• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    تفسير سورة المسد
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

هل الدعاء على الظالم فضيلة؟ (خطبة)

هل الدعاء على الظالم فضيلة؟ (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/12/2022 ميلادي - 17/5/1444 هجري

الزيارات: 8722

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل الدعاء على الظالم فضيلة؟

 

الحمد لله بيده مفاتيح الفرج، شرع الشرائع وأحكم الأحكام وما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قامت على وحدانيته البراهين والحجج، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُالله ورسوله، هو المفدَّى بالقلوب والمُهَج، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ساروا على أقوم طريق وأعدل منهج، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن من اتقى الله وقاه، ومن استكفى به كفاه.

 

عباد الله، لقد حرَّم الله الظلم وتوعَّد عليه، وأمر عباده بالدعاء ووعدهم الإجابة، فهل الأفضل للمظلوم الدعاء على الظالم أم لا؟

 

والجواب: يستحب الدعاء للظالم بالهداية والمغفرة، مع قطع شره عن نفسه وعن الناس، وهذا أفضل من الدعاء عليه، وإن كان ذلك جائزًا؛ لأنه مِن طلب الاقتصاص الذي هو من فروع العدل، أما العفو فمن فروع الإحسان، وهو أفضل وأكمل؛ وربنا جل وعز يقول: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237]، ويقول: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]، ويقول: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، فليس من سِيما المؤمنين شفاء صدورهم لأجل دنيا، بل لأجل الدين؛ كما قال تعالى في نصره لدينه: ﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ﴾ [التوبة: 14، 15].

 

والدعاء انتقام، ونبي الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط؛ قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم قط لنفسه، إلا أن تُنتهك محارم الله، فإذا انتُهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله))[1]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((قدم الطفيل وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إن دوسًا قد كفرت وأبت فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، فقال: اللهم اهدِ دوسًا وائتِ بهم))[2]، والإمام أحمد رحمه الله لما قيل له في الدعاء على ظالمه أجاب: "وما ينفعك أن يعذب الله أحدًا بسببك"، فالمؤمن لا يتشفى للدنيا، بل ينصح لكل المؤمنين ويعفو عنهم إن كان في عفوه إصلاح، ويدعو بكفِّ شر الظالم عن نفسه وعن الناس؛ قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والناس أربعة؛ منهم من ينتصر لنفسه ولربه، وهو الذي فيه دين وغضب لله، ومنهم من لا ينتصر لنفسه ولا لربه، وهو الذي فيه جبن وضعف دين، ومنهم من ينتقم لنفسه لا لربه، وهو شر الأقسام، وأما الكامل فهو الذي ينتصر لحق الله ويعفو عن حق نفسه عند المقدرة"[3]، وقال في الصبر على أذى الناس وترك الانتقام منهم: "فهذا النوع يصعب الصبر عليه جدًّا؛ لأن النفس تستشعر المؤذي لها، وهي تكره الغلبة، فتطلب الانتقام، فلا يصبر على هذا النوع إلا الأنبياء والصديقون".

 

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أُوذيَ يقول: ((يرحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر))[4]، وأخبر عن نبي من الأنبياء أنه ضربه قومه، فجعل يقول: ((اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون))[5]، وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه جرى له مثل هذا مع قومه، فجعل يقول مثل ذلك[6]، فجمع في هذا ثلاثة أمور: العفو عنهم، والاستغفار لهم، والاعتذار عنهم بأنهم لا يعلمون.

 

وهذا النوع من الصبر عاقبته النصر والهدى والسرور والأمن، والقوة في ذات الله، وزيادة محبة الله ومحبة الناس له، وزيادة العلم؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].

 

ويعين العبد على هذا الصبر عدة أشياء:

أحدها: أن يشهد أن الله سبحانه وتعالى خالق أفعال العباد؛ حركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فما شاء الله كان، ومالم يشأ لم يكن، فلا يتحرك في العالم العلوي والسفلي ذرة إلا بإذنه ومشيئته، فالعباد آلة، فانظر إلى الذي سلطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك، تسترحْ من الهمِّ والغم.

 

الثاني: أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلطهم عليه بذنبه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتغل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه بسببها عن ذمِّهم ولومهم والوقيعة فيهم.

 

وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذَوه، ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبة حقيقية، وإذا تاب واستغفر وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمةً؛ ورُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة"[7].

 

الثالث: أن يشهد العبد حسن الثواب الذي وعده الله لمن عفا وصبر؛ كما قال تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]، ولما كان الناس عند مقابلة الأذى ثلاثة أقسام: ظالم يأخذ فوق حقه، ومقتصد يأخذ بقدر حقه، ومحسن يعفو ويترك حقه، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية، فأولها للمقتصدين، ووسطها للسابقين، وآخرها للظالمين.

 

ويشهد نداء المنادي يوم القيامة: "ألَا ليقُمْ من وجب أجره على الله"[8].

 

الرابع: أن يشهد أنه إذا عفا وأحسن، أورثه ذلك من سلامة القلب لإخوانه، ونقائه من الغش والغل وطلب الانتقام وإرادة الشر[9]، وحصل له من حلاوة العفو ما يزيد لذته ومنفعته عاجلًا وآجلًا، على المنفعة الحاصلة له بالانتقام أضعافًا مضاعفةً؛ ويدخل في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

 

الخامس: أن يعلم أنه ما انتقم أحد قط لنفسه إلا أورثه ذلك ذلًّا يجده في نفسه، فإذا عفا أعزه الله تعالى، وهذا مما أخبر به الصادق المصدوق؛ حيث يقول: ((ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا))[10].

 

السادس: وهي من أعظم الفوائد: أن يشهد أن الجزاء من جنس العمل، وأنه نفسه ظالم مذنب، وأن من عفا عن الناس عفا الله عنه، ومن غفر لهم غفر الله له، فإذا شهد أن عفوه عنهم وصفحه وإحسانه مع إساءتهم إليه سبب لأن يجزيه الله كذلك من جنس عمله، فيعفو عنه ويصفح، ويحسن إليه على ذنوبه، ويسهل عليه عفوه وصبره، ويكفي العاقل هذه الفائدة.

 

السابع: أن يعلم أنه إذا اشتغلت نفسه بالانتقام وطلب المقابلة، ضاع عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من مصالحه ما لا يمكن استدراكه، ولعل هذا أعظم عليه من المصيبة التي نالته من جهتهم، فإذا عفا وصفح، فرغ قلبه وجسمه لمصالحه التي هي أهم عنده من الانتقام.

 

الثامن: أن انتقامه واستيفاءه وانتصاره لنفسه، ورسول الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط.

 

التاسع: إن أُوذي على ما فعله لله، أو على ما أُمر به من طاعته ونُهيَ عنه من معصيته، وجب عليه الصبر، ولم يكن له الانتقام، فإنه قد أُوذي في الله فأجره على الله[11]؛ ولهذا لما كان المجاهدون في سبيل الله ذهبت دماؤهم وأموالهم في الله لم تكن مضمونةً، فإن الله اشترى منهم أنفسهم وأموالهم، فالثمن على الله لا على الخلق، فمن طلب الثمن منهم، لم يكن له على الله ثمن، فإنه من كان في الله تَلَفُهُ، كان على الله خلفه.

 

العاشر: أن يشهد معية الله معه إذا صبر، ومحبة الله له إذا صبر ورضاه، ومن كان الله معه، دفع عنه أنواع الأذى والمضرات ما لا يدفعه عنه أحد من خلقه؛ قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].

 

الحادي عشر: أن يشهد أن الصبر نصف الإيمان، فلا يبدل من إيمانه جزاء في نصرة نفسه، فإذا صبر فقد أحرز إيمانه، وصانه من النقص، والله يدافع عن الذين آمنوا.

 

الثاني عشر: أن يشهد أن صبره حكم منه على نفسه، وقهر لها، وغلبة لها، فمتى كانت النفس مقهورةً معه مغلوبةً، لم تطمع في استرقاقه وأسره وإلقائه في المهالك.

 

الثالث عشر: أن يعلم أنه إن صبر فالله ناصره ولا بد، فالله وكيل من صبر، وأحال ظالمه على الله، ومن انتصر لنفسه وكله الله إلى نفسه، فكان هو الناصر لها.

 

الرابع عشر: أن صبره على من آذاه واحتماله له يوجب رجوع خصمه عن ظلمه، وندامته واعتذاره، ولوم الناس له، فيعود بعد إيذائه له مستحييًا منه نادمًا على ما فعله، بل يصير مواليًا له؛ وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].

 

الخامس عشر: ربما كان انتقامه ومقابلته سببًا لزيادة شر خصمه.

 

السادس عشر: أن من اعتاد الانتقام ولم يصبر لا بد أن يقع في الظلم، فإن النفس لا تقتصر على قدر العدل الواجب لها.

 

السابع عشر: أن هذه المظلمة التي ظُلِمها هي سبب إما لتكفير سيئته، أو رفع درجته، فإذا انتقم ولم يصبر لم تكن مكفرةً لسيئته ولا رافعةً لدرجته.

 

الثامن عشر: أن عفوه وصبره من أكبر الجند له على خصمه، فإن من صبر وعفا، كان صبره وعفوه موجبًا لذل عدوه وخوفه وخشيته منه ومن الناس.

 

التاسع عشر: أنه إذا عفا عن خصمه استشعرت نفس خصمه أنه فوقه، وأنه قد ربح عليه، فلا يزال يرى نفسه دونه.

 

العشرون: أنه إذا عفا وصفح كانت هذه حسنةً، فتولد له حسنةً أخرى، وتلك الأخرى تولد له أخرى، وهلم جرًّا، فلا تزال حسناته في مزيد[12].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وارحموا عباد الرحمن يرحمكم الرحمن.

 

واملأ فؤادك رحمة لذوي الأسى
لا يرحم الرحمن من لا يرحمُ

 

ومن عجائب شيخ الإسلام ابن تيمية التي تدل على سمو أخلاقه العالية وسلامة صدره ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله؛ من أن شيخ الإسلام ترصَّد له أحد أعدائه على الطريق، ومعه جماعة من أصحابه، وضربوا شيخ الإسلام ضربًا شديدًا حتى طرحوه على الأرض، ثم هربوا، فاجتمع كثير من محبيه بعدها ومعهم الجند، وطلبوا من شيخ الإسلام أن يأذن لهم بالانتقام من ابن البكري، فرفض شيخ الإسلام وقال لهم: "إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله؛ فإن كان لي فهو في حل، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني وافعلوا ما شئتم، وإن كان لله، فالله يأخذ حقه كيف شاء متى شاء"، وهذا معنى بديع، وقصد شريف، ونباهة نادرة لهذا الإمام، وبخاصة في هذا المقام؛ ذلك أن النفوس تضعف عند فوران قدر الغضب، والحكمة تعزُب حين عصف سوء الظن بالناس، لكنهم لم يكترثوا لكلامه وسعوا في طلب ابن البكري في كل مكان، وضيَّقوا عليه حتى لم يجد مكانًا يختبئ فيه إلا بيت شيخ الإسلام، فآواه شيخ الإسلام وخبأه، وشفع له عند السلطان؛ فعفا عنه السلطان[13].

 

وقال رحمه الله تعالى: "إني قد أحللت كل واحد مما كان بيني وبينه إلا من كان عدوًّا لله ورسوله"[14]، وكان خصومه يقولون بعد ذلك: "ما رأينا أتقى من ابن تيمية، لم نُبقِ ممكنًا في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا"[15]، وقال ابن القيم رحمه الله: "كان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم، وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسُرُّوا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه"[16]، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

وأحسن الناس من للناس أنفعهم
وأسوأ الناس زهَّاد بذي رحمِ
وأصدق الصحب من في العسر تبصره
وأكذب الصحب من في الضيق عنك عمِ

 

عباد الله، ومن نماذج حسن الظن الجميل في الناس ما نقله الماوردي رحمه الله تعالى[17] عن بنت عبدالله بن مطيع أنها قالت لزوجها طلحة بن عبدالرحمن بن عوف الزهري، وكان أجود قريش في زمانه: ما رأيت قومًا ألأم من إخوانك، قال: مه، ولم ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، قال: هذا والله من كرمهم، يأتوننا في حال القوة بنا عليهم، ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم، فانظر كيف تأول بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فعلهم حسنًا، وظاهر غدرهم وفاءً، وهذا محض الكرم ولباب الفضل، وبمثل هذا يلتزم ذوو الفضل أن يتأولوا الهفوات من إخوانهم.

 

اللهم صل على محمد...



[1] البخاري (6853)، ومسلم (2327).

[2] مسلم (2524).

[3] مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية (1/ 325).

[4] البخاري (3150، 3405)، ومسلم (1062).

[5] البخاري (3477، 6929)، ومسلم (1792).

[6] الطبراني عن سهل بن سعد، كما في مجمع الزوائد (6/117)، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

[7] أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (26/ 359) من دعاء العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه حينما استسقوا به في عام الرمادة، بلفظ: ((اللهم إنه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنب، ولم يُكشَف إلا بتوبة ...))؛ وإسناده ضعيف جدًّا.

[8] ابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهما، عن ابن عباس وأنس؛ [انظر: الدر المنثور (7/ 359) عن: محقق جامع المسائل].

[9] ذكر أبو يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 196) أنَّ رجلًا جاء إلى الإمام أحمد فقال له: نكتبُ عن فلان؟ ‏فقال: إذا لم تكتب عنه فعمَّن يكون ذلك؟! قالها مرارًا، ‏فقال له الرجل: إنه يتكلَّم فيك، ‏فقال الإمام أحمد: رجلٌ صالح، ابتُلي فينا، فماذا نعمل؟

[10] مسلم (2588).

[11] وهذا ملحظٌ عظيم جدًّا، حريٌّ بكل داعٍ إلى سبيل ربه أن يتأمله ويحويه في صدره، فسبيل الأنبياء وأتباعهم مليء بأذى الناس الذين يعادون ويصاولون عن شهواتهم المحرمة من أراد حجزهم عنها لمرضاة الله تعالى؛ كما قال جل وعز: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112]، وقال سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 31]، والمقصود أن من أوقف نفسه لله فلا يُشرع له الانتقام لنفسه إن أُوذي من أجل الله، فهو لله وبالله وإلى الله، وفي سبيل الله، وضامن على الله، وأجره على الله.

[12] جامع المسائل لابن تيمية، تحقيق عزير شمس (1/ 168- 174) بتصرف يسير.

[13] انظر: البداية والنهاية (14/ 76)، وذيل طبقات الحنابلة (2/ 400)، والعقود الدرية (ص: 286)، والكواكب الدرية (ص: 139)، وفي ذكره لخبر إصلاحه بين الحنابلة والأشعرية، مجموع الفتاوى (3/ 227).

[14] الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية (ص: 82).

[15] العقود الدرية (ص: 298).

[16] مدارج السالكين (2/ 345).

[17] أدب الدنيا والدين (1/ 180).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)
  • تفسير: (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين)
  • تفسير: (قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين)
  • تفسير: (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون)
  • دعاء المظلوم وعقوبة الظالم
  • تحريم معاونة الظالم في ظلمه
  • بين الظالم والمظلوم (خطبة)
  • خطورة الدعاء على النفس والأهل والمال والولد

مختارات من الشبكة

  • الدعاء فضائل وآداب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا تتأخر إجابة الدعاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعاء المستجاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بعد أذكار الصلاة يعمد كل فردا إلى الدعاء (الدعاء الجماعي في ادبار الصلاة)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • من أسباب إجابة الدعاء: الدعاء بأسماء الله الحسنى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحقيق الرجاء بمختار الدعاء: مختصر كتاب الدعاء للإمام الحافظ الطبراني - بدون حواشي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تحقيق الرجاء بمختار الدعاء: مختصر كتاب الدعاء للإمام الحافظ الطبراني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الدعاء عدة المؤمن: آداب الدعاء - أسباب وموانع الإجابة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • رمضان المبادرة .. الدعاء الدعاء(مقالة - ملفات خاصة)
  • حكم الدعاء في الركوع(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب