• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

أداء الأمانة (خطبة)

أداء الأمانة (خطبة)
جمال علي يوسف فياض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/12/2022 ميلادي - 28/5/1444 هجري

الزيارات: 148342

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أداء الأمانة


الحمد لله رب العالمين، أمر بأداء الأمانة إلى أهلها، وعرضها على السموات والأرض والجبال فأبيْنَ أن يحملْنَها وأشفَقْنَ منها؛ لعظمها وخطورتها، وقَبِل الإنسان حَمْلَها، فمن حفظها ولم يُضيِّعْها نجا، ومَنْ خانَها فقد ظلم نفسه وغشَّها، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق الوعدِ الأمين، كفَر به المشركون عنادًا، ولم يشكُّوا أبدًا بصدقه وأمانته، أمنوه على ودائعهم مع حرْبهم له، ولم يخُنْهم، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهم إلى يوم الدين، وبعد:

عباد الله، أُوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله وطاعته، فقد أوصانا ربُّنا بها فقال جل جلاله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 69 - 71]، أما بعد:

 

فإن للأمانة شأنًا عظيمًا في ديننا، فلا يكون المؤمن مؤمنًا حقًّا إلا إذا كان أمينًا، فـ ((لا إيمانَ لمَنْ لا أمانةَ له، ولا دينَ لمَنْ لا عَهْدَ له)) [1]، فتعالوا بنا أيها الإخوة المباركون نتعرَّف على مفهوم الأمانة، ومكانتها في ديننا، وعاقبة من ضيَّعَها، وسوف ينتظم حديثي معكم تحت هذه العناصر الثلاثة:

أولًا: مفهوم الأمانة.

ثانيًا: فضل حفظ الأمانة وأداؤها.

ثالثًا: صور مضيئة في حفظ الأمانات.


وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه، وأن يجعل ذلك حُجَّةً لنا لا علينا.

 

أولًا: مفهوم الأمانة:

أيُّها الإخوة الكِرام، إن للأمانة مفهومًا واسعًا في ديننا؛ فهي لا تقتصر على حفظ ودائع الناس فحسب؛ بل هي كل ما ائتُمن عليه العبد من الحقوق سواء أكانت هذه الحقوق لله تعالى أم للعباد، وسواء أكانت فعليَّة أم قولية أم اعتقادية [2].

 

فالأمانة تشمل ما عُهِد إلى العبد حفظُه وأداؤه من حقوق الله تعالى، وكذلك حقوق الآدميين.

 

فقد قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي لله عنه: الْأَمَانَةُ أَدَاءُ الصلاة، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ، وَصِدْقُ الْحَدِيثِ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ، وَالْعَدْلُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْوَدَائِعُ، وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْإِنْسَانِ فَرْجَهُ، وَقَالَ: هَذِهِ أَمَانَةٌ اسْتَوْدَعْتُكَهَا، فَالْفَرْجُ أَمَانَةٌ، وَالْأُذُنُ أَمَانَةٌ، وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ، وَالْيَدُ أَمَانَةٌ، وَالرِّجْلُ أَمَانَةٌ، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ [3]، وقال أبَيُّ بن كعب رحمه الله: من الأمانة أن المرأة ائتُمنت على فرجها.

 

ومعنى أداء الأمانة إلى أهلها: توصيلها إلى أصحابها كما هي من غير بخس أو تطفيف أو تحريف أو غير ذلك[4].

 

فدلَّ ذلك على أن الأمانة أوسع مما نظُنُّ من قصْرها على ودائع الناس، فمَنْ فرَّط في صلاته فهو خائنٌ للأمانة، ومَنْ فرَّط في صوم رمضان فهو خائن للأمانة؛ بل ومن قصَّر في غُسْل الجنابة فقد خان الأمانة، فقد َقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ رحمه الله في ذِكْرِه بعض صور الأمانة: هُوَ الصَّوْمُ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَمَا يَخْفَى مِنَ الشَّرَائِعِ.

 

ومن طفَّفَ في المكيال والميزان أو غشَّ في بيعه وشرائه، فقد خان الأمانة، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَلَّا يَغِشَّ مُؤْمِنًا وَلَا مُعَاهَدًا فِي شَيْءٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، وكذلك أولادك أمانة فإن لم تُحسِن تربيتَهم ورعايتَهم فقد خُنْتَ الأمانة؛ لذلك حفظُ الأمانة وصيانتُها فَضْلٌ عظيمٌ.

 

ثانيًا: فضل حفظ الأمانة وأدائها:

أيُّها الكِرام، إن للأمانة في ديننا شأنًا خطيرًا، ووقعًا عظيمًا، فقد عرض الله تعالى حملها على السموات والأرض والجبال فأشفَقْنَ مِنْ حملها؛ لأنهن يعلمن عقوبة مَنْ فرَّط في حفظها وأدائها، فقد تلا الإمام الحسن البصري رحمه الله هذه الآية: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأحزاب: 72]، قال: عرضها على السبع الطباق الطرائق التي زينت بالنجوم، وحملة العرش العظيم، فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيت، وإن أسأتِ عُوقبتِ، قالت: لا، ثم عرضها على الأرضين السبع الشداد، التي شدت بالأوتاد، وذللت بالمهاد، قال: فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيت، وإن أسأتِ عُوقبتِ، قالت: لا، ثم عرضها على الجبال الشُّمِّ الشوامخ الصعاب الصلاب، قال: قيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عُوقبتِ، قالت: لا.

 

هل تصورتم - يا كرام - فظاعة الأمر وشدتَه، السموات على اتِّساعها والأرض على شدَّتِها ورسوخِها، والأرض على صلابتها لم تتحمَّل الأمانة.

 

وأما الإنسان، فقد قيل: إن الله تعالى قرَّب آدم عليه السلام، فقال له: أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ فقال عند ذلك آدم: ما لي عندك؟ قال: يا آدم، إن أحسنت وأطعْتَ ورعيتَ الأمانة، فلك عندي الكرامة والفضل وحسن الثواب في الجنة، وإن عصيت ولم ترعها حقَّ رعايتها وأسأت، فإني مُعذِّبُك ومُعاقِبُك وأنزلك النار، قال: رضيت يا رب، وتحمَّلها، فقال الله عز وجل: قد حملتكها، فذلك قوله: ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ [الأحزاب: 72] [5].

 

فمن ضيَّع الأمانة ولم يَصُنْها وأدَّاها كما اؤتمن عليها، فهو مُفرِّط بظلمه لنفسه، ومبالغ في الجهل.

 

♦ وحفظ الأمانة ورعايتها من صفات المؤمنين الصادقين، فقد قال تعالى بعد ذكر عدد من صفات المؤمنين الوارثين للفردوس الأعلى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]؛ أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا؛ بل يؤدُّونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آيةُ المنافِقِ ثلاث: إذا حدَّثَ كذب، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤتمِن خان)) [6].

 

♦ وأداء الأمانة سببٌ عظيمٌ لدخول الجنة؛ فعن أبي الدرداء: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمْسٌ مَنْ جاء بهِنَّ مع إيمان دخل الجنة، من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلًا، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسُه، وأدَّى الأمانة))، قالوا: يا أبا الدرداء، وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة))[7].

 

♦ بل ويضمن النبي صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حافظ على صفات حسنة منها أداء الأمانة؛ فعن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اضمنوا لي سِتًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم))[8] .

 

♦ والمؤمن الحقُّ هو من يأمنه الناس، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون مِن لسانِه ويدِه، والمؤمِنُ مَن أمنه الناس على دمائهم وأموالهم))[9].

 

♦ وتضييع الأمانة وخيانتها من علامة النفاق؛ فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وَعَد أخلف، وإذا اؤتمِن خان))[10].

 

♦ وتضييع الأمانة من علامات قُرْب قيام الساعة؛ فعن أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يُحدِّث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّث، فقال بعض القوم: سمِعَ ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: ((أين- أراه - السائل عن الساعة))، قال: ها أنا يا رسول الله، قال: ((فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة))، قال: كيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهلِه فانتظر الساعة))[11].

 

♦ بل وصل الأمر بعظم حق الأمانة أن الشهادة في سبيل الله تعالى تُكفِّر بها كل شيء إلا الأمانة، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا أَوْ قَالَ: يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْأَمَانَةَ))، قَالَ: ((يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَيْهَا، فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرِهَا، فَيَجِدُهَا كَهَيْئَتِهَا، فَيَأْخُذُهَا، فَيَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ بِهَا زَلَّتْ فَهَوَتْ، وَهُوَ فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْوُضُوءِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ))، قَالَ: فَلَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَخُوكَ عَبْدُاللَّهِ؟ فَقَالَ: صَدَقَ [12].

 

فالله الله في الأمانة، وفي الحفاظ عليها وأدائها إلى أصحابها، ولنحذر من خيانتها أو التفريط فيها؛ فإن عاقبة ذلك وخيمة، عافانا الله وإيَّاكم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فهذه بعض الصور المضيئة في حفظ الأمانة من سيرة سلفنا الصالح.

 

ثالثًا: صور مضيئة في حفظ الأمانات:

ففي سِيَر سلفنا الصالح صور مضيئة في حفظ الأمانة، وعدم التفريط فيها، نذكر بعضها لتكون لنا عبرةً وأسوةً حسنةً نأتسي ونعتبر بها.

 

♦ وأول ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بلغ من صدقه وأمانته أن لقَّبَه المشركون قبل البعثة بالصادق الأمين؛ ولذلك كانوا يحفظون أماناتهم عنده، ويحفظها لهم مع عدائهم له، ومن المواقف التي لا تُنْسى أبدًا موقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، فقد ذكر الإمام محمد بن إسحاق في غزوة الفتح، عن صفية بنت شيبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأنَّ الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعًا على راحلته، يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له، فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف (أي: استكن) له الناس في المسجد.

 

قال ابن إسحاق رحمه الله: فحدَّثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة، فقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى، فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج)).

 

وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، إلى أن قال: ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أين عثمان بن طلحة؟))، فدعي له، فقال له: ((هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم وفاء وبِرٍّ)) [13].

 

♦ ومن صور حفظ الأمانة والعهد ما قصه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبر الرجلين من بني إسرائيل وحفظهما للأمانة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلًا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مُسمَّى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبًا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانًا ألف دينار، فسألني كفيلًا، فقلت: كفى بالله كفيلًا، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له، فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليَّ بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدَّى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدًا)) [14]، ومن جميل الأمر أن قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي لله عنه: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبر مِرَاؤُنَا وَلَغَطُنَا أَيُّهُمَا آمَنُ.

 

♦ وكذلك من عجيب ما جرى من حفظ الأمانة هذه القصة العجيبة وهي لرجلين أيضًا من بني إسرائيل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال: الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدَّقا)) [15].

 

فانظر - رعاك الله -كيف يتدافعان جرة من ذهب، كل منهما يأبى أن يأخذها ويدفعها للآخر، ما الذي حملهما على ذلك؟! إنه الخوف من الله تعالى، خوف يمنعهم من خيانة الأمانة، خوف يمنعهم من أكل الحرام.

 

فأين هذا الخوف ممَّن يُفرِّط في حقوق الله تعالى؟ يُفرِّط في فرائض الله، من الصلاة والصيام وغيرها، أين ذلك الخوف ممَّن يُضيِّع حقوق الناس، ويأكلها بالباطل؟! ألا فليعلم أنه سيؤدِّيها يومًا ما، يوم لا يُظلَم أحَدٌ فيه شيئًا، يوم تُؤدَّى فيه الحقوق إلى أهلها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لتؤدُّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقادَ للشاة الجلحاء، من الشاة القرناء)) [16]، والشاة الجلحاء: هي الجماء التي لا قرن لها.

 

فإياك - أخي الكريم - والخيانة، إذا خانك صاحبك، فلا تقابله بجزاء خيانته، ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُنْ مَن خانك)) [17].

 

أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين؛ لا من الخائنين، ولا المنافقين، وأسأله سبحانه أن يحفظنا وبلادنا من كل مكروه وسوء، وأن يغفر لنا وللمسلمين والمسلمات؛ الأحياء منهم والأموات، وصَلِّ اللهُمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] أخرجه أحمد، ح 12383، وهو حديث حسن.

[2] التفسير الوسيط: 3/ 188.

[3] تفسير البغوي: 3/ 668.

[4] التفسير الوسيط: 3/ 188.

[5] تفسير القرآن العظيم: 6/ 490.

[6] المصدر السابق: 5/ 463.

[7] أخرجه أبو داود، ح 429، وصحَّحَه الألباني (صحيح أبي داود 429).

[8] أخرجه أحمد في مسنده، ح 22756، وهو حديث حسن.

[9] أخرجه الترمذي، ح 2627، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

[10] أخرجه البخاري، ح 33، ومسلم، ح 59.

[11] أخرجه البخاري، ح 59.

[12] أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، ح 160، وجود إسناده الحافظ ابن كثير رحمه الله.

[13] السيرة النبوية لابن هشام: 3 /413.

[14] أخرجه البخاري، ح 2291.

[15] أخرجه البخاري، ح 3472، ومسلم، ح 1721.

[16] أخرجه مسلم، ح 2582.

[17] أخرجه أبو داود، ح 3534، وهو حديث حسن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أداء الأمانة
  • أداء الأمانة مفتاح الرزق (خطبة)
  • أداء الأمانة والوفاء بالعهود في الحروب النبوية
  • الحرص والاهتمام بأداء الأمانة
  • الأمانة والتحذير من الفساد بالمال العام
  • لا يحملنك الضجر من اليتيمِ على التخلي عن الأمانة
  • إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: خلق الأمانة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن فضل الأمانة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أداء الأمانة فرقان بين الأحياء والأموات وبين المحسنين والمخسرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وجوب أداء الأمانة والتحذير من الخيانة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صور من أداء الأمانة في حياة السلف الصالح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمانة: شرف أدائها، وخطر خيانتها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • مكانة الأمانة والحث على أدائها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمانة وأداء الحقوق إلى أهلها(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسؤوليتنا في أخذ لقاح الإنفلونزا الموسمية وحفظ الأمانة الصحية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
آدم صالح - السودان 13-11-2024 12:28 PM

إن الحمد لله نحمده ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وصلى الله على النبي المجتبى وآله وأصحابه الأخيار وسلم تسليما كثيرا. وفقكم الله في نشر العلم والمعرفة وزين لكم أعمالكم في الدارين لقد استفدنا منكم كثيرا وما زلنا.. وفقنا الله وإياكم.

1- شكر وتشجيع
كوني داود - ساحل العاج 18-08-2023 02:05 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أهل الخير والسعادة.
بسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
أخوكم في الله كوني داود من ساحل العاج أنا أتابع خطبكم منذ السنة الماضية أستفيد منها كثيرا وددت أن أشكركم على جهودكم الكبيرة فأقول:
جزاكم الله خيرا وزادكم تقوى وشرفا وعمرا وأحسن الله أسأل الله أن لا يضيع إحسانكم.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب