• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الحلم زينة الأخلاق وعقد مفاخرها

الحلم زينة الأخلاق وعقد مفاخرها
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/8/2022 ميلادي - 6/1/1444 هجري

الزيارات: 14302

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحلم زينة الأخلاق وعقد مفاخرها

 

الحمد لله الذي شرَح صدور أهل الإسلام للهدى، ونكت في قلوب أهل الطغيان، فلا تعي الحكمة أبدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهًا أحدًا فردًا صمدًا، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ما أعظمه عبدًا وسيدًا، وأكرمه أصلًا ومحتدًا، وأطهره مضجعًا ومولدًا، وأبهره صدرًا وموردًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه مصابيحِ الدجى، وغيوث النَّدى، وليوث الرَّدى، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم، صلاة وسلامًا دائمين مؤبدين إلى أن يُبعَث الناس غدًا؛ أما بعد:

ألا فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السر والعلن، والغضب والرضا، والمنشط والمكره؛ فإن التقوى عهد بين المرء وبين ربه، فمن وفَّى به أحبَّه الله: ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76].

 

أيها المسلمون المتحابون بجلال الله، نعيش اليوم مع عمل يسير، وأجر كبير، وفضل عظيم، وخلق نبيل؛ خلق هو زينة الأخلاق، وعقد مفاخرها، ومسك جواهرها، وقبة فلكها، وشمس مدارها، خلقٌ مَن تحلَّى به، فقد نبُل وكرُم، ومن تزين به، فقد جمُل وعظُم، ما أيسر تحمله! وما أنصع تجمله! وما أعظم فضله، وأرفع أجره!

 

إنه خلق تسمى الله تعالى به، ووصف به نفسه، وأثنى على نفسه به.

 

ألا وإنه خُلُقُ الحِلْمِ، خلق الحلم الذي أثنى الله جل جلاله على ذاته العلية به في عدة مواضع من كتابه الكريم؛ فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235].

 

وقال: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 263].

 

وقال: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 51].

 

وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41].

 

كان صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم))[1].

 

الحليم يا عباد الله: الذي لا يعجل بالعقوبة والانتقام، ولا يحبس إنعامه عن عباده لأجل ذنوبهم، بل يرزق العاصي كما يرزق المطيع، وهو ذو الصفح مع القدرة على العقاب.

 

قال سبحانه: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [يونس: 11].

 

وقال: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61].

 

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾ [الكهف: 58].

 

﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [فاطر: 45].

وهو الحليم فلا يعاجل عبده
بعقوبة ليتوب من عصيانِ

 

عباد الله، إن الحلم صفة من أبرز صفات الأنبياء عليهم السلام:

قال تعالى في حق نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114]، ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هود: 75].

 

ورزقه الله من ذريته نبيًّا حليمًا هو إسماعيل؛ فقال تعالى: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101].

 

وحكى عن قوم شعيب أنهم قالوا له: ﴿ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87].

 

وسمى تعالى نبيه يحيى عليه السلام سيدًا؛ لحلمه.


قال عكرمة: السيد: الذي لا يغلبه الغضب[2].

 

وقال ابن عباس: ﴿ وَسَيِّدًا ﴾ [آل عمران: 39]: حليمًا تقيًّا[3].

 

قال الراغب: "الحلم ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب"[4].

من يدَّعي الحلم أغضِبه لتعرفه
لا يُعرف الحلم إلا ساعة الغضب

 

وقال الجاحظ: "الحلم ترك الانتقام عند شدة الغضب، مع القدرة على ذلك"[5].

 

قال الجرجاني: "الحلم هو الطمأنينة عند سَورَةِ الغضب"[6].

وليس يتم الحلم في المرء راضيًا
إذا كان عند السخط لا يتحلَّمِ

 

ولذلك كان يقال: الحلم حجاب الآفات[7].

 

وقال آخر: من حلُمَ ساد، ومن ساد قاد، ومن قاد ملك[8].

 

وقال آخر: حِلْمُ ساعة يرد سبعين آفة[9].

والحلم أعظم ناصر تدعونه
فالزمه يكفِك قلة الأنصارِ

 

الحلم - يا عباد الله - من الخصال العظيمة التي يريد الله من عباده أن يتخلقوا بها؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((التأني من الله، والعَجَلَة من الشيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحب إلى الله من الحمد))[10].

 

وهي خصلة يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس: ((إن فيك لَخَصْلَتين يحبهما الله ورسوله، قال: ما هما؟ قال: الحلم والأناة))[11].

 

قال النووي: "الحلم هو: العقل، والأناة هي: التثبت وترك العَجَلة"[12].

ألم تر أن الحلم زين مسود
لصاحبه والجهل للمرء شائنُ
فكن دافنًا للجهل بالحلم تسترح
من الجهل إن الحلم للجهل دافنُ

 

عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتقِ الشر يُوقَه))[13].

لعمرك إن الحلم زين لأهله
وما الحلم إلا عادة وتحلُّمُ

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصِلُهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلُم عنهم ويجهلون عليَّ، قال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما تقول، فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك))[14].

تحلم عن الأدْنَين واستبقِ ودَّهمُ
ولن تستطيع الحلم حتى تحلَّما

 

على حد قول أسامة بن منقذ:

إذا أدمت قوارصكم فؤادي
صبرتُ على أذاكم وانطويتُ
وجئت إليكم طلق المحيا
كأني ما سمعت ولا رأيتُ[15]


قال لقمان الحكيم: "ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن:

لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه"[16].

ليست الأحلام في حال الرضا
إنما الأحلام في حال الغضب

 

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك، ويعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله"[17].

 

وقال رضي الله عنه أيضًا: "إن أول عوض الحليم من حلمه أنَّ الناس كلهم أعوانه على الجاهل"[18].

حسب الحليم أن كل الناس
أنصاره على الجهول القاسي

 

وقال عمر رضي الله عنه: "تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم"[19].

 

وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "لا يبلغ العبد مبلغ الرأي حتى يغلب حلمُه جهلَه، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة الحلم"[20].

إذا الحلم لم يغلب لك الجهل لم تزل
عليك بروقٌ جمَّة ورواعدُ

 

وقال أيضًا: "عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال"[21].

وأسمعه رجل كلامًا شديدًا، فقيل له: لو عاقبته، فقال: "إني أستحيي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي"[22].

والحلم عن قدرة فضل من الكرم

 

وسأل عمرو بن الأهتم: أي الرجال أشجع؟ قال: "من رد جهله بحلمه"، قال: فأي الرجال أسخى؟ قال: "من بذل دنياه لصالح دينه"[23].

 

وقال مرة لعَرَابة بن أوس: بم سُدتَ قومك يا عرابة؟

 

قال: "كنت أحلم عن جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في حوائجهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن جاوزني فهو أفضل، ومن قصر عني فأنا خير منه"[24].

رأيت عرابة الأوسي يسمو
إلى الخيرات منقطعِ القرينِ
إذا ما رايةٌ رُفعت لمجدٍ
تلقَّاها عرابةُ باليمينِ

 

وقال بعضهم: "ليس الحليم من ظلم فحلم، حتى إذا قدر انتقم، ولكن الحليم من ظلم فحلم، حتى إذا قدر عفا"[25].

وقد قيل: غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله[26].

 

قال إياس بن قتادة:

تعاقب أيدينا ويحلم رأينا
ونشتم بالأفعال لا بالتكلمِ

 

ولذلك قيل: في إعْراضِك صَونُ أعْراضِك.

 

واستشعرِ الحلم في كل الأمور ولا
تسرع ببادرة يومًا إلى رجل
وإن بليتَ بشخص لا خلاقَ له
فكن كأنك لم تسمع ولم يقل

 

كان الأحنف بن قيس سيدًا في قومه، وقد ضُرب المثل بحلمه؛ فقال أبو تمام يمدح الأمير أحمد بن المعتصم:

إقدامُ عمروٍ في سماحةِ حاتمٍ
في حلم أحْنَفَ في ذكاء إياسِ

 

كان إذا غَضِبَ غَضِبَ له مائة ألف، لا يدرون فيم غضب[27].

تبِعه رجلٌ فأخذ يَسُبُّه طول الطريق، فلما قرب الأحنف من المنزل وقف وقال: يا هذا، إن كان بقي معك شيء فقله هنا؛ فإني أخاف إن سمعك فتيان الحي أن يؤذوك، ونحن لا نحب الانتصار لأنفسنا[28].


وهو الذي قال: ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره ثلاث خصال:

—• إن كان أعلى مني، عرفت له قدره.

—• وإن كان دوني، رفعت قدري عنه.

—• وإن كان نظيري، تفضَّلت عليه[29].

 

سألزم نفسي الصفحَ عن كل مذنبٍ
وإن كثُرت منه إليَّ الجرائمُ
فما الناس إلا واحد من ثلاثة
شريف ومشروف ومثلي مقاومُ
فأما الذي فوقي فأعرف فضله
وأتبع فيه الحق والحق لازمُ
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن
إجابته عرضي وإن لام لائمُ
وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا
تفضلت إن الحلم للفضل حاكمُ

 

فالحليم لا ينتصف من جاهل أبدًا، وقد كان الأحنف يقول: "من لم يصبر على كلمة، سمِعَ كلماتٍ، ورُبَّ غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه، وأنشد:

رضيت ببعض الذل خوف جميعه
كذلك بعض الشر أهون من بعض"

 

وقال بعضهم: "شتمت فلانًا من أهل البصرة، فحلم عليَّ، فاستعبدني بها زمانًا"[30].

 

وأحلم عن خِلِّي وأعلم أنه
متى أجزه حلمًا عن الجهل يندمِ

 

قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لرجل سَبَّه: يا عكرمة، هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى مما رأى من حلمه عليه[31].

والعز في الحلم لا في الطيش والسفه

 

وشتم رجل الشعبي فقال: "إن كنت كما قلت، فغفر الله لي، وإن لم أكن كما قلت، فغفر الله لك"[32].

كان ابن هبيرة قد أسمعه رجل ما ساءه، فأعرض عنه، فقال الرجل له: إياك أعني، فقال ابن هبيرة: وعنك أُعْرِض[33].

وجهل رددناه بفضل حلومنا
ولو أننا شئنا رددناه بالجهل

 

وعن حفص بن غياث قال: كنت جالسًا عند جعفر بن محمد، ورجل يشكو رجلًا عنده، قال لي كذا، وفعل لي كذا، فقال له جعفر: من أكرمك فأكرمه، ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه[34].


وقال رجل لعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لأتفرغن لك، قال: هنالك وقعت في الشغل، قال: كأنك تهددني، والله لئن قلت لي كلمة لأقولن لك عشرًا، فقال عمرو: وأنت والله لئن قلت لي عشرًا لم أقل لك واحدة[35].

وفي الحلم ردع للسفيه عن الأذى

قالوا سكتَّ وقد خُوصِمت قلت لهم
إن الجواب لباب الشر مفتاحُ
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف
وفيه أيضًا لصون العرض إصلاحُ
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة
والكلب يخشى لعمري وهو نباحُ

 

وانظر إلى نموذج فريد يحتذى في الحلم والاتزان الانفعالي العجيب؛ إنه معن بن زائدة؛ فقد أُثِرَ أنه تراهن جماعة على مائة ناقة لمن يُغْضِبُ معن بن زائدة ويخرجه عن حلمه، فقبِل أحدهم أن يأخذ مائة أو يعطي مائة إن لم ينجح، فلبس الرجل جلدَ جملٍ ذُبح حديثًا ودخل ولم يسلم، وقال لمعن بن زائدة وكان يومئذٍ واليًا:

أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعيرِ

 

فقال معن: أذكره ولا أنساه، والحمد لله.

فقال الرجل:

فسبحان الذي أعطاك ملكًا
وعلمك الجلوس على السريرِ

 

فقال معن: وله الشكر على ما أعطى.

فقال الرجل:

فلست مُسَلِّمًا ما عشتُ حيًّا
على معن بتسليم الأميرِ

 

فقال معن: إن سلمت رددنا عليك السلام، وإن تركت فلا ضير عليك.

فقال الرجل:

سأرحل عن بلاد أنت فيها
ولو جار الزمان على الفقيرِ

 

فقال معن: إن أقمت فعلى الرحب والسعة، وإن رحلت عنا فمصحوبًا بالسلام.


فقال الرجل:

فجُدْ لي يا بن ناقصة بمال
فإني قد عزمت على المسيرِ

 

فقال معن: أعطوه ألف دينار.

فقال الرجل:

قليل ما أتيت به وإني
لأطمع منك بالمال الكثيرِ
فثن فقد أتاك الملك عفوًا
بلا عقل ولا رأي منيرِ
قليل ما أتيت به وإني
لأطمع منك بالمال الكثيرِ
فثن فقد أتاك الملك عفوًا
بلا عقل ولا رأي منيرِ

 

فقال معن: أعطوه ألفًا ثانيًا.

فتقدم الرجل إليه، وقبَّل يديه.

 

وقال:

سألت الله أن يبقيك ذخرًا
فما لك في البرية من نظيرِ
فمنك الجود والأفضال حقًّا
وفيض يديك كالبحر الغزيرِ

 

فقال معن: أعطيناه على هجائه ألفين، فأعطوه على مدحنا أربعة ألاف.

 

قال الأعرابي:

جُعلت فداك، ما فعلت ذلك إلا لمائة بعير جُعلت على إغضابك.

فقال معن: لا خوف عليك.

ثم أمر له بمائتي بعير، نصفها للرهان، والنصف الآخر له.

فانصرف الأعرابي داعيًا وشاكرًا[36].

ألا ما أجمل الحلم وما أنبله!

وما أروعه وأفضله!

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله، وأتوب إليه.

 

الخطبة الثانية:

الحمد الله، نحمده على النعم الغامرة، حمدًا يعيد قفار القلوب عامرة، ونقر له بالتوحيد على عقيدة ظاهرة، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد صلاةً تجلب لنا صلاةً إلى صلاة إلى عاشرة، وعلى آله أولي المناقب الفاخرة، وصحبه ذوي الفضائل المتكاثرة؛ أما بعد:

عباد الله، وممن عُرف واشتُهر بالحلم: قيس بن عاصم؛‏ قال عنه صلى الله عليه وسلم:‏ ((هذا سيد أهل الوبر))[37] ، وكان رضي الله عنه عاقلًا، مشهورًا بالحلم‏.

 

قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المِنْقَرِيِّ؛ رأيته قاعدًا بفناء داره، محتبيًا بحمائل سيفه يحدِّث قومه، حتى أُتِيَ برجل مكتوف ورجل مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك، فوالله ما حلَّ حَبوته، ولا قطع كلامه، ثم التفت إلى ابن أخيه وقال له: يا بن أخي، أثمت بربِّك، ورميتَ نفسك بسهمك، وقتلت ابن عمك، ثم قال لابن له آخر: قم يا بني فَوَارِ أخاك، وحلَّ كتاف ابن عمك، وسُقْ إلى أمه مائة ناقة ديةَ ابنها؛ فإنها غريبة[38].


هذا قيس الذي يقول فيه الشاعر:

عليك سلام الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك منةً
إذا ذُكرت أمثالها تملأ الفما
فما كان قيسٌ هُلْكُه هُلْكُ واحدٍ
ولكنه بنيانُ قومٍ تهدما

 

وتأمل هذه القصة البديعة في الحلم:

عن وائل بن حجر قال: ((لما بلغنا ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجت وافدًا عن قومي حتى قدمت المدينة... وأنزلني رسول صلى الله عليه وسلم منزلًا شاسعًا من المدينة، وأمر معاوية بن أبي سفيان أن ينزلني إياه، فخرجت وخرج معي، حتى إذا كنا ببعض الطريق قال: يا وائل، إن الرمضاء قد أصابت باطن قدمي، فأردِفْني خلفك، قلت: ما أضِنُّ عنك بهذه الناقة، ولكن لست من أرداف الملوك، وأكره أن أعيَّر بك، قال: فألقِ إليَّ حذاءك أتوقى به من حر الشمس، قال: ما أضن عنك بهاتين الجلدتين، ولكن لست ممن يلبس لباس الملوك، وأكره أن أعير بك))[39].


قال: فلما استخلف معاوية أتيته، فأقعدني معه على السرير، فذكرني الحديث، فقال سماك: فقال: "وددت أني كنت حملته بين يدي"[40].

 

وهو القائل رضي الله عنه: "من عفا ساد، ومن حلم عظم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب"[41].

 

عبدالله:

كن حليمًا إذا بليت بغيظٍ
كن صبورًا إذا أتتك مصيبة
فالليالي من الزمان حبالى
مثقَلات يلدن كل عجيبة

 

يُحكى أن بعض الشرفاء في بلاد خراسان كان أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه كان فاسقًا ظاهر الفسق، وكان هناك مولًى أسود تقدم في العلم والعمل، فأكب الناس على تعظيمه، فاتفق أن خرج يومًا من بيته يقصد المسجد، فاتبعه خلق كثير، فلقيه الشريف سكران، فكان الناس يطردونه عن طريقه، فغلبهم وتعلق بأطراف الشيخ، وقال: يا أسود الحوافر والمشافر، يا كافر ابن كافر، أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُذَلُّ وأنت تُجَلُّ، وأُهان وأنت تُعان، فهمَّ الناس بضربه، فقال الشيخ: لا تفعلوا، هذا محتمل منه لجده، ومعفو عنه وإن خرج عن حده، ولكن أيها الشريف، بيَّضت باطني وسوَّدت باطنك؛ فرؤي بياض قلبي فوق سواد وجهي فحسنت، وسواد قلبك فوق بياض وجهك فقبحت، وأخذت سيرة أبيك وأخذت سيرة أبي، فرآني الخلق في سيرة أبيك ورأوك في سيرة أبي؛ فظنوني ابن أبيك، وظنوك ابن أبي؛ فعملوا معك ما يُعمل مع أبي، وعملوا معي ما يُعمل مع أبيك؛ ولهذا ونحوه قيل:

ولا ينفع الأصل من هاشم
إذا كانت النفس من باهله[42]

 

وخرج زين العابدين بن علي بن الحسين رضي الله عنهم إلى المسجد؛ فسبه رجل في الطريق، فقصده غلمان زين العابدين ليضربوه ويؤدبوه فنهاهم، وقال لهم: كفوا أيديكم عنه، ثم التفت إلى ذلك الرجل، وقال: يا هذا أنا أكثر مما تقول، وما لا تعرفه عني أكثر مما عرفته، فإن كان لك حاجة في ذكره - يعني ذكر معايبي - ذكرته لك، فخجل الرجل واستحيا، فخلع زين العابدين قميصه له، وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل وهو يقول: أشهد أن هذا ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم[43].

إذا كنت بين الجهل والحلم قاعدًا
وخيرت أنَّى شئت فالحلم أفضلُ

 

ودخل عمر بن عبدالعزيز المسجد ليلة في الظلمة، فمر برجل نائم، فعثر به، فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا، فهمَّ به الحرس، فقال عمر: مه، إنما سألني: أمجنون؟ فقلت: لا[44].

أما رأيت جبال الأرض لازمةً
قرارها وغبار الأرض يرتفع؟

 

وقال رجل لوهب بن منبه: إن فلانًا شتمك، فقال: ما وجد الشيطان بريدًا غيرك[45].

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يتمثل حال الحلماء فيقول:

إذا سبني نذل تزايدت رفعةً
وما العيب إلا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي عليَّ عزيزةً
لمكَّنتها من كل نذل تحاربه

 

قال ابن الأثير في تاريخه وهو يتحدث عن صلاح الدين الأيوبي: "وكان رحمه الله كريمًا، حليمًا، حسن الأخلاق، متواضعًا، صبورًا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه، وبلغني أنه كان يومًا جالسًا وعنده جماعة؛ فرمى بعض المماليك بعضًا بسرموز – أي بحذاء – فأخطأته ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه ليتغافل عنها"[46].

 

التيه مفسدة للدين منقصة
للعقل مهتكة للعرض فانتبه
لا تشرَهَنَّ فإن الذل في الشَّرَه
والعز في الحلم لا في البطش والسفه

 

إن الحلم يحفظ على نفس الرجل عزتها وكرامتها وحشمتها، ويرفعها عن مجاراة السفلة والسُّوقة، ويكثر أهل الخير من حوله.

 

والرجل العظيم حقًّا كلما حلَّق في آفاق الكمال اتسع صدره، وامتد حلمه، وعذر الناس من أنفسهم، والتمس المبررات لأغلاطهم!

 

ليس الغبي بسيد في قومهِ
لكن سيد قومه المتغابي

 

عباد الله: من غرس الحلم، اجتنى ثمرة السلم، والحلم يُعرف ساعة الغضب، وخير الناس بطيء الغضب، سريع الرجوع عنه، وشرهم سريع الغضب، بطيء الرجوع للرضا، ومن كمال العقل مَن إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضيَ لم يخرجه رضاه من حق.

قال أبو العتاهية:

فيا رب هب لي منك حلمًا فإنني
أرى الحلم لم يندم عليه حليمُ
ويا رب هب لي منك عزمًا على التقى
أقيم به ما عشت حيث أقيمُ
ألا إن حلم المرء أكرم نسبة
تسامى بها عند الفخار كريمُ

 

عباد الله:

في الخلق صفوة، وصفوة هؤلاء الصفوة أنبياء الله ورسله، وفي الذروة منهم: أولو العزم من الرسل، وذروة الذرا: من ساد الورى، فهو المجلي والورى إلى ورا، سيد ولد أدم أجمعين.

 

وماذا عسى في حلمه أنا قائل
ولو جئت فيه مطنبًا بالفرائدِ
لئن رام قولي أنْ يحيط بوصفه
حاط بقولي العجز من كل جانبِ

 

راجح إن طاشت الأحلام، ثابت إن زلت الأقدام، دون حلمه الطود الأشم، والصخر الأصم.

فردٌ في عالَمٍ وعالم في فرد، تبوأ أعلى درجات الكمال على الإطلاق، وحاز قصب السبق في سلم الأخلاق.

 

رفيع الذرا من فوق أعلى الفراقد.

قال أنس: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس، أذهبتَ حيث أمرتك؟ قال: قلت: نعم، أنا أذهب، يا رسول الله))[47].

 

الشهب تغرب في كنانة حلمه
والفجر يشرق في دجنة عفوِهِ

 

حدِّث عن حلمه ما شئت، وقل في خِلاله ما تريد، ورتل من أحاديث مجده ما بدا لك، واكرع من عذب شمائله ما يرويك، واغترف منساحل مكارمه ما يكفيك؛ فهو بحر لا تكدره الدلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، وبدر لا تسامره أنجم الجوزاء، وهلال لا تدانيه ذوائب الظلماء.

 

والذي رفع السماء، ونصب أحدًا وحراء، وعلم آدم الأسماء ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أحلمَ ولا أحزمَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ليس في الحلم له كفؤ وهل
تستوي يومًا شمال ويمين؟!

 

لا تستخفه التوافه، ولا تستفزه الشدائد.

كان يقول: ((ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شَتْمَ قريش ولعنهم، يشتمون مُذَمَّمًا، ويلعنون مذممًا، وأنا محمد))[48].

 

كل حليم حُفظت له هفوة أو زلة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبرًا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلمًا.

وإذا الإباء المر قال له: انتقم
قالت خلائقه الكرام: بل احلم
نهجٌ من الحلم العظيم سما به
وفضيلة لسواه لم تتقدم
حتى لقد ود البريء لو انه
أدلى إليه بفضل جاه المجرم

 

كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس يتجاوز عن المسيء فيشرق قلبه بالإسلام ويضيء، لا تحركه الأهواء، ولا التصرفات الرَّعْناء.

قد كان قرآنًا يسير أمامهم= وبه اقتدوا فأضاءت الأفكار

 

ولا عجب في ذلكم – عباد الله – فإن الذي أرسله رحمن رحيم غفور ودود، وقد أنشز لحم نبيه صلى الله عليه وسلم وبل عروقه بإملاجات حليمة السعدية؛ فكان له من اسمها نصيب.


جاءه يهودي اسمه: زيد بن سعنة، فابتاع منه تمرًا معلومًا إلى أجل... فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان ونفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، قال زيد: فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجه غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبدالمطلب بمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، قال: ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، وقال: أي عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل به ما أرى؟ فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فوته، لضربت بسيفي هذا عنقك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتُؤَدَة، ثم قال: إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضِهِ حقه، وزده عشرين صاعًا من غيره مكان ما رعته، قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك، فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا، فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحَبْرُ؟ قلت: نعم، الحبر، قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت، وتفعل به ما فعلت؟ فقلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي مالًا صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم توفي في غزوة تبوك مقبلًا غير مدبر))[49].

يا معشر الأحباب أوبوا للهدى
واقْفُوا سبيل المصطفى الأوابِ
إن الهدى في قفوِ شِرعة أحمد
وخلافها رد على الأعقابِ

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر عثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


اللهم أغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجمِّلنا بالعافية.

 



[1] رواه البخاري في صحيحه، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، باب الدعاء عند الكرب (8/ 57).

[2] تفسير الطبري (6/ 376).

[3] المصدر السابق.

[4] نضرة النعيم (5/ 1736).

[5] المصدر السابق.

[6] المصدر السابق.

[7] الدر الفريد وبيت القصيد (4/ 81).

[8] المصدر السابق.

[9] المصدر السابق.

[10] رواه أبو يعلى الموصلي، باب مسند أنس بن مالك (3/ 582)، ورواه البيهقي في شعب الإيمان (6/ 211)، حسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2/ 242).

[11] رواه مسلم في صحيحه، من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله، وشرائع الدين، والدعاء إليه (1/ 48).

[12] شرح النووي على مسلم (1/ 189).

[13] رواه ابن شاهين في الترغيب، باب مختصر من كتاب الحلم (ص81)، حسنه الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 461).

[14] رواه مسلم في صحيحه، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (4/ 1982).

[15] وفيات الأعيان (4/ 84).

[16] أمالي القالي (2/ 179).

[17] حلية الأولياء (1/ 75).

[18] الحلم لابن أبي الدنيا (ص27).

[19] المجالسة وجواهر العلم (4/ 39).

[20] جامع معمر بن راشد (11/ 165).

[21] نهاية الأرب في فنون الأدب (6/ 50).

[22] تاريخ دمشق (59/ 179).

[23] الحلم لابن أبي الدنيا (ص33).

[24] المصدر السابق (ص40).

[25] العقد الفريد (2/ 141).

[26] زهر الآداب (4/ 1080).

[27] وفيات الأعيان (2/ 500).

[28] المستطرف(ص302).

[29] بهجة المجالس(ص132).

[30] الحلم لابن أبي الدنيا (ص38).

[31] إحياء علوم الدين (3/ 178).

[32] العقد الفريد (2/ 135).

[33] الكامل في اللغة والأدب (3/ 61).

[34] روضة العقلاء (212، 13).

[35] العقد الفريد (2/ 134).

[36] مجاني الأدب (5/ 116).

[37] رواه البخاري في الأدب المفرد، باب هل يفلي أحد رأس غيره؟ (ص328)، حسنه الألباني، صحيح الأدب المفرد (ص358).

[38] العقد الفريد (2/ 136).

[39] رواه الطبراني في المعجم الكبير، من حديث وائل بن حجر (2/ 284).

[40] رواه أحمد في مسنده، من حديث وائل بن حجر (45/ 212)، وابن حبان في صحيحه (16/ 182).

[41] المستظرف (ص199).

[42] تفسير الألوسي (13/ 316).

[43] التبر المسبوك (ص25).

[44] الطبقات الكبرى (5/ 310).

[45] تاريخ دمشق لابن عساكر (63/ 389).

[46] الكامل في التاريخ (10/ 118، 19).

[47] رواه مسلم في صحيحه، باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا (4/ 1805).

[48] رواه البخاري في صحيحه، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم (4/ 185).

[49] رواه ابن حبان في صحيحه، من حديث عبدالله بن سلام، باب ذكر الاستحباب للمرء أن يأمر بالمعروف من هو فوقه ومثله ودونه في الدين...(1/ 521)، ورواه الطبراني في المعجم الكبير(5/ 222)، والحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(3/ 700)، ضعفه الألباني، السلسلة الضعيفة(3/ 516).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عرفة لمن عظم الله وعرفه
  • خطبة: {وليال عشر}
  • الأصل في تحمل الضمان في عقد البيع
  • أخلاق يبغضها الله سبحانه (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • من أخلاق الرسول: الحلم والعفو(مقالة - ملفات خاصة)
  • من محاسن الأخلاق الإسلامية: الحلم(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • الحلم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الصوم وتربية المسلم على الحلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من صفات عباد الرحمن: خلق الحلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الحلم والصفح وكظم الغيظ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وتحقق يا شام الحلم(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من أقوال السلف في الحلم والرفق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحلم وكظم الغيظ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث ابن عباس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة"(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب