• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

مواعظنا من فيروس كورونا (خطبة)

مواعظنا من فيروس كورونا (خطبة)
يحيى بن حسن حترش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/11/2023 ميلادي - 17/5/1445 هجري

الزيارات: 3988

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مواعظنا من فيروس كورونا


الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

 

معاشر المسلمين والمسلمات، لقد شاهدتم، وسمعتم، وتابعتم، كما شاهد العالم أجمع ما أصاب الدول، والأمم من الخوف والجزع والهلع، عبر جندي صغير، من جنود الله التي يرسلها الله على من يشاء، في الوقت الذي يشاء، كما يشاء، وما يعلم جنود ربك إلا هو.

 

إنه مرض الطاعون المسمى بفيروس كورونا، الذي أطفى العالم، وأخمد حركته، واقتصاده، وأقض مضجعه، مع أنه لا يُرى بالعين المجردة، لكنه جعل الدول كالخشب المسندة، وكالسُّحب المبددة.

 

فلا إله إلا الله الواحد القهار، العزيز الجبار، جلَّت قدرته، وعظمت قوته، وسطوته، ما أرحمه بعباده، وما أشد بطشه إذا بطش بمن صد عن عبادته، وأشرك في وحدانيته.

 

وهذه سنة الله وعادته في كل ملحد كفور، عبر العصور، والدهور، واقرؤوا القرآن لتعلموا مصير كل كافر مغرور، فقد قص الله علينا أخبار ومصارع الظالمين، وكيف أنذرهم وأمهلهم، وبعث إليهم من يذكرهم، فلما عتوا وطغوا؛ أخذهم الله وقطع دابرهم، فبعدا للقوم الظالمين!

 

هذا فرعون الطاغية اللئيم الذي كفر بالله رب العالمين، وعذب قومه العذاب الأليم، أرسل الله إليه موسى وهارون ليذكراه، وليقولا له قولًا لينًا، لكنه طغى، وبغى وقال: أنا ربكم الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، وافتخر بالأنهار التي كانت تجري من تحته، فأجراها الله من فوقه، ونجاه ببدنه، وجعله عبرة لمن جاء من بعده: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 90 - 92].

 

وهذا قارون الذي أعطاه الله ما أعطاه من الكنوز والأموال؛ لكنه تنكر لربه، وكذب وافترى بملكه جاء من عنده، فخسف الله به وبداره؛ جزاء فرحه، وبطره، وتنكره!

 

وتلك الأمة الباغية التي أرسل الله عليهم الريح العاتية حين تفاخرت بقوتها، وجبروتها، ونادت بكبريائها: من أشد منا قوة؟! فأرسل الله عليهم جندًا من جنوده، ألا وهي الريح الصرصر العاتية: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15].


وهكذا تتوالى آيات الله الكونية على عباده لتكون لقوم بلاءً واختبارًا، ولآخرين عقوبة وإنذارًا، فلقد نزلت بالأمة الأمراض، والأوبئة الخاصة، والعامة التي هلك فيها من هلك، كوباء الطاعون الذي حل بالأمة في عهد عمر بن الخطاب، فمات فيه كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وهكذا مر بالأمة كهذه الأمراض العامة، وإلى زماننا هذا الذي انتشر فيه هذا الوباء في هذه الأيام، وهو المشهور بفيروس كورونا الذي أحدث زلزلة، وخوفًا ورعبًا في بلدان العالم، وخاصة تلك الدول التي سمت نفسها بالدول العُظمى لكنها مع هذا الوباء أصبحت عَظمى وصارت عقمًا.

 

فيا لله كم هي الآيات، وكم هي العبر والعظات التي عشناها في الأيام الماضيات؟ حتى – والله - لكأننا نعيش في أحلام المنامات!

 

يا ألله كم فعل في قلوبنا هذا الفيروس، من العبر والمواعظ والدروس، فما أحرانا في هذه الأيام، وفي هذه اللحظات، أن نستلهم الدروس والعبر، والعظات، من هذا الوباء الذي انتشر، ما أحرانا اليوم أن نحيي قلوبنا بالمواعظ والدروس من هذا الوباء وهذا الفيروس.

 

حديثنا اليوم يقول ويحمل عنوانًا لأصحاب العقول، مواعظنا من فيروس كورونا.


فما أحوجنا إلى أن نغرس في نفوس أمتنا المسائل العقدية، والرجوع إلى رب البرية، من خلال هذه الأحداث، والأمراض التي تنزل بأمتنا فنقول - والله المستعان-: إن موعظتنا الأولى من فيروس كورونا، وهي التي أبهرت العقول، وجعلت العالم يقف حائرًا ومذهولًا، ألا وهي: هذا الجندي الصغير الذي لا يُرى بالعين المجردة، والذي أرسله الله ليعطل العالم عن حركته، وليُري الدنيا أنه ليس شيء فوق قوة الله وقدرته، ليري قادة الدول العظمى التي تشيد بقوتها، وبِرُقيها وحضارتها، أن ما وصلت إليه من التقدم كسراب، أو كظل زائل، وأنه لا يحول بينها وبين جند الله، وقوته حائل، ومهما تزينت الدنيا وتزخرفت لأهلها، فإن الله قادر على حصدها وإبادتها: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].

 

إن الجبابرة وإن وصل جبروتهم إلى ما وصل، والملوك وإن وصل ملكهم، وقوتهم كل موصِل، إن أراد الله بهم شيئًا فلا راد لقضائه: ﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾ [الشعراء: 4].

 

فيا ترى ماذا حصل للدول جمعاء؟! ماذا حصل للعالم أمام هذا الوباء، وهذا العذاب الذي أقض مضاجعهم، وأرعب قلوبهم؟! وأي عذاب أنزله الله عليهم؟! هل ثوَّر الله عليهم البراكين؟ أم هل أرسل الله عليهم الريح العقيم؟ هل زلزل عليهم الأرض والجبال، أم أراهم بعض الشدائد والأهوال؟ وهل فجر البحار والأنهار، أم جعل النهار ليلًا والليل نهارًا؟! إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.

 

بل - والله- ما كانت حتى صيحة واحدة، ما كانت حتى صيحة واحدة، ولكنها جرثومة لا ترى بالعين المجردة، لكنها فعلت في العالم ما لم تفعله الأسلحة المدمرة، وهزمت ما يقرب من سبعة مليار، إما بالمرض، أو بالرعب، أو الهلع والانهيار.

 

ها هو هذا الجندي الخفي يمر على الدول العظمى، وعلى القادة والزعماء ليرغم أنوفهم، وليعرفهم بقدرهم ابتداءً من الصين تلك الدولة الكافرة التي افتخرت بقوتها وعبقريتها وصناعتها، ثم إلى إيران، وعمان والبرازيل، ثم أمريكا صاحبة أقوى ترسانة عسكرية على ظهر الأرض، فماذا فعلوا؟!

 

فلا إله إلا الله! لا إله إلا الله القوي العظيم: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]، فما الذي حصل من وراء عجز هؤلاء القادة، ومن وراء تلك القوى التي أصبحت مبددة ومهددة، ها هي إيطاليا إحدى الدول العظمى دخلت بأكملها بالحجر الصحي، وأصبحت بمنأى، وبمعزل عن العالم.

 

الطيارات، والمطارات، وحدود الدول أُغلقت، أوكار الدعارة، والمنتديات، وأماكن التجمعات أغلقت، حتى بيوت الله، بل أشرف بقعة في أرض الله، قبلةُ المسلمين، ومأوى أرواح وأفئدة المؤمنين خلت وتعطلت.

 

فلا إله إلا الله! ويا ألله، ما الذي حصل لهذا الكون؟ ما الذي حصل لهذا الكون؟! وأي قدرة لرب الكون: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]، ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [القصص: 71، 72].


أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟! أين قادة الدول العظمى؟! أين الأساطيل وأين رواد الفضاء؟!

أين الجيوش التي تزهو بقوتها
كأنها في نهار العرض بركان
أين الملايين من أموال أمتنا
فما لها في مجال الفعل برهان

 

فما أحوجنا يا أمة الإسلام، ما أحوجنا في موعظتنا الأولى من فيروس كورونا، وقد علم العالم أجمع ضعف القوات المزعومة أمام هذا الفيروس وهذه الجرثومة!

 

ما أحوجنا أن نغرس تعظيم الله في قلوبنا، وقلوب أمتنا وقلوب الأمم جمعاء، التي وقفت مكتوفة الأيدي أمام هذا البلاء وهذا الوباء، ما أحوج الدعاة إلى الله في ظل هذا الحدث الذي أخرس الدول المتحضرة، وأرغم أنوف الجبابرة، المتكبرة، أن يبينوا لكل مفتون بقوة وحضارات وتطورات الدول الملحدة أن الله إذا قضى أمرًا فلا راد لقضائه، وأنه لو أراد أن يخسف بهم، أو يشل كل حركاتهم، واقتصادهم، ويبين للعالم مدى ضعفهم، وحقارتهم؛ لسلط عليهم أصغرَ، وأحقر، وأهون خلقه، ولكنه لطيف بعباده، يعاملهم بلطفه، وبفضله، لا بعدله.

 

جدير بنا في أيام كورونا، وفي جميع أيام حياتنا أن نعرف قدر أنفسنا، وأن نُعمل أفكارنا، وعقولَنا، ونتفكر في ضعف خلقنا: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].

 

تفكَّر وتأمل أيها الإنسان في ضعفك، ومقدار حجمك في هذا الكون، ثم تأمل في جرأتك وعصيانك ومخالفتك لخالقك.

 

أيها العقلاء تأملوا، وتفكروا في مخلوقات الله، وملكوته، وقوته، وقدرته، تفكر يا عبد الله في عناية الله بك، من الذي خلقك؟ من الذي شق سمعك، وبصرك؟ من الذي رزقك وأطعمك؟ فلم التكبر، والإعراض عن الذي خلقك؟! ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6].

 

يا قادة الدول، ويا أيها المفكرون والعباقرة، ما الذي أبعدكم عن خالقكم؟ فإنما وصلتم إليه هو من الله لا منكم، وبإرادته هو قبل إرادتكم!

يا رب هذا العصر ألحد عندما
سخرت يا ربي له دنياكا
علمته من علمك النووي ما
علمته فإذا به عاداكا
ما كاد يطلق للعلا صاروخه
حتى أشاح بوجهه وقلاكا
واغتر حتى ظن أن الكون في
يمنى بني الإنسان لا يمناكا
أو ما درى الإنسان أنك لوأر
دت لظلت الذرات في مخباكا
لو شئت يا ربي هوى صاروخُه
أو لو أردت لما استطاع حراكا
يأيها الإنسان مهلا واتئد
واشكر لربك فضل ما أولاكا
واسجد لمولاك القدير فإنما
مستحدثات العلم من مولاكا
كل العجائب صنعة العقل الذي
هو صنعة الله الذي سواكا
والعقل ليس بمدرك شيئا إذا
ما الله لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آياتٌ لعلْ
لَ أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا
حاولت تفسيرا لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى
يا شافي الأمراض من أرداكا
قل للصحيح يموت لا من علة
من بالمنايا يا صحيح دهاكا
قل للبصير وكان يحذر حفرة
فهوى بها من ذا الذي أهواكا
بل سائل الأعمى خطا بين الزحا
م بلا اصطدام من يقود خطاكا
قل للجنين يعيش معزولا بلا
راعٍ ولا مرعى من الذي يرعاكا
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء
عند الولادة ما الذي أبكاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه
فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو
تحيا وهذا السم يملأ فاكا
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شَهدا وقل للشهد من حلاكا
بل سائل اللبن المصفى كان بي
ن دم وفرث ما الذي صفاكا
وإذا رأيت الحي يخرج من حنا
يا ميت فاسأله من أحياكا
قل للهواء تحسه الأيدي ويخ
فى عن عيون الناس من أخفاكا
قل للنبات يجف بعد تعهد
ورعاية من بالجفاف رماكا
وإذا رأيت النبت في الصحراء ين
بت فاسأله من الذي رباكا
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا
أنواره فاسأله من أسراكا
واسأل شعاع الشمس يدنو وهو أب
عد كل شيء ما الذي أدناكا
قل للمرير من الثمار من الذي
بالمُر من دون الثمار غذاكا
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
فاسأله من يا نخل شق نواكا
وإذا رأيت النار شب لهيبها
فاسأل لهيب النار من أوراكا
وإذا ترى الجبل الأشم مناطح
قمم السحاب فسله من أرساكا
وإذا ترى صخرا تفجر بالميا
ه فسله من بالماء شق صفاكا
وإذا رأيت النهر بالماء الزلا
ل جرى فسله من أجراكا
وإذا رأيت البحر بالملح الأجا
ج فسله من الذي أطغاكا
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا
فاسأله من يا ليل حاك دجاكا
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحكا
فاسأله من يا صبح صاغ ضحاكا
هذي عجائب طالما أخذت بها
عيناك وانفتحت بها أذناكا
يأيها الإنسان مهلا ما الذي
بالله جل جلاله أغراكا

 

اللهم ارحَم ضعفنا، واجبر كسرنا، ولا تؤاخذنا بذنوبنا، ولا بما فعله السفهاء منا، اللهم املأ قلوبنا بحبك، وخشيتك، ومعرفة قدرك، وعظمتك، يا رب العالمين! أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم!

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، - صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

عباد الله، إن مما تعلمناه، ووعِظنا به من فيروس كورنا - وهي وقفتنا، وموعظتنا الثانية - هو أن نسأل أنفسنا: لماذا أنزل الله هذا البلاء؟ وما الحكمة من وجود هذه المصائب، وهذا الوباء؟ ربما لحكم كثيرة لا نعلمها ولكن الله يعلمها؛ فقد يجعلها الله على قوم بلاءً واختبارًا، وعلى آخرين عقوبة وإنذارًا، فإذا حصل الفساد والطغيان، والبغي والعصيان؛ أنزل الله بأسه، وعقوبته التي لا ترد عن القوم الظالمين، ومنها هذه الأوبئة العامة.

 

فقد روى ابن ماجه وحسنه الألباني رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشي فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا!»[1].

 

فبالله عليكم يا أهل الحكمة والإيمان، كم هي الفواحش التي ظهرت، وانتشرت في البلدان، والتي هي تدين بدين الإسلام؟! كم هي أوكار الدعارة، والخنا، ومحلات الخمور والزنا التي هي محاطة ومحمية من قبل من لا خلاق لهم، نسأل الله أن يعجِّل زوالهم!

 

كم هي المظالم التي نعيشها، والظلمة الذين أفسدوا في الأرض وبغوا فيها؟ فإن الظلم في الأمة هو من أسباب انتشار العقوبات التي تعمها، فإذا كثر الطاغوت أرسل الله الطاعون؛ كما قال الزمخشري رحمه الله.

 

الموعظة الثالثة من فيروس كورونا:

ينبغي لنا أمام هذه الحادثة، وأمام كل مصيبة وبلية، أن نعلم علم يقين أنه لا يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، وما من بلاء ينزل علينا، ولا مصيبة تحل بنا، إلا وقد كتبت قبل أن نخرج من بطون أمهاتنا، وأن كل نفس لن تموت حتى يأتي أجلها الذي قدره الله عليها، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها الذي كتبه الله لها، ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].

 

ينبغي لنا من خلال فيروس كورونا وفي جميع المصائب والابتلاءات التي تمر بنا أن نعلم علم يقين أن العالم كله وإن وصل إلى ما وصل برُقيه وتقدُّمه وتحضُّره، لن يستطيع أن يقي نفسه من أهون وأحقر شيء قد كُتب في قضاء الله وقدره الله.

 

فها هو الفيروس دخل بأمر الله إلى تلك الدول التي بلغت في التطور مداها، ووصلت في التقنيات أبعادها، بينما بعض البلدان بهشاشة وضعها، وحصار برها، وبحرها، وغياب الرقابة من دخول البضائع، والسلع المهربة والمنتهية عليها، وانعدام الأجهزة الوقائية، والضرورات الطبية فيها، إلا أن الله يريد أن يقول للعالم أجمع الذين أصيبوا بالخوف والقلق، والهلع: الأرض أرضي، والسماء سمائي، والعباد عبادي, فلو كان الأمر عائدًا إلى الحضارة، وإلى الفقر والبطالة، لكانت تلك البلدان الفقيرة أكثر تعرضًا وإصابةً من هذه الفيروسات الصغيرة، لكن كل شيء بقضاء وقدر، والكل في نص الكتاب مستطر.

 

إذًا من أعظم مواعظنا من فيروس كورونا أنه لا يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، ولا يغني حذر من قدر، فقد ذُكر أن أعرابيًّا خرج هاربًا من الطاعون، فبينما هو سائر إذ لدغته أفعى فمات، فقال أبوه يرثيه:

طاف يبغي نجوةً
من هلاك فهلك
والمنايا رُصَّدٌ
للفتى حيث سلك
ليت شعري يا فتى
أي شيء قتلك؟
كل شيء قاتل
حين تلقى أجلك

 

موعظتنا الرابعة من فيروس كورونا:

أن نقول ما قاله ربنا: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

 

فلقد - والله- رأينا وما زلنا نرى خيرًا عميمًا وعظيمًا من نتائج هذا الوباء، وحق لنا أن نصف هذا الفيروس بأنه جاء ليعلمنا العبر والدروس.

 

فمن دروس هذا الفيروس أنه أرجع البشرية كلها إلى معرفة إنسانيتها، وحقيقة آدميتها، أعادها إلى خالقها، وأعادها إلى أخلاقها، فقد أغلق جميع الملاهي والبارات، والمجون، والدعارة، والمنتديات، وتم منعُ القُبَل والمصافحات بين الشباب والفتيات.

 

فلا إله إلا الله! أي عبر ودروس تلقيناها واستفدناها من هذا الفيروس!

 

ومن ذلك أيضًا أنه جعل منظمة الصحة العالمية تعترف بأن تناول الخمور تُعد كارثة على الإنسان، وجعل المؤسسات الصحية الكبرى تقر بأن تناول كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير من أعظم المصائب على جسم الإنسان، وقد حرم الله ذلك ولكنهم قوم لا يعقلون.

 

من دروس هذا الفيروس أنه عرَّف الدول التي كانت تسمي نفسها بالدول العظمى عرفها بقدرها وبضعفها.

 

من دروس هذا الفيروس: أنه أعلم العالم بأنه لا سعادة، ولا سيادة، ولا فلاح ولا نجاح، إلا بمبادئ هذا الدين وتعاليمه، وأنه جاء لسعادة البشر، ولينفي عنهم الشر والضر.

وكل ما ينفعنا قد شرعه
وكل ما يضرنا قد منعه

جاء هذا الفيروس ليلقِّن بعض مفتونينا الدروس الذي كانوا يتهكمون علينا، ويقولون: الناس قد صعدوا القمر، وأنتم قاعدون في المساجد بين قال الله، وقال الرسول، جاء كورونا ليقول لك أيها الجاهل المفتون، يا من لم تطلع القمر، ولم تتعلم من سيد البشر: إن منظمة الصحة العالمية تؤكد عليك أن تحرص على طهارة جسدك، وغَسلِ أنفك ويدك، وتؤكد على المتبرجات أن يغطين وجوههن، ويلتزمن بتعاليم دينهنَّ، وأن السعادة والكرامة هي بلزوم الاستقامة.

 

فإلى كل مفتون بالحضارات الغربية، دين الله هو السبيل إلى السعادة الأبدية، وإلى الحضارة الإنسانية الحقة.

 

هذه بعض المواعظ والدروس التي جاءت من وراء هذا الفيروس، وكم من مِحَنٍ تحمل في طياتها منحًا، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا.

 

أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعل من وراء هذا البلاء الذي نزل بنا الخيرات، والبركات في ديننا ودنيانا...



[1] رواه ابن ماجه (4019)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هذا خلق الله (وقفة مع فيروس كورونا)
  • فيروس كورونا (شعر)
  • أسباب النجاة من المتحور الجديد لفيروس كورونا (خطبة)
  • تغير الأحوال والموقف الصحيح فيها (خطبة)
  • تاريخ مرض كورونا

مختارات من الشبكة

  • الخير الكامن في المصائب والابتلاءات (كورونا أنموذجا) علمني كورونا خمسين درسا(مقالة - ملفات خاصة)
  • كيف وقى الإسلام الأمة من الفيروسات والطواعين الأوبئة؟ (فيروس كورونا مثالا) (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • التوصيات الشرعية في ظل انتشار فيروس (كوفيد - 19) المعروف بفيروس كورونا(مقالة - ملفات خاصة)
  • فيروس كورونا (خطبة صوتية)(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • كورونا .. مرض غامض جديد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الهلع من فيروس كورونا(استشارة - الاستشارات)
  • نقد دعاوي المعارضات الفكرية المعاصرة لحديث "لا عدوى ولا طيرة" فيروس كورونا المستجد أنموذجا (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • التنمية المستدامة في إفريقيا بعد فيروس كورونا: الإصلاحات المطلوبة(مقالة - ملفات خاصة)
  • برعاية مسلمات حملة للحث على التطعيم ضد فيروس كورونا في أستراليا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مسجد أسترالي يستضيف عيادة للتطعيم ضد فيروس كورونا(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب