• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة عن معصية السر

خطبة عن معصية السر
عبدالعزيز أبو يوسف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/8/2023 ميلادي - 10/2/1445 هجري

الزيارات: 10192

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عن معصية السر


الخطبة الأولى

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَلِيمِ الشَّكُورِ، يَحْلُمُ عَلَى الْعَاصِينَ وَيُمْهِلُهُمْ، وَيَشْكُرُ لِلطَّائِعِينَ وَيَزِيدُهُمْ من فضله، أحمده حَمْدًا كَثِيرًا، وَأشكره شُكْرًا مَزِيدًا، لَا إِلَهَ إِلَّا هو وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَحْلَمُ مَنْ عُصِيَ، وَأَكْرَمُ مَنْ دُعِيَ، وأرأف من ملك، وصلاةً وسلامًا على رسوله وعبده محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا المسلمون؛ إن من إيماننا بالله تعالى أهل الإسلام أن الله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العُلى، فمن أسمائه: (العليم والعالم والعلَّام) ومن صفاته تعالى العلم، فهو جل وعلا محيط بكل ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون، فعلم الله عز وجل يشمل الكبير والصغير، والغائب والحاضر، والمشاهد والخفي، فهو القائل عن نفسه: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ [الحشر: 22]، فعلم الله عز وجل يشمل ما يعلنه الخلق وما يخفونه، فالسر عنده علانية، والأمر كله عنده سواسية، قال تعالى:﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 29]، وقال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235] والقائل سبحانه: ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾ [الأعلى: 7]، فَلَا يغيب شيء من أقوال العباد وأعمالهم الظاهرة والباطنة عن عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَإِحَاطَتِهِ.


فإذا استقرت هذه المعرفة بالله تعالى في قلب العبد وآمن بها حقًّا قادته إلى مرَاقَبتهُ تعالى فِي السِّرِّ وَالْعَلَن، وَخَوفه في الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ؛ فَلَم يَعْصِ لَهُ أَمْرًا، وَلَم يَرْتَكِبْ لَهُ نَهْيًا سرًّا ولا جهرًا، فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمُ بَادَرَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، يَخَافُ ذَنْبَهُ، وَيَرْجُو عَفْوَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ القائل في صفات عباده المؤمنين: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ [فاطر: 18]، ولئن كان ترك المعاصي والإقلاع عنها علانية أمارة فضيلة وخير في العبد، فهجره لها في السِّرِّ أعظمُ دليل على صدق إيمانه وحُسْن خشيته لربه جل وعلا؛ لِأَنَّه أيقن بأن اللَّهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَيه في السر والعلن، فأثمر ذلك خشيته فيهما.


إخوة الإيمان؛ إذا كانت الحسنات يذهبن السيئات كما قال الله تعالى ذلك، فإن السيئات أيضًا قد تذهب الحسنات خاصةً تلك التي تكون في الخلوة بعيدةً عن أعين الناس؛ فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا، أَلَّا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»؛ رواه ابن ماجه.


عباد الله؛ إن الذي يقع فِي عصيان الله تعالى في السِّرِّ والْخَلَوَاتِ إنما وقع في ذلك بسبب ضعف إيمانه؛ لِأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ نَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ أو تغافل، وَهو بعمله هذا تَشَبُّهٌ بِالْمُنَافِقِينَ؛ فَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ أمام الناس كما قال الله تعالى في صفتهم: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].


فخوف الله تعالى في السرِّ والعَلَن من صفات عباد الله المتقين الذين استحقُّوا كرم الله تعالى وفضله، فقد ورد في صحيح البخاري أن مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ من خافه جل وعلا في السر، قال صلى الله عليه وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ في خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إلى نَفْسِهَا، فقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما صَنَعَتْ يَمِينُهُ»، فاتصاف بعض أصناف هؤلاء السبعة بالخوف من الله تعالى في السر واستحضار عظمته جل وعلا ورجاء ثوابه والخوف من عقابه أوجب لهم هذا الفضل العظيم والكرم الكبير.


أيها الفضلاء؛ إِنَّ الَّذِي يَمْنَعُ الْعَبْدَ مِنْ مَعْصِيَةِ السِّرِّ مَخَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى حقًّا ومراقبته صدقًا، قالَ الإمام ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله: «وَخَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ إِنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ قُوَّةِ إِيمَانٍ وَمُجَاهَدَةٍ لِلنَّفْسِ وَالْهَوَى، فَإِنَّ الْهَوَى يَدْعُو فِي الْخَلْوَةِ إلى الْمَعَاصِي؛ وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ مِنْ أَعَزِّ الْأَشْيَاءِ الْوَرَعَ فِي الْخَلْوَةِ»، وَمَنْ بَلَغَ هذه الْمَنْزِلَةَ العظيمة حَقَّقَ الْإِحْسَانَ، وهو أعلى مراتب الإيمان؛ لِأَنَّهُ عبد الله تَعَالَى كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ رحمه الله: «إِذَا سَكَنَ الْخَوْفُ الْقُلُوبَ أَحْرَقَ مَوَاضِعَ الشَّهَوَاتِ مِنْهَا، وَطَرَدَ الدُّنْيَا عَنْهَا».


وَكَانَ السَّلَفُ رحمهم الله يُذَكِّرُونَ الناس ويرهبونهم من معصية الله تعالى فِي خَلَوَاتِهِمْ، قَالَ رَجُلٌ لِوُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ رحمه الله: «عِظْنِي، قَالَ: اتَّقِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ»، وَسُئِلَ أحد السلف: «بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ؟ قَالَ: بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْكَ أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إلى مَا تَنْظُرُهُ». وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ رحمه الله: «إِنَّ الْخَاسِرَ مَنْ أَبْدَى لِلنَّاسِ صَالِحَ عَمَلِهِ، وَبَارَزَ بِالْقَبِيحِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ».


أيها المؤمنون؛ إنه لَيُخْشَى عَلَى مَنْ أَدْمَنَ الْمَعَاصِيَ فِي الْخَلَوَاتِ أَنْ يَسْتَهِينَ بِهَا ثم يتوسع فيها، والمعصية تدعو أختها كما تدعو الطاعة أختها، وربما -والعياذ بالله- يَسْتَحِلُّ ما يُصر عليه من المعاصي في السر، أَوْ يَدْعُو غَيْرَهُ إِلَيْه، فَيَنْتَقِل مِنَ الْإِسْرَارِ إلى الْمُجَاهَرَةِ، ولا شك أن المجاهر بالمعصية بعيدٌ عن المعافاة منها، والتوبة والإقلاع عنها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين، وإنَّ من الجِهارِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا ثم يُصبِحُ وقد ستره اللهُ تعالى فيقولُ: عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربُّه، ويُصبِحُ يكشفُ سِترَ اللهِ عنه"؛ رواه البخاري، وربما انتكس وضلَّ السبيل القويم بسبب إصراره على معصية السر، قال الإمام ابن القيم رحمه الله":أجمع العارفونعلى أن أصل الانتكاسات ذنوب الخلوات"، كما يُخشى عليه من خاتمة السوء والعياذ بالله تعالى،قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "وخاتمة السوء سببها خبيئة سوء للعبد لم يطَّلِع عليها الناس"، فلينظر العبد إلى دسائسه، وما يصدر منه في خلواته إن كان خيرًا فليحمد الله، وإن كان غير ذلك فليتُبْ ويُقلِع قبل فوات الأوان.


كَمَا يُخْشَى على صاحب معصية السر الْفَضِيحَةُ في الدنيا قبل الآخرة؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَحَ الْمُنَافِقِينَ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَصَرُّفَاتِهِمْ وَفَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ، رَغْمَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَرِيصِينَ عَلَى كَتْمِ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 30]، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: «لَوْ أَنَّ عَبْدًا دَخَلَ بَيْتًا فِي جَوْفِ بَيْتٍ فَأَدْمَنَ هُنَاكَ عَمَلًا أَوْشَكَ النَّاسُ أَنْ يَتَحَدَّثُوا بِهِ، وَمَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ تَعَالَى رِدَاءَ عَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ».


نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا وَأَعْمَالَنَا، وَأَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ أَهْوَائِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الِاسْتِقَامَةَ فِي سِرِّنَا وَعَلَانِيَّتِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.


أَقُولُ ما سمعتم، وأستغفر الله لِي وَلَكُمْ ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ؛ فِي زَمَنِنَا هَذَا تَيَسَّرَتْ سُبُلُ مَعَاصِي السِّرِّ ما لَمْ تَتَيَسَّرْ فِي أَزْمِنَةٍ مَضَتْ؛ فأكل الحرام بعيدًا عن أعين الناس وعلمهم متاح لمن غاب خوف الله تعالى ومراقبته من قلبه، وَالْأَجْهِزَةُ الذَّكِيَّةُ الَّتِي لَا يَكَادُ أَحَدٌ أنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا؛ تَعِجُّ بِمَعَاصِي الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، وَمَنْ أَدْمَنَهَا نَزَلَتْ أَدْرَانُهَا عَلَى قَلْبِهِ فَأَفْسَدَتْهُ. فقد َكَسَرَتْ كُلَّ الْقُيُودِ؛ فَمَا ثَمَّ إِلَّا خَوْفُ اللَّهِ تَعَالَى وَمُرَاقَبَتُهُ فِي السِّرِّ، وَخَشْيَتُهُ بِالْغَيْبِ.


وَمَنْ أَسْلَمَ نَفْسَهُ لِهَذِهِ الْأَجْهِزَةِ واستهان بإدمان النظر إلى الحرام فيها فقد فَتَحَ عَلَى نفسه أَبْوَابًا مِنَ الشَّرِّ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَبْقَى لِلْعَبْدِ رَادِعٌ وَزَاجِرٌ إِلَّا خَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الْمَقَامُ الْعَلِيُّ، مَنْ حَقَّقَهُ حَقَّقَ الْإِحْسَانَ، وَجَاوَزَ عَظِيمَ الِابْتِلَاءِ بِالتوفيق لحُسْن العمل، وَهَذَا الزَّمَنُ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنَ انْفِتَاحٍ لِأَبْوَابِ الشَّرِّ، وَتَيْسِيرٍ لِلْفَوَاحِشِ؛ حَقِيقٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [المائدة: 94]، وَحَقِيقٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْكُمْ»؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن من ورائكم أيامًا الصبر فيهن»؛ أي: ليس للعبد فيها سبيل إلا الصبر عن المعصية، والصبر على الطاعة، ولا شكَّ أن الصبر عن المعصية خاصةً تلك التي تكون بعيدة عن أعين الناس، أجره عظيم، وفضله كبير.


فَهَنِيئًا لِمَنْ قَبَضَ عَلَى دِينِهِ، وَصَانَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ وَفَرْجَهُ عَنِ الْحَرَامِ، وَحَفِظَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَوَلَدَهُ مِمَّا يُوجِبُ الْآثَامَ في السرِّ والعَلَن، هَنِيئًا لَهُ رِضَا الرَّحْمَنِ وَالْفَوْزُ بِالْجِنَانِ.


فَاللَّهَ اللَّهَ فِي قُلُوبِكُمْ، لَا تُفْسِدُوهَا بِذُنُوبِ الْخَلَوَاتِ، وَاللَّهَ اللَّهَ فِي إِيمَانِكُمْ، زَكُّوهُ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَجَاهِدُوا وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ، وَأَكْثِرُوا الدعاء بأن يرزقكم الله خشيته في السر والعَلَن، فإن من دعائه صلى الله عليه وسلم: «وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»؛ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.


وأكثروا التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ، وَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ وَالْيَأْسَ وَالْقُنُوطَ وَالْإِحْبَاطَ؛ فَمَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ هُدِيَ إلى تَوْبَةٍ نَصُوحٍ بإذن الحي القيوم.


عباد الله؛ صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صَلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصَّحْب والآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمَنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودَمِّر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحِّدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاء، اللهم وفق ولِيَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين، ووليَّ عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، ومُدَّهما بنصرك وإعانتك وتوفيقك وتسديدك، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا على القوم الظالمين، واحفظهم واشفِ مريضهم وداوِ جريحهم، وتَقبَّل ميَّتَهم في الشهداء، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، وبَلِّغْنا فيما يرضيك آمالنا، وحَرِّم على النار أجسادنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.


عباد الله؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يَعِظُكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمِه يزدكم، ولذِكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • معصية السر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • معصية السر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأسرة السعيدة بين الواقع والمأمول (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة فقه الأسرة: الخطبة (1) أسس بناء الأسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبادة السر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • طاعة السر (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كتم السر (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة: الأسرة وشؤم المعصية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سر الصلاح صلاح السر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما هو السر في هذه الأسرة؟(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • هل يجوز إفشاء السر للمصلحة؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب