• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حفظ اللسان (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    خطبة: التحذير من الغيبة والشائعات
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    {أو لما أصابتكم مصيبة}
    د. خالد النجار
  •  
    خطبة: كيف ننشئ أولادنا على حب كتاب الله؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة قصة سيدنا موسى عليه السلام
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    شكرا أيها الطائر الصغير
    دحان القباتلي
  •  
    خطبة: صيام يوم عاشوراء والصيام عن الحرام مع بداية ...
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    منهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية ومسالكهم ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    كيفية مواجهة الشبهات الفكرية بالقرآن الكريم
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: الشائعات والغيبة والنميمة وخطرهم على
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    أيهما أسهل فتح المصحف أم فتح الهاتف؟ (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    فوائد من سورة الفاتحة جمعتها لك من كتب التفسير ...
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    حديث: كان الإيلاء الجاهلية السنة والسنتين
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    من عمل صالحا فلنفسه (خطبة) - باللغة النيبالية
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    قصة نجاة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    فقه السير إلى الله تعالى (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الذكر والدعاء
علامة باركود

كنوز الحوقلة (خطبة)

كنوز الحوقلة (خطبة)
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/5/2023 ميلادي - 20/10/1444 هجري

الزيارات: 22079

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كنوزُ الحَوْقَلَةِ

 

الحمدُ للهِ ذي العرشِ المجيدِ والعطاءِ الفريدِ، عمَّ خيرُه العبيدَ، ووسعَ علمُه الوجودَ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ الوليُّ الحميدُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه وسلمَ التسليمَ المزيدَ.

أما بعدُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌اتَّقُوا ‌اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ... ﴾ [آل عمران: 102].

 

أيها المؤمنون!

" لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ " كلمةٌ قليلةُ الأحرفِ لكنها ذِكرٌ عند اللهِ كريمٌ، عظيمةٌ حقائقُها، جَزْلةٌ فضائلُها، مباركةٌ آثارُها؛ قد حباها المولى الكريمُ من الفضائلِ والآثارِ ما يجعلُها جديرةً بعنايةِ المكلفِ؛ علمًا وعملًا حتى تكونَ له حالًا راسخًا تظهرُ به تلك الآثارُ وتُجنى به الفضائلُ في الدنيا والآخرةِ. بلغتْ في الاصطفاءِ الربانيِّ أنْ كانت في مصافِّ أحبِّ الكلامِ إليه -سبحانه-، يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَحَبُّ ‌الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ "؛ رواه البخاريُّ في الأدبِ المُفْردِ وصحّحَه الألبانيُّ.

 

و" لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ " من سبلِ الوصولِ إلى الجنةِ، بل هي بابٌ من أبوابِها التي تفضي إليها، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ -رضيَ اللهُ عنهما-، أَنَّ أَبَاهُ دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَخْدُمُهُ، قَالَ: فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ صَلَّيْتُ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: " أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ ‌أَبْوَابِ ‌الجَنَّةِ؟» قُلْتُ: بَلَى؟ قَالَ: «‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللَّهِ "؛ رواه أحمدُ وصحّحَه الحاكمُ والألبانيُّ.

 

و" ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللَّهِ " كنزٌ نفيسٌ من كنوزِ الجنةِ، مدَّخرٌ ثوابُه العظيمُ لصاحبِه يومَ القيامةِ، قال أبو موسى الأشعريُّ -رضيَ اللهُ عنه-: لما غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، أو قال: لما توجَّه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أشرفَ الناسُ على وادٍ، فرفعوا أصواتَهم بالتكبيرِ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ارْبَعُوا على أنفسِكم؛ إنكم لا تَدْعون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم ". وأنا خلفَ دابةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقولُ: ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللَّهِ، فَقَالَ لي: " يا عبدَاللهِ بنَ قيسٍ". قلتُ: لبيك يا رسولَ اللهِ، قال: " ألا أدلُّك على كلمةٍ من كنزٍ من ‌كنوزِ ‌الجنةِ؟ ". قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ- فِداك أبي وأمي! -، قَالَ: " ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللَّهِ " رواه البخاريُّ. ولعلوِّ قدْرِها كانت من كنوزِ العرشِ، قال أبو ذرٍ -رضيَ اللهُ عنه-: أَمَرَنِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ، وذكر منها: " وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللهِ؛ فَإِنَّهُنَّ مِنْ ‌كَنْزٍ تَحْتَ ‌الْعَرْشِ "؛ رواه أحمدُ وصحَّحَه الألبانيُّ.

 

قال ابنُ القيمِ: " ولما كان الكنزُ هو ‌المالُ ‌النفيسُ المجتمعُ الذي يَخفى على أكثرِ الناسِ، وكان هذا شأنَ هذه الكلمةِ؛ كانت كنزًا من كنوزِ الجنةِ، فأُوتيَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم من كنزٍ تحت العرشِ ". وكما أنها من كنوزِ الجنةِ فهي غراسُ أشجارِها الخالدةِ، فقد مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ أُسرِيَ به على إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم، فقال: مَنْ مَعَكَ يا جبرائيلُ؟ قال: هذا محمدٌ، فقال له إبراهيمُ -عليه السلامُ-: يا محمدُ! مُرْ أمَّتكَ؛ فَليُكْثِرُوا مِن ‌غِراسِ الجنَّة؛ فإنَّ تُربتَها طيبّةٌ، وأرضَها واسعةٌ، قال: ما ‌غِراسُ الجنَّةِ؟ قال: ‌لا ‌حولَ ‌ولا ‌قوَّةَ ‌إلا ‌بالله "رواه أحمدُ وحسَّنَه المنذريُّ وابنُ حَجَرٍ. وهي من أسبابِ تكفيرِ السيئاتِ ومحوِ الذنوبِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يَأوي إلى فراشِه: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ‌لا ‌حولَ ‌ولا ‌قوةَ ‌إلا ‌باللهِ العليِّ العظيمِ، سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ؛ غُفرت له ذنوبُه أو خطاياه وإنْ كانت مثلَ ‌زبدِ ‌البحرِ"؛ رواه النسائيُّ وصحَّحَه ابنُ حبانَ والألبانيُّ.

 

وهي من أسبابِ استجابةِ الدعاءِ وقبولِ العملِ الصالحِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ توضأَ وصلى قُبلتْ صلاتُه "؛ رواه البخاريُّ.

 

وهي من خيرِ ما يُرجى ثوابُه ويُؤمَّلُ خيرُ عاقبتِه من الباقياتِ الصالحاتِ، كما قال تعالى: ﴿ ‌وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ "، قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ "؛ رواه أحمدُ وصحّحَه ابنُ حبان وحسَّنَه ابنُ حَجَرٍ.

 

عبادَ اللهِ!

إنّ " لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ " بركةٌ معجَّلةٌ تَفيضُ على قائلِها مع ما يُدَّخرُ له في الآخرةِ من ثوابٍ؛ فبها تُدفعُ عوادي الشرورِ وتُرفَعُ، يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَالَ - يَعْنِي - إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: ‌كُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ " رواه الترمذيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ. ومن أخطرِ الشرورِ التي يَدفعُها هذا الذكرُ الهمومُ والأحزانُ، أوصى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ ابْنَه قائلًا: " يَا بُنَيَّ، إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ نِعْمَةً؛ فَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِذَا أَحْزَنَكَ أَمْرٌ؛ فَقُلْ: ‌لا ‌حَوْلَ ‌وَلا ‌قُوَّةَ ‌إِلا ‌بِاللَّهِ، وَإِذَا أَبْطَأَ عَلَيْكَ رِزْقٌ؛ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ". و" لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ" كلمةُ استعانةٍ وإعانةٍ وتوكلٍ، قال عُروةُ بنُ عامرٍ - رضيَ اللهُ عنه -: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: " أحْسَنُهَا الفَألُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا، فإذا رَأى أحَدُكُمْ ما يَكْرَهُ، فَليْقلْ: اللَّهُمَّ ‌لَا ‌يَأتِي ‌بِالحَسَناتِ إلاَّ أنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إلاَّ أنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاَّ بِكَ " رواه أبو داودَ وصحَحَّه النوويُّ. ولها خاصيةٌ عجيبةٌ في معالجةِ الأمورِ الصعبةِ ومكابدتِها وحَلِّ عُضَلِها؛ ولذا شُرِعَ قولُها في إجابةِ المؤذنِ حين يَصْدَحُ مناديًا لأعظمِ العباداتِ: " حيَّ على الصلاةِ، حيَّ على الفلاحِ ". قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةِ: " وَليكن ‌هِجِّيراه: " ‌لَا ‌حول ‌وَلَا ‌قُوَّة ‌إِلَّا ‌بِاللَّه "؛ فَإِنَّهَا بهَا تُحملُ الأثقالُ، وتُكابدُ الْأَهْوَالُ، ويُنالُ رفيعُ الْأَحْوَال "، " وبها يَقتدرُ الإنسانُ على كلِّ فعلٍ "، ويقولُ ابنُ القيمِ: " وهذه الكلمةُ لها تأثيرٌ عجيبٌ في معالجةِ الأشغالِ الصعبةِ، وتحمّلِ المشاقِّ، والدخولِ على الملوكِ ومَن يُخاف، وركوبِ الأهوالِ. ولها -أيضًا- تأثيرٌ في دفعِ الفقرِ"، وقال ابنُ عثيمينَ: " إذا أعْياك شيءٌ، وعجزتَ عنه؛ قل: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ؛ فإنّ اللهَ يُعنيك عليه ". وقد اتخذَها الموفَّقون عُدّةً لهم فيما يُكابِدونه من مشاقِّ الأمورِ؛ فكان لهم من اللهِ بها الفرجُ والتوفيقُ والإعانةُ. فكان منهم مَن جعلَها عدّةً في جهادِه. كتب عمرُ بنُ الخطابِ لقائدِه في معركةِ القادسيةِ سعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ -رضيَ اللهُ عنهما-: " أما بعدُ، فتعاهدْ قلبَك، وحادِثْ جندَك بالموعظةِ، والصبرَ الصبرَ؛ فإنّ المعونةَ تأتي من اللهِ على قدْرِ النيةِ، والأجرُ على قدْرِ الحِسبةِ، وأكثرْ من قول: ( ‌لا ‌حولَ ‌ولا ‌قوةَ ‌إلا ‌باللَّهِ )، وصِفْ ليَ منازلَ المسلمين كأني أنظرُ إليها وقد أُلقي في رُوعي أنكم إذا لقيتمُ العدوَّ هزمتمُوهم، فإنْ مَنَحَك اللهُ أكتافَهم؛ فلا تنزعْ عنهم حتى تقتحمَ عليهمُ المدائنَ؛ فإنها خرابُها إن شاءَ اللهُ ". وقال حبيبُ بنُ مَسْلمةَ: " كَانَ‌‌ يُسْتَحَبُّ إِذَا لَقِيَ عَدُوًّا، أَوْ نَاهَضَ حِصْنًا، قَوْلُ: ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللَّهِ، وَأَنَّهُ نَاهَضَ يَوْمًا حِصْنًا فَانْهَزَمَ الرُّومُ، وَتَحَصَّنُوا فِي حِصْنٍ آخَرَ لَهُمْ، أَعْجَزَهُ، فَقَالَهَا الْمُسْلِمُونَ ‌فَانْصَدَعَ الْحِصْنُ". وقال أبو إسحاقَ الغزوانيُّ: " زَحَفَ إِلَيْنَا أَزْدَمْهَرُ عِنْدَ مَدِينَةِ الْكِيرَجِ فِي ثَمَانِينَ فِيلًا، فَكَادَتْ تَنْفَضُّ الْخُيُولُ وَالصُّفُوفُ، فَكَرِبَ لِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، فَنَادَى عِمْرَانَ بْنَ النُّعْمَانِ أَمِيرَ أَهْلِ حِمْصٍ وَأُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ، فَنَهَضُوا فَمَا اسْتَطَاعُوا،‌‌ فَلَمَّا أَعْيَتْهُ الْأُمُورُ نَادَى مِرَارًا: ‌( لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللَّهِ )، فَكَفَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‌الْفِيَلَةَ بِذَلِكَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا الْحَرَّ، فَأَنْضَجَهَا، فَفَزِعَتْ إِلَى الْمَاءِ، فَمَا اسْتَطَاعَ سُوَّاسُهَا وَلَا أَصْحَابُهَا حَبْسَهَا، وَحَمَلَتِ الْخَيْلُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَكَانَ الْفَتْحُ بِإِذْنِ اللَّهِ ".

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ، فاعلموا أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون!

وكان من العلماءِ مِن يُقدِّمُ " لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ " بين يدي إفتائه وقضائه وتوقيعِه عن ربِّ العالمينَ؛ فلا شيءَ يَتقدَّمُها. وأكثرُ مَن عُرِفَ بذلك الإمامُ مالكٌ، فكان لا يفتي حتى يقولَ: " لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ ". وسأله رجلٌ عن مسألةٍ فردَّه، ثم عادَ فردَّه ثلاثًا؛ فكأنّه تهاونَ بعلمِ ‌مالكٍ، فأتاهُ أتٍ في نومِه يقولُ له: أنت المتهاونُ بعلمِ ‌مالكٍ؟! ائتِه فأسألْهُ، فلو كانت مسألتُك أدقَّ من الشَّعرِ وأصلبَ من الصخرِ لوُفِّقَ فيها باستعانتِه بـ" ما شاءَ اللهُ ‌لا ‌حولَ ‌ولا ‌قوةَ ‌إلا ‌باللهِ العليِّ العظيمِ ". قال حمادُ بنُ إسحاقٍ: " إني لأستعينُ بكلمةِ ‌مالكٍ -رحمه اللهُ- عند فتياه- وهي: " ما شاءَ اللهُ، ‌لا ‌حولَ ‌ولا ‌قوةَ ‌إلا ‌باللهِ "- إذا صَعُبَتْ عليّ المسألةُ، فإذا قلتُها انكشفتْ لي ". وكان قاضي الأندلسِ محمدُ بنُ بشيرٍ المُعافِريُّ يَستفتِحُ بها قضاءَه بين الخصومِ؛ راجيًا بها هدايةَ اللهِ لصوابِ الأحكامِ. ومنهم من كان يتخذُها زادًا له في إمدادِه بالثباتِ والصبرِ على الأذى في سبيلِ اللهِ، كما كان الإمامُ أحمدُ يَلْهَجُ بها وسياطُ الجَلَّادِ تَنْهالُ على جسدِه السبعينيِّ في فتنةِ خلْقِ القرآنِ. وكانت تلك الكلمةُ زادًا لولاةِ العدلِ في الاستقواءِ بقوةِ اللهِ والقيامِ بأمرِه حين كانت نقشَ خاتمِهم، كما كان ختمُ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ -رضيَ اللهُ عنهما-. بل كان ذلك الذِّكرُ هِجِّيرى بعضِ العلماءِ في سكوتِهم، كما كان الضَّحاكُ بنُ مُزاحمٍ يُكثِرُ منها أثناءَ صمْتِه؛ طلبًا لثوابِها وفضلِها. قال مَعْديُّ بنُ سليمانَ: " كان عمرانُ القصيرُ يقولُ لنا: ‌يا ‌فِتْيَان، أكثروا من قولِ: " ‌لا ‌حولَ ‌ولا ‌قوةَ ‌إلَّا ‌باللهِ ". فكنّا نقولُها كثيرًا، فرأيتُ في المنامِ كأني في البَحْرِ على صَدْرِ سفينةٍ والأمواجُ ترفعُني وتَضعُني، فقلتُ للبحرِ: إنما أنا عبدٌ وأنت عبدٌ، فاجهدْ على جَهْدِك، فلما أصبحتُ لقيتُ محمدَ بنَ فَضاءٍ، فقصصتُ عليه الرؤيا، فقال: هذا رجلٌ يُكثرُ من قولِ: ‌لا ‌حولَ ‌ولا ‌قوةَ ‌إلَّا ‌باللهِ ". قال مكحولٌ: " من قالَ: (‌لا ‌حولَ ‌ولا ‌قوةَ ‌إلا ‌باللهِ، ولا منجا من اللهِ إلا إليه)؛ كشفَ اللهُ عنه سبعين بابًا من الضُّرِّ، أدناهُنَّ ‌الفقرُ".

 

عبادَ اللهِ!

إنَّ عِظمَ شأنِ هذا الذكرِ العظيمِ نابعٌ من عِظَمِ ما حَواه وأُتْرِعَ فيه من جُللِ معاني التوحيدِ؛ من إفرادِ اللهِ بالتدبيرِ والتعلقِ وحسنِ الظنِّ وكمالِ التوكلِ والثقةِ والتفويضِ والاستسلامِ، وإظهارِ العبدِ عجزَه وضعفَه وفقرَه، وتبرئه مِن حَوْلِه، ونفيه العُجْبَ عن نفْسِه، وقطْعِه الأملَ فيما عدا ربِّه؛ فهل مِثلُ هذا يَخذلُه أكرمُ الأكرمين؟! روى أبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " أَلَا أُعَلِّمُكَ - أَوْ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ - عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ؟ تَقُولُ: ‌لَا ‌حَوْلَ ‌وَلَا ‌قُوَّةَ ‌إِلَّا ‌بِاللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْلَمَ عَبْدِي ‌وَاسْتَسْلَمَ "؛ رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

 

قال ابنُ رجبٍ: " وَأَمَّا الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْخَلْقِ، فَلِأَنَّ الْعَبْدَ عَاجِزٌ عَنِ الِاسْتِقْلَالِ بِجَلْبِ مَصَالِحِهِ، وَدَفْعِ مَضَارِّهِ، وَلَا مُعِينَ لَهُ عَلَى مَصَالِحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إِلَّا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَمَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ، فَهُوَ الْمُعَانُ، وَمَنْ خَذَلَهُ فَهُوَ الْمَخْذُولُ، وَهَذَا تَحْقِيقُ مَعْنَى قَوْلِ: " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا تَحَوُّلَ لِلْعَبْدِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَلَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَهَذِهِ كَلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، فَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي فِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ، وَتَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورَاتِ كُلِّهَا فِي الدُّنْيَا وَعِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ مِنْ أَهْوَالِ الْبَرْزَخِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِعَانَةِ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَمَنْ حَقَّقَ الِاسْتِعَانَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَعَانَهُ ".

 

ومَن تَعَشَّمَ في الرحمَنِ أيَّدَهُ
وفي التَعَلُّقِ بالأشيَاءِ خُذْلانُ
فلْيَعلَمِ العَبدُ مَهما أحرَزَت يَدُهُ
سَعْيُ المُجِدِّ بِدُونِ اللّهِ خُسْرَانُ
فَالْجَأْ إليهِ ولا تَركَنْ إلى سَبَبٍ
لولا المُسَبِّبُ مَا كُنّا ولا كَانوا




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحوقلة (خطبة)
  • الحوقلة: مفهومها وفضائلها وأحكامها
  • الاستقواء بالحوقلة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • من كنوز آية الكرسي (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • من كنوز جريدة البصائر: المؤرخ محمد علي دبوز في ضيافة الأديب مصطفى صادق الرافعي رحمهما الله(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كنوز عظيمة غفل عنها كثيرون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من كنوز القرآن الكريم: قصة يوسف عليه السلام (وقفات - فوائد - لطائف)(محاضرة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • قلائد من كنوز السنة (1) احفظ الله يحفظك (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كنز من كنوز الجنة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كنوز الخيرات في الصلاة والسلام على خير البريات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق (النسخة 5)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تعلم القرآن وتعليمه خير من كنوز الدنيا(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/1/1447هـ - الساعة: 15:53
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب