• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

وتواصوا بالصبر: في رحاب سورة العصر (4) (خطبة)

وتواصوا بالصبر: في رحاب سورة العصر (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/11/2022 ميلادي - 19/4/1444 هجري

الزيارات: 15202

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وتواصوا بالصبر

في رحاب سورة العصر(4)

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، له الحَمْدُ الدَّائِمُ السَّرْمَدُ، حَمْدًا لا يُحْصِيهِ العَدَدُ، وَلا يَقْطَعُهُ الأَبَدُ، وَكَمَا يَنْبَغِي لَهُ جل جلاله أَنْ يُحْمَدَ، وأَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحقُّ من ذُكِر، وأحقُّ من عُبِد، وأحقُّ من حُـمِد، وأولى من شُكِر، وأنصـرُ من ابتُغِي، وأرأف من ملَكَ، وأجود من سُئِل، وأوسع من أعطى، وأعفى من قَدَر، وأكرم من قُصِد.

 

كلماتُ شعري في عُلاك صَلاة
أنت الذي سجدتْ له الكلماتُ
يا من يشقُّ الصخرَ عن ريحانةٍ
فإذا الجمادُ حدائقٌ ونباتُ
أنَّى نظرتُ تراك عينُ بصيرتي
نورًا له آفاقُنا مِشكاةُ
أنا لهفةٌ حرَّى إليك فخافِقي
متوقِدٌ ومشاعري جمراتُ
أنا سجدةٌ لك منذ ميلادي وفي
قبري ستسجدُ أعظمي النَّخِراتُ

 

وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أولُ النَّاس خُرُوجًا إِذا بُعِثُوا، وخطيبُ الْخَلَائق إِذا وفَدوا، ومُبَشِّرُ الْقَوْم إِذا يأسوا، الْأَنْبِيَاءُ قد سكتُوا لِنُطْقِه، والأملاكُ قد اعْتَرَفُوا بِحقِّهِ، وَكَلَام غَيرِه قبل قَوْلِه لَا ينفع، وَجَوَاب الحبيب لَهُ: قُل تُسمعْ، فسبحان من فَضَّ لَهُ من الْفَضَائِل مَا فَضَّله، وأكسبه من حُلَل الْفَخر الجمِّ مَا جَمَّلَه، جمَع الله بَيْننَا وَبَينه فِي جنَّتِه، وَأَحْيَانا على الكِتَاب وسُنَّتِه.

 

يا نبيَّ الهدى ويا خير صوتٍ
حين يتلى متيمًا للحداةِ
يا محبًّا تعلم الحبَّ منه
ثم آتي ثماره الناضجاتِ
ما رأينا في دفتر المجدِ أسْمَى
منك حبًّا برغم كيد الوشاةِ
صغت للدهر قصَّةً من نضالٍ
وفعالٍ أبيَّةٍ ذائعاتِ
وحروفٍ منسوجةٍ من ضياءٍ
ما توارى عن شاشة الذاكراتِ
لو رميتم مفاتِح الأرض عندي
وأتيتم بالشمسِ والمقمراتِ
ليس في شرعة الهوى من نكوصٍ
وعهودٍ مأجورةٍ مشتراةِ
والأمور الصعاب تبدو لعيني
في رِضا مَن أحبُّه هيِّناتِ
فإذا أظلم الدُّجَى قام يدعو
ويُناجي بأدْمُعٍ واجفاتِ
يا إلهي إن كنتَ راضٍ فإني
لا أُبالي بما أتو من أذاتِ

 

اللهم فصلِّ وسلِّم وبارك عليه.

 

ما قطعتْ شمسُ النهار أبرُجا
وسطَع البدرُ المنيرُ في الدُّجى
وآلِه وصحبِه ومن سلكْ
سبيلهم ما دار نجمٌ في فلكْ

 

عباد الله، ومع الدرس الرابع من دروس سورة العصر، ومع قوله جل في علاه: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].

 

لمَّا كان الإيمانُ والعملُ الصالحُ والتواصي بالحق، كلُّ ذلك لا يقوم ولا يستقيم إلا بالصبر؛ جاء التأكيد على صفة التواصي بالصبر، وأنها من صفات الناجين من الخسران، ولم يكن من صفاتهم أنهم صابرون فحسب؛ بل زادوا على ذلك بأن كانوا يتواصون بالصبر، ويحض بعضهم بعضًا عليه، وفي قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3] معنى الاجتماع والتناصح والترابط، كما أن فيه الدلالةَ على أن القيام بتكاليف الإيمان والعمل الصالح والثبات على الحق؛ أمرٌ شاق محتاج إلى الصبر والمصابرة، والتواصي على لزومه، وحثِّ المؤمنين بعضهم بعضًا عليه.

 

قال الشوكاني: وَفِي جَعْلِ التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ قَرِينًا لِلتَّوَاصِي بِالْحَقِّ؛ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهِ وَفَخَامَةِ شَرَفِهِ، وَمَزِيدِ ثَوَابِ الصَّابِرِينَ عَلَى مَا يَحِقُّ الصَّبْرُ عَلَيْهِ[1].

 

أيها المسلمون، لا بد من التواصي بالحق والصبر؛ إذ إن أهل الفساد والباطل لا يقوم باطلهم إلا بالصبر عليه أيضًا، كما قال قائلهم: ﴿ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ [ص: 6].

 

عباد الله، والصبر الذي ينبغي التواصي به هو صبر الكِرام لا صبر اللئام، صبر الاختيار لا صبر الاضطرار، صبر الثقة بموعود الله وحسن تدبيره، لا صبر الاستسلام لمرارة الواقع وتداخل أموره، صبر المحبين في طاعة الرحمن لا صبر الفجرة في خدمة الشيطان.

 

أيها الأحبة، «وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصبر على المقدور، كما قال الله: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]، ومن قلَّ يقينُه قلَّ صبرُه، ومن قل صبره خفَّ واستخفَّ، فالموقنُ الصابرُ رزين؛ لأنه ذو لُبٍّ وعقلٍ، ومَن لا يقين له ولا صبر عنده؛ خفيف طائش، تلعب به الأهواء والشهوات كما تلعب الرياح بالشيء الخفيف»[2].

 

ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له[3]، وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: ((الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ))[4].

 

إن الصبر خَيْرٌ كُلُّهُ، قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]، ﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النساء: 25]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَا أُعْطِي أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا لَهُ وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ))[5]؛ ولذلك أوجب الله مَحَبَّتَهُ ومَعِيَّتَه سُبْحَانَهُ للصابرين؛ فقال: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ: فَازَ الصَّابِرُونَ بِعِزِّ الدَّارَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ نَالُوا مِنَ اللَّهِ مَعِيَّتَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[6]،﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]، ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 12]، ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].

 

أيها المسلمون، إنَّ الصبر من عناصر الرُّجولة الناضجةِ والبطولةِ الفارعة، فإن أثقالَ الحياة لا يُطيقها المهازيل والعجزة، ولا ينهض برسالتها، ولا ينقلها من طور إلى طور إلا العمالقة الصابرون، ومن ثم كان نصيبُ القادة من العناء والبلاء مكافئًا لما أُوتوا من مواهب، ولما أدَّوا من أعمال.

 

فالصَّبْرُ دأبُ أَهْل الْعَزَائِمِ والهِمَم العلية: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43].

 

عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكَرِيمِ الْكَرَائِمُ
وَيَكْبُرُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صَغِيرُهَا
وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ

 

إن خفة الحمل، وفراغَ اليد، وقلة المبالاة؛ صفات قد يظفر الأطفال منها بقسط كبير، لكن مشاغل العيش، ومرارة الكفاح، واستدامة السعي، هي أخلاق الجاهدين البنَّائين في الحياة.

 

تَصَبَّرْ إذا ما الأمرُ صعبٌ فإنما
يلاقِي نجاحًا من يكونُ صبورًا

 

إن الصبر لركنٌ شديدٌ يُؤَى إليه في معترك العيش، وجدارٌ متين يُستنَد عليه في منحدرات الحياة، وسدٌّ منيع أمام يأجوج الباطل، ومأجوج الطغيان، وهلالُ رشد يُستضاءُ به في دهاليز الفتن؛ إنه لنورٌ عاصم من التخبُّط، وهدايةٌ واقيةٌ من القنوط.

 

والصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ
لَكِنْ عَوَاقِبهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ!

 

إنه حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ الْجَزَعِ وَالتَّسَخُّطِ، وَحَبْسُ اللِّسَانِ عَنِ الشَّكْوَى، وَحَبْسُ الْجَوَارِحِ عَنِ التَّشْوِيشِ.

 

إنه السُّكُونُ عِنْدَ تَجَرُّعِ غُصَصِ الْبَلِيَّة، وَإِظْهَارُ الْغِنَى مَعَ حُلُولِ الْفَقْرِ بِسَاحَاتِ الْمَعِيشَةِ.

 

تصبَّر إن عقبى الصبرِ خيرٌ
ولا تجزعْ لنائبةٍ تنوبُ
فإنَّ اليُسْر بعد العُسْر يأتي
وعند الضيقِ تنكشفُ الكروبُ
وكم جزعتْ نفوسٌ من أمورٍ!
أتى من دونها فرجٌ قريبُ

 

وَقد قِيلَ: تَجَرَّعِ الصَّبْرَ، فَإِنْ قَتَلَكَ قَتَلَكَ شَهِيدًا، وَإِنْ أَحْيَاكَ أَحْيَاكَ عَزِيزًا[7].

سَأَصْبِرُ كَيْ تَرْضَى وَأَتْلَفَ حَسْرَةً
وَحَسَبِي أَنْ تَرْضَى وَيُتْلِفَنِي صَبْرِي

 

إن الصبر يا أيها المؤمنون كما أخبر عنه حبيبُكم صلى الله عليه وسلم ضِيَاءٌ[8]، ضِيَاءٌيظلُّ المؤمن معه بعيد النظر، موفور الثقة، دائم التفاؤل، بادي الثبات، لا يرتاع لغيمة تظهر في الأفق ولو تبعتها غيوم، فيظل مستمسكًا بالعروة الوثقى، ويبقى موقنًا بأن بوادر الصفو لا بُدَّ آتية، وأنَّ من الحكمة ارتقابَها في سكون ويقين، فلا تذهله المفاجآت وهو يقرأ قول الله: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]، وذلك على حد قول الشاعر:

عَرَفْنا اللَّيالي قَبلَ مَا نَزَلَت بِنَا
فلمَّا دَهَتْنَا لَمْ تَزِدْنَا بِهَا عِلْما!

 

قال ابن الجوزي رحمه الله: واعلم أن زمان الابتلاء ضيف قِراهُ الصبر، كما قال أحمد بن حنبل: إنما هو طعامٌ دون طعامٍ، ولباسٌ دون لباسٍ، وإنها أيامٌ قلائل، فلا تنظرْ إلى لذة المترفين، وتلمحْ عواقبهم، ولا تضقْ صدرًا بضيق المعاش، وعلل الناقة بالحدْو تسِرْ:

 

طاوِلْ بها الليلَ مالَ النجمُ أم جَنحَا
وماطِلِ النومَ ضَنَّ الجَفْنُ أمْ سَمَحا
فإن تَشَكَّتْ فَعَلِّلْها المَجَرَّةَ مِن
ضوءِ الصباحِ وعِدْها بالرواحِ ضحَى[9]

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله، فاستغفروه ثم توبوا إليه؛ إنه هو الغفور التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ساقَ إلينا الخيرات والأرزاقَ، ولم يكِلنا إلى سِواه إطلاقًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعدَّ الجنةَ للمتقين والنارَ للطاغين جزاءً وِفاقًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه، نصحَ الأمةَ محبَّةً ورحمةً ورأفةً وخشيةً وإشفاقًا، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابِه الذين بادَروا إلى الخيرات سباقًا.

 

عباد الله، إن الصبر عصمة للإيمان وللنفس وللمجتمع؛ بل وللأُمَّة كلِّها، وعندما تستقرئ الأمر به والخُبْر عنه؛ تجد أنه جماعُ الفضائلِ كلِّها، وأساسُها وأُسُّها.

 

وهذه نفس نبينا صلى الله عليه وسلم في تجرُّدها وانقطاعها، في ثباتها وصلابتها، في صفائها وشفافيتها؛ تحتاج إلى التوجيه بالصبر: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5]، ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10]، ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]، ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ﴾ [يونس: 109]، ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 7].

 

إن الصبر - أيها الإخوة المتحابُّون بجلال الله- زادٌ في الطريق إلى الله والدار الآخرة، ومدد في كل أمر من أمور المسلم، وعدة في كل مرحلة من مراحل الحياة؛ ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]، ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]، ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]، ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 120].

 

الصبر ليس على المصائب والنوازل والحوادث والكوارث فقط؛ ولكن نحتاج إلى الصبر على شهوات النفس ورغائبها، على أطماعها ومقامعها، على حظِّها وضعفها، على عجلتها ومللها.. الصبر على أخلاق الناس وطبائعهم، وجهلهم وأمزجتهم، واستعجالهم واستعدائهم.

 

الصبر على تفشِّي الظلم، وتنفخ الباطل، وصفاقة السفلة، ووقاحة الطغيان، وانتفاش الشر، وعربدة الهمج الرعاع، وصولة أهل الأهواء، وترفع الوضعاء، وتصدُّر السفهاء، وتحكُّم الرقعاء، وغلبة الكنود، وتصعير الخدود، وضراوة الباغي الجحود.

 

إن الصبر يا أهل الإسلام خلق الأنبياء، وزادُهم الذي استصحبوه في دعوتهم، وبلاغ رسالتهم، وعبادة ربهم؛ ولذا جاء نداءُ الله إلى نبيِّه: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35]، ﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾ [مريم: 65].

 

إن الصبر أيها الأحبة من معالم العظمة وشارات الكمال؛ ولذلك كان «الصبور» من أسماء الله الحسنى؛ فهو يتمهل ولا يتعجَّل، ويبطئ بالعقاب إن أسرع الناس بالجريمة، ويرسل أقداره لتعمل على اتساع القرون، لا على ضيق الأعمار، وفي نطاق الزمن الرحب، لا في حدود الرغبات الفائرة، والمشاعر الثائرة، ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: 47].

 

ومضة: عبد الله، تذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ((فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ لِلعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ))[10].

 

فانطلقْ وامضِ بإيمانٍ وثيقِ
وإذا ما مسك الضر صديقي
فلأنا قد مشينا في الطريقِ

 

اللهم ارزقنا الصبر على البلاء، والرِّضا بمُرِّ القضاء، والشكر عند العطاء، واملأ قلوبنا أنسًا بذكرك، وطمأنينة بوعدك، اللهم اجعلنا من الصابرين، ولا تجعلنا من القانطين، ولا من اليائسين يا رب العالمين.



[1] فتح القدير (5/ 601).

[2] التبيان في أقسام القرآن (ص87).

[3] مدارج السالكين (2/ 153).

[4] رواه البيهقي في شعب الإيمان، من حديث عمير الليثي عن أبيه عن جده (12/ 191)، صحَّحه الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 247).

[5] رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، باب فضل التعفف والصبر (2/ 729).

[6] عدة الصابرين (ص48).

[7] مدارج السالكين (2/ 159).

[8] والحديث رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي مالك الأشعري، باب فضل الوضوء (1/ 203).

[9] جامع المواعظ والرقائق (ص453).

[10] والحديث رواه ابن ماجه في سننه، من حديث أبي ثعلبة الخشني، أبواب الفتن (2/ 1330)، ورواه أبو داود في سننه، باب الأمر والنهي (4/ 123)، قال الألباني: صحيح لغيره، صحيح الترغيب والترهيب (3/ 233).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة العصر للأطفال
  • تفسير سورة العصر
  • وتواصوا بالصبر (قصيدة)
  • قبسات من سورة العصر
  • سورة العصر وأصول النجاة (خطبة)
  • تأملات تربوية في سورة العصر
  • في ظلال سورة العصر (خطبة)
  • سورة العصر (بطاقة)
  • تفسير سورة العصر
  • كلمة عن سورة العصر
  • وقفات مع سورة العصر: في رحاب سورة العصر (1) (خطبة)
  • الخسران المبين: في رحاب سورة العصر (2) (خطبة)
  • وتواصوا بالحق: في رحاب سورة العصر (5) (خطبة)
  • في رحاب سورة (والليل)
  • تدبر سورة العصر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • كلمات مضيئات (6)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شموع (84)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج التربية في سورة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نجاة أهل العصر في سورة العصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لغة المصلحين بين الماضي والحاضر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التواصي بكثرة الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام منهج قرآني(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • التواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وَقَفاتٌ للتواصي على أعتاب العام الهجري الجديد(مقالة - ملفات خاصة)
  • إعلام أهل العصر بسنية الركعتين بعد العصر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قائمة المفردات الشائعة في اللغة العربية من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث للدكتور فتحي علي يونس(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب