• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة: {وإنك لعلى خلق عظيم} (2)

خطبة: {وإنك لعلى خلق عظيم} (2)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/7/2022 ميلادي - 23/12/1443 هجري

الزيارات: 7127

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4] (2)

 

اللهُمَّ لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم لك الحمد كلّه، أوله وآخره، علانيتُه وسِرُّه، حق أنت أن تحمد، وأنت للحمد أهل، حق أنت أن تُعبد، لا إله إلا أنت، وأنت على كل شيء قدير، هَدَيْتنا للإسلام، ووفَّقْتنا للسنة، وأنزلت إلينا خيرَ كتُبِك، وأرسلت إلينا خيرَ رُسُلِكَ، وجعلتنا من خير أمة أُخْرِجت للناس، فلكَ الحمدُ أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، ولك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخليلُه وكليمُه ومصطفاه وخيرته من خلقه، صاحب الجبين الأنور، والوجه الأزهر، خيرُ من وطئ الثرى، وركب الذُّرى، وتسنَّم المراتب العُلى، خيرُ المرسلين، وسيدُ ولد آدم أجمعين، وقائدُ الغُرِّ المحجَّلين، كلُّ بني الإنسان تحت لواء حمده يوم القيامة، آدم ومن دونه، صاحبُ الحوضِ المورود، والمقامِ المحمود، والشفاعةِ العظمى التي يغبطه عليها الأنبياء، بلَّغ وبشَّر وأنذر، ووعد وأوعد من ربه وحذَّر، ترك أمته على الصراط المستقيم، الذي لا يضل عنه إلا المخذول، ولا يتنكب محجَّته سوى المحروم، ولا يُوفَّق لهدايته إلا المرحوم، جعلني الله ووالدينا والمسلمين من حزبه المفلحين، وأتباعه المسددين، وآمن فزعنا يوم الدين، وآتانا صُحُفنا غدًا باليمين، آمين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم، وبارك وأنعم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن الله ابتعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بدين كامل، وشريعة تامة، فكان أعلم الخلق، وأفصح الخلق، وأنصح الخلق للخلق، صلى الله عليه وسلم، ثم لم يقبضه إليه حتى رضي عن بلاغه الوافي، وبيانه الشافي، فكانت الأمة بعده على الصراط المستقيم، والمهيع القويم، لا تضل هداتها عن سنته، ولا تزيغ بصائرهم عن شرعته، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، أما رحمته صلى الله عليه وسلم فقد أودعها الله قلبه حتى فاضت على الناس والحيوان، فقد وسعهم قلبه الرحيم، ويكفيه وصف الله تعالى له: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، فهي رحمة عامة بجميع الخلق، ثم وهبه الله رحمة أخرى خاصة بالمؤمنين ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، فمن ذلك أن ملك الجبال لما استأذنه في إطباق جبلي مكة على أهلها الذين كذَّبوه وشتموه وآذوه فكانت رحمته بهم هي جزاؤه لهم، فقال للملك: ((لا، بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصْلابِهم مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وحْدَه ولا يُشْرِك به شيئًا)).

 

وقال لعائشة رضي الله عنها لما أتعبت جملها لتروِّضه: ((يا عائشةُ، عليكِ بالرِّفْق))، ورقَّ قلبه لطائر الحُمَّرة حين جاءت ترفرف على رأسه وعلى رؤوس أصحابه فقال بكل رحمة: ((أيُّكُم فَجَعَ هذه؟)) فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضها، فقال: ((رُدَّه رحمة لها))، وقال للمرأة التي نذرت أن تنحر الناقة التي نجت عليها من أسرها: ((بئس ما جزيتيها بعد أن نجَّاك الله بها)) ونهاها عن نحرها.

 

وقد علمت البهائم واستشعرت رحمته بها، فشكت إليه شدة أهلها عليها كما في البعير الذي شكى إليه فقال: ((إنه يشتكي إليَّ كثرة العمل، وقِلَّة العَلَف فأحْسِنُوا إليه))، ولما اشتكى له بعير آخر اشتراه وسيَّبه في الشجر حتى نبت له سنام، وأوصى بالرفق بالحيوان فقال: ((اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحةً واتركوها صالحةً)).

 

ولما هاج جمل لأحد الأنصار ودخل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أقبل إليه الجمل وحنَّ وذرفت عيناه، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وذِفْريه، فسكن، ثم نادى صاحب الجمل وقال: ((ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكَك اللهُ إيَّاها؟ فإنما شكى إليَّ أنك تُجيعه وتُدْئِبُه))، ولما تعجب الناس من خضوع البهائم له وشكواها إليه قال: ((إنه ليس شيءٌ بين السماء والأرض إلا يعلم أنِّي رسولُ الله، إلا عاصي الجِنِّ والإنْسِ)).

 

وكان يقول: ((دخلت امرأة النار في هِرَّةٍ حبستها حتى ماتَتْ، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خَشاشِ الأرْضِ)) وقال: ((فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ))، وأخبر أن بغيًّا غفر الله لها بسبب رحمتها بكلب سقته كان يأكل الثرى من العطش، وحتى في ذبح الحيوان أوصى بالرفق فقال: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))، ونهر الذي يري الشاة السكين قبل ذبحها، وقال: ((أتريد أن تميتها موتات))، ونهى أن تذبح البهيمة وأختها تنظر إليها.

 

وقال له رجل: يا رسول الله، إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ))، ونهى عن التحريش بين البهائم؛ بل حتى النبات كان ينهى عن إفساده وقطعه وتحريقه، ويؤكد على جيوشه بالامتناع عن ذلك.

 

كلُّ هذا قبل وجود جمعيات الرفق بالحيوان وحقوق الإنسان والمرأة والطفل واليتيم والأقليات ونحوها، فصلى الله وسلم وبارك على من امتلأ قلبُه بالرحمة والرأفة والمحبة، وكان ينهى عن قتل الشيوخ وكبار السن والنساء والأطفال والمنعزلين في الصوامع للعبادة، وإنما يقتل من قاتل أو حال بين دين الله وإبلاغه من خلفه من الناس، ولما رأى امرأة من أعدائه مقتولة بعد إحدى المعارك غضب وأنكر ذلك وقال: ((ألم أنهكم عن قتل النساء؟!)) ولما اغتال وحْشِيّ بن حرب عَمَّه حمزة بن عبد المطلب وتسبب في التمثيل به وقطع جثته وبَتْر بعض أعضائه، فما كان منه بعد إسلام وحْشِيّ إلا أن اكتفى بقوله: ((ويحك يا وحشي غيِّب عني وجهَك فلا أرينَّك بعد اليوم))، لقد كانت رحمته متميزة كمًّا وكيفًا، وكان يخشى على الكُفَّار عذاب الله ويرحمهم؛ لذا كان حريصًا على هدايتهم أقصى طاقته.

 

وقد أُثرت عنه كثيرٌ من الوصايا في الدعوة إلى الله باللين والإحسان والصبر على الأذى في ذلك، وكان يقول: ((والله لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمُر النعم))، وقد بكى ليلة حتى الصباح وهو يردد قول المسيح ابن مريم عليه السلام الذي ذكره الله في القرآن الكريم أنه سيقول يوم القيامة لرب العالمين: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فكان يبكي ويقول: ((اللهُمَّ أُمَّتي، اللهُمَّ أُمَّتي)).

 

ولما أعطاه الله تعالى دعوةً مستجابةً كسائر الأنبياء لم يستعجلها في الدنيا بل ادَّخَرها ليوم القيامة شفاعة لمن لم يشرك بالله من أمته، وقد وصفه الله تعالى بأرق وصف وأجمل نعت حين قال: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وكان عظيم الرحمة والرأفة بالأطفال، ولما مات ابنه الصغير إبراهيم حمله وعيناه تدمعان وهو يقول: ((إنَّ القَلْبَ لَيَحْزَن، وإنَّ العَيْنَ لَتَدْمَع، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا على فِراقِك يا إبراهيم لمحزونون))، ولما احتضر ابن إحدى بناته حمله في حجره ونفسه تُقَعْقِع وتَتَحَشْرَج، فدمعت عينا نبي الله صلى الله عليه وسلم رحمةً بالصغير من سكرات الموت، ولما قعد على شفير قبر إحدى بناته وهي تُدفن كانت عيناه تدمعان.

 

ولما ماتت ابنته زينب، وكان لها بنت صغيرة - اسمها أمامة - رقَّ لها جِدًّا، وكان يحملها على عاتقه ويُلاطفها، بل كان يُصلِّي بالناس في المسجد وهو يحملها، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها على عاتقه، وكان يُخفِّف الصلاة إذا سمع بكاء الصبي رحمةً به وبأمِّه، وكان يقول: ((ارْحَمُوا مَنْ في الأرضِ يَرْحَمْكم مَنْ في السماء))، ((مَنْ لا يَرْحَم لا يُرْحَم))، ((الراحمونَ يرحمُهم الرحمنُ))، ((لا تُنْزَع الرحمةُ إلَّا مِنْ شَقِيٍّ))، وكان رحيمًا بالبشرية كلها، خائفًا عليها عذاب الله وعذابه يوم القيامة، فلم يترك وسيلةً إلا طرقها لهدايتهم وإنقاذهم من الهلكات، حتى شبَّه نفسَه معهم بمن يحجز الفَراشَ عن النار وهي تقتحم فيها وتعجزه.

 

أما وفاؤه فله المنتهى وهو بحق سيد الأوفياء، فكان يفي بالوعد، ولا ينسى حسن العهد، وقد وعد رجلًا في مكانٍ قبل أن يُبعث فوقف ينتظره ثلاثة أيام، فلما حضر لم يُعنِّفه إنما اكتفى بقوله: ((يا فتى، لقد شقَقْتَ عليَّ؛ أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظِرُكَ)).

 

وكان يُلقَّبُ بالصادق الأمين قبل البعثة، وكان الناس يُودِعُون عنده نفائس أموالهم وودائعهم ليقينهم بوفائه وأمانته، ولما ماتت زوجه خديجة رضي الله عنها كان يتعاهد صديقاتها بالهدايا وفاءً لحسن عهدها وطيب ذِكْراها، فكان إذا أُتي بهدية قال: ((اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة، إنها كانت تُحِبُّ خديجة))، وهذا مثال معدوم تقريبًا في واقع الناس، لكنه الوفاء العميق النبيل، وكانت عائشة تقول: ما غرت من خديجة لما كنت أسمعه يذكرها، وإن كان ليذبح الشاة فيهديها إلى خلائلها، واستأذنت عليَّ أختها هالة فارتاح إليها وسألها عن حالها وحال أهلها، ويقول: ((كيف أنتم بعدنا؟))، وكان صوتها يشبه صوت أختها الراحلة، ودخلت عليه امرأة فهشَّ لها وبشَّ وأحسن السؤال عنها، فلما خرجت قال: ((إنها كانَتْ تأتِينا أيامَ خديجة، وإن حُسْن العَهْد من الإيمان))، وهذه رسالة عمليَّة منه إلى كل امرأة ظنَّت أن الإسلام يحتقر المرأة أو يهضم حقَّها، فهذا نبي الأمة بقوله وبفعله يُكرِّمها ويرفع قَدْرَها صلى الله عليه وسلم.

 

ولم ينس هذا النبي الوفي قدماء أصحابه، فحينما أغضب الناس أبا بكر رضي الله عنه زجرهم بقوله: ((هل أنتم تاركون لي صاحبي)) ولما سبَّ بعضهم صاحبه عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: ((لا تسبُّوا أصحابي)) فصلى الله وسلم وبارك على صاحب هذا القلب الكبير والروح النبيلة والوفاء العزيز.

 

أما صلته رَحِمِه وقرابته، فكان واصلًا لهم تمام الصلة حتى وإن قابلوا ذلك بالقطيعة والعداوة، ولا يمنع من ذلك كون قرابتهم بعيدة، كما قال في بعض أرحامه حال شركهم وعداوتهم وحربهم له: ((إنَّ آل أبي فلانٍ ليسوا بأوليائي غير أنَّ لهم رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا))؛ أي: سأصلها، ولما قدمت عليه أمه من الرضاعة هشَّ لها وأحسن استقبالها وبسط رداءه في الأرض لها، وكان يبعث إلى ثويبة مرضعته بصلة وكسوة، فلما ماتت سأل: ((مَنْ بقي من قرابتها؟)) حتى يصلهم بعدها، فقيل له: لا أحد؛ بل لم ينس أهل مصر حين أوصى المسلمين بهم خيرًا إذا فتحوها؛ لأن لهم رحمًا، وهي هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام حتى قال أهل مصر: والله ما وصل هذه الرحم البعيدة إلا نبي صلوات الله وسلامه عليه.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

الخطبة الثانية

أما كمال خَلْقِ وجمال صورته وتناسق خلقته صلوات الله وسلامه عليه، فقد صوَّره الله تعالى في صورة الجمال والبهاء والجلال، قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خَلْقًا، ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير" وقال: "كان بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ"، ولما سئل: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: "لا، بل مثل القمر"، وقال كعب بن مالك رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه فلقة قمر"، وقال أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس والقدمين، لم أر مثله ولا بعده مثله، وكان بَسِطَ الكفين، ضخم اليدين" ومعنى بَسِطَ الكفين: ليّنهما، وقال جابر بن سَمُرة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ"؛ أي: واسع الفم، طويل شق العين، قليل لحم العقب.

 

وقال أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ، وَلا بِالْآدَمِ، وَلاَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلا بِالسَّبِطِ "؛ أي: ليس لون جلده شديد البياض الذي لا تـخالطه حمرة ولا بالأسمر، وليس شعره شديد الجعودة ولا شديد الانبساط، وقال أنس كذلك: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون (أي: أبيض مستنير، وهو أحسن الألوان)، كأن عرقه اللؤلؤ (أي: من الصفاء).

 

إذا مشى تكفَّأ (أي: يتمايل قليلًا إلى الأمام وليس في مشيته تبختر كمشية المتكبرين ولا بارتـخاء وتمطي كمشية الكسالى) وما مسست ديباجة ولا حريرًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شَممت مسكًا ولا عنبرًا أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

 

وقد وصفته أم معبد الخزاعية رضي الله عنها وصفًا مفصلًا كما قيل: أحسن من يصف الرجل هن النساء، فقالت: "إنه رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أي: أبيض واضح ما بين الحاجبين كأنه يضيء من صفائه)، حسن الخِلقة، لم تُزْرِ به صَعْلة (أي: لم يُعيّبه صغر في رأس، ولا نحول في بدن)، ولم تعبه ثُجْلة (والثُّجْلة هي ضخامة البطن)، وسيمًا قسيمًا (أي: واضح الملامح غير متداخل الأعضاء، ظاهر الجمال)، في عينيه دَعَج (أي: شديد سواد العين، وشديد بياضها)، وفي أشفاره عَطَف (أي: طويل أهداب العينين)، وفي عنقه سَطَع (أي: طويل العنق)، وفي صوته صَحَل (أي: بحَّة خفيفة، وهي من جمال الصوت)، وفي لحيته كثافة، أحور (أي: واسع العينين)، أزجّ (أي: متقوِّس الحواجب مع طول وامتداد)، أقرن (أي: متصل الحواجب)، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلّم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق، فصل لا نَزْرَ ولا هَذَرَ (أي: تام البلاغة بلا إيجاز مخل ولا إطناب ممل) وكأن منطقه خرزات نظم تنحدر، رَبْعةٌ لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه العين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرًا...".

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته، وأمته من آياته، وعلم أمته ودينهم من آياته، وكرامات صالح أمته من آياته، وذلك يظهر بتدبُّر سيرته من حين وُلِد إلى أن بُعِث، ومن حين بُعِث إلى أن مات، وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله، فإنه كان أشرف أهل الأرض نسبًا، من صميم سلالة إبراهيم، الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فلم يأت نبي بعد إبراهيم إلا من ذريته، وجعل له ابنيه إسماعيل وإسحاق وذكرهما في التوراة، وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيل، ولم يكن في ولد إسماعيل من ظهر فيما بشَّرَتْ به النبواتُ غيره، ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث فيهم رسولًا منهم، ثم من قريش صفوة بني إسماعيل ثم من بني هاشم صفوة قريش، ومن مكة أم القرى، وبلد البيت الذي بناه إبراهيم، ودعا الناس لحجِّه، ولم يزل محجوجًا من عهد إبراهيم مذكورًا في كتب الأنبياء بأحسن وصف.

 

وكان محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الناس تربيةً ونشأةً، لم يزل معروفًا بالصدق والبر والعدل ومكارم الأخلاق، وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم، مشهودًا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة، وممن آمن به، وممن كفر به بعد النبوة، لا يُعرف له شيءٌ يُعابُ به؛ لا في أقواله، ولا في أفعاله، ولا في أخلاقه، ولا جُرِّب عليه كذب قط، ولا ظلم ولا فاحشة.

 

وكان خَلْقُه وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله، وكان أُمِّيًّا من قوم أُميِّين، لا يعرف لا هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب: التوراة والإنجيل، ولم يقرأ شيئًا من علوم الناس، ولا جالس أهلها، ولم يدَّعِ نبوةً إلى أن أكمل الله له أربعين سنة، فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها، وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره، وأخبرنا بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله.

 

ثم اتَّبعه أتباع الأنبياء، وهم ضعفاء الناس، وكذَّبَه أهل الرياسة وعادوه وسعوا في هلاكه وهلاك من اتَّبعه بكل طريق، كما كان الكُفار يفعلون بالأنبياء وأتباعهم، والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة في الدنيا ولا لرهبة، فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم، ولا جهات يوليهم إياها، ولا كان له سيف، بل كان السيف والمال والجاه مع أعدائه، وقد آذوا أتباعه بأنواع الأذى وهم صابرون محتسبون، لا يرتدون عن دينهم؛ لما خالط قلوبهم من حلاوة الإيمان والمعرفة.

 

وكانت مكة يحجُّها العرب من عهد إبراهيم، فتجتمع في الموسم قبائل العرب، فيخرج إليهم فيبلغهم الرسالة، ويدعوهم إلى الله صابرًا على ما يلقاه من تكذيب المكذب، وجفاء الجافي، وإعراض المعرض، إلى أن اجتمع بأهل يثرب، وكانوا جيران اليهود، وقد سمعوا أخبارهم منهم، وعرفوه، فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي تـخبرهم به اليهود، وكانوا قد سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانته، فإن أمره قد انتشر وظهر في بضع عشرة سنة، فآمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم، وعلى الجهاد معه، فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة، وبها المهاجرون والأنصار، ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية ولا برهبة إلا قليلًا من الأنصار أسلموا في الظاهر ثم حَسُن إسلام بعضهم، ثم أُذن له في الجهاد ثم أُمر به، ولم يزل قائمًا بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء، لا يحفظ له كذبة واحدة، ولا ظلم لأحد، ولا غدر بأحد، بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد، مع اختلاف الأحوال عليه من حرب وسلم، وأمن وخوف، وغِنى وفقر، وقلة وكثرة، وظهور على العدو تارة، وظهور العدو عليه تارة، وهو على ذلك لازم لأكمل الطرق وأتمها، حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة بعبادة الأوثان، ومن أخبار الكُهَّان، ومن طاعة المخلوق في الكفر بالخالق، وسفك الدماء المحرمة، وقطيعة الأرحام، لا يعرفون آخرة ولا معادًا، فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم، حتى إن النصارى لما رأوهم حين قدموا الشام قالوا: ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء، وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غيرهم، يعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين.

 

وهو صلى الله عليه وسلم مع ظهوره وطاعة الخلق له وتقديمهم له على الأنفس والأموال، مات صلوات الله وسلامه عليه ولم يُخلِّف درهمًا ولا دينارًا، ولا شاةً ولا بعيرًا له، إلا بغلته وسلاحه، ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير ابتاعها لأهله، وكان بيده عقار ينفق منه على أهله، والباقي يصرفه في مصالح المسلمين، فحكمَ بأنه لا يُورَث، ولا يأخذ ورثتُه شيئًا من ذلك".

 

اللهُمَّ صلِّ على محمد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السيرة من خلال {وإنك لعلى خلق عظيم} (قصيدة)
  • خطبة: {وإنك لعلى خلق عظيم} (1)

مختارات من الشبكة

  • وإنك لعلى خلق عظيم ( خطبة )(مقالة - ملفات خاصة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • حسن الخلق (وإنك لعلى خلق عظيم)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • أخلاق النبي (وإنك لعلى خلق عظيم)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: (لعلي أعمل صالحا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة لعلي رضي الله عنه (ت 40هـ)(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب