• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج
    بدر عبدالله الصاعدي
  •  
    كيف أصبح مؤمنا حقيقيا وأفوز بالجنة؟
    بدر شاشا
  •  
    لا تغرنكم الحياة الدنيا (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    شرح حديث: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"‏
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    حقوق الجيران
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حديث: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    أفضل أيام الدنيا
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة شهر صفر 1445هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    خطبة: أهمية ممارسة الهوايات عند الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: العلاقات العاطفية وأثرها على الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    نفحات.. وأشواق (خطبة)
    محمد موسى واصف حسين
  •  
    إذا ذكرت الله في ملأ ذكرك الله في ملأ خير منه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الأحاديث الطوال (23) وصول النبي صلى الله عليه ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    الإسلام دعا إلى حماية أموال غير المسلمين
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    المسح على الخفين والجوربين ونحوهما
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    أسباب منع وجلب المطر من السماء (خطبة)
    مطيع الظفاري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

إلانة القلوب (خطبة)

إلانة القلوب (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/9/2022 ميلادي - 25/2/1444 هجري

الزيارات: 27729

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إلانة القلوب


الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: لَا شَيْءَ أَشَدُّ مُعَالَجَةً عَلَى الْمُصَلِّينَ وَقُرَّاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّدَبُّرِ، وَإِلَانَةِ الْقُلُوبِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُشُوعَ وَالتَّدَبُّرَ هُوَ رُوحُ الصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ، وَبِهِمَا تَصْلُحُ الْقُلُوبُ. وَإِذَا صَلُحَ الْقَلْبُ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

 

وَفَسَادُ الْقَلْبِ وَقَسْوَتُهُ سَبَبُهَا الذُّنُوبُ الْمُتَرَاكِمَةُ، وَالْغَفْلَةُ الْمُتَوَالِيَةُ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ: 14]» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

وَلِلْقَلْبِ مُلِينَاتٌ تُلِينُهُ، وَتُزِيلُ قَسْوَتَهُ، وَتُحَوِّلُهُ مِنْ قَلْبٍ قَاسٍ إِلَى قَلْبٍ خَاشِعٍ، وَمِنْ قَلْبٍ مَيِّتٍ غَافِلٍ إِلَى قَلْبٍ حَيٍّ حَاضِرٍ:

فَمِنْ مُلِينَاتِ الْقُلُوبِ: كَثْرَةُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا سِيَّمَا إِذَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرَّعْدِ: 28]، وَوَصَفَ سُبْحَانَهُ الْخَاشِعِينَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزُّمَرِ: 23]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الْحَدِيدِ: 16]، وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَشْكُو إِلَيْكَ قَسْوَةَ قَلْبِي، فَقَالَ: ادْنُهْ مِنَ الذِّكْرِ». وَأَعْظَمُ الذِّكْرِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِرِقَّةِ الْقُلُوبِ وَلِينِهَا وَخُشُوعِهَا بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ قَصَصِ الْغَابِرِينَ، وَمَا فِيهِ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الْحَشْرِ: 21]، وَقَالَ وُهَيْبُ بْنُ الْوَرْدِ: «نَظَرْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا أَرَقَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ، وَلَا أَشَدَّ اسْتِجْلَابًا لِلْحَقِّ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ».

 

وَمِنْ مُلِينَاتِ الْقُلُوبِ: مُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَعَاهَدُونَ جُلَسَاءَهُمْ بِالْمَوَاعِظِ، فَتَلِينُ الْقُلُوبُ بِصُحْبَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ، بِخِلَافِ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْغَفْلَةِ؛ فَإِنَّهَا سَبَبٌ لِقَسْوَةِ الْقُلُوبِ، ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الْكَهْفِ: 28]. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَوْلَا ثَلَاثٌ مَا أَحْبَبْتُ أَنْ أَعِيشَ يَوْمًا وَاحِدًا: الظَّمَأُ لِلَّهِ بِالْهَوَاجِرِ، وَالسُّجُودُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَمُجَالَسَةُ قَوْمٍ يَنْتَقُونَ مِنْ خِيَارِ الْكَلَامِ كَمَا يُنْتَقَى أَطَائِبُ التَّمْرِ».

 

وَمِنْ مُلِينَاتِ الْقُلُوبِ: كَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوْتِ؛ فَإِنَّهُ يُرَخِّصُ الدُّنْيَا فِي الْقَلْبِ، وَمَا فَتَكَ شَيْءٌ بِالْقَلْبِ أَشَدَّ مِنْ حُبِّ الْعَبْدِ لِلدُّنْيَا وَزِينَتِهَا؛ وَلِذَا كَانَ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسَ كُلِّ خَطِيئَةٍ. فَتَذَكُّرُ الْمَوْتِ يُزَهِّدُ الْعَبْدَ فِي الدُّنْيَا؛ وَلِذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَةِ تَذَكُّرِهِ فَقَالَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَقِيلَ لِلرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ: «لَوْ جَالَسْتَنَا. فَقَالَ: لَوْ فَارَقَ ذِكْرُ الْمَوْتِ قَلْبِي سَاعَةً فَسَدَ عَلَيَّ»، وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: «مَا أَكْثَرَ أَحَدٌ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ إِلَّا رُئِيَ ذَلِكَ فِي عَمَلِهِ»، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى بَعْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ: «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَشْعَرْتَ ذِكْرَ الْمَوْتِ فِي لَيْلِكَ أَوْ نَهَارِكَ بُغِّضَ إِلَيْكَ كُلُّ فَانٍ، وَحُبِّبَ إِلَيْكَ كُلُّ بَاقٍ».

 

وَمِنْ مُلِينَاتِ الْقُلُوبِ: زِيَارَةُ الْقُبُورِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي حَالِ أَهْلِهَا وَمَصِيرِهِمْ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ، وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ، فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ قَالَ: «كَانَ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ يَأْتِي الْبَقِيعَ فِي الْأَيَّامِ فَيَمُرُّ بِي، فَاتَّبَعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ، وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ مَا يَصْنَعُ، فَقَنَعَ رَأْسَهُ وَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى رَحِمْتُهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَبْرُ بَعْضِ أَهْلِهِ، فَمَرَّ بِي مَرَّةً أُخْرَى، فَاتَّبَعْتُهُ فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِ قَبْرٍ غَيْرِهِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَقُلْتُ: إِنَّمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَبْرُ بَعْضِ أَهْلِهِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: كُلُّهُمْ أَهْلُهُ وَإِخْوَانُهُ، إِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ يُحَرِّكُ قَلْبَهُ بِذِكْرِ الْأَمْوَاتِ كُلَّمَا عَرَضَتْ لَهُ قَسْوَةٌ».

 

وَمِنْ مُلِينَاتِ الْقُلُوبِ: الْإِحْسَانُ إِلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ صَاحِبَهُ التَّوَاضُعَ وَالْمَسْكَنَةَ وَالْخُضُوعَ وَالْخَشْيَةَ، وَأَوْصَى أَبُو الدَّرْدَاءِ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: «ارْحَمِ الْيَتِيمَ وَأَدْنِهِ مِنْكَ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ». وَسَأَلَ رَجُلٌ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ يَرِقُّ قَلْبِي؟ قَالَ: ادْخُلِ الْمَقْبَرَةَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ».

 

وَمِنْ مُلِينَاتِ الْقُلُوبِ: النَّظَرُ فِي دِيَارِ مَنْ سَبَقُوا، وَلَا سِيَّمَا مَنْ يَعْرِفُهُمْ، وَقَدْ فَارَقُوا الدُّنْيَا إِلَى قُبُورِهِمْ، وَصَارَتْ بُيُوتُهُمْ خَرَابًا، وَمَا أَكْثَرَ مَا يَمُرُّ بِالْعَبْدِ مِنْ قُرًى خَرِبَةٍ، وَبُيُوتٍ قَدِيمَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ، تُذَكِّرُ بِالسَّالِفِينَ مِمَّنْ فَارَقُوهَا. رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَاهَدَ قَلْبَهُ يَأْتِي الْخَرِبَةَ فَيَقِفُ عَلَى بَابِهَا، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ حَزِينٍ، فَيَقُولُ: أَيْنَ أَهْلُكِ؟ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ». وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: «إِذَا وَجَدَ مِنْ قَلْبِهِ قَسْوَةً أَتَى مَنْزِلَ صَدِيقٍ لَهُ قَدْ مَاتَ فِي اللَّيْلِ فَنَادَى: يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، ثُمَّ يَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلْتَ وَمَا فُعِلَ بِكَ؟ ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُ، فَيُعْرَفُ ذَاكَ فِيهِ إِلَى مِثْلِهَا».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا، وَيُلِينَهَا لِذِكْرِهِ وَآيَاتِهِ، وَنَعُوذُ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ قَسْوَتِهَا وَغَفْلَتِهَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْعِنَايَةُ بِلِينِ قَلْبِهِ، وَإِزَالَةِ قَسْوَتِهِ؛ لِيَخْشَعَ فِي صَلَاتِهِ، وَيَتَأَثَّرَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَتَسْتَقِيمَ نَفْسُهُ، وَيَصْلُحَ حَالُهُ.

 

وَمِنْ مُلِينَاتِ الْقُلُوبِ: أَكْلُ الْحَلَالِ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُلُوبِ مَا قَسَتْ إِلَّا بِسَبَبِ كَثْرَةِ مُبَاشَرَةِ الْحَرَامِ أَوِ الشُّبُهَاتِ. جَاءَ عَنْ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: «ذَهَبْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، بِمَ تَلِينُ الْقُلُوبُ؟ فَأَبْصَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَغَمَزَهُمْ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَطْرَقَ سَاعَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، بِأَكْلِ الْحَلَالِ. فَمَرَرْتُ كَمَا أَنَا إِلَى أَبِي نَصْرٍ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا نَصْرٍ، بِمَ تَلِينُ الْقُلُوبُ قَالَ: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ قُلْتُ: فَإِنِّي جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: هِيهْ إِيشْ قَالَ لَكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: بِأَكْلِ الْحَلَالِ. فَقَالَ: جَاءَ بِالْأَصْلِ. فَمَرَرْتُ إِلَى عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ بِمَ تَلِينُ الْقُلُوبُ؟ قَالَ: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾، قُلْتُ: فَإِنِّي جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. فَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ مِنَ الْفَرَحِ وَقَالَ لِي: إِيشْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقُلْتُ: قَالَ: بِأَكْلِ الْحَلَالِ. فَقَالَ: جَاءَكَ بِالْجَوْهَرِ. جَاءَكَ بِالْجَوْهَرِ. الْأَصْلُ كَمَا قَالَ. الْأَصْلُ كَمَا قَالَ».

 

وَمِنْ مُلِينَاتِ الْقُلُوبِ: حِفْظُ الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ عَنِ الْحَرَامِ؛ فَإِنَّ مَا تَتَلَقَّاهُ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ مِنْ قَذَرِ الْمَعَاصِي يَنْزِلُ عَلَى الْقُلُوبِ فَيُمْرِضُهَا وَيُصِيبُهَا بِالْغَفْلَةِ وَالْقَسْوَةِ. وَقَدِ ابْتُلِيَ النَّاسُ بِالْحَرَامِ فِي أَبْصَارِهِمْ وَأَسْمَاعِهِمْ بِمَا لَمْ يُبْتَلَ بِهِ مَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ؛ فَالْغِنَاءُ وَالْمَعَازِفُ فِي الْإِذَاعَاتِ وَالْفَضَائِيَّاتِ وَالْجَوَّالَاتِ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ تُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ. وَالصُّوَرُ الْمُتَحَرِّكَةُ وَالثَّابِتَةُ لِلنِّسَاءِ الْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَاتِ تَمْلَأُ الْبَثَّ الْفَضَائِيَّ وَالْإِلِكْتُرُونِيَّ، وَمَعَ كَثْرَتِهَا تَسَاهَلَ النَّاسُ بِهَا، فَكَانَ أَثَرُهَا كَبِيرًا عَلَى فَسَادِ الْقَلْبِ وَغَفْلَتِهِ وَقَسْوَتِهِ، وَالنَّظْرَةُ الْمُحَرَّمَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، يَسْتَقِرُّ فِي الْقَلْبِ فَيَفْتِكُ بِهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «كَمْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ».

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من لآلئ القلوب: الحنان
  • دكان القلوب
  • أمراض القلوب
  • أنواع القلوب: القلب الورع (9)
  • مفاتيح القلوب في الاجتماعات
  • غيث القلوب

مختارات من الشبكة

  • حين تربت الآيات على القلوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القلوب في القرآن والسنة: غمرة القلوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القلوب في القرآن والسنة: القلوب المريضة بالشهوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أنواع القلوب (12) تأثر القلوب الحية بمواقف اليهود العدوانية (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أنواع القلوب(11) تأثر القلوب الحية بمواقف اليهود العدوانية(1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أنواع القلوب (1) القلوب في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة (النت والاختبارات)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • سلسلة أنواع القلوب (3) القلب الراضي (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القلب والجوارح .. علاقة متبادلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حتى لا تفقد قلبك(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/2/1447هـ - الساعة: 11:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب