• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

الاختلاف العقدي وأثره في نقد الحديث النبوي

الاختلاف العقدي وأثره في نقد الحديث النبوي
أمين بوكنزة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/2/2024 ميلادي - 5/8/1445 هجري

الزيارات: 3127

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاختلاف العقدي وأثره في نقد الحديث النبوي

 

تقديم:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

 

تعتبر شروط قبول الحديث النبوي من أهم المباحث في علوم الحديث؛ حيث وضع علماء الصناعة الحديثية صفات على أساسها تُقبَل الرواية أو تُرَدُّ، وقد اختلفت عبارات العلماء في تعداد صفات القبول، فمن مُقِلٍّ ومن مُكْثِرٍ، وجمع أبو عمرو بن الصلاح تلك الخصال، فقال: (أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلًا ضابطًا لما يروي، وتفصيله: أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا سالمًا من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظًا غير مغفل، حافظًا إن حَدَّث من حفظه، ضابطًا لكتابه إن حَدَّث من كتابه، وإن كان يحدِّث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالمًا بما يحيل المعاني)[1].

 

وبالتأمل في هذه الصفات وغيرها مما ذكر العلماء نجد أنها لدى النظر ترجع كلها إلى أمرين ذكرهما ابن الصلاح هما: العدالة والضبط، والعدالة مفهوم يرتبط بحال الراوي الذي منه يتشكل السند؛ لذلك اجتهد المحدثون في وضع معايير نقد عدالة الرواة، ومن بين هذه المعايير النظر في خبر المبتدع، والأمر يتعلق هنا بالاختلاف المذهبي العقدي بالأساس، واختلاف المذاهب العقدية واحدة من الآفات التي يدخلها الجرح، باعتبار أن الاختلاف العقدي فَرَّق كلمة المسلمين وزرع بينهم التعادي في أمور هي من ابتداعهم، ورواية الحديث عن المبتدع أمر قد أشكل على الكثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين كذلك خصوصًا إذا كان الراوي المبتدع ضابطًا متقنًا حافظًا لرواياته؛ لذلك كان عنوان هذا المقال "الاختلاف العقدي وأثره في نقد الحديث النبوي" ويثير عدة إشكالات منها:

ما موقع الاختلاف العقدي في مفهوم العدالة؟ وما مدى تأثير هذا الاختلاف في نقد الحديث النبوي سواء تعلق الأمر بنقد سند الحديث أو نقد متنه؟ وكيف تعامل المُحدِّثون المتقدمون مع أخبار أهل الأهواء والبدع؟ وما أسباب اختلافهم في قبولها أو ردِّها؟ وهل هناك من سبل لتدبير اختلافهم في خبر المبتدع؟ وما مدى صحة تقسيم بعضهم للبدع بين بدع كبرى وصغرى، أو بين الداعية إلى البدعة وغير الداعية، وبين البدعة الخفيفة والغليظة، وبين البدعة المكفرة وغير المكفرة، ومعاييرهم في ذلك، وأثر ذلك في نقد الحديث؟ وما مدى تأثير اختلاف منهج النقاد بين متشدد ومتساهل ومعتدل في نقد روايات أهل البدع والأهواء؟ وكيف تعامل النُّقَّاد المتأخرون منهم والمعاصرون ممن تصدوا لمهمة التصحيح والتضعيف مع هذا النوع من الأخبار؟ وهل الأصل في الراوي المتهم بالبدعة ثبوت التهمة أم أنه محمول على العدالة حتى يثبت الجرح؟ وهل يمكن صياغة قواعد لتدبير الاختلاف النقدي بسبب الاختلاف العقدي؟

 

وبحث هذه التساؤلات من شأنه أن يستحضر النظر في المجالين العقدي والحديثي والعلاقة بينهما، كما من شأنه أن يوضح موقع الاعتقاد من صنعة المحدِّث النقدية وكيفية حصول العلم وثبوت الحجة بناءً على النقد.

 

وتكمن أهمية الموضوع وجدوى الاشتغال به في كونه يسعى إلى معالجة قضية أثر الاختلاف العقدي في نقد الحديث النبوي سواء عند المحدثين المتقدمين أو المتأخرين، ولما لهذه المسألة من خطورة في قبول أو رد مجموعة من الروايات استنادًا إلى معتقد ناقليها، وهي من المسائل الوعرة التي من شأنها أن تبطل القبول والعمل في جملة من الأحاديث ربما وقع قبول العمل بها من البعض الآخر، وشرف الموضوع ينبع من كونه يسعى إلى حماية السنة النبوية من المنكرين لها والمشكِّكين في حجيتها من خلال الطعن في رواتها قصد ردها بالجملة، وهذا الباب يعني باب الاختلاف العقدي بين رواتها وناقليها من الأبواب الواسعة التي يدخلها هؤلاء قصد الطعن في السنة النبوية، وذلك لما لهذا الباب من أثر في نقد الحديث النبوي عند المحدثين أنفسهم قديمًا، كما أن أهمية الموضوع تزداد عند الكشف عن أسباب الاختلاف الواقع في هذه المسألة بين المحدثين على اختلاف مناهجهم، ووضع ضوابط ومعايير وقواعد لتدبير هذا الاختلاف الحاصل في هذا الموضوع يرجع إليها الباحثون والمختصون في الدراسات العقدية والفكرية والحديثية.

 

وبعد البحث لم أقف على دراسة علمية أفردت موضوع الاختلاف العقدي وأثره في نقد الحديث النبوي بالتأليف، غير أن هذا الموضوع نجد جزئياته متفرقة ومتشعبة في مؤلفات علوم الحديث خصوصًا في مبحث العدالة وفروع اختلالها، وصفة من تقبل روايته ومن ترد، والحكم على أخبار أهل الأهواء والبدع، وهي جزئيات يجب أن تفرد بدراسة متكاملة تحليلية للإجابة عن تلك الإشكالات بشمول وعمق وإنصاف قصد معالجة الخلاف الحاصل في تلكم الجزئيات.

 

فالبحث يركز اهتمامه على مسائل الخلاف دون الوفاق؛ ولذلك غرض منهجي وهو أن مسائل الخلاف هي المعبر الحقيقي عن اختلاف المدارك بسبب اختلاف الوظيفة، فالبحث لن يُعنى بمحاولة الجمع بين الآراء والأقوال، أو تكلفه، بقدر ما سيُعنى باستكشاف حقيقة الخلاف الحاصل في الموضوع؛ ولهذا ينبغي فيه الاعتناء بالعودة إلى المصادر والأصول، دون إهمال كتب المتأخرين للوقوف على صورة مكتملة لنشوء وتطور المسألة المبحوثة، من أجل بناء المسألة وتأصيلها بالاستناد إلى نصوص صريحة وأمثلة واضحة خصوصًا لدى الأئمة النُّقَّاد، ولا بُدَّ من التصريح بأن طريقة المنهج ستبالغ في التوثيق وتتبُّع اختلاف العبارات؛ لأن من أعظم المحاذير في التأليف النقلي إهمال نقل الألفاظ بأعيانها، والاكتفاء بنقل المعاني مع قصور الناقل عن استيفاء مراد المتكلم الأول بلفظه، هذا في نقل النصوص، فكيف في حال انعدامها؟! ومع ذلك يجزم بعضهم بمذهب إمام أو أئمة ومرادهم، وليس له برهان لا من نص ولا من إشارة، فهذا مما يجب التحوط فيه وأخذ الحذر منه.

 

وليس من وظيفة البحث ترجيح رأي على آخر أو الانتصار لمذهب دون آخر؛ بل الكشف عن الأسباب وطبيعة الخلاف، وصولًا إلى الحلول والقواعد التدبيرية؛ لذلك فالبحث لن يسلك مسلكًا تقريريًّا كما لن يستروح إلى التقليد في معالجة مسائله؛ ولذلك ظني به أنه جديد.

 

إن طبيعة هذا الموضوع تفرض استخراج مادته من كتب المصطلح، وكتب العلل والرجال، وكتب التخريج، وكتب الجرح والتعديل، وكتب العقائد والفرق الكلامية، وكذلك كتب السنة وشروحها، كما تستلزم اعتماد الدراسات المعاصرة المتعلقة بمصطلحات وقواعد ومناهج المحدثين وتاريخ نشأة النقد الحديثي والفرق الكلامية والكتب التي تُعنى بأسباب الاختلاف وغيرها من المراجع التي ستظهر حسب الدراسة.

 

تطبيقات من موضوع البحث:

اختلاف النُّقَّاد في عدالة حريز بن عثمان:

قال ابن عدي: قال يحيى بن صالح الوحاظي: أملى عليّ حريز بن عثمان عن عبدالرحمن بن ميسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا في تنقيص علي بن أبي طالب لا يصلح ذكره، حديث معقل منكر جدًّا لا يروي مثله من يتقي الله.

 

قال الوحاظي: فلما حدثني بذلك قمت عنه وتركته.

 

وقال غنجار: قيل ليحيى بن صالح: لمَ لَمْ تكتب عن حريز، فقال: كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليًّا سبعين مرة؟!

 

وقال ابن حبان: كان يلعن عليًّا بالغداة سبعين مرة، وبالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي، وكان داعية إلى مذهبه يتنكب حديثه؛ انتهى. وإنما أخرج له البخاري لقول أبي اليمان أنه رجع عن النصب كما مضى نقل ذلك عنه والله أعلم[2].

 

ونقل الذهبي: حدث بالشام وبالعراق، وحديثه نحو المئتين، ويُرمى بالنصب، وقد قال أبو حاتم: لا يصحُّ عندي ما يقال في رأيه، ولا أعلم بالشام أحدًا أثبت منه، وقال أحمد بن حنبل: حريز ثقة ثقة ثقة، لم يكن يرى القدر، وقال: أبو اليمان كان ينال من رجل، ثم ترك ذلك، وروي عن علي بن عياش عن حريز أنه قال: أأنا أشتم عليًّا؟ والله ما شتمته[3].

 

فكما يلاحظ من ترجمة حريز بن عثمان، هناك اختلاف في نظر النُّقَّاد بناءً على اعتقاده بالنصب وشتم عليّ رضي الله عنه، أو اعتقاده بالقدر كما رأى آخرون، مما يبين أن من معايير النقد الحديثي عند النقاد: موالاة جميع الصحابة وعدم الانصياع للهوى كالقول بالقدر. فمسألة الاختلاف في حريز بن عثمان بسبب مخالفته في الاعتقاد تتضمن قضايا هامة:

• أنها تؤكد مذاهب التعصب لبعض الصحابة على بعض، وذلك في سبِّ علي رضي الله عنه، وتعليله الأمر بأنه قتل آباءه، فجانب العلم والحلم يغيب فيه.

 

• نقد النُّقَّاد بناءً على مضمون الرواية.

 

• استمرار عملية النقد، وفيه برهان على الإنصاف والعدل الذي يتحلَّى به الناقد، فلا يغمط الراوي حقَّه.

 

• وفيه اختلاف نظر النُّقَّاد بناءً على تغيُّر حال الراوي، حيث أخرج له البخاري لما أيقن أنه حسنت أحوال الراوي وتبرَّأ مما كان عليه من انحراف، في حين أن غير البخاري ممن استقر عنده حال الراوي من النصب، بقي معتبرًا لذلك الحال ومستصحبًا له.

 

• وآخرون رأوا منه القول بالقدر، ونفى الإمام أحمد عنه ذلك لمَّا لَمْ يعلم به، ولم يثبت عنده بطريق مقبول، وهذا ما يؤكد مبدأ الاجتهاد، وعدم التقليد، والإنصاف والتجرُّد من أي هوى.

 

وكل هذه الاختلافات لم تجعل أحدًا من النُّقَّاد يغمط حقَّ آخر، بل الجميع مطالب بإقامة البرهان على مذهبه فقط؛ لأن لعامل الزمن أثرًا في النظر.

 

والاختلاف إنما يحصل بسبب ما يطرأ على الراوي من أحوال خلال حياته، فيطلع بعض النُّقَّاد على ما يغيب على آخرين.

 

فكما لوحظ أنه من أهم المعايير التي يحتكم إليها عند النقد: موالاة جميع الصحابة، إنزالهم المنزلة التي قررها القرآن وأكدتها الوقائع التاريخية، ولسنا هنا بصدد تقرير ذلك فقد تناولتها كتب متخصصة في الصحابة، ويشير الذهبي إلى خطورة هذا الأمر قائلًا: وخلف معاويةَ خلقٌ كثيرٌ يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإما قد ولدوا بالشام على حبه، وتربى أولادُهم على ذلك. وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشأوا على النصب، نعوذ بالله من الهوى. كما قد نشأ جيش علي رضي الله عنه ورعيته -إلا الخوارج منهم- على حبه والقيام معه، وبغض من بغى عليه والتبرؤ منهم، وغلا خلق منهم في التشيع.

 

فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم، لا يكاد يشاهد فيه إلا غاليًا في الحب، مفرطًا في البغض؟! ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟ فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرَفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين[4].

 

فالذهبي وهو من النُّقَّاد يشير إلى أن داعي التحري في مذاهب الرواة ومواقفهم من الصحابة، إنما هو لضمان الاتصاف بالعدل والإنصاف، الذي هو أول مظهر من مظاهر الخروج عن الهوى.

 

فمن لم يكن معه من العلم والنبل والحلم ما يجعله متزنًا في مثل هذه المواقف، متفصيًا من دواعي الهوى، فإنه مظنة الخطأ على أقل تقدير، إن لم نقل مظنة التقول والتزيد؛ فلهذا كانت محبة الصحابة جميعًا بلا استثناء من أهم المعايير، واعتبار ما وقع بينهم بمنزلة الاختلاف في الاجتهاد الشرعي.

 

ثم من خلال المثال السابق نفسه نظروا نظرًا آخر يتصل بالأهواء الاعتقادية، وهي كل أمر له صلة بمعاني الإيمان التي لم يعرفها الصحابة وأولها وقوعًا قضية القدر؛ وهي أن الأمور تقع من غير أن يكون الله تعالى قد علم بأنها ستقع، ورتبوا على ذلك استحالة جعل ما يقع للإنسان من الشر من مشيئة الله، وهذه أمور لم يفهمها الصحابة هكذا؛ ولذلك تصدوا لهذه الاعتقادات الخطيرة على نفسية الإنسان وأفعاله وحياته.

 

اختلافهم في عدالة عبدالرزاق بن همام:

وعبدالرزاق بن همام بن نافع هو الحافظ الكبير، عالم اليمن أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني، الثقة الشيعي، قال علي بن المديني: قال لي هشام بن يوسف: كان عبدالرزاق أعلمنا وأحفظنا، وقال أحمد العجلي: عبدالرزاق ثقة كان يتشيع. وأورد له العقيلي في كتاب الضعفاء: حدثنا محمد بن أحمد بن حماد، سمعت محمد بن عثمان الثقفي قال: لما قدم العباس بن عبدالعظيم من عند عبدالرزاق من صنعاء قال لنا ونحن جماعة: ألست قد تجشمت الخروج إلى عبدالرزاق فدخلت إليه وأقمت عنده حتى سمعت منه ما أردت، والله الذي لا إله إلا هو إن عبدالرزاق كذَّاب والواقدي أصدق منه[5].

 

فمن خلال هذه الترجمة تبين أن عبدالرزاق كان يتشيع، فهل تشيعه هذا يكون سببًا في رد أحاديثه واتهامه بالكذب؟

فالجواب على هذا الاختلاف النقدي أن عبدالرزاق لم يكن مغاليًا في التشيع؛ بل كان تشيعًا يسيرًا، لا يبلغ أن يفضل عليًّا رضي الله عنه عن الشيخين؛ ولذلك قال عبدالله بن أحمد: سألت أبي: هل كان عبدالرزاق يتشيَّع ويفرط في التشيع، فقال: فلم أسمع منه في هذا شيئًا.

 

وفي تهذيب التهذيب: فكان به تشيُّع يسير ولم يكن ممن يفرط فيه وليس برافضي وحاشاه[6]. وهنا يظهر معيار آخر، ويتعلَّق الأمر بتقسيم البدعة إلى صغرى وكبرى، فبدعة صغرى كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بيِّنة، ومن ذلك ما قاله الإمام الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الربعي الكوفي: شيعي جلد ولكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته.

 

ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة[7].

 

اختلافهم في عدالة أزهر بن عبدالله:

أزهر بن عبدالله بن جميع بن الحرازي الحميري الحمصي، ويقال هو أزهر بن سعيد، قال البخاري: أزهر بن عبدالله وأزهر بن سعيد وأزهر بن يزيد واحد، نسبوه مرة مرادي ومرة هوازني ومرة حرازي، أما حال أزهر فلم يذكر المزي في تهذيب الكمال شيئًا في ترجمته، وقد قال ابن الجارود في كتاب الضعفاء: كان يسب عليًّا، وقال أبو داود: إني لأبغض أزهر الحرازي، ثم ساق بإسناده إلى أزهر قال: كنت في الخيل الذين سبوا أنس بن مالك فأتينا به الحجاج، وذكر ابن الجوزي عن الأزدي قال: يتكلمون فيه[8].

 

وبالتأمل نجد أن أزهر إنما بغضه من بغضه وتكلم فيه من تكلم من أجل مذهبه فقط دون صدقه وثقته، ويؤيد هذا ما ذهب إليه ابن حجر حيث قال: قلت لم يتكلموا إلا في مذهبه وقد وثقه العجلي، وفرق ابن حبان في الثقات بين أزهر بن سعيد وأزهر بن عبدالله ثم ذكر أزهر بن عبدالله الراوي عن تميم وعنه الخليل بن مرة وقال: إن لم يكن هو الحرازي فلا أدري من هو.

 

لذلك فمعيار الصدق والثقة حاضر بقوة بغض النظر عن المذهب العقدي، إلا أن يكون هناك غلو كما أشرنا في المثال السابق.

 

اختلافهم في عدالة شيبان بن فروخ:

وهو شيبان بن أبي شيبة المحدث الحافظ الصدوق، أبو محمد الحبطي مولاهم الأبلي البصري، مسند عصره، قال أبو زرعة: صدوق، وأما أبو حاتم فقال: كان يرى القدر، واضطر الناس إليه بآخرة، يعني أنه تفرد بالأسانيد العالية[9].

 

فكونه كان يرى القدر ليس سببًا كافيًا لرد أحاديثه، فمحله الصدق بشهادة أبي زرعة، فالمسألة إذن تحتاج إلى مراجعة وهي كون المخالفة في الاعتقاد والرأي والنظر سبب في رد الرواية والطعن في صدق وعدالة الراوي مع وجود من شهد له بالصدق والعدالة خصوصًا إن لم يكن داعية إلى بدعته؛ ولذلك فقد أنصف الساجي حيث قال في شيبان: قدري إلا أنه كان صدوقًا[10].

 

فهذه نماذج من اختلاف النُّقَّاد في النظر النقدي بسبب المخالفة في الاعتقاد، وغيرها كثير ينبغي للدارسين والباحثين الوقوف عليها، وإفرادها بدراسة علمية محكمة.

 

المراجع:

• علوم الحديث لابن الصلاح عثمان بن عبدالرحمن، طبعة دار الفكر- دمشق.

 

• تهذيب الكمال ليوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي، الطبعة الأولى 1400هـ -1980م، مؤسسة الرسالة - بيروت.

 

• سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط، الطبعة الثالثة: 1405هـ-1985م، مؤسسة الرسالة - بيروت.

 

• الكامل في الضعفاء لعبدالله بن عدي الجرجاني، تحقيق سهيل زكار، الطبعة الثالثة 1409هـ، دار الفكر- بيروت.

 

• المجروحين لمحمد بن حاتم بن حبان، تحقيق محمود زايد، نشر عالم الكتب، الطبعة الثانية 1402هـ، الرياض.

 

• ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام شمس الدين الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة - بيروت.

 

• منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر، الطبعة الثالثة: 1981م، دار الفكر- دمشق.

 

• الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها لحمزة بن عبدالله المليباري، الطبعة الثانية: 1422هـ-2001م، الجامعة الأردنية – عمان.



[1] علوم الحديث: 94، وهذه الخصال سبق إلى سردها بتفصيل أوسع الإمام الشافعي في الرسالة، في أثناء تعريفه للحديث الصحيح: 370-371.

[2] تهذيب التهذيب: الجزء 2، الصفحة 210.

[3] سير أعلام النبلاء: الجزء 7، الصفحة 80.

[4] سير أعلام النبلاء: الجزء 3، الصفحة 128.

[5] سير أعلام النبلاء: الجزء 9، الصفحة 563.

[6] الجزء 16، الصفحة 313.

[7] الكامل: 1 /380، ميزان الاعتدال: 1 /6، تهذيب التهذيب: 1 /93.

[8] تهذيب التهذيب: الجزء 1، الصفحة 178-179.

[9] سير أعلام النبلاء: الجزء 11، الصفحة 101-102.

[10] تهذيب التهذيب: الجزء 4، الصفحة 328.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الاستشهاد بالحديث النبويّ في معجم لسان العرب
  • الحديث النبوي والقرآن الكريم
  • أهمية الحديث النبوي في الدراسات اللغوية والنحوية
  • اهتمام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالحديث النبوي وأثره في العقيدة
  • التماسك النصي في الحديث النبوي الشريف
  • التغير الدلالي في الحديث النبوي الشريف

مختارات من الشبكة

  • في سنة الاختلاف وآليات التعامل مع الآخر (قراءة في كتاب: دليل تنمية القدرة على تدبير الاختلاف)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الاختلاف الأصولي في الترجيح بكثرة الأدلة والرواة وأثره(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الاختلاف في مسمى الإنسان: حقيقته وأثره(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الاختلاف المذموم وأثره السيئ على الأمة(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • أثر مخالفة المصطلحات في اللغة والشرع والعقل على الاختلاف العلمي والعملي على الأمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفهوم الصفة وأثر الاختلاف فيه بين الأصوليين على الفروع (PDF)(كتاب - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • الروابط الاجتماعية في الإسلام و أثرها في المجتمع و نبذ الاختلاف(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • ملخص كتاب: المجملات النافعات في مسائل العلم والتقليد والإفتاء والاختلافات - الخامس: الاختلاف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أدب الاختلاف في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البناء العقدي وأثره في الفرد والمجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب