• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

{وتضع كل ذات حمل حملها} زلزال تركيا وسوريا (خطبة)

{وتضع كل ذات حمل حملها} زلزال تركيا وسوريا (خطبة)
خميس النقيب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/3/2023 ميلادي - 13/8/1444 هجري

الزيارات: 6579

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

"وتضع كل ذات حمل حملها"

زلزال تركيا وسوريا

 

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، الحمد لله كتب على نفسه البقاء، وكتب على خلقه الفناء، وقدَّر ما كان قبل أن يكون في اللوح والقلم، وخلق آدم وجعل من نسله العرب والعجم، جعل الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء؛ ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17].

 

الحمد لله قامت بربها الأشياء، وسبَّحت بحمده الأرض والسماء، ولا زال الكون محكومًا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، فما من شيء إلا هو خالقه، ولا من رزق إلا هو رازقه، ولا من خير إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مدبره؛ ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2].

 

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدُالله ورسوله، اعتز بالله فأعزه، وانتصر بالله فنصره، وتوكل على الله فكفاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ويسر له أمره، ورفع له ذكره، وذلل له رقاب عدوه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليك يا رسول الله، وعلى أهلك وصحبك، ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد أيها المسلمون:

فعندما يكثر الظلم، وتطغى الذنوب، ويتفشى القتل، ويظهر الفساد، يسوق الله تعالى آيات التخويف، ويُنزِل سوء العقاب، على الذي فعلوه لعلهم يرجعون: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

 

آيات الله في أرضه: عباد الله: زلزال تركيا وسوريا ليس الأول، ولن يكون الأخير، لكنه خلَّف وراءه دروسًا كثيرة، وعبرًا عظيمة.

 

آيات الله تنزل على عباده ليزداد المؤمن إيمانًا، ويزداد المحسن إحسانًا، ويمسك المسيء عن إساءته، قبل أن يرحلوا من الدنيا إلى يوم لقائه؛ ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].

 

وآيات الله متنوعة، آيات قرآنية (كلامه)، وآيات تكوينية (أفعاله)، وآيات كونية (خلقه)، ومن خلقه آيات العقاب؛ من زلازل وبراكين وأعاصير وغيره.

 

آيات العقاب الكونية كانت كثيرة في الفترة الماضية القريبة، توالت آيات الغضب الإلهي (التخويف)؛ ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].

 

من تسوماني أمريكا واليابان، إلى كورونا الصين، إلى حرب أوكرانيا وروسيا، التي تذكرنا بحرب داحس والغبراء، ثم زلزال تركيا وسوريا، علاوة على ما يفعله اليهود بالفلسطينيين على مدار اليوم في الأرض المقدسة.

 

زلزال مدمر: أيها المسلمون: زلزال هزَّ تركيا وسوريا، بل هز العالم بأسره، شرقه وغربه، شماله وجنوبه، زلزل الصدور المؤمنة، والقلوب التقية، والنفوس الزكية، زلزال بلغت شدَّته سبع فاصل ثماني درجات على سُلَّم ريختر، فانقلبت الأرض، وتحركت المنازل، وانشطرت القرى، وكأننا أمام مشاهد حقيقية من يوم القيامة؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].

 

الوِلْدان تشيب، والمراضع تذهل، والحوامل تضع حملها، وهذا ما حدث، في زلزال تركيا وسوريا، كيف؟

 

﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾ [الحج: 2]: إخوة الإسلام: رجل من فرق الإنقاذ يهرول من خلف جرافة صفراء وهو يحمل الرضيعة عارية، إلا من طبقة من الغبار الممزوج بالدماء غطَّت جسدها الهزيل، الذي تدلى منه حبل السرة، ما هذا؟ إنها أم تضع وليدها تحت أنقاض الزلزال، كيف حدث هذا؟

 

في بلدة جنديرس في شمال سوريا انتشلوا رضيعة وُلِدت بأعجوبة تحت الرُّكام، وبقيت متصلة عبر الحبل السري بوالدتها التي قُتلت بعدما دمَّر الزلزال منزل العائلة.

 

أبصرت الصغيرة النورَ يتيمةً، بينما قُتل أفراد أسرتها جميعًا، والدها عبدالله المليحان، ووالدتها عفراء مع أشقائها الأربعة، إضافة إلى عمتها.

 

ومن عجائب القدر أنها سُمِّيَت "آية"؛ لتكون مِطْرقة على قلوب العصاة، وآيةً لأولئك الذين يسيرون في طريق الحق ألَّا يحيدوا وألَّا يبدِّلوا.

 

إنه مشهد يزلزل الأبدان، ويَفْجَع القلوب، أليست هذه امرأة تضع حملها؟ أليس ذلك زلزالًا شبيهًا بزلزال الآخرة مع الفارق؟ ماذا بقِيَ لنا حتى نعود إلى خالقنا؟ ماذا بقي لنا حتى نكف عن ظلم بعضنا بعضًا؟ ماذا تبقى من آيات حتى لا يأكل بعضنا بعضًا؟

 

الخير يكمن في الشر: في لحظات معدودات، عشرات المنازل هُدمت، وآلاف الناس قُتلوا، مئات البشر فُقدوا، ومليارات الدولارات تلاشت، تعداد من قضَوا تحت الأنقاض جاوز الأربعين ألفًا، إنها مصيبة كبرى، وفاجعة عظمى، لكن عزاءنا أن الذين قضَوا تحت الهدم شهداءُ عند ربهم، أحياءٌ يُرزقون، اتخذهم الله تعالى لقربه، واصطفاهم لجَنَّتِهِ نحسبهم كذلك؛ ﴿ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [آل عمران: 140]، ومن بقِيَ منهم على الأرض لجؤوا إلى الله واستغاثوا به، ودَعَوه أن يفرِّج همَّهم، ويكشف كربهم، ويجبر كسرهم، ويرحم أمواتهم، ويلهمهم الصبر والسلوان، وهكذا لعل الخير يكمن في الشر؛ فالذين قضوا ذهبوا لربهم شهداء، والذين بقوا فإن قلوبهم تعلقت بالله وحده، بعد أن توالت عليهم المحن، وحاصرتهم الخطوب، وخذلهم القريب، وسخِر منهم البعيد، لكنهم أعطَوا الأمة دروسًا في الإيمان والصبر، والثبات والرضا، دروسًا تسامت على آلاف المحاضرات، ومواقفَ تعالت على مئات الكتب، دروسًا ومواقفَ عملية ماثلة أمام أعين العالم الساهي، اللاهي، وفي وقت المحنة، وفي عمق الشدة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإنَّ الإيمانَ حين تقعُ الفتنُ بالشَّامِ))؛ [ابن عساكر]، نعم، هذا هو المكان الذي يزيد فيه الإيمان مع زيادة الابتلاء.

 

وعند الله تجتمع الخصوم: أيها المسلمون: قال أحد السوريين بعد وقوع الزلزال: كنا ننتظر أن تفتحوا المعابر، وتُهْرَعوا لتمدُّوا يد المساعدة لإنقاذ أبنائنا الذين يئنُّون تحت الأنقاض، ولكنَّكم تأخرتم حتى انقطع الأنين، أما الآن، فلدينا الوقت الكافي لننتشل جثث أبنائنا بعد أن قضوا تحت بيوتنا المهدَّمة، ثم أردف قائلًا: إلى ديَّان يوم الدين نمضي، وعند الله تجتمع الخصوم.

 

يا لها من كلمات تُدْمِي القلوب، وتبكي العيون، وتوقف كل مسؤول أمام مسؤوليته، وكل راعٍ أمام رعيته!

 

نِعَمُ الله تستوجب الشكر: إن صور الجثث الْمُنْتَشَلة من تحت الأنقاض، المنتشرة في كل مكان، يتفتَّت لها الحجر، ويشيب لها الولد، ويضطرب لها القلب، دمًا لا دمعًا تبكي لها العين.

 

أمهات وآباء قضوا نَحْبَهم، وأسلموا أرواحهم، وهم يحتضنون أبناءهم وفلذات أكبادهم، صور ومقاطع تزلزل الأرواح، وتقرع القلوب بحقيقة هذه الدنيا التي أنسَتْنا نِعَمَ الله التي بين أيدينا، حين نجتمع في بيوتنا، نأكل ونشرب، ومع صغارنا نضحك ونلعب، نعمة لم نقدرها حق قدرها.

 

صمود منقطع النظير: إن السوريين رغم الآلام هم صابرون صبرًا جميلًا، وصامدون صمودًا عجيبًا، لا يقوى عليه إلا أبطال صابرون، ورجال عمالقة، قدموا دماءهم، لكي تفيق الأمة من غفوتها، وتنهض من كبوتها، وتُقَال من عثرتها، لكن الأمة - للأسف - لا تزال في سُباتها، وها هم يعطوننا مع إخوانهم في تركيا في المحنة الأخيرة أروعَ الدروس، وأكثرها تحريكًا للقلوب وهزًّا للأرواح، وصحوة للضمائر، لعلنا نراجع أنفسنا وعلاقتنا بديننا وأمتنا.

 

دروس عبر الأثير: أيها المسلمون عباد الله: هذه دروس جاءتنا عبر الأثير لتأخذ بأيدينا إلى الحق، وترشدنا إلى العدل، وتبعث فينا الثقة بالله، والتمسك بدينه، والعمل على طاعته وعدم عصيانه.

 

أولًا: درس سطَّرته امرأة تركية لنساء وبنات المسلمين في العالم، حينما وصلت إليها فرق الإنقاذ فوجدتها على قيد الحياة، طلبوا منها أن تخرج، لكنها رفضت الخروج من تحت الأنقاض حتى يعطوها حجابًا تضعه على رأسها، إنها لا ترى في الحجاب قطعة من القماش تُوضَع على الرأس، لكنها تراه جزءًا من بدنها، وقطعة من روحها، فلله دَرُّها، قدمت درسًا يُكتَب بحروف من ذهب للمسلمات اللائي يتقلَّبْنَ في نِعَمِ الله، ومع ذلك يخرجن من بيوتهم متبرجات مائلات مُمِيلات، يرفضن الحجاب الشرعي، تجد المسلمة في أمن وعافية، في وسعها أن تلبس ما تشاء، لكنها تختار طريق الشيطان، تهتم بنظر المخلوقين، وتنسى نظر خالقها الذي وهبها الصحة والعافية.

 

ثانيًا: وهذا درس آخر قدَّمه شيخ سوري قضى أربعين ساعة تحت الأنقاض، وصلت إليه فرق الإنقاذ، وقبل أن يتم انتشاله من تحت الأنقاض، طلب الماء ليتوضأ في ذلك الجو البارد، حتى لا تفوته صلاة، فلما قالوا له: إنك معذور في وضع لا يسمح لك بالوضوء، ألحَّ على أن يحضروا له الماء كي يتوضأ، درس أبلغ من أي درس، وموقف أعظم من أي موقف، إنه يقدم للمسلمين الذين يستهينون بصلاتهم، ويؤْثِر الواحد منهم دفء الفراش على القيام بين يدي الله، ويتعلل بالبرد ليؤخر صلاته، وهناك من ينعمون بالأمن والأمان، ويتوفر لديهم الماء الدافئ في بيوتهم ومساجدهم، ومع ذلك يؤخرون الصلاة ولا يعبؤون بأوقاتها.

 

كيف تنهض أمة أهملت مساجدها وضيَّعت صلاتها؟ أليس النداء للصلاة يقول: حي على الفلاح؟ قال الحبيب صلى الله عليه وسلم في آخر عهده بهذه الدنيا: ((وجُعِلت قرة عيني في الصلاة))، فأي فلاح يأتينا إذا ضُيِّعت الصلاة؟

 

ثالثًا: هذه فتاة سورية صغيرة شجاعة، تحتضن شقيقها الصغير؛ لتحميه من آثار الزلزال المدمر، تحت أنقاض الزلزال تأخذه في حِضنها، وتُطَمْئِنه وتقول له: لن أتخلى عنك، لا تَخَفْ، لا تقلق، لن أتركك.

 

هذه صغيرة لكنها عظيمة بموقفها، كبيرة بشجاعتها، لم تُبْقِ شيئًا للكبار حتى يزدادوا يقينًا بالله، ورضاء بالقدر، وصبرًا على البلاء.

 

إنها تضرب مثلًا رائعًا في الأخوة والوفاء لصغيرها والحفاظ عليه، لا كما يقول التعساء: "إن وقع بيت أبيك، فَاجْرِ وخذْ منه قالبًا".

 

أو: "إن أتاك الطوفان، فضع ابنك تحت قدمك".

 

لا... لا... هذه طفلة بآلاف الرجال الحمقى حتى في أشد اللحظات تمتلك الشجاعة وتهديها أقرانها، ليتعلموا الدرس، ويعيشوا التطبيق.

 

رابعًا: درس آخر سطره تاجر تركي مسلم، يملك بقالة كبيرة للمواد الغذائية، حينما حصل الزلزال، فتح أبواب محله، ونادى في الناس ورفع لافتة كتب عليها: خذوا كل بضاعتي للمتضررين، ولا تتركوا منها شيئًا، كان في إمكانه أن يفعل كما يفعل مَن ملأت الدنيا قلوبهم ممن يستغلون الأزمات لرفع الأسعار، والاحتكار، وكسب مزيد من الأرباح، لكنه آثَرَ ما عند الله، نحسبه كذلك، لسان حاله: ﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 11]، ويثق في الله ويعلم أن ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96].

 

وهناك دروس أخرى كثيرة لا يمكن حصرها جاءت من عمق هذا الزلزال، لكن المهم ونحن نتابع المواقف المؤثرة من سوريا وتركيا؛ أن نستحضر قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

 

همُّ الأمة: عباد الله: إذا كنا في بلادنا الآمنة بالدنيا الفانية، فإن لله عبادًا في أرض الشام يحملون همًّا آخر يناطح السحاب، همهم أن يرضى عنهم ربهم، الواحد منهم يُبتلَى في ماله وأهله وكل ما يملك، فلا تسمعه إلا وهو يقول: الحمد لله، يثقون أن بيوت الحمد تُبنى لهم في جنات ونهر عند مليك مقتدر.

 

الامتحان: إن زلزال تركيا وسوريا نذير لنا نحن الذين نحظى بالأمن والأمان، والعافية وكفاية العيش؛ وصدق الله: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].

 

إنه ابتلاء لنا في الحياة، وامتحان لنا في الدنيا، هل نشعر بمصاب إخواننا المسلمين؟ هل نسارع لهم بأموالنا ودعواتنا؟ هل ننسى الحدود التي تفصلنا عنهم أمام رابطة الدين؟

 

الزلزال الأخير هز الأرض من تحت إخواننا في تركيا وسوريا، ويفترض أن يهز قلوبنا، ويردنا إلى ديننا، ويخرج الدنيا من قلوبنا، هذه الأراضي والمساكن التي يعادي بعضنا بعضًا لأجلها لن تدوم لنا، ولن ندوم عليها، إن سلمت لنا، فلن تدوم سلامتنا فيها، زلزال مفاجئ سيجعل مساكننا أنقاضًا وركامًا وأثرًا بعد عين.

 

الطمع يقل ما جمع: عكس التاجر التركي الذي حكينا عنه، أحد الناجين من الزلزال الأخير كتب يلخص حقيقة الدنيا، فقال: قبل أيام، طردني مالك البيت بعد أن طالبني بزيادة مجحفة في الإيجار، حدث الزلزال، الآن أنا ومالك البيت نتدفَّأ بنفس النار في خيمة الإيواء، يا له من درس! يا له من موقف!

 

الدنيا فانية: أحد الآباء في تركيا، كان آمنًا مطمئنًّا في بيته مع أهله وأبنائه، ضرب الزلزال بيته فجأة، بدأ البيت ينهار فوق رؤوس قاطنيه، أُغْمِيَ عليه، وعندما استفاق، وجد نفسه تحت الأنقاض، وأسرته كلها ماتت، وبيته انهار على كل ما يملك، نام وعنده كل شيء، وعندما استيقظ لم يجد شيئًا، مشهد عاشه الآلاف في تركيا وسوريا، ما كانوا قبل لحظة الزلزال يتوقعون أنه سيحصل لهم ما حصل، حتى إن أحد الناجين في سوريا جعل يبكي وينظر حوله، ويقول: يا رب أرجو أن يكون هذا حلمًا.

 

احذروا غضب السماء: أيها المسلمون: إن العالم المنشغل بالأكل والشرب، المهتم باللهو واللعب، المفتون بالضرب والحرب، المجبول على الدمار والخراب، العالم الذي يحاصر الشعوب المستضعفة، ويقهر الدول الفقيرة، ويتفرج على المكلومين المجروحين من الفقراء والمساكين في سوريا وغيرها ولا يكترث لهم، ولا يعبأ بهم، بين قتل وتشريد، بين تهديد ووعيد، بين تهجير وتجويع، إن هذا العالم البائس المتجبر يجلب لنفسه غضب السماء، فينزل عليهم في صورة آيات كونية من زلازل وغيرها، حتى يفيق ويستيقظ، فضلًا عن العذاب الأليم في الآخرة، وكأن الله يهيئ المكان والزمان لأمر عظيم يعلمه هو سبحانه، فهو لا يرضى لعباده الظلم، ولكن الناس أنفسهم يظلمون؛ ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].

 

وإن الفتن عندما تأتي تعُمُّ الطالح والصالح، الذي سكت عن الظلم ولو كان صالحًا يناله نفس العقاب، كيف؟ ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].

 

ماذا بعد؟ ينبغي لكل واحد منا أن يتذكر أن كل يوم يصحو فيه وهو في عافية، وأهله وأبناؤه حوله بخير حال، وبيته سليم دافئ في برد الشتاء، وعنده متاعه وطعامه - هو يوم يستحق أن يحمَدَ الله في صباحه بقلبه وجوانحه وعروقه قبل لسانه؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا استيقظ أحدكم، فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد عليَّ روحي، وأذِن لي بذكره)).

 

ينبغي لكل واحد منا وهو يرى ما حل بإخوانه، أن يستذكر بقلبه وعقله قول حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((من أصبح معافًى في بدنه، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها)).

 

اللهم استرنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • موعظة بين يدي زلزال تركيا وسوريا
  • زلزال تركيا وسوريا
  • لماذا يقدر الله حصول الشر؟ (زلزال تركيا وسوريا - 6 فبراير 2023 م)
  • وقفة مع أحداث زلزال المغرب وإعصار دانيال في ليبيا قراءة في شعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • زوجتي تلبس ضيقا وتضع المكياج(استشارة - الاستشارات)
  • القرائية تظلم الطلاقة وتضع ما ينتمي إليها تحت الفهم القرائي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مدة الحمل (أكثر مدة الحمل من القرآن)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ضابط: إذا تعذر حمل التوكيل على العموم حمل على المتعارف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدة الحمل والظلمات الثلاث(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لمحة عن الحمل على التوهم في النحو(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تركيا: زيادة الأسعار في الحج تضع الحجاج في موقف حرج(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أقل مدة للحمل وأكثرها(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • مسؤولية الزوج في مرحلة الحمل(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب