• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    القران الكريم في أيدينا، فليكن في القلوب
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    مقام العبودية الحقة (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    الصدقات والطاعات سبب السعادة في الدنيا والآخرة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الخشوع المتخيل! الخشوع بين الأسطورة والواقع
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    الانقياد لأوامر الشرع (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    الوقت في الكتاب والسنة ومكانته وحفظه وإدارته ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    تفسير قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    تفسير سورة العلق
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    النهي عن الوفاء بنذر المعصية
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الدرس السادس والعشرون: الزكاة
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الخلاصة في تفسير آية الجلابيب وآية الزينة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    خطبة: وقفة محاسبة في زمن الفتن
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    فضل التبكير إلى صلاة الجمعة والتحذير من التخلف ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    مختصر رسالة إلى القضاة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    كيف أكون سعيدة؟
    د. عالية حسن عمر العمودي
  •  
    أوقات إجابة الدعاء والذين يستجاب دعاؤهم
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

تفسير سورة التكاثر (خطبة)

تفسير سورة التكاثر (خطبة)
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/7/2022 ميلادي - 14/12/1443 هجري

الزيارات: 43513

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّكَاثُرِ

 

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ...

عِبَادَ اللهِ؛ نَعِيشُ -الْيَوْمَ- فِي بَيَانِ مَعْنَى سُورَةِ التَّكَاثُرِ. هَذِهِ السُّورَةُ الْقَصِيرَةُ؛ لَكِنَّهَا فِي مَعَانِيهَا عَظِيمَةٌ، الَّتِي يُذَكِّرُ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ الَّلاهِينَ بِآخِرَتِهِمْ، وَيُنَبِّهُهُمْ بِأَنَّ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ الْيَوْمُ عِلْمُ الْيَقِينِ، وَغَدًا حَقُّ الْيَقِينِ.

 

1- قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾؛ أَيْ: أَشْغَلَكُمُ التَّكَاثُرُ فِي الْبَحْثِ عَنْ كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَالتَّفَاخُرِ بِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾، فَمَا زَالَ هَذَا الْبَحْثُ عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَزُخْرُفِ الدُّنْيَا الْفَانِي يُلْهِيكُمْ وَيَشْغَلُكُمْ عَنِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي خَلَقْتُكُمْ مِنْ أَجْلِهَا، فَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالسُّلْطَانِ وَالْجَاهِ، وَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ عَنِ الْآخِرَةِ، فَهَذَا خِطَابٌ عَظِيمٌ مُوَجَّهٌ إِلَى عِبَادِ اللهِ أَلَّا يَشْغَلَهُمُ الْبَحْثُ عَنِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَمَتَاعِ الدُّنْيَا الْفَانِي عَنْ طَاعَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعِبَادَتِهِ؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْغَفْلَةِ عَنِ الْآخِرَةِ، واَللُّهْوِ عَنْهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي بَيَانِ الْآيَةِ: (وَكُلُّ مَا يَتَكَاثَرُ بِهِ الْعَبْدُ، سَوَاء طَاعَةَ اللهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِنَفْعِ مَعَادِهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا التَّكَاثُرِ، فَالتَّكَاثُرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ مَالٍ، أَوْ جَاهٍ، أَوْ رِيَاسَةٍ، أَوْ نِسْوَةٍ، أَوْ حَدِيثٍ، أَوْ عِلْمٍ، وَلَا سِيِّمَا إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ، وَالتَّكَاثُرُ فِي الْكُتُبِ وَالتَّصَانِيفِ، وَكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ، وَتَفْرِيعِهَا وَتَوْلِيدِهَا، والتَّكَاثُرُ أَنْ يَطْلُبَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ إِلَّا فِيمَا يُقَرِّبُ اللهَ، فَالتَّكَاثُرُ فِيِه مُنَافَسَةٌ فِي الْخَيْرَاتِ، وَمُسَابَقَةٌ إِلَيْهَا، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ التَّكَاثُرَ بِجَمْعِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ أَلْهَى النَّاَسَ وَأَلْهَاهُمْ عَنِ الآخِرَةِ، وَالاسْتِعْدَادِ لَهَا، حَتَّى حَضَرَهُ الْمَوْتُ). انْتَهَى كَلاَمُهُ، رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه.

 

2- عَنْ عَبْدِاللهِ بن الشِّخِّيرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ -يَا ابْنَ آدَمَ- مِنْ مَالِكَ إلَّا مَا أَكَلْتَ فَأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟!))؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي، مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أكَلَ فَأفْنَى، أوْ لَبِسَ فَأبْلَى، أوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ، وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ))؛ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لَا يَزالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا، وَطُولِ الْأَمَلِ))؛ رَوَاهُ البُخارِيُّ، وَفِي رِوَايةٍ عِنْدَ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: ((... حُبُّ الْمَالِ، وَطُولُ الْعُمُرِ)). وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيانِ، وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ، حتَّى نَزَلَتْ: ﴿ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ﴾؛ أَخْرَجَهُ البْخُارِيُّ.

 

3- قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه-: (لَوْ حَصَلَتْ لَهُ الْكَثْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَكَاثُرٍ لَمْ تَضُرَّهُ، كَمَا كَانَتِ الْكَثْرَةُ حَاصِلَةً لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ تَضُرَّهُمْ؛ إِذْ لَمْ يَتَكَاثَرُوا بِهَا. وَكُلُّ مَنْ كَاثَرَ إِنْسَانًا فِي دُنْيَاهُ، أَوْ جَاهِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَشْغَلَتْهُ مُكَاثَرَتُهُ عَنْ مُكَاثَرَةِ أَهْلِ الْآخِرَةِ؛ فَالنُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ الْعُلْوِيَّةُ ذَاتُ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ إَنَّمَا تُكَاثِرُ بِمَا يَدُومُ عَلَيْهَا نَفْعُهُ، وَتَكْمُلُ بِهِ، وَتَزْكُوا، وَتَصِيرُ مُفْلِحَةً، فَلَا تُحِبُّ أَنْ يُكْثِرَهَا غَيْرُهَا فِي ذَلِكَ، وَيُنَافِسَهَا فِي هَذِهِ الْمُكَاثَرَةِ، وَيُسَابِقَهَا إِلَيْهَا، فَهَذا هُوَ التَّكَاثُرُ الَّذِي هُوَ غَايَةُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ.

 

وِضِدُّهُ: تَكَاثُرُ أَهْلِ الدُّنْيَا بَأَسْبَابِ دُنْيَاهُمْ، فَهَذَا تَكَاثُرٌ مُلْهٍ عَنِ اللهِ، وَعَنِ الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَهُوَ جَارٌّ إِلَى غَايَةِ الْقِلَّةِ، فَعَاقِبَةُ هَذَا التَّكَاثُرِ: قَلٌّ وَفْقرٌ وَحِرْمَانٌ. وَالتَّكَاثُرُ بِأَسْبَابِ السَّعَادَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ تَكَاثُرٌ لَا يَزَالُ يُذَكِّرُ بِاللهِ، وَبِنِعَمِهِ، وَعَاقِبَتُهُ الْكَثْرَةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا تَزُولُ وَلَا تَفْنَى. وَصَاحِبُ هَذَا التَّكَاثُرِ لَا يَهُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَرَى غَيْرَهُ أَفْضَلَ مِنْهُ قَوْلًا، وَأَحْسَنَ مِنْهُ عَمَلًا، وَأَغْزَرَ مِنْهُ عِلْمًا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ يَعْجَزُ عَنْ لُحُوقِهِ فِيهَا كَاثَرَهُ بِخَصْلَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمُكَاثَرَةِ بِهَا. وَلَيْس هَذَا التَّكَاثُرُ مَذْمُومًا، وَلَا قَادِحًا فِي إِخْلَاصِ الْعَبْدِ؛ بَلْ هُوَ حَقِيقَةُ الْمَنافَسَةِ، وَاسْتِبَاقُ الْخَيْرَاتِ. وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَ الْأَوْسِ مَعَ الْخَزْرَجِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فِي تَصَاوُلِهِمْ بَيْنَ يَدَي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَمُكَاثَرَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي أَسْبَابِ مَرْضَاتِهِ وَنَصْرِهِ. وَكَذَلِكَ كَانَتْ حَالُ عُمَرَ مَعَ أَبْي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِعُمَرَ مَدَى سَبْقِ أَبِي بَكْرٍ لَهُ، قَالَ: وَاللهِ لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا).

 

4- قَالَ تَعَالَى: ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ﴾، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْبيِهٌ لِلْإِنْسَانِ الْغَافِلِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي غَفْلَةٍ، وَفِي لَهْوٍ وَلَعِبٍ، ثُمْ يَفْجَأُهُ الْمَوْتُ وَمَا أَكْمَلَ أَعْمَالَهُ الَّتِي سَوْفَ يَعْمَلُهُا، وَدُنْيَاهُ الَّتِي يَحْرِصُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ مَعَهُ مِنَ هَذَا التَّكَاثُرِ الَّذِي أَشْغَلَ نَفْسَهُ فِيهِ إِلَّا كَفَنَهُ، وَقَدْ دَخَلْتَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، وَخَرَجْتَ مِنْهَا عُرْيَانًا لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا الْكَفَنُ. وَانْظُرْ إِلَى عَجِيبِ الْآيَةِ ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ﴾، وَلَمْ يَقُلْ "حَتَّى صِرْتُمْ إِلَى الْمَقَابِرِ"؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِشَارَةً أَنَّ الْمَقَابِرَ مُؤَقَّتَةٌ وَلَيْسَتْ دَائِمَةً، فَأَنْتَ فِي الْمَقَابِرِ مِثْلُ الزَّاِئِر سُرْعَانَ مَا سيَنْتَقِلُ العَبْدُ مِنْهَا إِمَّا إلَى جَنَّةٍ، أَوْ إِلَى نَارٍ؛ فَالْمَقَابِرُ مَحَطَّةُ انْتِظَارٍ يَنْتَظِرُ بَعْدَهَا إِلَى دَارِ الْمُقَامِ، وَلِذَا مِنَ الْأَخْطَاءِ الَّتِي يَنْبَغِي الْحَذَرُ مِنْهَا مَقُولَةُ "انْتَقَلَ فُلَانٌ إِلَى مَثْوَاهُ الْأَخِيرِ"، فَالْقَبْرُ لَيْسَ الْمَثْوَى الْأَخِيرَ؛ بَلِ الْمَثْوَى الْأَخِيرُ إِمَّا الْجَنَّةُ وَإِمَّا النَّارُ، وَلِذَلكِ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنِ الْآخِرَةِ: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾؛ أَيْ: لَيْسَ بَعْدَهَا رَحِيلٌ، يَقُولُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: (قَالَ لِي عُمُرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ: مَا أَرَى الْمَقَابِرَ إَلَّا زِيَارَةً، وَمَا لِلزَّائِرِ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ؛ أَيْ: مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ؛ فَالْمُكْثُ فِي الْقُبُورِ وَإِنْ طَالَ مُجَرَّدُ زِيَارَةٍ).

 

5- قَالَ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾، فَيَقْرَعُ اللهُ الْقُلُوبَ الْمُؤْمِنَةَ لَعَلَّهَا سَنَفِيقُ مِنَ الْغَفْلَةِ مِنْ هَوْلِ مَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنْ زِيَارَةِ الْمَقَابِرِ، فَأَمَامَهُمْ يَوْمٌ ثَقِيلٌ، فَلَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ سُبْحَانَهُ مَنْ أَلْهَاهُ هَذَا التَّكَاثُرُ، فَأَنْتُمْ الْآنَ تَعْمَلُونَ وَلَا تَعْلَمُونَ؛ وَلَكِنْ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مُسْتَقْبَلًا وَلَا تَعْمَلُون، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ إِذَا زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ مِنْ مَكْرُوهِ مَا انْشَغَلْتُمْ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ, فَـ (كَلَّا) كَلِمَةُ زَجْرٍ وَتَوَعُّدٍ وَتَهْدِيدٍ وَإِنْذَارٍ وَتَخْوِيفٍ؛ أَيْ: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْحَقِيقَةَ، وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ أَمْرِكُمْ، وَأَنَّ التَّكَاثُرَ لَا يَنْفَعُكُمْ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ-: (ثُمَّ تَوَعَّدَ سُبْحَانَهُ مَنْ أَلْهَاهُ التَّكَاثُرُ وَعِيدًا مُؤَكَّدًا إِذَا عَايَنَ تَكَاثُرَهُ قَدْ ذَهَبَ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَعَلِمَ أَنَّ دُنْيَاهُ الَّتِي كَاثَرَ بِهَا إِنَّمَا كَانَتْ خِدَعًا وَغُرُورًا، فَوَجَدَ عَاقِبَةَ تَكَاثُرِهِ إِلَيْهِ لَا لَهُ، وَخَسِرَ هُنَالِكَ تَكَاثُرَهُ، كَما خَسِرَهُ أَمْثَالُهُ. وَبَدَا لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ، وَصَارَ تَكَاثُرُه الَّذِي شَغَلَهُ عَنِ اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ عَذَابِهِ، فَعُذِّبَ بِتَكُاثُرِهِ فِي دُنْيَاهُ، ثُمَّ عُذِّبَ بِهِ فِي الْبَرْزَخِ، ثُمَّ يُعَذَّبُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكَانَ أَشْقَى النَّاسِ بِتَكَاثُرِهِ فِي دُنْيَاهُ؛ ثُمَّ عُذِّبَ فِي الْبَرْزَخِ، ثُمَّ يُعَذَّبُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَكَانَ أَشْقَى النَّاسِ بِتَكَاثُرِهِ؛ إِذْ أَفَادَ مِنْهُ الْعَطَبُ، دُونَ الْغَنِيمَةِ وَالسَّلَامَةِ، فَلَمْ يَفُزْ مِنْ تَكَاثُرِهِ إِلَّا بِأَنْ صَارَ مِنْ الْآفِلِينَ، وَلَمْ يَحْظَ مِنْ عُلُوِّهِ بِهِ فِي الدُّنْيَا إِلَّا بِأَنْ حَصَّلَ مَعَ الْأَسْفَلِينَ. فَيَا لَهُ تَكَاثُرًا مَا أَثْقَلَهُ وِزْرًا، وَمَا أَجْلَبَهُ مِنْ غِنًى جَالِبًا لِكُلِّ فَقْرٍ، وَخَيْرًا تَوَصَّلَ بِهِ إِلَى كُلِّ شَرٍّ، يَقُولُ صَاحِبُهُ إِذَا انْكَشَفَ عَنْهُ غِطَاؤُهُ: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي، وَعَمِلْتُ فِيهَا بِطَاعَةِ اللهِ قَبْلَ وَفَاتِي: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أعْمَلُ صالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾، فَقِيلَ لَهُ: ﴿ كَلّا إنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ﴾، تِلْكَ كَلِمَتُهُ يَقُولُهَا فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَرَجْعَتُهُ يَسْأَلُهَا فَلَا يُجَابُ إِلَيْهَا. وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ أَوَّلًا «رَبِّ» اسْتَغَاثَ بِرَبِّهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ أُمِرُوا بِإِحْضَارِهِ بَيْنَ يَدَي رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَقَالَ: «ارْجِعُونِ»، ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ سُؤَالِ الرَّجْعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِيمَا تَرَكَ خَلْفَهُ مِنْ مَالِهِ وَجَاهِهِ وَسُلْطَانِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَسْبَابِهِ، فَيُقَالَ لَهُ «كَلَّا» لَا سَبِيلَ لَكَ إِلَى الرَّجْعَةِ، وَقَدْ عَمَّرْتَ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)). انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.

 

6- قَالَ تَعَالَى: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ تَنْبِيهٌ عَجِيبٌ لِلْعِبَادِ مَا هُوَ مَوْقِفُكُمْ حِينَ تُكْتَشَفُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ أَمَامَكُمْ؟ فَلَوْ عَلِمْتُمْ حِينَ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَمَا أَلْهَاكُمْ هَذَا التَّكاثُرُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ وَأَلْهَاكُمْ عَنْ آخِرَتِكُمْ، فَلَوْ تَعْلَمُونَ الْآنَ عِلْمَ الْيَقِينِ الَّذِي لَا شَكَّ مَعَهُ مَاذَا سَيَكُونُ حَالُكُمْ وَمَآلُكُمْ، لَصَارَ لَكُمْ حَالٌ غَيْرُ هَذِهِ الْحَالِ، وَلَمَا أَلْهَاكُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا التَّكَاثُرِ عَنْ طَاعَةِ اللهِ، وَلَعَلِمْتُمْ أَمْرًا عَظِيمًا. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه-: (فَإِنَّ الانْتِهَاءَ بِالتَّكَاثُرِ إِمَّا وَقَعَ مِنَ الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ الْيَقِينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾، وَكَمَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا)). أَخْرَجَهُ الْبَخارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا، فَالْمُخْبرُ لَيْسَ كَالْمُعَايدِ)). انْتَهَى كَلَامُهُ، فَعِلْمُ الْيَقِينِ يُؤْخَذُ مِنَ الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ بِالرُّؤْيَا بِالْعَيْنِ.

 

7- قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾، فَسَوْفَ تَرَوْنَ يَا عِبَادَ اللهِ النَّارَ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي بَيَانِ الْآيَةِ: (وَتَوَعَّدَهُمْ بِهَذَا الْحَالِ وَهِيَ رُؤْيَةُ النَّارِ الَّتِي إِذَا زَفَرَتْ زَفْرًا خَرَّ كُلُّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَنَبِيٍّ مُرْسَلٍ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مِنَ الْمَهَابَةِ وَالْعَظَمَةِ، وَمُعَايَنَةِ الْأَهْوَالِ)، انْتَهَى كَلَامُهُ - رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه-- فَسَوْفَ تَرَوْنَ يَا عِبَادَ اللهِ يَوْمَ الْقَيامَةِ النَّارَ رَأْيًا عَيَانًا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾، فَيَرَاهَا النَّاسُ بَعْدَمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ عَنْهَا، وَتُوصَفُ لَه بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، أَمَّا بِالْآخِرَةِ فَانْتَقَلَتْ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ؛ فَأَهْلُ الْإِيمَانِ يَنْتَهِي عِلْمُهُمْ بِالنَّارِ ِبِعِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكُفْرِ فَيَنْتَقِلُونَ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ فِي النَّارِ، وَهِيَ حَقُّ الْيَقِينِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾.

 

8- قَالَ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾، فَهَذَا الْخَبَرُ صَادِقٌ مِنَ اللهِ بِأَنَّنَا سَنُحَاسَبُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالدُّنْيَا، وَالنِّعَمُ الَّتِي سَنُسْأَلُ عَنْهَا كَثِيرَةٌ؛ وَمِنْهَا:

أ‌- قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إنَّ أوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -يَعْنِي: الْعَبْدَ- مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، ونَرْوِيَكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَاردِ؟))؛ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيْح.

 

ب‌- قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ: ((والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ))، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا النَّعِيمُ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ هُوَ بُسْرٌ وَتَمْرٌ، وَرُطَبٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ، ولَحْمٌ قُدِّمِ لَهُمْ، فَمَا بَالُكُمْ بِالْنِّعَمِ الَّتِيْ نَعِيْشُهَا الآن!

 

فَيَسْأَلُ اللهُ عِبَادَهُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَنْ كُلِّ نَعِيمٍ مِنْ مَالٍ وَشَرَابٍ وَصِحَّةٍ مَاذَا عَمِلَ بِهَا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لَا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسَةٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَمَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ))؛ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَلا نَظُنُّ عِبَادَ اللهِ أَنَّ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا بِهَا مِنْ صِحَّةٍ وَمَالٍ، وَأَمْنٍ وأَمَانٍ، سَتُهْمَلُ وَعَنْهَا لَا نُسْأَلُ! فَكُلُّ أَحَدٍ سَوفَ يُسْأَلُ عَنْ نَعِيمِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَهَلْ نَالَهُ مِنْ حَلَالٍ أَمْ حَرَامٍ؟ وَيُسْأَلُ هَلْ شَكَرَ اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ أَمْ لَا؟

 

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.


أمَّا بَعْدُ...

فَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ إِيقَاظٌ لِلْقُلُوبِ الْمُؤْمِنَةِ، وَتَنْبِيهٌ لِلْقُلُوبِ الْغَافِلَةِ بِأَنْ يَأْخُذُوا لِلْأَمْرِ أَهُبَّتَهُ، وَأَنْ يَسْتَعِدُّوا لِهَذَا الْيَوْمِ اسْتِعْدَادًا يَلِيقُ بِهِ، فَنَتبَعَّدَ عَنْ مُبَالَغَةٍ فِي الدُّنْيَا، فَهُنَاكَ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ فُتِنَ بِهَا فِتْنَةً عَظِيمَةً، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِالْكَمَالِيَّاتِ وَالْمَارْكَاتِ، وَأَشْغَلَ نَفْسَهُ بِمُتَابَعَةِ الْمُودِيلَّاتِ وَالْمُوضَاتِ بِالسَّيَّارَاتِ وَالْأَجْهِزَةِ، فَيَتَخَلَّصُ مِنَ الْمُودِيلِ الْقَدِيمِ وَلَوْ كَانَ جَدِيدًا لَا عَيْبَ فِيهِ؛ وَلَكِنْ نَزَلَ مَا هُوَ أَحْدَثُ مِنْهُ بِالاسْمِ لَا بِالْحَقِيقَةِ، وَأَشْغَلَ نَفْسَهُ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ، وَكَثْرَةِ الْأَسْفَارِ وَالمُنْتَجَعَاتِ بِحُجَّةِ التَّرْويحِ عَنِ النَّفْسِ، حَتَّى أَصْبَحَ ذَلِكَ دَيْدَنَهُ، وَأَصْبَحَ ذَلِكَ إِهْدَارًا لِلْأَمْوَالِ، وَتَضْييعًا لِلْأَعْمَارِ، وَتَعَرُّضًا لِلْأَخْطَارِ، وَيَشْتَدُّ وُقُوعُهَا إِذَا كَانَتْ مِنْ مِنْ بَابِ المُبَاهَاةِ وَالمُكَاثَرَةِ وَالمُمَاثَلَةِ فَقَط. فَعَلَيْكَ يَا عَبْدَ اللهِ بِالتَّوَازُنِ فِي جَمِيعِ أُمورِكَ وَأَحْوَالِكَ، وَاحرِصْ عَلَى حِفْظِ وَقْتِكَ، وَسَاعَاتِ عُمُرِكَ، وَاحْرِصْ عَلَى شُكْرِ نِعَمِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِاسْتِعْمَالِهَا فِي طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَالاعْتِرَافِ لَهُ؛ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.

 

وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ فِي الْإِسْرَافِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالْمُفَاخَرَةِ، وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ إِهَانَةِ النِّعَمِ، أَوْ الْبَطَرِ عَلَيْهَا، فَنَحْنُ -وِللهِ الْحَمْدُ- نَعِيشُ فِي رَغَدٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَهُنَاكَ الْمَلَايينُ مِنَ الْبَشَرِ يَبِيتُونَ جِيَاعًا، وَفِي خَوْفٍ وَوَجَلٍ.

 

وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ، ثُمَّ الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ كُفْرِ نِعَمِ اللهِ بِعَدَمِ الانْتِفَاعِ بِبَقَايَا الطَّعَامِ، أَوْ وَضْعِهَا مَعَ مَا يُرْمَى مِنَ الْقَاذُورَاتِ مِنَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّ عُقُوبَةَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ شَدِيدَةً.

 

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعِهَا
فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ تُزِيلُ النِّعِمَ
وَحَافِظْ عَلَيْهَا بِتَقْوَى الْإِلَهِ
فَإِنَّ الْإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمِ

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة التكاثر للأطفال
  • تفسير سورة العصر
  • تفسير سورة الفاتحة
  • تفسير سورة الإخلاص
  • تفسير سورة الفلق
  • تفسير سورة الناس
  • تفسير سورة التكاثر

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على أن " اليسير من تفسير السعدي " ليس من تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/12/1446هـ - الساعة: 15:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب