• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

لعلكم تتقون (خطبة)

لعلكم تتقون (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/2/2023 ميلادي - 24/7/1444 هجري

الزيارات: 16994

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لعلكم تتقون


الحمد لله مُدبِّر الليالي والأيام، ومصرف الشهور والأعوام، المنفرد بالكمال والتمام، الملك القدوس السلام، المتفرد بالعظمة والبقاء والدوام، المتنزه عن النقائص ومشابهة الأنام، يرى ما في بواطن العروق ودواخل العظام، ويسمع خفيَّ الصوت ولطيف الكلام، إله رحيم كثير الإنعام، ورب قدير شديد الانتقام، قدَّر الأمور فأجراها على أحسن نظام، وشرع الشرائع فأحكمها أيما إحكام، بقدرته تهب الرياح ويسير الغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالي والأيام، أحمده على جليل الصفات وجميل الإنعام، وأشكره شكر من طلب المزيد ورام.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا تحيط به العقول والأوهام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنام، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر السابق إلى الإسلام، وعلى عمرَ الذي إذا رآه الشيطان هام، وعلى عثمان الذي جهز بماله جيش العسرة وأقام، وعلى عليٍّ البحر الخضم والأسد الضرغام، وعلى سائر آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على الدوام، وسلم تسليمًا؛ أما بعـــــد:

قفي ها هنا في رحاب الهدى
ولله يا نفس فاستسلمي
أطلَّ على الناس شهر الصيا
م فبُشراك بالوافد المكرمِ
هلمِّي هلمي به نحتفي
ونعلن عن فرحة المقدمِ
أعيذك من نزغات الهوى
وفي موسم الخصب أن تحرمي
على عتبات الرضا والسلا
م أطيلي الوقوف ولا تسأمي
فإن جاد بالعفو رب السما
ء فحسبك ذلك من مغنمِ
وحسبك أنا عفَّرنا الجبيـ
ن لديه وفي حصنه نحتمي

 

تتسامى الأماني، ويمتد الشوق، وتشرئب الأرواح، وتتشوَّف النفوس، وتلهج الألسن، ويظل الانتظار هو السائد، والترقب هو الموقف، وعدُّ الأيام والليالي هو ديدن أرباب الحجا، وحديث مجالس العباد، وهزيج أصحاب الهمم، ومنطق سكان القمم؛ على حد قول قيس:

أعُد الليالي ليلةً بعد ليلة
وقد عشت دهرًا لا أعد اللياليا

***

إذا شكت من كلال السير أوعدها
روح القدوم فتحيا عند ميعاد

رمضان عبيرٌ يبهج النفوس التي أزكمتها ذنوب الخلوات، والتفريط في جنب الله في الجلوات، إنه عبير ينسخ روائح القسوة والدَّعَة والأثَرَة والجفاف.

 

إنه فرصة العمر السانحة، وموسِم البِضاعة الرابحة، وميزان الكفة الراجحة، ومع أنه قريب الوصول، لكنه سريع الأفول؛ فـ:

يا من يريد الفوز والأجرا
شعبان ولَّى يحمل البشرى
ويقول شهر الخير يتبعني
فتهيؤوا للنعمة الكبرى
يا رب بلغناه في سَعة
وسعادة تمحو بها العسرا
وامنن بتوفيق يؤهلنا
للفوز في الدنيا وفي الأخرى

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، إنها فريضة ضاربة في عمق الزمان، وممتدة على مدى التاريخ؛ قال الحسن: "نعم والله، لقد كُتب الصيام على كل أمة خلت كما كتبه علينا، شهرًا كاملًا، وأيامًا معدودات، عددًا معلومًا"[1]، ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

إنك لَتستشعر العمق الروحيَّ، والمدى التعبدي، والهدف الأسمى، والغاية العظمى للشهر الكريم، وتدرك أن عباداتنا ليست مجرد شعائر ظاهرة، وإنما العبرة في كل عبادة بالمقاصد والمعاني، قبل المظاهر والمباني، وما يريده الله تعالى من تشريعه للعبادة أبعدُ من مجرد الحركات والسكنات، أو الامتناع عن المباحات، أو ترك الملذات، فرمضان دورة إيمانية مكثفة، يتقلب المسلم فيها بين أنواع العبادات، ويتنقل في ميادين القربات، ومتى صحَّت النية، وحصل الوعي بمقاصد العبادة، وتم الأداء على الوجه الصحيح، أثمرت ثمرتها في النفس، وتحقق أثرها في الحياة: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]؛ لعلكم تصلون إلى الغاية التي شُرعت من أجلها العبادات؛ وهي التقوى، فالتقوى أعظم مقصد، وبلوغها أظهر حكمة، والتحقق بها أسمى هدف لتشريع الصيام.

 

ولو أجَلْتَ فكرك في ختام أول آيات الصيام: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وختام آخر آیات الصيام: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187]، لَبانَ لك جليل العناية بتحصيلها.

استمع يا بني من وعظ شيخ
عجم الدهر في السنين الخوالي
اتقِ الله ما استطعت وأحسن
إن تقوى الإله خير الخِلالِ

 

عباد الله، لما كتب الله الصيام علينا كما كتبه على الذين من قبلنا، كانت الغاية من ذلك هي التقوى، وأوصانا الله بالتقوى كما أوصى مَن قبلنا؛ لأن الصيام يورث هذه التقوى؛ فقال: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

فما أعظم أن يكون الإنسان تقيًّا! وما أكبره حين يستطيع أن يحصِّل مراد الله ووصيته للأولين والآخرين!

ولست أرى السعادة جمعَ مالٍ
ولكن التقيَّ هو السعيدُ
وتقوى الله خير الزاد ذُخرًا
وعند الله للأتقى مزيدُ

 

إن تقوى الله - يا عباد الله - نِعْمَ المراد، وزادها خير الزاد؛ ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

تزوَّد وما زادُ اللبيب سوى التقوى
عساك على الهول العظيم بها تقوى
فمن لم يعمر بالتقى جَدَثًا له
فمنزله في خلده منزل أوهى

 

وكما جعل الله هذه الأمة ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، فقد جعل التقوى لها خير لباس؛ ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].

وما لبِس الإنسان أبهى من التقى
وإن هو غالى في حِسان الملابس
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى
تجرد عريانًا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعةُ ربه
ولا خير فيمن كان لله عاصيا

 

كما جعل سبحانه معيار التفاضل بين الناس تقواه، وليس هنالك أبدًا معيار سواه؛ فقال جل في علاه: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

فما ضرَّ ذا التقوى تضاؤل نسبة
وما زال ذو التقوى أعز وأكرما
وما زالت التقوى تزيد على الغنى
إذا محض التقوى من العز مبسما

 

فليتقِ الرجل أن يصير عبدًا لجسده ولشهواته، وأن يعامل الناس على حساب الجسد فقط، فيرفرف بروحه بعيدًا بعيدًا عن عالم اللحم والحمأ المسنون، وثورة البطن والفم والفَرْجِ؛ كما يقول أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي رحمه الله[2].

 

قال ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102]: "أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفَر"[3].

 

وفي الترمذي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: ﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [المدثر: 56]، قال: ((قال الله عز وجل: أنا أهلٌ أن أُتَّقَى، فمن اتقاني فلم يجعل معي إلهًا، فأنا أهل أن أغفر له))[4].

 

قال طلق بن حبيب: "التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من نور الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله تخاف عقاب الله"[5].

 

وقال الإمام أحمد: "التقوى هي ترك ما تهوى لِما تخشى"[6].

 

وقيل: هي علم القلب بقرب الرب[7].

 

وقال علي رضي الله عنه: "التقوى ترك الإصرار على المعصية، وترك الاغترار بالطاعة"[8].

 

ولما سأل رجل أبا هريرة عن التقوى، قال: هل أخذت طريقًا ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى[9]؛ وأخذ ابن المعتز هذا المعنى فقال:

خلِّ الذنوب صغيرها
وكبيرها فهو التقى
واصنع كماشٍ فوق أرض
الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرةً إن
الجبال من الحصى[10]


وكتب رجل من السلف إلى أخ له: "أوصيك بتقوى الله؛ فإنها أكرم ما أسررتَ، وأزين ما أظهرتَ، وأفضل ما ادَّخرتَ، أعاننا الله وإياك عليها، وأوجب لنا ولك ثوابها"، وكتب رجل منهم إلى أخ له: "أوصيك – وأنفسنا - بالتقوى فإنها خير زاد الآخرة والأولى، واجعلها إلى كل خير سبيلك، ومن كل شر مهربك، فقد توكل الله عز وجل لأهلها بالنجاة مما يحذرون، والرزق من حيث لا يحتسبون"[11]؛ وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أسألك الهدى، والتُّقى، والعفاف، والغِنى))[12].

واتقِ الله فتقوى الله ما
جاوزت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقًا بطلًا
إنما من يتقي الله بطل

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي من استهداه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله ومرتضاه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن استنَّ بسنته واهتدى بهداه.

 

عباد الله، إن الصيام هو أعظم وقاية من النار؛ ولذا يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ((الصيام جُنَّة من النار، كجُنَّة أحدكم من القتال))[13]، أو قال: ((الصوم جنة من عذاب الله، كجنة أحدكم من القتال))[14]، عبدَالله:

جدِّد حياتك بالصيام
فبالصيام غذاء روحك
داوِ الذي تشكو بتقوى الله
تبرأ من جروحك
واغنم أويقات التجلي
في الطريق إلى نزوحك
اشحذ سموك من حياة
اللغو وادأب في طموحك
وارقَ الذرا ودع الثرى
طال المقام على سفوحك

 

إن الصيام مَدْرَجة إلى التقوى، فإذا انتظم الصائم في سلكها، وترقَّى في معارج المتقين، أورثه الله بُحْبُوحَةَ الجنة، وكيف لا يرث الجنة، وملاك الأمر كله في التقوى؟ بل هي أكثر ما يُدخِل الجنة؛ فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله، وحسن الخلق))[15]، فإذا أقام المسلم حدود الله في شهر الصيام، وأغلق أبواب المعاصي والآثام، وهجر الخطرات والنظرات، واللفظات والخطوات الحرام، أسعده الله كل سعادة، وغمر قلبه بالفرحة والأنس بطاعته، وأكرمه بمرضاته، ومنحه فيوضات خيراته وبركاته، فيا بشراه وقد اتقى، ويا فوزه وقد أعد له: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63].

عليك بتقوى الله في كل حالة
تجد نفعها يوم الحساب المطولِ
ألا إن تقوى الله خير بضاعة
وأفضل زاد الظاعن المتحملِ
ولا خير في طول الحياة وعيشها
إذ أنت منها بالتقى لم تزودِ

 

وصف عليٌّ رضي الله عنه المتقين قائلًا: "هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عن الحرام، ووقفوا أسماعهم على ما يُستفاد، عظم الخالق في أنفسهم فصغُر ما دونه في أعينهم، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسَرَتْهم ففدَوا أنفسهم منها، أما الليل فصافُّون أقدامهم، يرتلون قرآنهم، جاثون على الرُّكَبِ، يطلبون النجاة من العَطَبِ، لا يرضون من الأعمال الصالحة بالقليل، ولا يستكثرون منها الكثير، من ربهم وجِلون، ومن أعمالهم مشفقون، قريب أملهم، قليل زَلَلهم، الخير منهم مأمول، والشر منهم مأمون"[16].

وإذا بحثت عن التقيِّ وجدته
رجلًا يصدق قوله بفعالِ
وإذا اتقى الله امرؤ وأطاعه
فيداه بين مكارم ومعالي
وعلى التقيِّ إذا ترسخ في التُّقى
تاجان تاج سكينة وجمالِ
وإذا تناسبت الرجال فما أرى
نسبًا يكون كصالح الأعمالِ

 

عباد الله، وإذا كانت التقوى قد بلغت تلك الأهمية، وحازت هذه المرتبة، فيا ترى، ما عواقبها وثمارها؟

 

لقد جعل الله العاقبة والمحبة، والمعية والنجاة، والفوز والفلاح لأهلها؛ كما قال الله: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4]، ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 19]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72]، ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61]، ﴿ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 35]، ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الشعراء: 90]، ﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴾ [النحل: 30]، وإذا انتهت كل الوشائج، وتخرمت كل المعارف، وانصرمت كل الحبال، وانسدت كل السبل، وتقطعت كل العلائق يوم القيامة - تظل علائق المتقين كما هي: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67].

 

وتأمل هذا التكريم الإلهي، وهذه الحفاوة الربانية بالمتقين في ذلك الموقف؛ ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدً ﴾ [مريم: 85]، ﴿ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ﴾ [ص: 49 - 54]، ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55]، ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الدخان: 51 - 57].

 

عباد الله، رمضان دورة إيمانية مكثفة؛ فمن لم يتقِ الله فيه فلن يرتقي، ومن لم يتقدم يتقادم، ومن لم يقدم يحجم، ومن لم يتغير يتحير، ومن لم يتطور يتدهور، ومن لم يتجدد يتبدد.

 

اللهم اجعل التقوى لنا أربح بضاعة، ولا تجعلنا يا مولانا من أهل التفريط والإضاعة.

 

اللهم آنس وحشتنا بفواتح رحمتك، ومكِّن لحاجاتنا سلطان قدرتك، واملأ سقاء الآمال بقضائها، واعضُدْ عيشنا عن الهموم بجلائها.

 

اللهم بلغنا رمضان ونحن في أمن وإيمان، وسكينة واطمئنان، وارزقنا فيه البر والإحسان، يا كريم يا منَّان.



[1] تفسير ابن أبي حاتم (1/ 305).

[2] دروس الشيخ سيد حسين العفاني (16/ 2).

[3] مصنف ابن أبي شيبة (7/ 106).

[4] رواه الترمذي في سننه، باب ومن سورة المدثر (5/ 287)، وقال: حديث حسن غريب، ضعفه الألباني، ضعيف سنن الترمذي (ص432).

[5] الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 598).

[6] الرسالة القشيرية (2/ 381).

[7] جامع العلوم والحكم (ص162).

[8] تفسير الرازي (2/ 268).

[9] الزهد الكبير للبيهقي (ص350).

[10] جامع العلوم والحكم (ص160).

[11] جامع العلوم والحكم (ص161).

[12] رواه مسلم في صحيحه، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، باب التعوذ من شر ما عمِل ومن شر ما لم يعمل (4/ 2087).

[13] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، باب ما ذكر في فضل الصيام وثوابه (2/ 272)، ورواه أحمد في المسند (26/ 205)، وابن ماجه في سننه، باب ما جاء في فضل الصيام (1/ 525)، والنسائي، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة، في فضل الصائم (4/ 167)، وابن خزيمة في صحيحه، باب الاجتنان بالصوم من النار (3/ 193)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 578).

[14] رواه أحمد في مسنده، من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه (29/ 436)، والنسائي في سننه، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة، في فضل الصائم (4/ 167)، وابن خزيمة في صحيحه، باب ذكر الدليل على أن الأمر بصوم الثلاث من كل شهر أمر ندب لا أمر فرض (3/ 301)، صححه الألباني، صحيح وضعيف سنن النسائي (5/ 375).

[15] رواه الترمذي في سننه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب ما جاء في حسن الخلق (3/ 431)، ورواه ابن حبان في صحيحه، ذكر البيان بأن من أكثر ما يدخل الناس الجنة التقى وحسن الخلق (2/ 224)، ورواه الحاكم في المستدرك، كتاب الرقائق (4/ 360)، حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (3/ 51).

[16] التذكرة الحمدونية (1/ 63)، شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد (ص2877).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صوموا لعلكم تتقون
  • لعلكم تتقون
  • لعلكم تتقون
  • كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون (خطبة)
  • {ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (خطبة)
  • لعلكم تتقون (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لعلكم تتقون(مقالة - موقع د. أحمد البراء الأميري)
  • فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة البنغالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لعلكم تتفكرون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة الإندونيسية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب