرجُوها من دون الله؟ ثم قال: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43]، فانتَقَل إلى بَيان أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قد خصَّه بالعلم، وعلى الجاهل أنْ يتبع العالِم؛ فإنَّ في اتِّباعه الصراط المستقيم، والمنهج القويم، فإذا سلَك سلَك بعلمٍ، وإذا اعتَقَد اعتَقَد بعلمٍ، وإذا عبَد عبَد بعلمٍ، ثم انتَقَل للأمر والنهي الشرعيَّين، فنَهاه عمَّا نَهاه الله عنه فقال: ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 44 - 45]، فتلطَّف له ثانيةً، وبيَّن له خوفَه عليه من الكفر وعاقبته.


وذكَر اسم (الرحمن) مرَّتين، وفي هذا إشعارٌ بفَظاعة جُرم هؤلاء؛ حيث أغضَبُوا الرحمن الذي عادته أنْ تسبق رحمتُه غضبَه، وكذلك فيه تلويحٌ بالتوبة وقُربها إنْ هم ترَكُوا ما هم عليه وعادُوا لرحمة الرحمن، لكنَّ أباه أعرض، ولم يجدْ جَوابًا لهذه الحُجَجِ الدامغة، وهذا البَيان البالغ، وما كان منه إلاَّ أنْ هدَّد وتوعَّد: ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ [مريم: 46]، وهكذا حالُ أهل الباطل: إذا وجَد الحجَّة عليه، لجأ إلى السبيل المعهودة؛ الظُّلم والطُّغيان.


وكان الأَوْلَى له أنْ يشكر لابنه لأنَّه يريد أنْ يخرجه من الظُّلمات إلى النور، وقد كان والد إبراهيم - كما روَوْا - قَيِّمًا على الأصنام، أو خادِمًا لها، فأي ظلمة وانغِلاق تكون فيه؟!


﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75].


قال ابن كثير: أي: نُبيِّن له وجهَ الدلالة في نظَرِه إلى خلقِهما على وحدانيَّة الله - عزَّ وجلَّ - في مُلكِه وخَلقِه، وأنَّه لا إلهَ غيره، ولا ربَّ سِواه؛ كقوله: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101]...


ثم قال: فيحتمل أنْ يكون كشَف له عن بصره، حتى رأى ذلك عيانًا، ويحتمل أنْ يكون عن بصيرته حتى شاهَدَه بفُؤادِه وتحقَّقه وعرَفه، وعلم ما في ذلك من الحِكَمِ الباهِرَة، والدلالات القاطعة، كما رَواه الإمام أحمد والترمذي وصحَّحه، عن معاذ بن جبل - رضِي الله عنه - في حديث المنام: ((أتاني ربِّي في أحسن صُورةٍ فقال: يا محمد، فيمَ يختَصِم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب، فوضع كفَّه بين كتفي، حتى وجدت بردَ أنامله بين ثديي، فتجلَّى لي كلُّ شيء...)) الحديث، انتهى.


ولكن لماذا جاءَتْ هذه الإراءة بعد اتِّهام وتَضلِيل إبراهيم لقومه؟ ولِمَ احتاج إبراهيم هنا لليقين الكامل؟


إنَّ المرء إذا أراد أنْ يُناظِر أحدًا ويحاجَّه، فإنَّه أحوج ما يكون أوَّلاً للعَوْن من الله - عزَّ وجلَّ - وأنْ يكون على يقينٍ تامٍّ من هذا الشيء الذي يُناظِر ويُنافِح عنه، وجعَل الله إدراك المحسوسات أثبَتَ في النَّفس من إدراك المدلولات القائمة على البُرهان؛ ولهذا طلَب إبراهيم من ربِّه أنْ يريَه كيف يُحيِي الموتى، فلمَّا رآها وعايَنَها اطمأنَّ قلبه أعلى دَرجات اليقين، وكذلك سأَل موسى ربَّه أنْ يَراه ويَنظُر إليه؛ ليَزداد حبًّا ويقينًا.


قال ابن حزم:

وَلَكِنْ لِلْعِيَانِ لَطِيفُ مَعْنًى
لَهُ سَأَلَ المُعَايَنَةَ الكَلِيمُ

فبقَدر ما تتَّضِح الرُّؤية يحصل اليقين، وبقَدر ما تَزداد الغِشاوة يحصل الشكُّ والرِّيبة، فإذا كان المُناظِر عنده شكٌّ - ولو خَفِيَ ولَطُفَ - فيما يحمل هو من أفكار، كان ذلك سببًا في وهن حجَّته، وخفَّة استِدلاله، فأراد الله أنْ يرى إبراهيمُ ملكوت السموات والأرض، أيًّا كان المقصود بهذه الإراءة: بصريَّة أو قلبيَّة، ليجعَل إبراهيم من المُوقِنين بربوبيَّته وألوهيَّته، وليجعله على أرضٍ صلبة من الإيمان؛ ولذلك انتَقَل السِّياق مباشرةً - بطريقة فريدة - إلى حِجاج هؤلاء ومُناظَرتهم ودحض باطِلهم.


ويَرِدُ هنا سؤالٌ: لماذا عبَّر بالفعل المضارع (نري) المفيد للحال والاستِقبال، ولم يأتِ بصيغة الماضي، فلم يَقُل: (أريناه) باعتبار أنَّ فعل الإراءة انتهى؟


يقول الألوسي: عدل إلى صِيغة المستقبل حكايةً للحال الماضية؛ استِحضارًا لصورتها حتى كأنها حاضرةً مُشاهَدة؛ انتهى.


وفي ذلك إشعارٌ بدَيْمومة أثَر هذه الرُّؤية في قلب إبراهيم - عليه السلام - ودَوام تَثبِيت الله - عزَّ وجلَّ - له، وبهذا نَفهَم سرَّ التعبير بهذا اللفظ خاصَّة، وسبب تميُّزه، والله أعلم.


وأيضًا فقد أثبَتَ الواو في قوله: ﴿ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ وفي ذلك زيادة معنى، ولا يصحُّ أنْ يُقال: إنَّ الواو زائدة؛ فما هناك شيء زائد، أو لا معنى له في القرآن العظيم.


قال الرازي بعد أنْ ذكَر الخِلافَ الوارد في الواو: الإراءة قد تحصل وتصير سببًا لمزيد الضلال كما في حق فرعون؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى ﴾ [طه: 56]، وقد تصير سببًا لمزيد الهداية واليَقِين، فلمَّا احتَملت الإراءة هذين الاحتمالين قال - تعالى - في حقِّ إبراهيم - عليه السلام -: إنَّا أريناه هذه الآيات ليَراها، ولأجل أنْ يكون من المُوقِنين لا من الجاحِدين، والله أعلم.


وذكَر الرازي كذلك أنَّ هذا نظير قوله - تعالى -: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا... ﴾ [آل عمران: 140]، ومفهوم قول الرازي أنَّ التقدير في قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75] نريه ذلك؛ ليكون كيت وكيت وليكون من الموقنين، وحذف المعطوف عليه للإشعار بأنَّ المصلحة في ذلك ليست واحدة، بل فيها من وجوه المصالح الكثير؛ أي: إنَّ إبراهيم استَفاد من هذه الرُّؤية أشياء كثيرة أُبْهِمت ولم تُذكَر، دلَّ عليها وجودُ الواو.


فأي إعجاز، وأي بلاغة، وأي بيانٍ بإثبات حرفٍ واحد، ولكنَّه الحكيم القدير - سبحانه.


وقال الطبري: لو لم تكن فيه الواو كان شرطًا، على قولك: أريناه ملكوت السموات والأرض ليكون... فإذا كانت الواو فيها فلها فعلٌ مُضمَر بعدها: و"ليكون من الموقنين" أريناه، قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب في العربية؛ انتهى.


وهكذا بعد أن استَيْقَن إبراهيم زيادةً، صار مُهيَّئًا لِمُناظَرة أهل الباطل.


وقد ذكَر أهل التفسير هنا خِلافًا شَهِيرًا: هل كان إبراهيم هنا ناظِرًا أم مُناظِرًا؟


يعني: هل كان يُرِيد أنْ يصل للإله ويَعلَم هل هو الكوكب أم القمر أم الشمس، أم كان يُناظِر قومه، ويُلزِمهم الحجَّة؟


لا شكّ أنَّك قد علمتَ من أوَّل الكلام أنَّا لا نؤيِّد القول الأوَّل، بل الأَحْرَى أنْ يُضرَب عنه صَفحًا؛ إذ كيف يكون صحيحًا وإبراهيم هو إمام الحنفاء النقي الخالص من الشِّرك، الذي أتى ربه بقلب سليم؟


قال البغوي في "معالم التنزيل": وكيف يتوهَّم هذا على مَن عصَمَه الله وطهَّره وآتاه رشدَه من قبلُ وأخبر عنه فقال: ﴿ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 84]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 75]؟ أفَتراه أراه الملكوت ليُوقِن، فلمَّا أيقن رأى كوكبًا قال: هذا ربي، معتقدًا؟ فهذا ما لا يكون أبدًا؛ انتهى.


وقد استدلَّ البعض بقول إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾ [الأنعام: 77]على أنَّه كان مقام نظَر، ولكن ردَّ عليهم بأنَّه قال: "هذا ربي"، قال الشهرستاني: فيا عجبًا مَن لا يعرف ربًّا كيف يقول ذلك، ورؤية الهداية من الله غاية التوحيد، ونهاية المعرفة، والواصل إلى الغاية كيف يكون في مدارج البداية؟ انتهى.


ومن أقطَعِ الأدلَّة على أنَّ مَقام إبراهيم كان مقام مُناظَرة واحتِجاج قولُ الله - عزَّ وجلَّ - في نهاية هذه القصَّة كلها: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 83]؛ أي: إنَّ هذا الكلام وهذا الاستدلال من إبراهيم هو حجَّته على قومه وبرهانه عليهم، بعد أنْ أنكروا ألوهيَّة الله وعبَدُوا تلك الكواكب والأصنام.


﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 76 - 78].


انتظر إبراهيم حتى أتى الليل، وقد كان قوم إبراهيم - عليه السلام - (الكلدانيون فيما قيل) يَعبُدون الكواكب ويُصوِّرون لها أصنامًا، وتدرَّج إبراهيم معهم من الأدنى إلى الأعلى؛ من الكوكب إلى الشمس، ولم يكتَفِ بالشمس في الاستِدلال أو بواحدٍ من هذه الثلاث - وقد كان كافيًا - ولكن أراد ألاَّ يجعل لهم حجَّةً ولا كَلامًا، ويُؤكِّد ويُقرِّر هذه الحقائق بِمُنتَهى الوضوح والقوَّة.


ها هو الكوكب الذي تعبدونه.


سأقول معكم: إنَّه رب.


رب؟

هل تدرون معنى الكلمة؟ هل تعلمون حقيقتها؟


كيف يكون ربًّا مَن الأفولُ والغيابُ حالُه ودَيْدنه؟


قال صاحب "المقاييس": أفل: الهمزة والفاء واللام أصلٌ في معنى الغيْبة، وكل شيء غاب فهو آفل.

 

فَدَعْ عَنْكَ سُعْدَى إِنَّمَا تُسْعِفُ النَّوَى
قِرَانَ الثُّرَيَّا مَرَّةً ثُمَّ تَأْفِلُ

انتهى.


بل إنَّ الأفول أشدُّ إغراقًا في الغِياب.


قال العسكرى في "الفروق اللغويَّة": الفرق بين الأفول والغيوب أنَّ الأفول هو غيوب الشيء وراء الشيء؛ ولهذا يُقال: أفل النجم؛ لأنَّه يَغِيب وراء جهة الأرض، والغيوب يكون في ذلك وفي غيره.


فهذا الآفِل الغائب لا يكون ربًّا حيًّا قيُّومًا لا يقوم بنفسه، ناهيك عن أنْ يُقِيم غيره.


هذا الكوكب، هذا القمر، هذه الشمس آفلةٌ غائبة مخلوقةٌ مأمورة، سيَّرها ودبَّر أمرها، ونظَّم دورانها ربٌّ قدير عظيم، أعظم منها وأجلُّ.


ولكن ما دُمتُم على ما أنتُم عليه من الجهل والإعراض والاستِكبار فإني ﴿ بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 78 - 79].


يُعلِن الحنيف بَراءَته من الشِّرك وأهله، ينزه ربه، ثم...


يتوجَّه إليه وحده.


وهكذا كان نبيُّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعَل إذا استَفتَح الصلاة - ووَرَد أنَّه كان يخصُّ ذلك بصلاة الليل - فيقول: ((وجَّهتُ وجهي للذي فطَر السَّموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسُكِي ومَحياي ومَماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له وبذلك أُمِرتُ وأنا أوَّل المسلمين...)) الحديث.


وهذا حال العبد الخالص القلبِ لربِّه، يتذكَّر دومًا أنَّ وجهته، وعبادته، وحياته، ومماته لله - عزَّ وجلَّ - ولكن..


ما هذا؟


لقد حاجوه وجادَلُوه بالباطل، فأيُّ كبرٍ وتعنُّت وغِشاوة وضَلال؟


وانظُر إلى قوله لهم: ﴿ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ﴾ [الأنعام: 80].


كيف يسوغ ذلك منكم بعد أنْ قامت البراهين والأدلَّة على ربوبيَّة الله، وبانَ فَساد مُعتَقدكم ووهنه؟


وكيف يسوغ ذلك منكم وقد هداني ربي لتوحيده ونوره وصِراطه؟


وانظُر كيف عبَّر بلفظة (أتحاجوني) بما فيها من مدٍّ مثقَّل في موضعين، وصعوبة نطقيَّة واضحة حتى على أهل التميُّز في القراءة، وفي هذا إشعار بصلابتهم على باطلهم، وطول مُعالَجتهم للجدل والخصومة، وأيضًا معاودتهم للحِجاج مرَّة بعد مرَّة، وقد يؤيِّد هذا ذلك السِّياق المُحكَم الوارد في سورة الأنبياء، وكيف كسر إبراهيم - عليه السلام - أصنامهم وسألوه: مَن فعل هذا بآلهتهم؟ فبيَّن عوارهم وألزَمَهم الحجَّة باستدلال عقلي قاطع ساطع.


﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 63 - 65].


فقد رجَعُوا شيئًا، بل ووسَمُوا أنفسهم بالظُّلم، ثم غلبتْ عليهم شقوتهم وغفلَتُهم (فنُكِسوا)، وعبَّر بهذه اللفظة البليغة المفيدة للانقِلاب والتغيُّر - والنَّكْس: قلب الشيء على رأسه - فكأنَّهم كادوا يعتَدِلون وتنتَظِم أفهامهم وعقولهم، ثم جذبتهم غفلتهم وجَهالتهم وتَعطِيلهم لعقولهم باتِّباع الآباء والأجداد إلى حَضِيضِ الأرض والطِّين.


ثم بعد حجاجكم واستكباركم وانتكاسكم تُرِيدون لي أنْ أخاف ولو أدنى مخافة؟


وكيف يَخاف إبراهيم وقد رأى ملكوت السموات والأرض، وبلَغ أعلى مراتب اليقين: عين اليقين، وهم لا يخافون؟


إنما الأمن للذين آمَنوا، والذين لم يُداخِل إيمانَهم شركٌ ولا شكٌّ، أمن في الدنيا، وهذه من أفضل النِّعَم التي يمكن أنْ يَرجُوها إنسانٌ على هذه الأرض، وقلَّ مَن يجد الأمنَ الحقيقي في هذه الدنيا العجيبة، وكذلك أمنٌ في الآخرة من كَربِها وهَولِها، واهتِداء في الدنيا وتوفيق وكلاءة، واهتداء للمنازل العُليَا في الجنَّة في الآخِرة.


سلامٌ عليك يا إمامَ الحنفاء، أيُّها الفائز بالخلة، وبالقَلبِ السليم، وبِجوار ربِّ العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وظائف اليوم والليلة (خطبة)
  • من صفات عباد الرحمن: قيام الليل (خطبة)
  • من ثمرات قيام الليل
  • ليلة رفع القرآن الليلة الحزينة
  • سهام الليل
  • فضائل وثمرات قيام الليل
  • فضل قيام الليل

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع قوله تعالى: { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين }(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • فضل قيام الليل (قيام الليل يجعلك من الصالحين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تفسير: (ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلاة الليل في وقتها (أفضل وقت لصلاة الليل)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • التوحيد في سورة الجن(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب