• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

{واحذرهم أن يفتنوك} (خطبة)

{واحذرهم أن يفتنوك} (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/5/2023 ميلادي - 3/11/1444 هجري

الزيارات: 9827

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ ﴾

 

إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد: فإنَّ خيرَ الكلام كلامُ الله تعالى، وخير الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وكلُّ ضلالةِ في النار.

 

معاشر المؤمنين الكرام: لا شكَّ أنَّ أغلى وأعزَّ ما لدى المسلم دينهُ وعقيدتهُ وإيمانه، إذ بها ينالُ رِضَا الرَّحْمَنِ، وَالْخُلْدَ فِي الْجَنَّان، وبدونها فمآلهُ الضلالُ والخسران، والخلودُ في النيران.. وأعداءُ الملِّةِ والدين أشدَّ ما يكونون حِرصًا على فتنة المسلمِ وصدِّهِ عن دينه، وجعلهِ يضلُ ويكفر، قال تعالى: ﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ﴾ [هود:18-19]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة: 2]، وقال جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149].. وغيرها من الآيات كثير..

 

وأخبرنا عليه الصلاةُ والسلامُ أنَّ هذه الأمّة ستتعرضُ لمحنٍ وابتلاءاتٍ شديدةٍ، وفتنٍ كقطع الليلِ المظلمِ، تدعُ الحليمَ حيران، فتنٌ يلتبسُ فيها الحقُّ بالباطل، ويضِلُ بسببها خلقٌ كثيرٌ.. ففي البخاري ومُسلم قال عليه الصلاة والسلام: "يكونُ في آخرِ الزمانِ فِتَنٌ كقِطَعِ الَّليلِ المظلِمِ، يُصبِحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا ويُصبِحُ كافرًا"، وفي رواية: "يبيعُ أقوامٌ دينَهم بعرَضٍ منَ الدنيا قليلٍ".. وحذّرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم من دُعاة الفتن، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكونُ دُعاةٌ على أبوابِ جَهنَّمَ، مَن أجابَهم إليها قَذفُوه فيها)، قلتُ: يا رسولَ اللهِ! صِفْهم لنا، قال: (هم قومٌ مِن جِلدتِنا، يَتكلَّمونَ بألْسنتِنا)، قلت: فما تأمُرني إنْ أدركتُ ذلِك؟ قال: (الْزَمْ جماعةَ المُسلِمينَ وإمامَهم، فإنْ لم يكُنْ لهم جَماعةٌ ولا إمامٌ؛ فاعتزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كلَّها، ولو أنْ تَعضَّ بأصلِ شَجرةٍ حتَّى يُدركَكَ الموتُ وأنتَ كذلِك"..

 

وها نحن نرى ونسمعُ في كلِّ يومٍ، من يخرجُ لنا عبرَ وسائلِ التواصلِ ليشكِّكَ المسلمينَ في مُسلمات دينهم وعقيدتهم، فمرةً يطعنونَ في الحجاب، ومرةً في تعدد الزوجات، ومرةً في حُرمة الربا، ومرةً في حُرمة الخمر، ومرةً في البخاري وصحيحه، ومرةً في عدالة الصحابة، ومرةً في صحة أحاديثِ الأحاد، ومرةً في السنة ودِلالتها، ولم يتركوا شيئًا إلا شكَّكوا فيه، حتى الشهور الهجرية لم تسلم من تشكيكهم فيها.. ولو كان سهمًا واحدًا لاتقيته *** ولكنه سهمٌ وثاني وعاشرُ.. ولن يتوقفوا ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾ [الكهف: 56].. فماذا يَفْعل المسلم؛ ليحمي نفسهُ وأبناءهُ وأسرتهُ من هذا الطوفان الجارفِ من الفتن والشبهات؟

 

في صحيح الامام مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلَّا كانَ حَقًّا عليه أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ علَى خَيْرِ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِه جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ، فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه هذِه، فمَن أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهو يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إلى النَّاسِ الَّذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إلَيْهِ" الحديث.. وفي صحيح الامام مُسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "سيكونُ في آخرِ الزمانِ ناسٌ مِنْ أُمَّتِي يُحَدِّثُونَكُم بما لم تسمعوا بِه أنتم ولَا آباؤكم، فإيَّاكم وإيَّاهم"، وفي روايةٍ صحيحة: "يكونُ في آخرِ الزمانِ دجَّالون كذَّابون، يأتونكم من الأحاديثِ بما لم تسمَعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلُّونَكم ولا يَفتِنونكم".. وجاء في الحديث الصحيح، عن المقداد بن عمر رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ"، ثلاثًا.. والسؤال هنا.. كيف ينالُ المسلمُ هذه السعادةَ الغالية، وكيفَ يسلمُ من مُضلات الفتن..

 

والجوابُ أنَّ هناك أعمالًا عظيمةً، وأسبابًا قويمةً، بها يتقي المسلمُ الفتنَ، ويسلمَ من شرها وخطرها، وإنَّ من أهم ذلك يا عباد الله، تقوى الله عزَّ وجلّ في السِّر والعلانية، فاللهُ تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، أي: يجعل له نجاةً وسلامةً من كلِّ فتنةٍ وشرٍّ.. والتقوى كما يُعرفها العلماء: هي العملُ بطاعة اللهِ على نورٍ من الله رجاءً في رحمة الله، وتركُ معصيةِ اللهِ على نورٍ من الله خوفًا من عذاب الله، ثم إنَّ التقوى تُثمرُ سلامةَ القلبِ وصلاحِه، ومن ثمَّ فلا تضرهُ الفتنُ، كما جاء في الحديث الصحيح..

 

ومن أعظم أسبابِ السلامةِ من الفتن: العنايةُ بكتاب الله جلَّ وعلا، فهو المخرجُ من كلِّ فتنة، والعِصمةُ من كلِّ ضلالة.. تقويةُ العلاقة بالقرآن الكريم، قراءةً وتعلمًا وتدبُّرًا وحفظًا: هي العاصم بإذن الله من كلِّ فتنة، والمنجيةُ من كلِّ ضلالة.. فمن أرادَ الهداية والحماية، والثباتَ على الحق، والسَّلامةَ من كلِّ فتنة، والرفعةَ في الدنيا والآخرة، فلْيَكن له برنامَجٌ جادٌّ مع القرآن، ولْيكن له اهتمامٌ خاصٌ بتعلمه وتدبُّره، ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].. ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].. وهكذا الالتزامُ بتطبيق السنة المطهرة، وتأمَّل هذا التوجيهِ النبوي الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: "وأنَّهُ من يَعِش منكُم فسيَرى اختلافًا كثيرًا، فعليكُم بسُنَّتِي، وسُنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدين المهديِّين، عَضُّوا علَيها بالنَّواجذِ، وإيَّاكُم ومُحدَثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ"، صححه الألباني..

 

ومن أعظم أسبابِ السَّلامةِ من الفتن: صِدقُ اللجوء الله والدُّعاء والتَّضرع، فالله جلَّ وعلا يقول: ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾ [الفرقان: 77]، وفي صحيح الإمام مسلم، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للصحابة: "تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ".. فإذا كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم يأمرُ الصحابةَ بأن يتعوذوا بالله من الفتن ما ظهرَ منها وما بطن، وهم أطهرُ الأمةِ قلوبًا، واشدَّهم تمسكًا وثباتًا، فنحن لا شك أولى وأحرى أنَّ نسألَ اللَه جلَّ وعلا في كلِّ وقتٍ وحينٍ أن يُجنبنا والمسلمين الفتن، ما ظهرَ منها وما بطن.. وقد بلغ من شدة تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من هذا الأمر الخطير، أن يأمرَ المسلم أن يتعوذَ بالله من الفتن حتى في الصلوات المفروضة، ففي صحيح الامام مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ مِن أَرْبَعٍ، يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ)..

 

ومن الأسباب المهمةِ للسَّلامةِ من الفتن؛ التأني في الأمور، والتحلي بالرَّوية والتؤدة، والصبر والتثبت وعدم الاستعجال، فإنَّ العجلةَ والتَّسرع لا يأتيانِ بخير، قال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إنها ستكون أمورٌ مشتبهات فعليكم بالتُؤدة؛ فإنك أن تكون تابعًا في الخير، خيرٌ من أن تكون رأسًا في الشر"..

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ * وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [الشورى: 15-16]..

 

أقول ما تسمعون...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى..

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: ذكرنا في الخطبة الأولى أربعةٌ من أسباب السلامةِ من الفتن، وهي التقوى، والعنايةُ بكتاب الله، والتعوذُ والدعاء، والتأني وعدمُ الاستعجال.. وبقي معنا سببين، الأولُ منهما: هو الرجوع إلى العلماء الربانيين، الراسخين في العلم، أهلُ الحكمةِ والبصيرةِ بدين الله، والفقهِ في كتاب اللهِ وسُنةِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم، وفي الكتاب العزيز توجيهٌ كريمٌ بهذا، يقول اللهُ جلَّ وعلا: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83]، فالله تعالى يأمرنا عند حدوث اللبس والأمورِ المضطربةِ أن نرجعَ إلى سُنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأن نستفتي العلماءَ الربانيين والفقهاءَ الراسخين، ففي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "البَرَكَةُ مع أَكَابِرِكُمْ"، وابن مسعودٍ رضي الله عنهيقول: "لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما أخذوا عن أكابرهم، فإذا أخذوا عن الأصاغرِ هلكوا"...

 

وأما السبب الأخيرُ من أسباب السَّلامةِ من الفتن: فهو البُعدُ عن مواطنِ الفتنِ ومظانها قدرَ الاستطاعة، فاللهُ جلَّ وعلا يقول: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ [الأنعام: 68]، وفي صحيح البخاري ومُسلم، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (سَتَكُونُ فِتَنٌ، القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْهُ، فمَن وجَدَ مِنْها مَلْجًَا، أوْ مَعاذًا، فَلْيَعُذْ بهِ).. وفي حديث الدجال، قال صلى الله عليه وسلم مُرشدًا ومحذرًا: "من سمِع بالدَّجَّالِ فلينْأَ عنه، فواللهِ إنَّ الرَّجلَ ليأتيهِ وهو يحسَبُ أنَّه مؤمنٌ فيتبعُه ممَّا يبعثُ به من الشُّبهاتِ".. وفي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يُورِدُ المُمرِضُ على المصحِّ".. وكان الحسنُ البصري رحمه الله يقول: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم.. وكان الامامُ مالكٌ إذا جاءهُ أحدٌ من أهل الأهواء قال: أمَّا أنا فعلى بينةٍ من ربي، وأما أنتَ فشاكٌّ فاذهب إلى شاكٍّ مِثلك فخاصِمه.. وكان ابن طاووسٍ إذا جاءهُ أحدٌ منهم أدخلَ اصبعيهِ في أُذنيه، حتى لا يسمعَ من كلامه شيئًا.. قال الامام الذهبي: أكثرُ أئمةِ السلفِ على هذا التحذيرِ يرونَ أنَّ القلوبَ ضعيفةٌ، وأنَّ الشُّبهَ خطَّافةٌ، ولا غرابةَ فلقد قالَ اللهُ عن الصحابة: ﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 47]..

 

ألا فاتقي اللهَ أخيَّ المسلم، وكن على يقينٍ من صحة دينك، ففي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ هذا الدِّينَ يُسرٌ ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلَّا غلَبه"، فلا تُعطي أذنك لكل ناعق، ولا تُصغِي لكلِّ مُشكِّك، واغلق عنك بابَ الفتن، وفرِّ منها فراركَ من الأسد، واعلم بإنَّ السلامةَ لا يعدلها شيء.. وتأمَّل قولَ ربك جلَّ وعلا: ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 43-44]...

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

 

اللهم صل على محمد...

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • واحذرهم أن يفتنوك

مختارات من الشبكة

  • خطبة واحذرهم أن يفتنوك(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • خطبة: احذروا أيها الآباء لا تخسروا أولادكم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذر مظالم الخلق (خطبة) - باللغة البنغالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذر مظالم الخلق (خطبة) (باللغة النيبالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا من الشهرة.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا الورع الكاذب والتدين المغشوش (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: احذروا من هذه المرأة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذروا العطلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)
  • احذروا التساهل بالدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • احذر مظالم الخلق (خطبة) (باللغة الهندية)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب