• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

كذلك كدنا ليوسف (خطبة)

كذلك كدنا ليوسف (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/11/2022 ميلادي - 6/4/1444 هجري

الزيارات: 11277

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كذلك كدنا ليوسف

 

الحمد لله رب الأرض ورب السماء، خلق آدم وعلمه الأسماء، وأسجد له ملائكته، وأسكنه الجنة دار البقاء، وحذره من الشيطان ألد الأعداء، ثم أنفذ فيه ما سبق به القضاء، فأهبطه إلى دار الابتلاء، وجعل الدنيا لذريته دار عمل لا دار جزاء، وتجلت رحمته بهم فتوالت الرسل والأنبياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن في البلايا من النعم خفايا، وفي الأقدار عجائب الأسرار، ومستودعات الألطاف والرحمات، وفي الرضا بالحكيم العلَّام معارج لا يرقى لها فَهم الأنام، فقدره أوسع من حديد عقولهم، وقضاؤه أرفع من جميع علومهم، فإليهم الرحمة والتكريم، وعليهم الإيمان والتسليم، ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر: 50]، إن المتأمل لتلك القصة العجيبة التي استهلَّ الله تعالى لها أجمل استهلال بقوله الأعز الأكرم: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [يوسف: 3]؛ إنها قصة كاملة جميلة لذيذة، لها صوت حزين، ووصايا جليلة، وقلوب بالله واثقة، ونتائج بفضل الله سعيدة، لها خاتمة للآي شهية للقلوب، رائقة للأرواح، ابتُدِئت بحُلْمٍ وانتهت بتعبيره عبر سنين طويلة، إنها سورة الفَرَجِ بعد الشدة، واليسر بعد العسر، فيها تبيان عظمة التوحيد، وشرف الصبر، وقيمة الرضا، وعزُّ الحمد، وثمرة الشكر، فيها إعلاء معالي الأمور، واطراح سفسافها، فيها نبل الأخلاق، ومعالي الشيم، فيها إظهار رفق الله تعالى بأوليائه، ورعايته وعنايته ورحمته ولطفه لهم، فيها حوارات أنبياء، ودمعات أصفياء، وابتهالات لسادة الأولياء، ومصابرة لَأْوَاء، فيها مجاهدة نفوس بالسوء أمَّارة، ومرابطة على حد العفاف والفضيلة، ورفعة للصابرين الراضين الحامدين الشاكرين، فيها مشاهد جمال، وألطاف من رب السماء تنهال، فيها عقد قصة للعين مبكية، لكنها لا تلبث أن تتبع دمع السخونة ابترادًا بالفرح، فتنقلب البُرَحاء راحة، والحزن سرورًا، والكرب فرجًا، والخاتمة ضراعة نبي كريم إلى ملك الملوك ورب الأرباب أن يُلْحِقَهُ في الذين مضَوا على الخير من سادة الصالحين، فلا إله إلا الله كم في هذه السورة من صورة! وكم بين ثناياها من خفقات للقلب ترقبًا وتأثرًا وشوقًا وفرحًا وسرورًا! ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [يوسف: 3].

 

لو تدرِ فيم عَذَلْتَنِي لَعَذَرْتَني
خفِّض عليك وخَلِّني وطريقي

 

إن لأخبار المرسلين شوقًا ولهفة؛ إذ في جنبات طريقها تنبت عروق البر، وتُزهر أغصان الإيمان، وتُغسَل أدران الخطايا ونجاسات الذنوب، ويُرقَّع بتأملها واستشعارها واتباعها ما اخلولق من ثوب الإيمان، وتُبنَى بها في الفؤاد مدينة الإحسان.

 

وأذكر أيام الحمى ثم أنثني
على كبدي من خشية أن تصدعا

 

قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ [يوسف: 76][1]، فمهما فكر البشر وقدروا ثم فكروا وقدروا، فغايتهم الفشل والخيبة، ما لم يأخذ الله تعالى بأيديهم تبارك وتعالى، والسعيد من كان الله معه؛ وتدبر قوله تعالى في شأن يوسف عليه السلام كيف كفاه أمره، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [الزمر: 36]، وقال سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ [يوسف: 76].

 

قال الجصاص: "وفيما حكى الله تعالى من أمر يوسف وما عامل به إخوته في قوله: ﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ ﴾ [يوسف: 70] إلى قوله: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ [يوسف: 76] دلالة على إجازة الحيلة في التوصل إلى المباح واستخراج الحقوق؛ لأن الله تعالى رضيَ ذلك من فعله ولم ينكره؛ وقال في آخر القصة: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ [يوسف: 76]، ومن نحو ذلك قوله تعالى: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ﴾ [ص: 44]، وكان حلف أن يضربها عددًا، فأمره تعالى بأخذ الضغث[2]، وضربها به ليَبَرَّ في يمينه من غير إيصال ألم كبير إليها، ومن نحوه: النهي عن التصريح بالخطبة وإباحة التوصل إلى إعلامها رغبته بالتعويض"[3]، وقال القاسمي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76]: "فبدأ – أي: فتى يوسف – بأوعيتهم؛ أي ففتَّشها قبل وعاء أخيه، أي بنيامين، نفيًا للتهمة، ثم استخرجها، أي السقاية، من وعاء أخيه، ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾؛ أي: دبرنا لتحصيل غرضه، ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾؛ أي: شرعه وقانونه، والجملة استئناف وتعليل لذلك الكيد وصنعه؛ أي: ما صح له أن يأخذ أخاه في قضاء الملك، فدبر تعالى ما حكم به إخوة يوسف على السارق، لإيصال يوسف إلى إرْبِه، رحمة منه وفضلًا، وفيه إعلام بأن يوسف ما كان يتجاوز قانون الملك، وإلا لاستبدَّ بما شاء، وهذا من وفور فطنته وكمال حكمته، ويستدل به على جواز تسمية قوانين ملل الكفر (دينًا) لها، والآيات في ذلك كثيرة.

 

وقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾؛ يعني: أن ذلك الأمر كان بمشيئة الله وتدبيره؛ لأن ذلك كله كان إلهامًا من الله ليوسف وإخوته، حتى جرى الأمر وفق المراد"[4]، وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في قوله تعالى: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 73 - 76]: "عن ابن عباس: ﴿ صُوَاعَ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 72]؛ قال: كان من فضة يشربون فيه، وكان مثل المكوك، وكان للعباس مثله في الجاهلية، فوضعها في متاع بنيامين من حيث لا يشعر أحد، ثم نادى مناد بينهم: ﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70]، فالتفتوا إلى المنادي وقالوا: ﴿ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 71، 72]؛ أي: صاعه الذي يكيل به، ﴿ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ﴾ [يوسف: 72]، وهذا من باب الجعالة، ﴿ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: 72]، وهذا من باب الضمان والكفالة، ولما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة، قال لهم إخوة يوسف: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ [يوسف: 73]؛ أي: لقد تحققتم وعلمتم منذ عرفتمونا، لأنهم شاهدوا منهم سيرة حسنة، أنَّا ما جئنا للفساد في الأرض، وما كنا سارقين؛ أي: ليست سجايانا تقتضي هذه الصفة، فقال لهم الفتيان: ﴿ فَمَا جَزَاؤُهُ ﴾ [يوسف: 74]؛ أي: السارق، إن كان فيكم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [يوسف: 74]؛ أي: أي شيء يكون عقوبته إن وجدنا فيكم من أخذه؟ ﴿ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِي ﴾ [يوسف: 75]، وهكذا كانت شريعة إبراهيم: أن السارق يُدْفَع إلى المسروق منه، وهذا هو الذي أراد يوسف عليه السلام؛ ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه؛ أي: فتشها قبله؛ توريةً، ﴿ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ﴾ [يوسف: 76]، فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم، وإلزامًا لهم بما يعتقدونه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ [يوسف: 76][5]، وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه؛ لِما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة.

 

وقوله: ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 76]؛ أي: لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر، قاله الضحاك وغيره، وإنما قيض الله له أن التزم له إخوته بما التزموه، وهو كان يعلم ذلك من شريعتهم؛ ولهذا مدحه تعالى فقال: ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾ [يوسف: 76]، كما قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]، ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76]؛ قال الحسن البصري: ليس عالم إلا فوقه عالم، حتى ينتهي إلى الله عز وجل، وكذا رُوي عن سعيد بن جبير. ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77]، وقال إخوة يوسف لما رأوا الصواع قد أُخرج من متاع بنيامين: ﴿ إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ [يوسف: 77]، يتنصلون إلى العزيز من التشبه به، ويذكرون أن هذا فَعَلَ كما فعل أخ له من قبل؛ يعنون به يوسف عليه السلام.

 

وقوله: ﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ ﴾ [يوسف: 77]؛ يعني: الكلمة التي بعدها، وهي قوله: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77]؛ أي: تذكرون، قال هذا في نفسه، ولم يبدِهِ لهم، وهذا من باب الإضمار قبل الذكر، وهو كثير، وله شواهد كثيرة في القرآن والحديث واللغة في منثورها وأخبارها وأشعارها؛ قال العوفي عن ابن عباس: ﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ ﴾ [يوسف: 77]، قال: أسر في نفسه: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77]"[6].

 

ولابن تيمية استنباطات لطيفة من هذه القصة الجميلة الجليلة، ومن كيد الله تعالى لوليه ونبيه يوسف عليه السلام فقال: "فكاد الله ليوسف بأن جمع بينه وبين أخيه، وأخرجه من أيدي إخوته بغير اختيارهم كما أخرجوا يوسف من يد أبيه بغير اختياره، وكيد الله سبحانه وتعالى لا يخرج عن نوعين:

أحدهما: هو الأغلب؛ أن يفعل سبحانه فعلًا خارجًا عن قدرة العبد الذي كاد له، فيكون الفعل قدرًا محضًا، كما كاد الذين كفروا بأن انتقم منهم بأنواع العقوبات، وكذلك كانت قصة يوسف؛ فإن يوسف أكثر ما قدَر أن يفعل أن ألقى الصواع في رحل أخيه، وأذَّن المؤذن بسرقتهم، فلما أنكروا ﴿ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [يوسف: 74]؛ أي: جزاء السارق، ﴿ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ [يوسف: 75]؛ أي: جزاؤه نفس نفس السارق يستعبده المسروق إما مطلقًا أو إلى مدة، وهذه كانت شريعة آل يعقوب، وقوله: ﴿ نْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ﴾ [يوسف: 75]، وقد كان من دين ملك مصر فيما ذكره المفسرون أن السارق يُضرَب ويغرم قيمة المسروق مرتين، ولو قالوا ذلك لم يمكنه أن يلزمهم بما لا يلزمه غيرهم؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [يوسف: 76]؛ أي: ما كان يمكنه أخذه في دين ملك مصر؛ لأن دينه لم يكن فيه طريق إلى أخذه.

 

وفيها تنبيه على أن المؤمن المتوكل على الله إذا كاده الخلق، فإن الله يكيد له وينتصر له بغير حول منه ولا قوة، وعلى هذا فقوله بعد ذلك: ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾ [يوسف: 76]، قالوا: بالعلم.

 

النوع الثاني من كيده لعبده: هو أن يلهمه سبحانه أمرًا مباحًا، أو مستحبًّا، أو واجبًا يوصله به إلى المقصود الحسن"[7].

 

بارك الله لي ولكم...



[1] قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى في وجه مناداة إخوة يوسف عليه السلام بالسارقين (6/ 127): "قد ذكروا في تسميتهم سارقين وجهين:

أحدهما: أنه من باب المعاريض، وأن يوسف نوى بذلك أنهم سرقوه من أبيه حيث غيَّبوه عنه بالحيلة التي احتالوها عليه وخانوه فيه، والخائن يسمى سارقًا، وهو من الكلام المشهور حتى إن الخونة من ذوي الديوان يسمون لصوصًا.

الثاني: أن المنادي هو الذي قال ذلك من غير أمر يوسف عليه السلام، قال القاضي أبو يعلى وغيره: أمر يوسفُ بعضَ أصحابه أن يجعل الصاع في رحل أخيه، ثم قال بعض الموكلين بالصيعان، وقد فقدوه ولم يدروا من أخذه منهم: ﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70]، على ظنٍّ منهم أنهم كذلك، ولم يأمرهم يوسف بذلك، فلم يكن قول هذا القائل كذبًا كان في حقِّه، وغالب ظنه ما هو عنده، ولعل يوسف قد قال للمنادي: هؤلاء قد سرقوا، وعنى بسرقته من أبيه، والمنادي فهِم سرقة الصواع وهو صادق في قوله: ﴿ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 72]، فإن يوسف لعله لم يطلع على أن الصواع في رحالهم ليتمَّ الأمر؛ فنادى: ﴿ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70]؛ بناء على ما أخبر به يوسف، وكذلك لم يقل: سرقتم صاع الملك، إنما قال: نفقده، لأنه لم يكن يعلم أنهم سرقوه، أو أنه اطَّلع على ما صنعه يوسف فاحترز في قوله فقال: ﴿ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70]، ولم يذكر المفعول ليصح أن يضمر سرقتهم يوسف، ثم قال: ﴿ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 72]، وهو صادق في ذلك، وكذلك احترز يوسف في قوله: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ﴾ [يوسف: 79]، ولم يقل إلا من سرق، وعلى التقدير فالكلام من أحسن المعاريض".

[2] الضِّغْث: مجموعة من شماريخ قنو النخل.

[3] أحكام القرآن للجصاص (٣/ ١٧٦).

[4] تفسير القاسمي "محاسن التأويل" (6/ 204).

[5] معتقد أهل السنة والجماعة إثبات صفة الكيد والمَكر على حقيقتهما، بلا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٧/‏١١١) في ردِّه على من زعم أنَّ في القرآن مجازًا: "وكذلك ما ادَّعوا أنه مجاز في القرآن؛ كلفظ: المَكر والاستهزاء والسخرية المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمًّى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فُعلت بمن لا يستحق العقوبة؛ كانت ظلمًا له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله، كانت عدلًا؛ كما قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ [يوسف: 76]، فكاد له كما كادت إخوته لمَّا قال له أبوه: ﴿ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾ [يوسف: 5]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ [الطارق: 15، 16]"، وقال في التدمرية (٢٦): "وهكذا وصف نفسه بالمَكر والكيد، كما وصف عبده بذلك، فقال: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾ [الأنفال: 30]، وقال: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ [الطارق: 15، 16]، وليس المَكْر كالمَكْر ولا الكيد كالكيد"، وقد فصل الكلام عليها ابن القيم في المدارج (٣/‏٤١٥)، وانظر أيضًا: مختصر الصواعق المرسلة (٢/‏٣٢-٣٤).

[6] تفسير ابن كثير (٤/‏٤٠١ - 403) باختصار.

[7] الفتاوى الكبرى (6/ 133- 134).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطيبي ذو خلق لكن سمعة عائلته ليست كذلك(استشارة - الاستشارات)
  • قال كذلك الله يفعل ما يشاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب