• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    خطبة الأضحى 1446 هـ (إن الله جميل يحب الجمال)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    خطبة عيد الأضحى 1446هـ
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    لبس البشت فقها ونظاما
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    خطبة: مضت أيام العشر المباركة
    محمد أحمد الذماري
  •  
    خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هـ
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام 1446 هــ
    أ. شائع محمد الغبيشي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

{وما هي من الظالمين ببعيد}

{وما هي من الظالمين ببعيد}
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/9/2022 ميلادي - 17/2/1444 هجري

الزيارات: 14516

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾

 

إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

 

أما بعدُ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

أيَّها المؤمنونَ، قَصَصُ القرآنِ من تصريفِ آية التي حوتْ عِبرَ الادكارِ، وكشفتْ بمنظارِ اليقينِ مآلَ الحوادثِ التي كثيرًا ما يتكررُ وقوعُها، ويُشبِهُ لاحقُها سابقَها ويُفضي إلى عاقبتِه، ونبأُ قومِ لوطٍ -عليه السلامُ- مما أفاضَ القرآنُ بذكرِه في عشرِ سورٍ من مَكيّه ما بين بسطٍ واقتضابٍ؛ وما جعلَ اللهُ بقاءَ آثارِهم للناسِ على سبيلٍ مقيمٍ، كما جعلِ عِبرتَهم آياتٍ للمتوسمين إلا لعظيمِ مَسيسِ الحاجةِ إليه والانتفاعِ بعِبرتِه على تطاولِ السنين واختلافِ الأممِ. استوطنُ قومُ لوطٍ -عليه السلامُ - قريةَ سَدُومَ في أردنِ الشامِ آمنين راغدين، وبعثَ اللهُ إليهم نبيَّه لوطًا-عليه السلامُ - بعد إيمانِه لإبراهيمَ - عليه السلامُ - وهجرتِه معه إثْرَ إنجاءِ خليلِه من عذابِ الحريقِ؛ وآتاه اللهُ حُكْمًا وفهْمًا يفصلُ به النزاعَ بين الناسِ وعلمًا كان فيه من الراسخين، فألفى قومَه قد اقترفوا من الفاحشةِ وعالنُوا بها ما لم يعرفْه أحدٌ من العالمين قَبْلَهم؛ إذ كانوا يأتون الرجالَ في أدبارِهم علنًا أمام الناسِ تاركين ما خلقَ اللهُ لهم من أزواجِهم؛ في عدوانٍ سافرٍ على الموبقاتِ، وإسرافٍ قبيحٍ في الإجرامِ، وانتكاسٍ بَشِعٍ في الفطرِ والسَّوايا مع ما كانوا عليه من جريمةِ قطعِ الطريقِ وما كانوا يُظهرونه في مجالسِهمُ العامةِ ونواديهم من أفعالٍ يُستحيى مِن فعْلها اختلاءً! ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾ [العنكبوت: 29]، فكان نبيُّ اللهِ لوطٌ - عليه السلامُ - مع دعوتِه لهم إلى توحيدِ اللهِ وعبادتِه يُظْهِرُ بليغَ إنكارِه لفعلِهمُ الفاحشِ الشنيعِ بابتداعِهم له ومعالنتِهم به، مصرِّحًا ببغضِه وشدةِ كراهيتِه له، وواصفًا تلك الفاحشةَ باسمِها الشرعيِّ المنفِّرِ عنها، وواصفًا أهلَها بالعدوانِ والسرفِ والجهلِ والإفسادِ الذي تعدّى شرُّه وضرُّه إلى الغيرِ: ﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 28]، ﴿ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [النمل: 54]، ﴿ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ ﴾ [الشعراء: 168]، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 166]، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [الأعراف: 81]، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [النمل: 55]، هكذا كانت دعوتُه لهم، وكان ردُّهم على دعوتِه قبيحًا من جنسِ فعلِهمُ القبيحِ؛ إذ كان جوابُهم دائرًا بين دركاتِ السخريةِ به وبأهلِه وبدعوتِه، والاستخفافِ بعذابِ اللهِ الذي هدَّدَهم به، وتشكيكِهم فيه، واستبشاعِ طُهرِ الفطرةِ التي تأنَفُ من هذه الخبائثِ، والتهديدِ بالطردِ والإخراجِ من البلادِ بذريعةِ ذلك التعففِ، بل وصلَ الأمرُ إلى الأمرِ، وكلُّ واحدةٍ من تلك الجرائمِ مستوجبةٌ لأليمِ العقابِ؛ فكيف إذا اجتمعنَ؟! ﴿ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [العنكبوت: 29]، ﴿ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 82]، ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ﴾ [الشعراء: 167]، فلما رأى عمايتَهم ولَجَّهم في غيِّهم وما جابَهُوا به دعوةَ الحقِّ، ويَأِسَ بنبوتِه من استصلاحِهم، وعَلِمَ أنّ عذابَ اللهِ حائقٌ بهم، وأنَّ الدعاءَ بالنصرِ والنجاةِ أعظمُ التحصينِ؛ دعا ربَّه بنصرِه على قومِه وإنجائِه وأهلِه من شؤمِ عاقبةِ طغيانِهم قائلًا: (﴿ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [العنكبوت: 30] ﴿ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [الشعراء: 169].

 

عبادَ اللهِ، لما جَأَرَ لوطٌ - عليه السلامُ - بتلكمُ الدعواتِ المؤثِّرةِ فتحَ اللهِ لها بابَ السماءِ، وأرسلَ لإجابتِها وإنزالِ العذابِ بالمجرمينَ كرامَ ملائكتِه يقودُ موكبَهمُ الشريفَ جبريلُ الروحُ الأمينُ - عليه السلامُ -، وأوكلَ لهم مع هذه المهمةِ بشارةَ إبراهيمَ - عليه السلامُ - بالغلامِ الحليمِ وإخبارَه بحلولِ العذابِ الأليمِ بأولئك المجرمين، فجاء يُجادِلُ عنهم بحلْمِه وضراعتِه طالبًا تأخيرَ العقوبةِ عنهم لعلهم يتوبون أو ينجوَ لوطٌ -عليه السلام- من ذلك العذابِ، فنهاه الله عن ذلك، وأمرَه بالإعراضِ عن طلبِه؛ إذ قد أبرمَ اللهُ أمرَه، وأنفذَ قدَرَه، ولا مبدلَ لكلماتِه: (﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ [هود: 76]، ووعدَه بإنجاءِ لوطٍ وأهلِه إلا امرأتَه التي كفرتْ بربِّها ورضيتْ بقبيحِ فعلِ قومِها: ﴿ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 32].

 

فلما حانتْ ساعةُ العذابِ، وحلّتْ ملائكةُ اللهِ المرسَلةُ ضيوفًا كرامًا على لوطٍ - عليه السلام - على هيئةِ شبَّانٍ حِسانٍ، وكان قد بلغتِ الوقاحةُ بأولئك الأشقياءِ أنْ نهوه عن استضافةِ أحدٍ من الناسِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَ قَرْيَةِ لُوطٍ وَأَتَوْهَا نِصْفَ النَّهَارِ، فَلَمَّا بَلَغُوا نَهَرَ ‌سَدُومٍ لَقَوُا ابْنَةَ لُوطٍ تَسْتَقِي مِنَ الْمَاءِ لِأَهْلِهَا - وَكَانَ لَهُ ابْنَتَانِ - فَقَالُوا لَهَا: يَا جَارِيَةُ، هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، مَكَانَكُمْ لَا تَدْخُلُوا حَتَّى آتِيَكُمْ، فَأَتَتْ أَبَاهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَدْرِكْ فِتْيَانًا عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ مَا رَأَيْتُ وُجُوهَ قَوْمٍ هِيَ أَحْسَنُ مِنْهُمْ؛ لَا يَأْخُذُهُمْ قَوْمُكَ فَيَفْضَحُوهُمْ، وَقَدْ كَانَ قَوْمُهُ نَهَوْهُ أَنْ يُضِيفَ رَجُلًا حَتَّى قَالُوا: حَلَّ عَلَيْنَا فَلْيُضَيِّفِ الرِّجَالَ، فَجَاءَهُمْ وَلَمْ يُعْلِمْ أَحَدًا إِلَّا بَيْتَ أَهْلِ لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهُ، قَالَتْ: إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وُجُوهِهِمْ قَطُّ، فَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ (أي: يسرعون)، فَلَمَّا أَتَوْهُ قَالَ لَهُمْ لُوطٌ: "يَا قَوْمِ، اتَّقُوا اللَّه، وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي، أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ؟! هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهُرُ لَكُمْ مِمَّا تُرِيدُونَ"، قَالُوا لَهُ: أَوَ لَمْ نَنْهَكَ إِنْ تُضَيِّفَ الرِّجَالَ؟! قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ، فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ: "لَوْ أَنَّ لِيَ بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ"؛ يَقُولُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: «لَوْ أَنَّ لِي أَنْصَارًا يَنْصُرُونِي عَلَيْكُمْ، أَوْ عَشِيرَةً تَمْنَعُنِي مِنْكُمْ؛ لَحَالَتْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا جِئْتُمْ تُرِيدُونَهُ مِنْ أَضْيَافِي»، وَلَمَّا قَالَ لُوطٌ: ﴿ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 80]، بَسَطَ حِينَئِذٍ جِبْرِيلُ جَنَاحَيْهِ فَفَقَأَ أَعْيُنَهُمْ، وَخَرَجُوا يَدُوسُ بَعْضُهُمْ فِي آثَارِ بَعْضٍ عُمْيَانًا، يَقُولُونَ: النَّجَا النَّجَا، فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ؛ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ﴾ [القمر: 37]، وَقَالُوا: "يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ؛ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ؛ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطِعٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ؛ فَاتَّبِعْ آثَارَ أَهْلِكَ، يَقُولُ: (﴿ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ﴾ [الحجر: 65]، فَأَخْرَجَهُمُ اللَّهُ إِلَى الشَّامِ، وَقَالَ لُوطٌ: "أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ"، فَقَالُوا: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ إِلَّا بِالصُّبْحِ؛ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟ فَلَمَّا أَنْ كَانَ السَّحَرُ خَرَجَ لُوطٌ وَأَهْلُهُ عَدَا امْرَأَتَهِ؛ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (﴿ إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ﴾ [القمر: 34]؛ رواه الحاكم وصحَّحه عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ووافقه الذهبيُّ.

 

هكذا كان اللقاءُ الأخيرُ بين لوطٍ - عليه السلامُ - وقومِه، وهكذا كان إخبارُ الملائكةِ له بخطةِ النجاةِ، وذلك بأنْ يَخرجَ بأهلِه من قريتِه وقتَ السَّحَرِ، آمِرًا لهم بعدمِ الالتفاتِ إلى الوراءِ؛ حتى لا يصيبَهم العذابُ، وأنَّ امرأتَه ستعصيه في أمرِه الأخيرِ كما عَصَتْهُ من قبلُ في الأمرِ الكبيرِ، فكانت مع الهالكين: ﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ [هود: 81].

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أما بعدُ:

فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

 

أيها المؤمنون، امتثل لوطٌ - عليه السلامُ - وأهلُه أمْرَ اللهِ؛ فساروا سَحَرًا ولوطٌ - عليه السلامُ - من ورائِهم متَّبِعًا أدبارَهم، فما إنْ بزغتِ الشمسُ مشرقةً إلا وشؤمُ عذابِ اللهِ الفظيعِ قد حلَّ بدارِ المجرمين، وحاقَ بهم ما كانوا فيه يَمْترون، وكان عذابًا شديدًا لم تُعذَّبْ به أمةٌ قبلَهم؛ اجتمعَ فيه صيحةُ عذابٍ شديدةُ الصوتِ: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ﴾ [الحجر: 73]، وقلْبٌ للديارِ ونكْسُها بعد أنْ اقتُلعتْ ورُفعتْ سماءً كما انتكستْ فِطرُهم: ﴿ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ﴾ [الحجر: 74]، وريحٌ حاصبٌ: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا ﴾ [القمر: 34]، ترجمُهم بحجارةٍ وطينٍ متصلِّبٍ مصفوفٍ متتابعٍ مسجَّلٍ على كل حَجَرٍ اسمَ صاحبِه الذي تحصبُه وإن كان خارجَ قريتِه: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ [هود: 82]، وبهذا الاستئصالِ العذابيِّ الفظيعِ قُطِعُ دابرُ هذه الأمةِ الدَّنِسةِ الخبيثةِ، وفنى دارجُها، وعفتْ آثارُها، ولم ينجُ منه إلا بيتُ لوطٍ المؤمنُ، وأُهلِكَ مِن قومِه الذكورُ الفاعلون الخبائثَ والإناثُ الراضون بها، وقيل: المساحقون، ولم يبقَ إلا آثارُ العذابِ ظاهرةً في قريتِهم التي جعلها الله عبرةً؛ تُرى في طريق لا زال يسلكُه المسافرون، ويتناقلون خبرَه حتى الآن، ولَمَّا كان لكلِ قومٍ وارثٌ، ولكلِّ ساقطٍ لاقطٌ وَرِثَ تلك النجاسةَ والانتكاسةَ قومٌ فاقوا فيها قومَ لوطٍ؛ إذ تبنَّى الدعوةَ لها والدفاعَ عنها ومحاربةَ مَن أنكرَها كياناتٌ دوليةٌ؛ قنَّنَتْ لها الأنظمةَ، وأضفتْ عليها الحمايةَ، ووسمتْها بمسمياتٍ؛ بُغيةَ تأنيسِها وتخفيفِ استبشاعِ الفِطَرِ لها، كمسمّى المثليةِ، وروَّجتْ لها الدعايةَ تحت ذريعةِ المظلوميةِ والشعاراتِ التي بلغتْ في دناءتِها أنْ زُجَّ بها في لعبِ الأطفالِ ورسومِهم المتحركةِ، وما سَلِمَ من تلك الدناءةِ شركاتٌ تجاريةٌ أعمى حبُّ المالِ فطرةَ ملّاكِها؛ فضلًا عن ترحُّلِ الرحمةِ من قلوبِهمُ الجشعةِ؛ فكانت من مروجيْ شعاراتِ الفاحشةِ ومُشِيعِيها.

 

وكلُّ ذلك مُوجِبٌ على أهلِ الغيرةِ الإيمانيةِ - كلٌّ على حسبِ استطاعتِه - أنْ يَتَبَنَّوْا منهجَ الإنكارِ النبويِّ المعصومِ الذي سنَّه نبيُّ اللهِ لوطٌ - عليه السلامُ - من إعلانِ النكيرِ عليهم، والتحذيرِ والتنفيرِ منهم ومن فِعْلِهم، وتسميةِ فحشائِهم باسمِها الشرعيِّ الذي سمّاها اللهُ به، وعدمِ تقبل فكرةِ التعايشِ معها أو مع أصحابِها ممْسوخي الفِطَرِ، وإقامةِ حدِّ اللهِ عليهم الذي أجمعَ الصحابةُ - رضي اللهُ عنهم - على كونِه قتلًا - كما حكاه شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ وابنُ القيمِ - وإنِ اختلفوا في كيفيتِه؛ أخذًا بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ؛ ‌فَاقْتُلُوا ‌الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»؛ رواه أحمدُ وصحَّحه ابنُ القيمِ على شرطِ البخاريِّ.

 

ومن جليلِ جهادِ أولئك المجرمين توعيةُ الجيلِ بعظيمِ خطرِهم، والتخويفُ بنزولِ عذابِ اللهِ الشديدِ الذي عذَّب به قومَ لوطٍ إنِ اتَّبعَ الظالمون آثارَ المجرمين أو رضوا فِعالَهم، ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 83].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد)

مختارات من الشبكة

  • ( وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لو اتقينا الله..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وما قتلوه وما صلبوه (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أذكار الصلوات وما قبلها وما بعدها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/12/1446هـ - الساعة: 12:20
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب