• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأنثى كالذكر في الأحكام الشرعية
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    الإنفاق في سبيل الله من صفات المتقين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    النهي عن أكل ما نسي المسلم تذكيته
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الحج: آداب وأخلاق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    يصلح القصد في أصل الحكم وليس في وصفه أو نتيجته
    ياسر جابر الجمال
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

التوبة وسعة رحمة الله والدعوة إلى سبيله (خطبة)

التوبة وسعة رحمة الله والدعوة إلى سبيله (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/8/2022 ميلادي - 10/1/1444 هجري

الزيارات: 14700

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التوبة وسعة رحمة الله والدعوة إلى سبيله[1]

 

الحمد لله ربِّ العالمين، يسمع دعاء الخلائق ويجيب، يؤنس الوحيد، ويَهدي الشريد، ويُذهب الوحشة عن الغريب، يغفر لمن استغفره، ويرحَم مَن استرحمه، ويُصلح المعيب، يستر العصاة، ويمهل البُغاة، ومن تاب منهم قُبِل وأثيب، من أطاعه تولَّاه، ومَن غفل عنه لا ينساه، وله من الرزق نصيب، نحمده تبارك وتعالى، ونرجوه الأمن والأمان، والرِّضا والرضوان في يوم يسقط الجنين فيه، والصغير فيه يشيب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المهيمن والرقيب، مَن تَبِع شرعَه والاه، ومن أوى إليه آواه، ومن توكَّل عليه كفاه، ومَن اعتصم به فهو مولاه، ومَن ارتجاه مخلصًا لا يخيب، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المقرب والحبيب، خَلْقُهُ نعمةٌ، ومبعثُه رحمةٌ، وشمسُ سُنَّتِه لا تغيب، هو تاجُ أولي العزائم، وقدوةٌ لكل صائم وقائم، وباتِّباعه تحلو الحياة وتطيب، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى الصَّحْب والآل، ومن تبعهم بإحسانٍ يا قريب يا مجيب، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واستقيموا إليه واستغفروه.

 

أيها المؤمنون، يحيط بابن آدم أعداءٌ كُثُر من شياطين الإنس والجن، يحسِّنون القبيح، ويقبِّحون الحسن، تنضم إليهم النفس الأمَّارة بالسوء، والشيطان، والهوى، يدعونه إلى الشهوات، ويقودونه إلى مهاوي الردى، ينحدر في موبقات الذنوب صغائرها وكبائرها، ينساق في مغريات الحياة، وداعيات الهوى، يصاحب ذلك ضيق وحرج وشعور بالذنب والخطيئة، فيوشك أن تنغلق أمامه أبوابُ الأمل، ويدخل في دائرة اليأس من روح الله، والقنوطِ من رحمته.

 

ولكن الله العليم الحكيم، الرؤوف الرحيم، الذي يعلم مَن خلق وهو اللطيف الخبير فتح لعباده أبواب التوبة، ودلَّهم على الاستغفار، وجعل لهم من أعمالهم الصالحةِ كفَّارات، وفي ابتلاءاتهم مكفِّرات؛ بل إنه سبحانه بفضله وكرمه يبدِّل سيئاتهم حسنات: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 27، 28].

 

أيها الإخوة في الله، لقد جعل الله في التوبة ملاذًا مكينًا وملجأً حصينًا، يَلِجُهُ المذنبُ معترفًا بذنبه، مؤمِّلًا في ربِّه، نادمًا على فعله، غير مُصِرٍّ على خطيئته، يحتمي بحمى الاستغفار، يُتبِع السيئة الحسنة، فيُكفِّر اللهُ عنه سيئاته، ويرفع من درجاته.

 

التوبة الصادقة تمحو الخطيئات مهما عظمت حتى الكفر والشرك ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]، وقتلة الأنبياء ممن قالوا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ﴾ [المائدة: 73]، وقالوا: إن الله هو المسيح بن مريم- تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- لقد ناداهم المولى بقوله: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 74].

 

فتح ربكم أبوابه لكل التائبين، يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل، وخاطبكم في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفِرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغْفِرْ لكم))؛ رواه مسلم، وفي التنزيل: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110]، ومن ظنَّ أن ذنبًا لا يتسع لعفو الله؛ فقد ظن بربِّه ظنَّ السوء، كم من عبد كان من إخوان الشياطين فمَنَّ اللهُ عليه بتوبةٍ محَتْ عنه ما سلف؛ فصار صوَّامًا قوَّامًا، قانتًا لله ساجدًا، وقائمًا يحذر الآخرة، ويرجو رحمة ربِّه.

 

أيها المؤمنون، من تدنَّس بشيء من قَذَرِ المعاصي فليبادر بغسله بماء التوبة والاستغفار؛ فإن الله يحب التوَّابين، ويحب المتطهِّرين، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((إذا أذنبَ عبدٌ فقال: ربِّ إني عملتُ ذنبًا فاغفِرْ لي، فقال الله: علم عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنْبَ، ويأخُذ بالذنب، قد غفرتُ لعبدي، ثم أذنب ذنبًا آخر، فذكر مثل الأول مرتين أخريين حتى قال في الرابعة: فليعمل ما شاء))؛ رواه البخاري؛ يعني: ما دام على هذه الحال كلما أذنب ذنبًا استغفر منه غيرَ مُصرٍّ.

 

عباد الرحمن، جاء من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رجلًا أتى النبي فقال: يا رسول الله، أحَدُنا يذنب، قال: ((يُكتب عليه))، قال: ثم يستغفر منه، قال: ((يُغفَرُ له، ويُتابُ عليه))، قال: فيعود فيذنب، قال: ((يُكتَبُ عليه))، قال: ثم يستغفر منه ويتوب، قال: ((يُغفَرُ له ويُتابُ عليه، ولا يمَلُّ اللهُ حتى تمَلُّوا))؛ رواه الحاكم بسند حسن.

 

وسُئل علي رضي الله عنه عن العبد يذنب؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور.

 

وقيل للحسن رحمه الله: ألا يستحي أحدُنا من ربِّه يستغفر من ذنوبه، ثم يعود، ثم يستغفر، ثم يعود؟ فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تمَلُّوا من الاستغفار.

 

إلى جانب التوبة والاستغفار- أيها الإخوة- تأتي الأعمال الصالحة من الفرائضِ والتطوعات تُكفَّرُ بها السيئات، وتُرفعُ بها الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن تطهَّر في بيته، ثم مَشَى إلى بيتٍ من بيوتِ اللهِ يقضي فريضةً من فرائض الله؛ كانت خطوتاه إحداهما تحُطُّ خطيئةً، والأخرى ترفَعُ درجةً))، وقال: ((الصلواتُ الخَمْسُ والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ كفَّاراتٌ لما بينهنَّ ما لم تُغْشَ الكبائر))، وقال: ((مَن توضَّأ فأحسَن الوضوء، ثم أتى الجُمُعة، فاستمع وأنصت؛ غُفِر له ما بينه وبين الجُمُعة وزيادة ثلاثة أيام))؛ أخرج كل ذلك مسلم في صحيحه من أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا باب واسع لا يكاد يقع تحت حصر من طلب الرزق، وإطعام الطعام، وحسن الخلق، والسماحة في التعامل، وطلب العلم، وقضاء الحوائج، وحضور مجالس الذكر، والرحمة بالبهائم، وإماطة الأذى، فأبشروا وأملوا، وأحسنوا الظن بربكم.

 

يُضاف إلى ذلك يا عباد الله ما يصيب المسلم من البلايا في النفس والمال والولَد، وما يَعرِضُ له من مصائب الحياة، ونوائب الدهر، فهي كفَّاراتٌ للذنوب، ماحياتٌ للخطايا، رافعاتٌ للدرجات.

 

في خبر الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مصيبةٍ تُصيبُ المسلم إلا كفَّرَ اللهُ له بها حتَّى الشوكة يُشاكُها))، وفي رواية: ((إلَّا رفَعَ اللهُ له بها درجةً، وحَطَّ عنه بها خطيئةً))، وفي الموطَّأ والترمذي بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يزالُ البلاءُ بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يَلْقى اللهَ وما عليه خطيئة))، وفي رواية الموطأ: ((ما يزالُ المؤمنُ يُصابُ في ولده وحامَّتِه- أي: أقربائه وخاصَّته- حتى يَلْقَى اللهَ وليس عليه خطيئةٌ)).

 

أيها المسلمون، إن العبد إذا اتجه إلى ربِّه بعزم صادق وتوبة نصوح، موقنًا برحمة ربِّه، واجتهد في الصالحات؛ دخلت الطُّمَأنينة إلى قلبه، وانفتحت أمامه أبوابُ الأمل، واستعاد الثقة بنفسه، واستقام على الطريقة، واستتر بستر الله.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8]، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسُنَّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، أحمده سبحانه، وأشكره، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، عليه توكلت، وإليه المتاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه المختارُ من أشرف الأنساب، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى الآل والأصحاب، والتابعين ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن من الناس من يخدعه طولُ الأمل، أو نَضْرَةُ الشباب، وزهرةُ النعيم، وتوافرُ النعم، فيُقدم على الخطيئة، ويسوِّف في التوبة، وما خدع إلا نفسه، لا يفكر في عاقبة، ولا يخشى سوء الخاتمة، ولقد يجيئه أمرُ الله بغتةً: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ﴾ [النساء: 18].

 

ومن الناس من إذا أحدث ذنبًا سارع بالتوبة، قد جعل من نفسه رقيبًا يبادر بغسل الخطايا إنابةً واستغفارًا، وعَمَلًا صالحًا، فهذا حريٌّ أن ينضم في سلك المتقين الموعودين بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، ممن عناهم الله بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136].

 

فهذه حال الفريقين أيها المؤمنون، فاتقوا الله، وأنيبوا إليه، ولا تيأسوا يا عباد الله من رحمته، ولا تتوانَوا عن الدعوة إلى سبيله، ومهما رأى الغيورون على حرمات الله من ضعف الاستقامة في الدين، وانتشار الفساد، وضعف الاحتساب، ووهن الانقياد؛ فعليهم بإحسان الظنِّ بالله، والعمل على رفع أسباب الفساد بما شرعه الله لهم من أبواب تغيير المنكر، وإقامة المعروف، وألا يرفعوا عذاب الله بعذاب الله؛ بل بالتوبة والتجرُّد والاستغفار، وحسن الاتِّباع، وما أكثر الأبواب المقدُورة في الواقع؛ ولكن الكَسَل والتراخي، والإخلاد إلى الأرض، والعجلة والتواكُل مؤذنةٌ للمخذولِ بقذف الملامة على غيره، وتزكية نفسه، والله المستعان.

 

ولقد قال لقمان لابنه: يا بني، إيَّاك والكسلَ والضجر، فإنَّك إذا كسلت لم تؤدِّ حقًّا، وإذا ضجرت لم تصبر على حقٍّ، ﴿ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ﴾ [مريم: 84].

 

ومن سنن الله تعالى أن المنكر العام إذا لم يُحتسب في دفعه وإنكاره؛ فإن العقوبة تكون عامة، قال الكبير العظيم سبحانه: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]، وقال: ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 45، 46].

 

ولقد كتب ابن تيمية كلامًا نفيسًا في وصف يأسِ بعض الناس عند رؤية العجز العام عن القيام بأمر الدين فقال: "وكثيرٌ من الناس إذا رأى المنكر، أو تغيُّر كثيرٍ من أحوال الإسلام جزعَ وكَلَّ، وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا؛ بل هو مأمور بالصبر، والتوكُّل، والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون، وأن العاقبة للتقوى، وأن ما يصيبهُ فهو بذنوبه، فليصبر إنَّ وعد الله حق، وليستغفر لذنبه، وليُسبِّح بحمد ربِّه بالعشي والإبكار".

 

ولكل قلبٍ أضناه الحزن لعجز يده أو لسانه عن إنكار منكر؛ أنكِرْ بقلبك، ثم تدبَّر قولَ ربك: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112]، وقولَه: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الحجر: 88]، وكلما دَهَمَك هَمٌّ بما تراه وتسمَعه فردِّدْ مُتدبِّرًا قول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4].

 

وما دام المؤمن متعلقًا بربِّه، مُحسنًا الظنَّ به، تامَّ الطُّمَأْنينة بتدبيره، مفوِّضًا أمورَه إليه؛ فهو- والله- بخيرٍ مهما اشتدَّ بلاؤه، فلله في ثنايا ابتلائه مِنَحٌ عظيمة، ونِعَمٌ جليلة، لا يتصوَّرُها إلا مَن عرَف ربَّه بجميل صفات كماله، وكفى بنعمة الصبر والرِّضا والشكر والحمد والإيمان نعمة، فللهِ الحمدُ كثيرًا.

 

ولا تحدثني عن دنياك مهما كان حالُك معها؛ لكن حدِّثْني عن حالِ قلبك مع ربِّك، فهو محور سعادتك لأبد الأبد، ولقد كتب أخٌ لأحمدَ بنِ حنبلٍ أيامَ المحنة:

هذي الخطوبُ ستنتهي يا أحمدُ
فإذا جَزِعْتَ من الخُطُوب فمَنْ لها
الصبرُ يقطعُ ما ترى فاصْبِرْ لها
فعسى بها أن تنجلي ولعلَّها

 

فأجابه الإمام:

صبَّرْتني ووعظتني فأنا لها
فستنجلي بل لا أقولُ لَعَلَّها
ويحُلُّها من كان يملك عَقْدَها
ثقةً به إذْ كان يَمْلِكُ حلَّها

 

اللهم صلِّ على محمد.



[1] منقولة بتصرف وزيادات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عن التوبة والتائبين
  • التوبة والإقلاع عن المعاصي
  • أحاديث في فضل صلاة التوبة والاستخارة
  • التوبة والفرار إلى الله
  • ناهيك بمن قطعه الله وطرده من رحمته وحرم عليه جنته
  • بواعث التوبة من أرض الغفلة والخمول (1)
  • لا تحسبن التوبة كلمة تقال أو حجرة عثرة متى شئت تقال
  • انظر إلى آثار رحمة الله تعالى في تشريعه
  • يا رياح التوبة هبي
  • شروط التوبة

مختارات من الشبكة

  • التوبة.. التوبة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوبة إلى الله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوبة الصادقة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الترغيب في التوبة (توبوا إلى الله توبة نصوحا)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • وتوبوا إلى الله جميعا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمور المعينة على التوبة (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • {ورحمتي وسعت كل شيء} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {ورحمتي وسعت كل شيء} وقفة مع حديث "التبعات"(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ورحمتي وسعت كل شيء ( عرض تقديمي )(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أسلوب الدعوة إلى التوبة وفتح باب الأمل في التربية(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/12/1446هـ - الساعة: 22:18
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب