• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة: {وإنك لعلى خلق عظيم} (1)

خطبة: {وإنك لعلى خلق عظيم} (1)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/7/2022 ميلادي - 21/12/1443 هجري

الزيارات: 21473

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4] (1)

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، ولا إله إلا هو، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، وإنا إليه راجعون، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على خير رُوحٍ وأزكى نفْسٍ، خاتم الأنبياء والمرسلين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين، يكفيه أنه أحبُّ الناس إلى الله، وكفى بها فخرًا وعِزًّا وشرفًا.

 

ورضي الله عن أبي الوليد إذ قال:

وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْني
وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ
كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ

 

لَنَبِيُّنا- معاشر الموحِّدين- دُرَّةُ التاج الإنساني، وفَصُّ الخاتم البشري، صلى الله وسلم وبارك عليه وجزاه عنا خير ما جزى نبيًّا عن أُمَّتِه.

 

فلا حُبّ بعد الله كحُبِّ هذا الإنسان الكامل التام الجميل الجليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

 

والذي نفسي بيده، لو سُطرت جلود المؤمنين صحائف، ورقمت بدمائهم تحبيرًا، ما وفوا معشار ما في قلوبهم من محبته، فقد بعثه الله بالنور الذي ملأ الخافقين ضياءً وسناءً وهدًى ورشادًا، وهو السبب في نجاتهم وفلاحهم وفوزهم، وعتق رقابهم من نار الجبار وغضبه، أما بعد معشر الموحِّدين:

فاتقوا الله حق تقاته، واستمسكوا بالعروة الوثقى من الدين، وأخلصوا ولا تخلِّطوا، واتَّبِعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم.

 

عباد الله، يكفي نبيّنا صلى الله عليه وسلم مدح الله تعالى له وتزكيته بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فالأخلاق الجميلة بحذافيرها قد استوعبها وتـخلَّق بها بشكل عفوي وبدون تكلُّف، وحيثما تأملت في خلق نبيل وجدْتَ لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم فيه أعلى المنازل؛ لذلك أوصى الله تعالى عباده بالتأسي به: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إنما بُعِثْتُ لأُتمِّم صالح الأخلاق))، والكمال المحمدي ضربان:

الأول: خاص به ولن يكون لغيره من بعده؛ كاصطفائه بالنبوة والرسالة، وتلقِّي الوحي الإلهي.

 

الثاني: أُمِرَ الناسُ بالاقتداء به فيه؛ لأنه الأنموذج الكامل للاقتداء والتأسِّي.

 

لقد كان يحث على حسن الخلق، ويعد عليه أعظم الأجور ((إنَّ مِنْ أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلِسًا يومَ القيامةِ أحاسِنَكم أخْلاقًا)) وسُئل عن البرِّ فقال: ((حُسْن الخُلُق)) وقال: ((وخالِق الناسَ بخُلُقٍ حَسَن)) صلى الله عليه وسلم وبارك.

 

هذا ومن نماذج حسن خلقه وكريم سجاياه وحميد خصاله الكرم، فقد كان فيه مضرب الأمثال فكان لا يرُدُّ سائلًا، وقد سأله رَجُلٌ حُلَّةً كان يلبَسُها فأعطاه إياها مع حاجته إليها.

 

وقال عنه جابر رضي الله عنه: "ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط فقال: لا، وقد أعطى رجلًا غنمًا بين جبلين، فأتى الرجل قومه وقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدًا يُعطي عطاءَ مَنْ لا يخاف الفاقة".

 

وحُملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير، فقام فقَسَمَها كُلَّها وما أخذ منها لنفسه شيئًا.

 

وأعطى العباس من الذهب ما لم يُطِقْ حَمْلَه، وأعطى مُعَوِّذ بن عَفْراء ملء كفِّه ذهبًا وحُلِيًّا لما جاءه بهدية من رُطَبٍ وقِثَّاء، وكان إذا سُئل ولم يكن عنده شيءٌ يقول: ((مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ، فَإِذَا جَاءَنَا شَيْءٌ قَضَيْنَاهُ))؛ أي: اشْتَرِ ما تحتاج إليه على حسابي.

 

أما الصدق والأمانة فكانا ملتصقينِ باسمه وبحاله حتى قبل مبعثه؛ فقد كان يُلقَّب في مكة قبل أن يُوحَى إليه بالصادِق الأمين.

 

أما عن حلمه فهو السيِّد فيه بحق، فإنه لما شجَّ المشركون وَجْنَتَيْه وكسروا رُباعيَّته ودخلت حلقتا المغْفَر في رأسه يوم أُحُد قال: ((اللهُمَّ اغْفِرْ لقومي فإنهم لا يعلمون)).

 

ولما جذبه الأعرابي بردائه الخشن جذبةً شديدةً حتى أثَّرَت على صفحة عنقه الشريف والأعرابي الجلف يقول بصَلَفٍ: احمل لي على بعيريّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك، فحلم عليه السيد الكريم صلى الله عليه وسلم ولم يزد على قوله: ((المالُ مالُ الله وأنا عبدُه، ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي)) فقال الأعرابي: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لم؟))، فقال: لأنك لا تكافئ السيئة بالسيئة، فضحك صلى الله عليه وسلم، ثم أمر أن يُحمَل له على بعيرٍ شعيرٌ، وعلى آخر تَمْرٌ، ولم ينتصر لنفسه قط، ولا ضرب خادمًا ولا امرأةً ولا طفلًا قط، ولما جاءه زيد بن سَعْنَة- أحد أحبار يهود المدينة - وجذبه بثوبه وأخذ بمجامع ثيابه، وقال مغلظًا القول له- اختبارًا-: "إنكم يا بني عبد المطلب مطلٌ"، فانتهره عمر وشدَّد عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسَّم وقال: ((أنا وهو كُنَّا إلى غيرِ هذا أحوج منك يا عمر، تأمُرُني بحُسْن القضاء، وتأمُرُه بحُسْن التقاضي))، ثم قال: ((لقد بقي من أجله ثلاث))، ثم أمر عمر أن يقضيه، وأن يزيده عشرين صاعًا لما روَّعه، فأسلم الحبر لتحقُّق النبوءة التي عنده في رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه يسبق حِلْمُه جَهْلَه، وأن شدة الجهل عليه لا تزيده إلا حِلْمًا.

 

أما عفوه فيكفيه أنه لم ينتقم لنفسه قَطُّ بل يعفو ويصفح مع كمال قدرته وسلطته، ولما أخذ غَوْرَثُ بن الحارث سيفه وسلَّه عليه، وقال: من يمنعك مني؟ قال: ((الله))، فسقط السيف من يد غَوْرَث، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((مَنْ يمنعُكَ؟))، فقال غَوْرَث: كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه.

 

ولما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح الأعظم وقف على باب الكعبة وتحته رجالات قريش وصناديد المشركين الذين أهانوه وأحزنوه وقتلوا أصحابه، وأخرجوه وهمُّوا بقتله مِرارًا، وهم ينتظرون حكمه النافذ بعد انتصاره عليهم واستسلامهم له، وقال لهم: ((يا معشر قريش، ما تظنُّون أنِّي فاعِلٌ بكم؟))، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: ((اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء)).

 

وحينما سحره لبيد بن الأعصم اليهودي عفا عنه ولم يعاقبه مع قدرته على قتله وصلبه واستحقاقه له.

 

وحينما تآمر عليه المنافقون في طريق عودته من تَبُوك إلى المدينة وأرادوا قتله بترديته من شاهِقٍ فأنجاه الله منهم عفا عنهم ولم يعاقبهم.

 

أما عن شجاعته فقد كانت في قلبه وصدره ولسانه وجسده، وقد شهد له بالشجاعة مشاهير الشجعان، قال علي رضي الله عنه- وكان مضرب المثل في الشجاعة -: "كنا إذا حمي البأس واحمرَّت الحَدَق نتَّقي برسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ أي: نتقي الضرب والطعان به عند عظمة كروب الضرب والطعن والجلاد، وحينما انهزم أكثر أصحابه في أُحُدٍ وقف كالجبل الأشم حتى فاءوا إليه، ولاذوا به، والتفوا حوله، كذلك في حُنِين حين هرب الأبطال وتراجع البواسل، وقف شامخًا مُجسِّدًا كل معاني الجسارة وكمالات الشجاعة وهو يقاتل ويصاول ويقول:

أنا النبِيُّ لا كَذِب
أنا ابْنُ عَبْدِ المطَّلِب

 

وما زال في أتون المعركة يُنادي أصحابه مُثبِّتًا لهم، نافضًا عن قلوبهم دهشة الفزع، وهو يقول: ((إليَّ عبادَ الله، إليَّ عبادَ الله)) حتى عاد إليه أصحابُه، وعاودوا الكَرَّة على عدوِّهم حتى هزم اللهُ عدوَّهم، هذا مع كون أصحابه مضرب المثل بين الأمم بوفائهم له، وتضحيتهم بنفوسهم لدينه، واسترخاص أرواحهم بين يديه، ولكن اقتضت حكمة الله تعالى أن يظهر الله شجاعة نبيه صلوات الله وسلامه عليه في مواقف ينفرد فيها بالكمال دون غيره، حتى لا يسبقه أحد في الإقدام والاستبسال والشجاعة والجسارة.

 

وحين جاءه أُبيّ بن خلف راكضًا على فرسه وقد تدرَّع بدِرْع على جميع جسده، وهو يصيح: أين محمد؟ لا نجوت إن نجا، فأراد بعض المسلمين أن يعترضه فقال صلى الله عليه وسلم: ((خلُّوا طريقه))، وتناول الحربة وانتفض انتفاضة فتطاير عنه أصحابه تطاير الوبر من ظهر البعير إذا انتفض، واستقبل عدوَّ الله بطعنة نجلاء في عنقه تَدَأْدَأ بها عن فرسه مرارًا وهو يصيح: قتلني محمدٌ، حتى هلك.

 

وفزع أهل المدينة فانطلق ناس قِبَلَ الصوت بعد أن اجتمعوا وتأهَّبوا، فتلقَّاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم وحده إلى الصوت وهو يقول مُطَمْئنًا لهم: ((لن تُراعُوا)).

 

وقال عنه عِمْران بن حصين رضي الله عنهما: "ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبةً إلا كان أول من يضرب".

 

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((بُعِثْتُ بالسيفِ بين يدي الساعة حتى يُعْبَد اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وجُعِلَ رِزْقي تحتَ ظِلِّ رُمْحي، وجُعِلَتِ الذِّلَّةُ والصَّغارُ على مَنْ خالَفَ أمْرِي، ومَنْ تَشَبَّه بقُومٍ فهو منهم)).

 

وكان يقول: ((نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ))، وكان يقول: ((أنا نبيُّ الرَّحْمةِ، أنا نبيُّ الملحمةِ))، وقال ابن عباس رضي الله عنهما عنه: "اسمه في التوراة أحمد، الضحوك القتال، يركب البعير، ويلبس الشملة، ويجترئ بالكسرة، سيفه على عاتقه".

 

قال ابن القيم: "وأما صفته صلى الله عليه وسلم في بعض الكتب المتقدمة بأنه الضحوك القتال، فالمراد منه أنه لا يمنعه ضحكه وحسن خلقه- إذا كان حدًّا لله وحقًّا له- أن يأخذ بذلك، ولا يمنعه عن ذلك تبسُّمه في موضعه، فيعطي كل حال ما يليق بتلك الحال".

 

أما عن صبره وتجلُّده فيكفيه أنه كان وحده من البشر في كِفّة وأهل الأرض قاطبة في كِفّة أخرى لـمَّا بعثه الله تعالى فتجلَّد وصبر وصابر ورابط حتى نصر الله دعوته، وصبر على أذية قريش وهو بلا نصير من البشر في مكة، وقد ضربوه وأدموه ووضعوا الشوك في طريقه، وألقوا الأذى في بُرْمَتِهِ، وطرحوا السَّلا على ظهره، وشتموه وكادوه، وقتلوا أصحابه، وحاصروه ثلاث سنين مع بني هاشم في شِعْبهم، وحكموا عليه بالقتل وتمالؤوا على ذلك، وبعثوا رجالهم لاغتياله، وماتَتْ زوجتُه وأنْسُه خديجة، ثم مات العم الحنون المدافع عنه أبو طالب، فلم تفتّ هذه الرزايا في عضده، ولم تُوهِن عزيمته، ولم تقصر من همَّتِه، بل قابل ذلك بصبرٍ لم يُعرَف له في تاريخ الأبطال نظيرٌ أو مثيلٌ، وصَبَرَ وصابَرَ- بأبي هو وأُمِّي ونفسي وولدي- في كافة غزواته في بَدْر وأُحُد والخندق والفتح وحُنين والطائف وتَبُوك وغيرها، فلم يجبُن ولم ينهزم، ولم تضعُف عزيمته، ولم يكلَّ ولم يملَّ وهو ينتقل من غزوة إلى أخرى طيلة عشر سنوات، وصبر على تآمُر اليهود عليه بالمدينة وتحزيبهم الأحزاب لحربه ونقضهم لعهده، وصبر على الجوع الشديد حتى إنه مات ولم يشبع من خبز شعير مرتين في يوم، وكان يربط الحجر والحجرين على بطنه من الجوع بلا شكوى ولا تضجُّر بل بصبرٍ وسماحة وسموٍّ.

 

أما عدله فقد شهد له الأعداء والأولياء، ويكفيه قوله لما أمر بقطع يد المخزومية التي سرقت: ((واللهِ لو سرقَتْ فاطمةُ بنت محمدٍ لقطَعْتُ يدَها))، وكان تحته تسع نسوة، فكان يعدل بينهن، ويتحرَّى العدل التام، وكان لا يأخذ أحدًا بتهمة أحد، ولا يصدق أحدًا على أحد حتى يأتي بالبيِّنة، ويكفيه في عدله سموُّ شريعته، واشتمالها على تفاصيل العدل وحذافيره في المعاملات والبيوع والجنايات والعقود وغيرها، حتى صارت مضرب المثل عند من يدرُسُونها ويُطبِّقونها.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

الخطبة الثانية

أمَّا عن زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا، فقد كان أزهد الناس فيها بلا منازعٍ، وقد عرض عليه ربُّه أن يجعله ملكًا نبيًّا أو عبدًا رسولًا، فاختار العبودية والرسالة، ولو شاء أن يكون أغنى الناس لكان، ويقول: ((لو كان لي مِثْلُ أُحُدٍ ذهبًا لما سرَّني أن يبيتَ عندي ثلاثًا إلا قلتُ فيه هكذا وهكذا، إلا شيئًا أرْصُدُه لِدَيْنٍ)).

 

ولما رآه عمر ينام على فراش من أَدَمٍ حشوه ليف، وقد أثَّر السرير على جنبه من خشونته، فدمعت عيناه، وقال: يا رسول الله، كسرى وقيصر ينامان على كذا وكذا، وأنت رسول الله تنام على هذا! فقال: ((ما لي وللدنيا يا عمر، وإنما أنا فيها كراكب استظلَّ بظِلِّ شجرة ثم راحَ وتركَها))، هذا وربُّه قد عرض عليه أن يحول الأخشبَيْنِ ذهبًا وفضة فاختار الزهد فيهما.

 

وقالت عنه زوجُه أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي"، وقد قُبِض صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير لأهله، ولما نزل عليه ضيف لم يجد في بيوت أزواجه إلا الماء.

 

أما عن حسن عشرته للناس صلوات الله وسلامه عليه، فقد وصفه علي رضي الله عنه بقوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسعَ الناسِ صدرًا، وأصدقَ الناسِ لهجةً، وألينَهم عريكةً، وأكرمَهم عشرةً"، وقال عنه أبو هالة رضي الله عنه: "كان دائمَ البِشْرِ، سَهْلَ الخُلُقِ، لَيِّنَ الجانبِ، ليس بفَظٍّ ولا غليظٍ، ولا صَخَّابٍ، ولا فَحَّاشٍ، ولا عَيَّابٍ، ولا مَدَّاحٍ، يتغافَلُ عمَّا لا يَشْتَهي، ولا يُؤَيِّسُ منه، وكان يجيب من دعاه، ويقبل الهدية ممن أهداه ولو كانت كراع شاة، ويُكافئ عليها".

 

وقال عنه أنس رضي الله عنه: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات فما قال لي أفّ قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته".

 

وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال: ((لبيك))، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر، ولم يُرَ مقدمًا ركبته بين يدي جليس له، وكان يبدأ من لقيه بالسلام والمصافحة، ويؤثر بالوسادة من دخل عليه، ويُكنِّي أصحابه، ويدعوهم بأحب أسمائهم، لا يقطع حديث أحد، وكان إذا جلس إليه أحد وهو يصلي خفَّف صلاته وسأله عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته"، وحسبنا في بيان أدبه وحسن عشرته قول ربه فيه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4] ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159].

 

أما حياؤه صلى الله عليه وسلم فقد وصفه أصحابه بقولهم: "كان أشدَّ حياءً من البِكْر في خِدْرِها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه"، وكان إذا بلغه شيء عن أحد لم يُسمِّه بل يقول: ((ما بال أقوام يصنعون كذا، أو يقولون كذا))، وكان يُكنِّي مما يضطره الكلام إليه مما يُكره ولا يُصرِّح به، وقد ذكر الله تعالى حياءه في محكم التنزيل فقال: ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53].

 

أما عن خوفه من ربِّه تعالى وخشيته وحسن عبادته له، فقد كان أخشى الناس لله، وأعلم الناس بما يتقي، وقد كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل؛ من البكاء من خشية الله وتعظيمه وإجلاله، وكان يستغفر في اليوم أكثر من مئة مرة، ويُعد له في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، وكان يطيل الصلاة حتى تورَّمت قدماه مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر، ولما سُئل عن ذلك قال: ((أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا))، وكان عمله ديمة، وإذا عمل عملًا أثبته، وقد جعلت قُرَّة عينه في الصلاة، وكان يذكر الله على كل أحواله، ولما قرأ ابن مسعود عنده آية سورة النساء: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: ((حسبك))، قال ابن مسعود: فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان.

 

أما عن تواضعه فعلى قدر عظمة سيادته وشرفه، كانت عظمة تواضعه للخَلْق، فمع أنه كان سيد الخلق وأشرفهم وأكرمهم على الله إلا أنه كان أشدهم تواضعًا، فقد كان يركب الحمار والبغلة، ويُردِف خلفه، ويعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبيد، ويجلس بين أصحابه مختلطًا بهم بلا تمييز له بمجلس أو زي أو هيئة، بل كان يجلس حيث ينتهي به المجلس حتى يحار القادم الغريب أيّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان يُدعى إلى خبز الشعير والإهالةِ السَّنِخة فيجيب، وتأخذ بيده المرأة والعجوز والأَمَة وتُوقِفه طويلًا وهو واقف يسمع كلامها ويجيب سؤالها، وكان يقول: ((لا تُطْرُوني كما أطْرَتِ النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عَبْدٌ، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه)).

 

وفي حجة الوداع أهدى مئة بَدَنة وهو على بعير فوقه رَحْل عليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، فقد كانت الدنيا في يده لا في قلبه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ولما فتح مكة ظافرًا منصورًا راكبًا ناقته كان مُطأطئ الرأس خاضعًا مستكينًا متواضعًا متطامنًا لعظمة ربه تعالى حتى إن لحيته لتكاد تمس قائم رحله، وهذا موقف لم ينقل لبشري سواه - فيما نعلم- وكان يقول: ((نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام إذ قال ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]))، قال: ((ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي))، وكل هذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام.

 

وكان في بيته في مهنة أهله يَفْلِي ثوبَه، ويحلُب شاتَه، ويُرقِّع ثوبه، ويَخْصِف نَعْلَه، ويخدم نفسه، ويقمُّ البيت، ويعقل البعير، ويعلف ناقته، ويأكل مع الخادم، ويعجن معه، ويحمل بضاعته من السوق، ولما دخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة قال له: ((هوِّن عليكَ، فإنِّي لسْتُ مَلِكًا وإنما أنا ابنُ امرأةٍ من قريشٍ تأكُلُ القَدِيدَ))، صلوات ربي وسلامه عليه.

 

هذا ومن تمام خلقه وعظيم هيبته أنه كان يمازح أصحابه ويُداعِبهم ويؤانسهم، ولا يقول إلا حقًّا، كما قال لمن طلب منه أن يحمله على بعير: ((إنا حاملوك على ولد الناقة))، فقال الرجل: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟! ظنَّ أنه يقصد صغيرها، فقال: ((وهل تَلِدُ الإبلَ إلَّا النُّوقُ)).

 

ويومًا ما رأى أحد أصحابه يبيع متاعًا له في السوق فاحتضنه من خلفه وهو يقول: ((من يشتري هذا العبد؟)) فقال: يا رسول الله، إذن والله تجدُني كاسِدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكنك عندَ اللهِ لَسْتَ بكاسِدٍ))، وكان يقول لهذا الرجل واسمه زاهر: ((إنَّ زاهِرًا باديتُنا ونحن حاضره)).

 

وقال يومًا ما لامرأة طلبت منه أن يدعو الله أن يدخلها الجنة، فقال: ((يا أم فلان، إن الجنة لا يدخُلُها عجوزٌ))، فولَّت العجوز تبكي فقال: ((أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، فإن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 35 - 37]))؛ أي: إن الله يردُّها شابةً في الجنة بإنشائها إنشاءً آخر.

 

وقال له أبو هريرة رضي الله عنه: يا رسول الله، إنك تداعبنا! قال: ((إنِّي لا أقولُ إلا حقًّا))؛ أي: لا يكذب في مزاحه ولا يؤذي؛ بل يؤانس ويتبسَّط ويتألَّف.

 

أما فصاحته فلم تلد النساء أفْتَقَ لغةً منه، فقد كان أفصحَ الناس لسانًا، وأبلغهم قولًا، وأوضحهم بيانًا، قد أوتي جوامع الكلم، وبدائع الحكم، تنفجر ينابيع البلاغة والإيجاز من فيه، يقول الكلمة فتصبح حكمة منقولة، ومن أقواله التي صارت حكمًا يتناقلها الناس: ((الناسُ معادِن))، ((المستشار مؤتمن))، ((الناسُ كأسْنانِ المُشْطِ))، ((رحِمَ اللهُ عبدًا قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم)) ((لا يُلْدَغ المؤمنُ من جُحْرٍ واحدٍ مرتَيْنِ)) ((الآنَ حمي الوطيسُ))، وغيرها كثير.

 

ولبيان مزيدٍ من خصاله الكاملة وسجاياه التامّة مقامٌ في قابل الأيام إن شاء الله تعالى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وإنك لعلى خلق عظيم (1)
  • وإنك لعلى خلق عظيم (2)
  • خطبة: {وإنك لعلى خلق عظيم} (2)

مختارات من الشبكة

  • وإنك لعلى خلق عظيم ( خطبة )(مقالة - ملفات خاصة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • حسن الخلق (وإنك لعلى خلق عظيم)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • أخلاق النبي (وإنك لعلى خلق عظيم)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وإنك لعلى خلق عظيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • السيرة من خلال {وإنك لعلى خلق عظيم} (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • وقفات حول آية: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب