• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

ضابط المسكر (PDF)

بندر بن سعود النمر

عدد الصفحات:19
عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 21/12/2023 ميلادي - 8/6/1445 هجري

الزيارات: 4089

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فهذا بحث عن مسألة (ضابط المسكر)، وهو المبحث الثالث لحكم بيع العطور عبر الانترنت والذي يتضمن عدة مباحث:

• حكم نجاسة الخمر.

• طهارة العين النجسة بالاستحالة.

• ضابط المسكر.

• حكم استعمال الكحول والعطور الكحولية.

• حكم بيع العين الغائبة بغير وصف ولا رؤية متقدمة مع خيار الشرط.

• حكم بيع العطور عبر الانترنت.

أسأل الله القبول والتوفيق والتيسير إنه على ذلك قدير.

 

مدخل إلى المسألة

• تغييب العقل معنى أعم من الإسكار.

• الأصل عدم الإسكار إلا بدليل.

• كل ما أسكر كثيره فكثيره وقليله خمر.

• كل الأعيان التي نُص عليها في الكتاب والسنة وآثار الصحابة على أنها مسكرة كانت لا تخلوا من اللذة والطرب فقُيدت به.

 

• لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضي الله عنهم في فتاويهم عن المسكرات المتنوعة هل كانت تشرب عادةً أو لا.


• الأصل في حكم تغييب العقل التحريم بغض النظر عن دخوله تحت معنى الإسكار.

• الأصل في الأعيان الطهارة فكل ما يغيّب العقل طاهر إلا استثناه الدليل.

 

تعريف الخمر والمسكر:

الخمر لغة: التغطية والستر، ومنه خمار المرأة.[1]

واصطلاحاً: هي كل ما يسكر قليله أو كثيره[2].

 

وروى مسلم في صحيحه من طريق حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام)[3].

 

وروى أحمد وغيره من طريق داود بن بكر بن أبي الفرات، عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)[4].

 

ومن هذين الحديثين ومما ذكر من تعريف الخمر اللغوي يتبين لنا أن علة الخمر هي الإسكار، فهو يدور مع علته وجوداً وعدماً، فكل ما أسكر كثيره فكثيره وقليله خمر.

 

والمسكر لغة: اسم مفعول من أسكر مصدره سكر، يقال: حاول إسكاره أي أفقده العقل والإدراك، وإسكار النفس: جعلها في نشوة[5].

 

أما في الاصطلاح: فقد اختلف أهل العلم في تبيين حده، وسنناقش عدداً من القيود التي تحدث عنها أهل العلم في ضابط المسكر كل منها على حدة، حتى نصل إلى تعريف المسكر الشرعي الذي يترتب بتناوله ما يترتب على الخمر من أحكام، وهذه القيود هي:

• تغطية العقل.

• عدم تغييب الحواس.

• الشعور باللذة والطرب.

• كون المسكر من المائعات دون الجوامد.

• يقصد عادةً الشرب.


القيد الأول: تغطية العقل

فلا يخفى على كل ذي لب أن تغطية العقل شرط أساس لكل مادة مسكرة ووضوحه يغني عن تحقيقه، فكل ما لم يغيب العقلَ كثيره فليس بمسكر.

 

لكن يجدر التنويه هنا أن تغطية العقل قيد من قيود وليس هو العلة الوحيدة للمسكر، فليس كل ما يغيب العقل مسكر فقد يغيب العقل بنوم أو إغماء ولا يكون صاحبه سكرانا بالإجماع، وكذلك قد يغيب العقل عن الإنسان بتعاطيه مادة مفترة كالبنج [6] ولا يأخذ حكم المسكر؛ وذلك لعدم اكتمال بقية القيود الأخرى.

 

فلذلك أجاز جمهور أهل العلم التداوي بالبنج واستعماله في إزالة العقل لقطع عضو متآكل ولم يجيزوا التداوي بالخمر[7]، لما جاء في صحيح مسلم من حديث طارق بن سويد الجعفي رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء فقال: (إنه ليس بدواء ولكنه داء)[8].

 

ولا يعني كون البنج ونحوه مما يزيل العقل بغير نشوة ولا طرب خارج عن حد المسكر أن تناول مقدار ما يغطي العقل منه جائز بل هو محرم بالإجماع، ولا يجوز إلا في حال الضرورة كالعمليات الطبية ونحوها.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكل ما يغيب العقل فإنه حرام وإن لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإن تغيُّب العقل حرام بإجماع المسلمين)[9].

 

كذلك لا يلزم أن كل ما يذهب العقل نجس فالجوامد التي تذهب العقل ليس بنجسة بالإجماع[10].

 

القيد الثاني: عدم تغييب الحواس

فإذا غيبت الحواس خرجت المادة المتناولة من معنى الإسكار لغة وشرعاً ودخلت في معنى الإغماء، ولو كان كل ما يغيب العقل مع الحواس مسكراً لعُد النوم وما يجلب النوم من المسكرات ولا قائل بذلك.

 

وبهذا القيد خرجت المواد التي تؤدي إلى الإغماء، وكذلك المواد السامة التي تؤدي إلى الوفاة حتى وإن كان في عناصر مكوناتها ما لو فصل وحده لأسكر فالعبرة بما أسكر كثيره بعينه لا باستقلال أحد جزيئياته، وسيأتي مزيد بحث عن ذلك في مبحث مستقل[11].

 

القيد الثالث: الشعور باللذة والطرب

اشترط الحنفية في ما يظهر من تعليلهم في المادة المسكرة أن تورث الشعور باللذة والطرب عادةً [12]، وكذلك نص عليه المالكية[13] والشافعية[14] والحنابلة[15]، فإذا خلت المادة المتناولة من اللذة والطرب فليست بمسكرة؛ وذلك لأن الأصل في الأعيان عدم الإسكار، وهذا العموم لا يخصص إلا بدليل، قال تعالى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ لَكُم مَّا فِی ٱلأَرضِ جَمِيعا ﴾]البقرة:29[، وجميع المشروبات التي نُص عليها في الكتاب والسنة وآثار الصحابة على أنها مسكرة كالمستخرج من العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل وغيرها كانت لا تخلوا جميعاً من اللذة والطرب، ولمّا كان الأصل في الأعيان عدم الإسكار، وكان جميع ما ستثني من هذا العموم من المسكرات لم يخلُ من صفة اللذة والطرب، ولمّا كانت اللذة والطرب مؤثرة في الشعور بحالة نشوة السكر ومحفزة إلى الاستزاده من شربه ومن تغييب العقل قُيِّد معنى الإسكار الشرعي به.

 

ولهذا المعنى نظائر في الفقه فكما نقول إن الأصل في إزالة النجاسات عدم التسبيع ويكفي في إزالة النجاسة غسلة واحدة تُذهب عين النجاسة، فلما جاء بالتسبيع في إزالة نجاسة الكلب دون غيره من سائر النجاسات خصّ التسبيع به رغم اشتراكهم في وصف النجاسة.

 

وكما نقول إن الأصل في البيع أن يكون عن تراضٍ، فلمّا جاء تعداد أمور مستثناة تصح فيها الشفعة من الشريك ولو لم يرض البائع وكانت هذه الأمور كلها من جنس واحد لا يتعداه وهو العقار، قيدت الأموال التي تصح الشفعة بها بالعقار فلا شفعة في منقول.

 

فقد جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشُّفْعَةُ في كُلِّ شِرْكٍ في أرْضٍ أوْرَبْعٍ أوْ حائِطٍ لا يَصْلُحُ أنْ يَبِيعَ حتّى يَعْرِضَ على شَرِيكِهِ، فَيَأْخُذَ أوْ يَدَعَ فإنْ أبى فَشَرِيكُهُ أحَقُّ بِهِ حتّى يُؤْذِنَهُ..) [16].

 

فأفاد تعداد أنواع مختلفة من (الأرض والربع والحائط) لحكم يخالف أصل التراضي بين المتبايعين وكانت هذه الأنواع يجمعها جنس واحد وهو العقار فقيد حكم الشفعة به.

 

وكذلك نقول إن للإسكار أحكاماً خاصة يختص بها عن بقية المشروبات من إقامة الحد ومنع التداوي به وغير ذلك، فلا يعمم هذا الحكم إلى جنس آخر إلا بدليل والأصل براءة الذمة وإباحة التداوي.

 

وقد تكلم أهل العلم عن هذا الحد الرفيع بين ما يزيل العقل بلذة وطرب وبين غيره، فقد نص الحنابلة على هذا القيد في معرض حديثهم عن طلاق من فقد عقله ببنج، فقال المرداوي رحمه الله في الإنصاف: (والصحيح من مذهب الحنابلة أن تناول البنج ونحوه لغير حاجة -إذا زال العقل به كالمجنون- لا يقع طلاق من تناوله؛ لأنه لا لذة فيه، وفرق الإمام أحمد بينه وبين السكران)[17].


فلم يوقع الحنابلة طلاق من زال عقله ببنج رغم أن أنهم يوقعون طلاق السكران، وعللوا ذلك بغياب اللذة.

 

وقال القرافي رحمه الله في الفروق: (الفرق الأربعون بين قاعدة المسكرات، وقاعدة المرقدات، وقاعدة المفسدات: هذه القواعد الثلاث قواعد تلتبس على كثير من الفقهاء، والفرق بينها أن المتناوَل من هذه إما أن تغيب معه الحواس، أو لا، فإن غابت معه الحواس، كالبصر والسمع واللمس والشم والذوق فهو المرقد.


وإن لم تغب معه الحواس، فلا يخلو إما أن يحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس، عند غالب المتناوِل له أو لافإن حدث ذلك فهو المسكر، وإلا فهو المفسد.


فالمسكر: هو المغيب للعقل، مع نشوة وسرور، كالخمر.

والمفسد: هو المشوش للعقل، مع عدم السرور الغالب، كالبنج.


وتنفرد المسكرات عن المرقدات والمفسدات، بثلاثة أحكام: الحد، والتنجيس، وتحريم اليسير، والمرقدات والمفسدات: لا حد فيها ولا نجاسة)[18].


فبين رحمه الله تعالى أن ما خلا من اللذة والطرب لا يحكم عليه بأنه مسكر ولا يأخذ أحكام الخمر، فلا يقام الحد على شاربه ولا يعد نجساً ولا يحرم يسيرها الذي لا يزيل العقل.

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض حديث عن حكم الحشيشة:

(ومن الناس من يقول: إنها -أي الحشيشة- تغير العقل فلا تسكر كالبنج، وليس كذلك بل تورث نشوة ولذة وطربا كالخمر، وهذا هو الداعي إلى تناولها، وقليلها يدعو إلى كثيرها كالشراب المسكر)[19].

 

فذكر رحمه الله أن الحشيشة ينبغي أن تأخذ أحكام الخمر؛ لأنها تورث متناولها نشوة ولذة وطرباً بخلاف البنج.

 

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في معرض حديثه عن حديث ابن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) [20] ما نصه:

(واستدل بمطلق قوله: كل مسكر حرام على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا، فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها، وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة، وجزم آخرون بأنها مخدرة، وهو مكابرة؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشأة والمداومة عليها والانهماك فيها)[21].

 

ففرق أيضاً رحمه الله بين ما يذهب العقل مع اللذة والطرب وما خلا من ذلك فالأول مسكر بخلاف الثاني.

 

وذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقول الله تعالى عن الخمر والميسر: ﴿ قل فِيهِمَا إِثم كَبِير وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ ﴾ ]البقرة: 219[ ما نصه:

(أما إثمهما فهو في الدين، وأما المنافع فدنيوية، من حيث إن فيها نفع البدن، وتهضيم الطعام، وإخراج الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذة الشدة المطربة التي فيها، كما قال حسان بن ثابت في جاهليته: وَنَشرَ بُها فَتَترُكُنا مُلوكاً وَأُسد اًما يُنَهنِ هُن االلِقاءُ)[22].

 

فبين رحمه الله أن من المنافع الدنيوية التي تتميز بها الخمر عن غيرها حصول اللذة والطرب بشربها، فدل على تقييد المسكر به.

 

القيد الرابع: كون المسكر من المائعات دون الجوامد

وهذا مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية[23]، ونص علماء اللغة على أن الخمر في عرفها اللغوي عبارة عن (شراب)، ولا يُعلم عن أحد من علماء اللغة أنه ذكر شمول معنى الخمر اللغوي في الجوامد.

 

قال ابن فارس: (الخمر: الشراب الذي يخامر العقل)[24].

وقال ابن منظور: (الخمر ما خامر العقل وهو المسكر من الشراب)[25]


وكما قلنا في قيد اللذة والطرب نقوله هنا في قيد المائعات بأن كل الأدلة التي وردت في الكتاب والسنة وآثار الصحابة في أنواع المسكرات المحرمة كانت فيما يشرب فقط ولم يرد نص في سُكر ما يؤكل، والأصل عدم الإسكار إلا بدليل.

 

فإن قيل إن ذكر بعض أفراد العام لا يفيد الحصر، فذكر أنواع من المشروبات لا يفيد حصر الخمر فيها فقد تكون في المأكولات أيضاً؟

فيجاب على ذلك بأنه أين هذا العموم الذي ذُكر بعض أفراده؟ بل إن الأصل في الأعيان الإباحة والطهارة وعدم الإسكار، وخُص منها ما ذُكر في الأدلة من المسكرات وقيس عليه مما هو من نفس خصائصه فلا يُتجاوز عنه إلى غيره.

 

وكذلك لما ذكر الله نعيم أهل الجنة -جعلني الله وإياكم من أهلها- ذكر أن خمر الجنة لذة للشاربين ولم يرد في كتاب الله في الخمر ما يدل على لذة أكله، فقال تعالى: ﴿ مَّثَلُ ٱلجَنَّةِ ٱلَّتِی وُعِدَ ٱلمُتَّقُونَ فِيهَا أَنهَـٰر مِّن مَّاءٍ غَيرِ ءَاسِن وَأَنهَـٰر مِّن لَّبَن لَّم يتَغَير طَعمُهُۥ وَأَنهَـٰر مِّن خَمر لَّذَّة لِّلشَّـٰرِبِينَ ﴾ ]محمد: 15[، وقال تعالى: ﴿ لَّا يصَدَّعُونَ عَنهَا وَلَا ينزِفُونَ ﴾ ]الواقعة: 19].

 

قال الخطابي: (شراب أهل الجنةخمر إلا أنه لا غول فيها ولا نزف)[26]..

 

وجاء في الصحيحين من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)[27]، وجاء في الصحيحين من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)[28].

 

وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب الأشربة: (باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب)، فدل على أنه يرى حصر معنى الخمر في الأشربة.

 

وكذلك فإن عرف الفقهاء جارٍ بإطلاق لفظة (الشراب) مجردة على المسكر، كما في سياق حديثهم على حكم من حلف لا يشرب الشراب[29]، وهذا مما يدل على أن الشراب قيد رئيس في صفة الخمر، كما يعبر عن الصلاة بالركوع والسجود قال تعالى: ﴿وَٱركَعُوا مَعَ ٱلرَّا⁠كِعِينَ﴾]البقرة: 43[.

 

قال ابن قدامة في روضة الناظر: (وينبغي أن يذكر الجنس القريب ليكون أدل على الماهية، فإنك إن اقتصرت على ذكر البعيد بعدت، وإن ذكرت القريب معه كررت، فلا تقل -في حد الآدمي: «جسم ناطق» بل حيوان ناطق، وقل -في حد الخمر- «شراب مسكر» ولا تقل «جسم مسكر»)[30]،فذكر رحمه الله تقرير خروج الخمر عن جنس الجوامد حتى إنه من جلاء ذلك مثّل به في تقعيده.

 

فإن قال قائل: إنَّ هذا كان قيداً أغلبياً لأنواع المسكرات في زمانهم أمّا بعد ذلك فقد ظهرت أنواع من المسكرات الجوامد التي تؤثر في متعاطيها بمثل تأثير المسكر بل أكثر كالحشيشة وغيرها فينبغي أن تعد خمراً لقرب التأثير؟

فيناقش بأنه لا يختلف أهل العلم في حرمة تعاطي الحشيشة والمخدرات ونحوها مما يذهب العقل ويتلف البدن، بل ويلزم الحاكم عقابه بما يردعه عن مثل هذه المحرمات وقد تصل العقوبة لمثل حد الخمر أو أشد لما فيها من أضرار تتجاوز أضرار الخمر.

 

ولكن حرمتها وعقوبة متعاطيها شيء وجعلها نوع من أنواع الخمر شيء آخر، فجعلها خمراً يترتب عليه حرمة التداوي بها ولعن بائعها وحاملها ونجاستها وغير ذلك، وما يُذكر عن بعض أهل العلم من إطلاق الإسكار على بعض الجوامد فكثير منه قد يراد به المعنى اللغوي للإسكار (وهو تغطية العقل) لا المعنى الشرعي، وقد يرد من بعضهم قصد المعنى الشرعي ولكنه مردود بما سبق من الأدلة.

 

وقد حكى الإجماع غير واحد من أهل العلم أن الجوامد طاهرة، وحكى ابن دقيق العيد في شرحه لفروع ابن الحاجب الإجماع على أن الحشيشة ليست نجسة، وكذلك نقل الإجماع القرافي في القواعد[31]، بينما مر معنا أن الخمر نجسة نجاسة عينية وهو قول المذاهب الأربعة وقد بُحث ذلك في مبحث مستقل[32].

 

القيد الخامس: يقصد عادةً للشرب

الشراب في اللغة: كل ما يشرب من المائعات[33].

ومر معنا قول ابن فارس في الخمر أنه: (الشراب الذي يخامر العقل)[34].

وقول ابن منظور أن الخمر: (ما خامر العقل وهو المسكر من الشراب)[35]


والشراب في المعنى أضيق من المائع، إذ الشراب يقتصر على ما يشرب خلافاً لسائر المائعات الأخرى كالبول والبنزين وأدوات التنظيف.

 

فذهب بعض أهل العلم على تقييد الخمر فيما يشرب عادةً وأخرجوا منها مالم يشرب عادةً حتى ولو كان فيه خصائص الإسكار، فكما أن الطعام اسم لما یُطعم ولا يدخل فيه غيره من الجوامد فلا يدَّعي أحداً أن لفظ الطعام الوارد في حدیثه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتى يَكْتَالهُ)[36] يدخل فيه التراب فكذلك يقال فيما لا يشرب عادةً أنه لا يدخل تحت حكم الخمر.

 

وقد قرر هذا المعنى شيخ الإسلام رحمه الله فقال: (فإذا قال: مائع مسكر كان لفظ المسكر يدل على أنه الشراب فإن المسكر ههنا أخص عندهم من الشراب ومن المائع وهو فصل كالناطق للإنسان ومعلوم حينئذ أن كل مسكر شراب)[37]


وكذلك فإن الخمر التي كانت موجودة في زمان التنزيل كانت تُقصد للشرب عادةً فلا يتعداها إلى غيرها.

وهذا تعليل قوي ولكنه يناقش بقول الله تعالى في مفطرات الصيام: ﴿وَكُلُوا وَٱشرَبُوا حَتَّىٰ يتَبَينَ لَكُمُ ٱلخَيطُ ٱلأَبيضُ مِنَ ٱلخَيطِ ٱلأَسوَدِ مِنَ ٱلفَجرِ ثُمَّ أَتِمُّوا ٱلصِّيامَ إِلَى ٱلَّليلِ﴾]البقرة:187[، فالصائم يحرم عليه الشرب وإذا شرب أحد هذه الموائع التي لا تعد شراباً عادةً فإنه يفطر؛ فالنهي عن الشراب في خطاب الشرع لا يقتصر على ما يشرب عادة وإنما كل ما يمكن أن يشرب، ولذا ذكر الفقهاء أن عمل منظار المعدة في نهار رمضان إذا صاحب الأنبوب الداخل ملينات مائعة فإنه يفطر بغض النظر عن كون هذه الملينات تشرب عادة أو لا.

 

وما ذكر من التمثيل بأن التراب لا يدخل تحت معنى الطعام فصحيح، ولكن ليس لكونه لا يؤكل عادة بل لكونه لا يمكن دخوله تحت معنى الطعام مطلقاً، وإلا فإنه لو استجد مأكول جديد غير متعارف على أكله عادة فإنه يفطِّر.

 

والأدلة التي نصت على شرب الخمر مطلقة وتقييدها بما يشرب عادةً يفتقر إلى الدليل، والمتأمل لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وفتاوى أصحابه رضي الله عنهم عن المسكرات المتنوعة والمستجدة ما كان أحد منهم يسأل هل هذا الشيء يُشرب عادة أو لا، بل كانوا يجيبون بأنه إذا أسكر فقد حَرُم بغض النظر عن آلية استعمال هذا المائع عادةً، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.


كذلك فإن من الفقهاء من عبر في تعريف الخمر بأنه المائع المسكر وهذا أعم من المشروب عادةً [38]، ولا أعلم ورود هذا القيد في الكتاب ولا في السنة ولا في فتاوى أحد من الصحابة رضي الله عنهم.


فدل ذلك على عدم تقييد أدلة الشرب بما يشرب عادة وإنما كل ما يمكن أن يُشرب إذا أدى مؤدى الإسكار فيحُكم عليها بحكم الإسكار، وعليه فالذي يظهر أن هذا الضابط مرجوح والله أعلم.


الراجح في ضابط المسكر

الذي يظهر مما مضى أن هناك أربعة قيود ثابتة في ضابط المسكر وهي:

• تغطية العقل.

• عدم تغييب الحواس.

• الشعور باللذة والطرب.

• كون المسكر من المائعات دون الجوامد.


ولا يدخل في ضابط المسكر قيد الشرب عادةً، وعليه فيمكن أن نقول أن تعريف المسكر هو:

كل شراب يُذهب كثيره العقل على وجه اللذة والطرب، والله أعلم.

 


[1] الصحاح للجوهري (2 /649)، مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 215)

[2] الفروع لابن مفلح (10/ 96)، الإنصاف للمرداوي (10 /172)، الفواكه الدواني للنفراوي (2 /288)

[3] مسلم (2003)

[4] أخرجه أحمد (23/ 51)، وأبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393) من طريق داود بن بكر بن أبي الفرات، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه مرفوعا، وهذا سند حسن، داود بن بكر قال عنه الحافظ في "التقريب": (صدوق) ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم : ليس بالمتين ولا بأس به، فهو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات ، وتابعه موسى بن عقبة عن ابن المنكدر به عند ابن حبان (12/ 202)، والحديث له شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عند النسائي (8/ 301).

[5] معجم الغني (س ك ر)

[6] البَنج: نبات مخدر غير الحشيش مسكن للأوجاع، (القاموس المحيط في المادة، وابن عابدين 5 / 294).

[7] الخرشي (1 / 84)، وإعانة الطالبين (4 / 156)، وابن عابدين (5 / 294)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (34/214) .

[8]مسلم (3670)

[9] مجموع الفتاوى (34/ 211).

[10] تحفة المحتاج (1 / 289)، ومغني المحتاج (1 / 77)، والخرشي (1 / 84)، وأسنى المطالب (1 / 9)، وحاشية إعانة الطالبين (1 / 91).

[11] مبحث "حكم استخدام الكحول والعطور الكحولية".

[12] تبيين الحقائق (44/6).

[13] شرح الدردیر (50/1)، منح الجلیل (46/1)، (348/9)، شرح الخرشي على خلیل (84/1)، القوانين الفقهية (ص 117).

[14] الحاوي للماوردي (178/15)، نهاية المطلب (325/17)، أسنى المطالب (570/1)، تحفة المحتاج (289/1)، (168/9)، الزواجر (356/1).

[15] الكافي (158/1)، الشرح الكبیر (331/10)، المبدع (418/7)، شرح المنتهى (107/1)، مطالب أولي النهى (231/1)، الفتاوى الكبرى لابن تیمیة (418/3)، مجموع الفتاوى (340/28)،( 34/197)، مدارج السالكین (287/3).

[16] مسلم (1608)

[17] الإنصاف (8 / 438)، وكشاف القناع (5 / 234)

[18] الفروق (1/ 217).

[19] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (34/ 204).

[20] مسلم (2003)

[21] فتح الباري (10/ 45).

[22] تفسير ابن كثير (1/ 579)

[23] حاشية ابن عابدين (4/ 42)، منهاج الطالبين للنووي (ص 15)، مطالب أولي النهى (1/ 231)، الدردير شرح خليل (1/50) ، وللاستزادة دراسة "هل الكحول هي الخمر" للشيخ عامر بهجت.

[24] مجمل اللغة (302/1).

[25] لسان العرب (225/4).

[26] معالم السنن للخطابي (4/ 265)

[27] البخاري (5575) ،  مسلم (2003)

[28] البخاري (2475)، مسلم (57)

[29] المحيط البرهاني (4/ 296)

[30] روضة الناظر (1/ 62)

[31] الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي (4/ 231).

[32] مبحث (حكم نجاسة الخمر).

[33] المصباح المنير (1/ 308).

[34] مجمل اللغة (302/1).

[35] لسان العرب (225/4)

[36] مسلم (1528)

[37] الرد على المنطقيين (ص23)

[38] أخصر المختصرات (3/ 26).





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • ضوابط الحكم على شخص بالإلحاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف الضابط الفقهي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف الضابط الفقهي والفرق بينه وبين القاعدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضابط عقوق الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضابط: توكيل المجهول لا يصح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضابط: إذا تعذر حمل التوكيل على العموم حمل على المتعارف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضابط: حقوق العقد تتعلق بالموكل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ورقة علمية في ضوابط العمل بالحرم(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • ضوابط تعبير الرؤيا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ضابط العلماء في قبول أو رد القراءات القرآنية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب