• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحذر من عداوة الشيطان
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    حكم صيام عشر ذي الحجة
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    إمام دار الهجرة (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    يوم عرفة وطريق الفـلاح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    العشر مش مجرد أيام... هي فرص عمر
    محمد أبو عطية
  •  
    الدرس الثاني والعشرون: تعدد طرق الخير
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الموازنة بين الميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    أفضل أيام الدنيا: العشر المباركات (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    دلالة القرآن الكريم على أن الأنبياء عليهم السلام ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    عظيم الأجر في الأيام العشر
    خميس النقيب
  •  
    فضل التبكير إلى الصلوات (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أحب الأعمال في أحب الأيام (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    مدى مشروعية طاعة المعقود عليها للعاقد في طلب ...
    محمد عبدالرحمن صادق
  •  
    رحلة الروح إلى الله: تأملات في مناسك الحج
    محمد أبو عطية
  •  
    عيد الأضحى فداء وفرحة (خطبة عيد الأضحى المبارك)
    خميس النقيب
  •  
    شعائر وبشائر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الفتاح جل جلاله، وتقدست أسماؤه

الفتاح جل جلاله، وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/12/2023 ميلادي - 27/5/1445 هجري

الزيارات: 2247

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفَتَّاحُ

جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ


الدِّلَالَاتُ اللُّغَويَّةُ لاسْمِ (الفَتَّاحِ):

الفَتَّاحُ في اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ المبَالَغَةِ عَلَى وَزْنِ فَعَّالٍ مِنَ اسْمِ الفَاعِلِ الفَاتِحِ، فِعْلُهُ فَتَحَ يَفْتَحُ فَتْحًا.

 

والفَتْحُ نَقِيضُ الإِغْلَاقِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ﴾ [الأعراف: 40]، والمعْنَى أَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُغْلَقُ أَمَامَ أَرْوَاحِهِمْ، فَلَا تَصْعَدُ أَرْوَاحُهم ولا أَعْمَالُهم، بِعَكْسِ المؤمِنينَ.

 

والِمفْتَاحُ كُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى اسْتِخْرَاجِ المُغْلَقَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ الوُصُولُ إِلَيْهَا.

 

وعِنْدَ البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ البَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي»[1]، فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ أُوتِيَ مَفَاتِيحَ الكَلِمِ، وَهُوَ مَا يَسَّر اللهُ لَهُ مِنَ البَلَاغَةِ والفَصَاحَةِ والوُصُولِ إِلَى غَوَامِضِ المَعَانِي، وَبَدَائعِ الحِكَمِ، ومَحَاسِنِ العِبَارَاتِ والأَلْفَاظِ الَّتِي أُغْلِقَتْ عَلَى غَيْرِهِ، ومَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَفَاتِيحُ شَيْءٍ سَهُلَ عَلْيهِ الوُصُولُ إليه.

 

والفَتَّاحُ فِي اللُّغَةِ أَيضًا هو الحاكِمُ، يُقَالُ للقَاضِي الذِي يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ: فَتَّاحٌ؛ لأَنَّهُ يَفْتَحُ مَوَاضِعَ الحَقِّ[2].

 

والفتَّاحُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ والرِّزْقِ لِعِبَادِهِ أَجْمَعِينَ، أَوْ يَفْتَحُ أَبْوَابَ البَلَاءِ لامْتِحَانِ المؤمِنِينَ الصَّادِقينَ...

 

فَمِنْ الأَوَّلِ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وَقَوْلِهِ: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]، قِيلَ: مَعْنَاهُ مَا يَأْتِيهم بِهِ اللهُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِزْقٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَمَا يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُرْسِلَهُ.

 

وَمِنَ الفَتْحِ بِمَعْنَى فَتْحِ البلاءِ والامْتِحَانِ مَا وَرَدَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44][3].

 

والفَتَّاحُ هُوَ الذِي يَحْكُمُ بَيْنَ العِبَادِ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، ومِنْهُ قُوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89].

 

وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَفْتَحُ خَزَائِنَ جُودِهِ وَكَرَمِهِ لِعِبَادِهِ الطَّائِعِينَ، وَيَفْتَحُ أَبْوَابَ البَلَاءِ والهَلَاكِ عَلَى الكَافِرِينَ الُمعَانِدِينَ.

 

وهو الذِي يَفْتَحُ عَلَى خَلْقِهِ مَا انْغَلَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِهِمْ فَيُيَسِّرُهَا لهم فَضْلًا مِنْهُ وَكَرَمًا؛ لأَنَّ خَزَائِنَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ بِيَدِهِ، يَفْتَحُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ، وعَلَى مَا قَضَاهُ في خَلْقِهِ بِمَشِيئَتِهِ[4].

 

وُرُودُه في القُرْآنِ العَظِيمِ[5]:

وَرَدَ الاسْمُ مُفْرَدًا مَرَّةً وَاحِدَةً في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26].

 

وَوَرَدَ بِصِيغَةِ الجَمْعِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْضًا فِي قَوْلِهِ عز وجل: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89].

 

مَعْنَى الاسْمِ في حَقِّ اللهِ تَعَالَى:

قَالَ قَتَادَةُ رحمه الله: «﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ﴾: اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ»[6].

 

وَقَالَ ابنُ جَرِيرٍ رحمه الله في تَفْسِيرِ الآيةِ السَّابِقَةِ: «احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهم بِحُكْمِكَ الحَقِّ، الذِي لا جَوْرَ فيهِ، ولا حَيْفَ، ولا ظُلْمَ، وَلَكِنَّهُ عَدْلٌ وَحَقٌّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ يَعْنِي: خَيْرُ الحَاكِمِينَ».

 

وَقَالَ رحمه الله في مَوْضِعٍ آخَرَ: «﴿ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26]: القَاضِي العَلِيمُ بالقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ لأنَّهُ لا تَخْفَى عَنْهُ خَافِيةٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شُهُودٍ تُعَرِّفُهُ الُمحِقِّ مِنَ الُمبْطِلِ»[7].

 

وَقَالَ الزَجَّاجُ: «واللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَتَحَ بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ، فَأَوْضَحَ الَحقَّ وَبَيَّنَهُ، وَأَدْحَضَ البَاطِلَ وَأَبْطَلَهُ، فَهُوَ الفَتَّاحُ»[8].

 

وَقَالَ الخَطَّابِي رحمه الله: «(الفَتَّاحُ): هو الحَاكِمُ بَيْنَ عِبَادِهِ».

 

وَقَالَ: «وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى (الفَتَّاحِ) أَيْضًا: الذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ والرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ، وَيَفْتَحُ الُمنْغَلِقَ عليهم مِنْ أُمُورِهم وأَسْبَابِهم، وَيَفْتَحُ قُلُوبَهم وعُيونَ بَصَائِرِهم؛ لِيُبْصِرُوا الحَقَّ.

 

وَيَكُونُ الفَاتِحُ أَيْضًا بِمَعْنَى النَّاصِرِ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾ [الأنفال: 19]»[9].

 

وبِنَحْوِهِ قَالَ السَّعْدِيُّ[10].

 

وَهُوَ مَا نَظَمَهُ ابنُ القَيِّم فِي (النُّونِيَّةِ):

وكَذَلِكَ الفَتَّاحُ مِنْ أَسْمَائِهِ
والفَتْحُ في أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ
فَتْحٌ بِحُكْمٍ وَهُوَ شَرْعُ إِلَهِنَا
والفَتْحُ بالأقْدارِ فَتْحٌ ثَانِ
والرَّبُّ فَتَّاحٌ بِذَينِ كِلَيْهِمَا
عَدْلًا وإحْسانًا مِنَ الرَّحْمَنِ[11]

 

وعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى الاسْمِ:

1- (الفَتَّاحُ): الحَاكِمَ الذِي يَقْضِي بَيْنَ عِبَادِهِ بِالحَقِّ والعَدْلِ بِأَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ والقَدَرِيَّةِ.

2- أَنَّهُ يَفْتَحُ لَهم أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ والرِّزْقِ وَمَا انْغَلَقَ عليهم مِنَ الأُمُورِ.

3- أَنَّهُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ لِعِبَادِهِ الُمؤْمِنِينَ، وللمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ، وَهَذَا يَعُودُ إلى الأَوَّلِ.

 

ثَمَراتُ الإِيمَانِ بهذا الاسْمِ:

1- اللهُ هُوَ الحَاكِمُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ بالقِسْطِ وَالعَدْلِ:

يَفْتَحُ بَيْنَهم في الدُّنْيَا بالحَقِّ بِمَا أَرْسَلَ مِنَ الرُّسُلِ، وأَنْزَلَ مِنَ الكُتُبِ.

 

يَقُولُ القُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي هذا الاسْمِ: «وَيَتَضَمَّنُ مِنَ الصِّفَاتِ كُلَّ مَا لَا يَتِمُّ الحُكْمُ إلا بِهِ، فَيَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى إِقَامَةِ الخَلْقِ وحِفْظِهم في الجُمْلَةِ؛ لِئَلَّا يَسْتَأصِلَ الُمقْتَدِرُونَ الُمسْتَضْعَفِينَ في الحَالِ.

 

وَيَدُلُّ عَلَى الجَزَاءِ العَدْلِ عَلَى أَعْمَالِ الجَوَارِحِ والقُلُوبِ في الَمآلِ، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ أَحْكَامًا وَأَحْوَالًا لَا تَنْضَبِطُ بِالحَدِّ، ولا تُحْصَى بِالعَدِّ.

 

وَهَذَا الاسْمُ يَخْتَصُّ بِالفَصْلِ وَالقَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ بالقِسْطِ والعَدْلِ.

 

وَقَدْ حَكَمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا بِمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ، وَبَيَّنَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ، وكُلُّ حَاكِمٍ إِمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ اللهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللهِ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، والحَاكِمُ فِي الحَقِيقَةِ هُو اللهُ تَعَالَى، وإنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللهِ فَلَيْسَ بِحَاكِمٍ إِنَّمَا هُوَ ظَالِمٌ، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]»[12].

 

2- الرُّسُلُ تَتَوَجَّهُ إِلَى اللهِ أَنْ يَفْتَحَ بَيْنَها وَبَيْنَ أَقْوَامِها:

ذَكَرْنَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، وَيَفْتَحُ بَيْنَهم بالحَقِّ والعَدْلِ، وقَدْ تَوَجَّهَتِ الرُّسُلُ إِلَى اللهِ الفَتَّاحِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَيْنَهم وَبَيْنَ أَقْوَامِهم الُمعَانِدِينَ فِيمَا حَصَلَ بَيْنَهم مِنَ الخُصُومَةِ والجِدَالِ.

 

قَالَ نُوحٌ عَليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 117، 118].

 

وقَالَ شُعَيْبٌ عَليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89].

 

وقَالَ: ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 15][13].

 

وقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِرُسُلِهِ ولِدُعَائِهِم فَفَتَحَ بَيْنَهم وَبَيْنَ أَقْوَامِهِم بالحَقِّ، فَنَجَّى الرُّسَلَ وَأَتْبَاعَهم، وأَهْلَكَ الُمعَانِدِينَ والُمعْرِضِينَ عَنِ الإيمَانِ بآياتِ اللهِ، وهَذَا مِنَ الحُكْمِ بَيْنَهُمْ في الحياةِ الدُّنْيَا.

 

3- اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ:

وكَذَا يَوْمَ القِيَامَةِ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الفَتَّاحُ، الذِي يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِيمَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ في الدُّنْيَا.

 

قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ [سبأ: 26]، فَفِي ذَلِكَ اليَوْم يَقْضِي اللهُ سُبْحَانَهُ وَيَفْصِلُ بَيْنَ العِبَادِ، فَيَتَبَيَّنُ الضَّالُّ مِنَ الُمهْتَدِي.

 

وهو سُبْحَانَهُ لا يَحْتَاجُ إلى شُهودٍ لِيَفْتَحَ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ لأَنَّهُ لا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَمَا كَانَ غَائِبًا عَمَّا حَدَثَ في الدُّنْيَا ﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ [الأعراف: 7].

 

وَقَالَ: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61][14].

 

وَقَدْ سَمَّى اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِيَوْمِ (الفَتْحِ) فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ [السجدة: 29].

 

4- اللهُ مُتَفَرِّدٌ بِعِلْمِ مَفَاتِحِ الغَيْبِ:

إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ مُتَفَرِّدٌ بِعِلْمِ مَفَاتِحِ الغَيْبِ التي ذَكَرَهَا في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾ [الأنعام: 59].

 

وَقَدْ عَدَّدَها في قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].

 

قَالَ القُرْطُبِيُّ: «مَفَاتِحُ جَمْعُ مَفْتَحٍ، هَذِهِ اللُّغَةِ الفَصِيحَةِ، وَيُقَالُ: مِفْتَاحٌ، وَيُجْمَعُ مَفَاتِيحَ، الِمفْتَحُ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَا يَحُلُّ غَلَقًا، مَحْسُوسًا كَانَ كالقُفْلِ عَلَى البَيْتِ، أو مَعْقُولًا كَالنَّظَرِ، ثُمَّ قَالَ: وهو في الآيةِ اسْتِعَارَةٌ عَلَى التَّوَصُّلِ إلى الغُيُوبِ كَمَا يُتَوَصَّلُ فِي الشَّاهِدِ بالِمفْتَاحِ إلى الَمغِيبِ عَنِ الإِنْسَانِ.

 

ولذلك قَالَ بَعْضُهم: هو مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ: افْتَحْ عَلَيَّ كَذَا؛ أَيْ: أَعْطِنِي أو عَلِّمْنِي مَا أَتَوَصَّلُ إليه بِهِ، فَاللهُ تَعَالَى عِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ وَبِيَدِهِ الطُّرُقُ الُموَصِّلَةُ إليهِ لا يَمْلِكُها إلا هو، فَمَنْ شَاءَ إِطْلَاعَهُ عليها أَطْلَعَهُ، وَمَنْ شَاءَ حَجْبَهُ عَنْهَا حَجَبَهُ، ولا يَكُونَ ذلك مِنْ إضَافَتِهِ إلا عَلَى رُسُلِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [آل عمران: 179]، وقوله: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ [الجن: 26، 27]»[15].

 

وَقَالَ في الأَسْنَى: «والفَتْحُ في اللُّغَةِ حَلُّ ما اسْتُغْلِقَ مِنَ الَمحْسُوسَاتِ والَمعْقُولَاتِ، واللهُ سُبْحَانَهُ هُوَ (الفَتَّاحُ) لذلك، فَيَفْتَحُ ما تَغَلَّقَ عَلَى العِبَادِ مِنْ أَسْبَابِهم، فَيُغْنِي فَقِيرًا، ويُفَرِّجُ عَنْ مَكْرُوبٍ، وَيُسَهِّلُ مَطْلَبًا، وَكُلُّ ذَلِكَ يُسَمَّى فَتْحًا؛ لأَنَّ الفَقِيرَ الُمتَغلَّقُ عليه بَابُ رِزْقِهِ فَيُفْتَحُ بالغِنَى.

 

وَكَذَلِكَ الُمتَحَاكِمَانِ إلى الحَاكِمِ يَتَغَلَّقُ عليهما وَجْهُ الحُكْمِ فَيَفْتَحُهُ الحَاكِمُ عليهما، ولذلك سُمِّيَ الحَاكِمُ فَتَّاحًا لَأَنَّهُ يَحِلُّ مَا اسْتَغْلَقَ مِنَ الخُصُومِ، تَقُولُ: افْتَحُ بَيْنَنَا؛ أَيِ: احْكُمْ.

 

وَمِنْهُ قَوْلُ شُعَيْبٍ: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 89]؛ أَيْ: احْكُمْ، ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾؛ أَيْ: الحَاكِمِينَ»[16].

 

5- الفتحُ والنصرُ مِنَ اللهِ:

إِنَّ الفَتْحَ والنَّصْرَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ يَفْتَحُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَيَخْذِلُ مَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ نَسَبَ اللهُ الفُتُوحَ لِنَفْسِهِ؛ ليُنَبِّهَ عِبَادَهُ عَلَى طَلَبِ النَّصْرِ والفَتْحِ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وأَنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَيَنَالُوا مَرْضَاتِهِ؛ لِيَفْتَحَ عليهم وَيَنْصُرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِم، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1]، وهو خِطَابٌ لِرَسُولِهِ الأمِينِ صلى الله عليه وسلم.

 

وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُه: ﴿ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ﴾ [المائدة: 52].

 

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 13][17].

 

6- اللهُ بِيَدِهِ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ السماواتِ والأرضِ:

إِنَّ اللهَ بِيَدِهِ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 12]، فَمَا يَفْتَحُهُ مِنَ الخَيْرِ للناسِ لا يَمْلِكُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ عَنْهُم، وَمَا يُغْلِقَهُ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ أَنْ يَفْتَحَهُ عليهم، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].

 

فَلَوْ فَتَحَ اللهُ الَمطَرُ عَلَى النَّاسِ فَمَنْ ذا الذي يَحْبِسُهُ عنهم، حَتَّى لَوْ أَدَّىَ الَمطَرُ إِلَى إِغْرَاقِهم وإهْلَاكِهِم مِثْلَمَا حَدَثَ لِقَوْمِ نُوحٍ عليه الصَّلَاةُ والسَّلَامُ، فَقَدْ وَصَلَتِ الِميَاهُ إلِىَ رُؤوسِ الجِبَالِ، فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَرُدُّوها عَنْ أَنْفُسِهم، وَلَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ القَطْرَ والنَّبَاتَ سِنِينَ طَوِيلَةً لَـمَا اسْتَطَاعُوا أيضًا أَنْ يَفْتَحُوا مَا أَغْلَقَهَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107].

 

7- قَدْ يَفْتَحِ اللهُ بالرِّزْقِ عَلَى بَعْضِ عِبَادِهِ اسْتِدْراجًا:

وَقَدْ يَفْتَحِ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنْوَا عَ النِّعَمِ والخَيْرَاتِ عَلَى الناسِ اسْتِدْرَاجًا لهم إِذَا تَرَكُوا ما أُمرُوا به، وَوَقَعُوا فيما نُهُوا عَنْهُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44][18].

 

8- مِنْ أَعْظَمِ الفُتوحِ فتحُ العِلمِ والفِقهِ:

ومِمَّا يَفْتَحُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الحِكْمَةُ والعِلْمُ والفِقْهُ فِي الدِّينِ، ويَكُونُ ذَلِكَ بَحَسَبِ التَّقْوى والإخْلَاصِ والصِّدْقِ، ولذا تَجِدُ أَنَّ فَهْمَ السَّلَفِ أَعْمَقُ وعِلْمَهم أَوْسَعُ مِـمَّنْ جَاءَ بَعْدَهم ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282].

 

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].

 

قَالَ القُرْطُبِيُّ: «وهذا الفَتْحُ والشَّرْحُ ليس لَهُ حَدٌّ، وَقَدْ أَخَذَ كُلُّ مُؤْمِنٌ مِنْهَ بِحَظٍّ، فَفَازَ الأَنْبِيَاءُ بالقسمِ الأَعْلَى، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهم الأَوْلِيَاءُ، ثُمَّ العُلَمَاءُ، ثُمَّ عَوَامُّ المُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يُخَيِّبِ اللهُ مِنْهُ سِوَى الكَافِرِينَ».

 

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لِأَصْحَابِهِ: «إذا دَخَلَ أَحَدُكم الَمسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وإذا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ باعِدْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ»[19].

 

المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:

يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَ:

أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هو الفَتَّاحُ لِكُلِّ مُسْتَغْلَقٍ.

 

وَأَنَّه الذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ والرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ، وَيَفْتَحُ المنْغَلِقَ عليهم مِنْ أُمُورِهم وأَسْبَابِهم.

 

وَيَفْتَحُ قُلُوبَهم وعُيونَ بَصَائِرِهم لِيُبْصِرُوا الحَقَّ، وَيَشْرَحُ صُدُورَهم بَعْدَ الضِّيقِ، ويَفْتَحُ عليهم كُلَّ مُشْكَلٍ غُلِقَ.

 

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾ [الأنعام: 59].

 

وقال: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، وَهَذَا الفَتْحُ وَالشَّرْحُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ، وَقَدْ أَخَذَ كُلُّ مُؤْمِنٍ منه بِحَظٍّ، فَفَازَ منه الأنبياءُ بالقسمِ الأَعْلَى، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهم الأولياءُ، ثُمَّ العُلَمَاءُ، ثُمَّ عَوَامُّ المؤمِنينَ، ولم يُخَيِّبِ اللهُ منه سِوَى الكَافِرِينَ.

 

فيا مَنْ فَتَحَ اللهُ أَقْفَالَ قَلْبِهِ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِ نُورًا مِنْ عِنْدِهِ، حُلَّ أَقْفَالَ القلوبِ الجاهلةِ بمفاتيحِ العلومِ، وكُنْ فَتَّاحًا، كَمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77].

 

وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَصِلْ إلى هذا المقَامِ، وَفَتَحَ عليك مِنَ الرِّزْقِ الظَّاهِرِ رِزْقَ الأَشْبَاحِ، فَكُنْ ذَا يَدٍ سَمِيحَةٍ، وَقَلْبٍ فَتَّاحٍ؛ فإنما تُنْفِقُ مِنْ خَزَائِنِه التي لَا تُغْلَقُ ولا يَضِيعُ لها مِفْتَاحٌ.

 

وَإِنْ كُنْتَ قَدْ عُدِمْتَ هذا فاسْعَ أَنْ تَكُونَ مِفْتَاحًا للخَيْرِ مِغْلَاقًا للشَّرِّ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ للخَيْرِ مَغَالِيقَ للشَّرِّ، وإنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ للشَّرِّ مَغَالِيقَ للخَيْرِ، فَطُوبَى لمنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لمنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَديه[20]»[21].



[1] البخاري في التعبير، باب رؤيا الليل (6/ 2568) (6597).

[2] انظر في المعنى اللغوي: لسان العرب (2/ 536)، واشتقاق أسماء الله للزجاج (ص: 189)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص: 621)، وكتاب العين (3/ 194).

[3] فتح القدير (4/ 326)، وتفسير الطبري (22/ 114)، وتفسير الثعالبي (3/ 252).

[4] صحيح البخاري (4/ 1697)، وتفسير القرطبي (14/ 300)، وتفسير ابن كثير (3/ 539).

[5] النهج الأسمى (1/ 205 - 212).

[6] أخرجه ابن جرير في التفسير (9/ 3) وإسناده صحيح.

[7] المصدر السابق (22/ 65) وانظر: ابن كثير (2/ 232)، (3/ 538)، القرطبي (14/ 300)، الألوسي (9/ 5).

[8] تفسير الأسماء (ص: 39).

[9] شأن الدُّعاء (ص: 56)، انظر: الاعتقاد (ص: 57)، النهاية (3/ 406 - 407)، والمنهاج للحليمي (1/ 202)، وذكَره ضمْن الأسماء التي تتبعُ إثباتَ التدبير له، ونقَلَه البيهقيُّ في الأسماء (ص: 62).

[10] تيسير الكريم (5/ 302).

[11] النونية (2/ 234).

[12] الكتاب الأسنى ورقة (306 أ - 306 ب).

[13] يُلاحَظ أنَّ طلَب الرسُل الفتحَ مِن الله كان بعد ظهور العناد مِن أقوامهم، وإعراضهم عن الحجج القاهرة، وتهديدِهم الرسُلَ بالرَّجْم بالحجارة والقتل.

[14] وفي اقتران اسمه تعالى (الفتاح) بـ (العليم) إعلامٌ بأنه سبحانه يفتح بين الخلائق عن عِلم كامل.

[15] الجامع لأحكام القرآن (7/ 1 - 2).

[16] الكتاب الأسنى ورقة (305 أ).

[17] وانظر ما قبل هذه الآية مِن بيان أسباب النصر، والفتح القريب، وهو قوله تعالى: ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾ [الصف: 11].

[18] وقد مرَّ سابقًا بأنَّ كثرةَ الرزقِ وانفتاحه لا تدلُّ على محبَّة الله وعنايتِه.

[19] إسناده حسَن أخرجه النسائي في عمَل اليوم والليلة (90)، وابن ماجه (773)، وابن السني (85)، والحاكم (1/ 207) عن أبي بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان، حدثني سعيد المقبري، عن أبي هريرة، مرفوعًا به.

قال الحاكم: على شرطهما وأقرَّه الذهبي.

قلتُ: هو على شرط مسلم فقط؛ فإن الضحاك بن عثمان صدوق مِن رجال مسلم، وله شاهد مِن حديث أبي حميد، وأبي أسيد، أخرجه أحمد (3/ 498)، (5/ 425)، والنسائي في سُنَنِه (2/ 53) عن أبي عامر، حدثنا سليمان بن بلال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد قال: سمعتُ أبا حميد، وأبا أسيد يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكم فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإَذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ»، وإسناده صحيح.

[20] حسَن: أخرجه ابن ماجه (237) في المقدِّمة، باب: مَن كان مفتاحًا للخير مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وله شاهد أخرجه ابن ماجه (238) فيما تقدَّم مِن حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وقال الألباني في صحيح الجامع (2223): حسَن.

[21] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 223).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الستير جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • العزيز جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • العظيم جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الرقيب جل جلاله وتقدست أسماؤه
  • السميع جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الظاهر جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الشافي جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • العليم - العالم - العلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الشهيد جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الصمد جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • المسائل العقدية المتعلقة باسم الله الفتاح وآثار الإيمان به (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • معاني أسماء الله عز وجل: الحافظ، الغني، الفتاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أسمائه تعالى: (الفتاح والرزاق والنور)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • اسم الله الفتاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اسم الله تعالى.. الفتاح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (الفتاح)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إطلالة على اسم الله الفتاح (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح اسم الله الفتاح(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • طبعة منقحة من الوافي في شرح الشاطبية للشيخ عبد الفتاح القاضي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • البيان لعلوم سور القرآن لفرح بنت عبد الفتاح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عرض كتاب: البهاء زهير، للدكتور عبد الفتاح شلبي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/12/1446هـ - الساعة: 18:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب