• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحج: أسرار وثمرات (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل بعض أذكار الصباح والمساء
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    المال الحرام
    د. خالد النجار
  •  
    نصائح متنوعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    قصة موسى عليه السلام (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    مفهوم المعجزة وأنواعها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (8)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشافي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (11)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

رعاية الشيوخ واجب ديني وأخلاقي وإنساني

رعاية الشيوخ واجب ديني وأخلاقي وإنساني
د. محمد بن محمد الحجوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/3/2022 ميلادي - 10/8/1443 هجري

الزيارات: 3656

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رعاية الشيوخ

واجب ديني وأخلاقي وإنساني

 

هذه المرحلة أي الشيخوخة مثل سائر المراحل التي يمر منها الإنسان بدءا من طفولته ومراهقته وشبابه وكهولته إلى شيخوخته، وهي مرحلة مكتنفة بالجزع والخوف، وإن كانت ضرورية لكل إنسان أطال الله عمره، وهذا الخوف نابع لما يعتري الإنسان من وهن وأمراض وضعف في الذاكرة وكل أعضاء الجسم، فلا يستطيع القيام بما اعتاد عليه في شبابه وفتوته جسميًّا وعقليًّا ونفسيًّا[1]، ولهذا قال الشاعر العربي القديم زهير بن أبي سلمى معبرًا عما يشعر به الشيخ من سأم وضيق بتكاليف الحياة التي تثقل عليه:

سئمت تكاليف الحياة ومَن يعش
ثمانين حولًا لا أبا لك يسأم

وقال شاعر آخر يشكو الوهن وثقل سمعه؛ لأن هذه الحاسة مع البصر تتعرض مع طول السنين للضعف الشديد:

إن الثمانين وبلِّغتها قد
أحوجت سمعي إلى ترجمان

إنها شكوى طبيعية ومعبرة بصدق عما يعانيه الشخص من متاعب نفسية وصحية في تلك المرحلة، فلا نعجب أن يحنَّ لمرحلة الشباب ويتمنى لو يعود إليه؛ لأنه عنوان النضارة وعلامة البهجة والسرور والمرح:

ألا ليت الشباب يعود يومًا
فأخبره بما فعل المشيب

إن مرحلة الشباب بما يصاحبها من فتوة وقوة جسمية ونضارة، ورونق وبهجة وإقبال على مسرَات الحياة وقدرة على أداء الواجبات بدون كللٍ أو مللٍ محبَبة لكل مخلوق، بل كل الأمم والشعوب تسعى أن يكون فيها عنصر الشباب المثقف المجد في عمله وعطائه أكثر من فئة الشيوخ التي يقلَ عطاؤها وإنتاجها، وهذا ما تعاني منه بعض الدول الغربية في المرحلة الراهنة فتراها تجدد مجتمعها باستقطاب عنصر الشباب من مجتمعات أخرى، لكن ليس للأفراد ولا للدول خيار في قَبول مرحلة دون أخرى؛ لأن الإنسان يخضع لظاهرة كونية وسنة مِن سنن الله في هذا الوجود، ولكل مرحلة قانونها الطبيعي، وعناية الدول بأفرادها واجبة سواء كانوا أطفالًا أو شبابًا أو شيوخًا، بل الشيوخ يستحقون مزيدًا من الرعاية لما بذلوا من جهد وعطاء في مرحلة شبابهم، فالدولة والمجتمع ينبغي أن يوفِّرا لهم كل الوسائل التي تعينهم على الاستقرار والعيش في أمن وأمان.

 

ولكون الشيخوخة لا بد أن يصل إليها الإنسان إذا أطال الله عمره، فإن الكثير من الأمم ولا سيما التي تخطط للمستقبل اجتماعيًّا واقتصاديًّا وعمرانيًّا تفكر في الحلول من أجل التغلب على مشاكل الشيخوخة من الناحية النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها هذه الفئة، حلول تعينها على توفير كلِّ ما تحتاجه هذه الفئة في مرحلة العجز والضعف والمرض في السكن والعيش والرعاية الصحية، وقد توصَل الباحثون في الدراسات المستقبلية إلى أن فئة الشيوخ ستزداد في كثيرٍ من الدول نتيجة انتشار الوعي وازدهار الاقتصاد وتحسين الرعاية الصحية والاجتماعية، كما أن عزوف الشباب عن الزواج وعدم الرغبة في الإنجاب لدى الكثير منهم يُسهم في زيادة الفئة العمرية في المجتمع.

 

وها هي الصين التي كانت تحدِّد بصرامة عدد الأطفال في كل أسرة قد أباحت الزيادة لدى كل أسرة؛ لأنها شعرت بأن فئة الشيخوخة قد بدأت تتكاثر عندها ولا حل سوى الزيادة في الولادة التي تبشر في المستقبل بكثرة الشباب الذي يبني ويشيد، ويعين فئة الشيوخ على العيش باطمئنان، فلا يتوقف الإنتاج أو يقل، إنها سنة الحياة التي تقتضي التوازن في كل شيء، شباب يكدون وشيوخ يستريحون بعد الكد والجهد في مرحلة شبابهم.

 

التخفيف من أعباء الشيخوخة:

إن الحياة السعيدة والخصبة بالعطاء في مرحلة الشيخوخة ليست مستحيلة، لكن تحقيق ذلك ينبغي أن تتضافر فيه جهود متعددة من الأفراد والمجتمع والدولة، فالكل له دورٌ في التخفيف من أعباء الشيخوخة، لكي تقضي هذه الفئة ما بقي لها في الحياة في سعادة واطمئنان وهناء.

 

مسؤولية الفرد في الحفاظ على شيخوخته:

إن للفرد نصيبًا كبيرًا في جلب السعادة لنفسه ولأسرته ولمجتمعه في كل المراحل العمرية ماديًّا وصحيًّا ونفسيًّا، ولذلك تجد الفرد الواعي المثقف يخطط لجميع مراحل حياته منذ فترة الشباب والوعي لتحديد مسؤوليته في المجتمع من جميع النواحي، وهذا التخطيط لا يعني التغلب على كل المشاكل، وإنما التقليل منها بشكل كبير؛ لأن حياة الفرد محفوفة بالمتاعب، ولا سيما مرحلة الشيخوخة، فالفرد بمقدوره أن يتجنَّب الكثير مما يعكِّر صفو حياته في جميع أطوار عمره، ولا سيما حينما يصبح راشدًا، فالذي يتناول المخدرات والمسكرات والسجائر في مرحلة شبابه ماذا ينتظر من انعكاسات ذلك على صحته إن طال عمره؟ والذي يمارس لعب القمار ولا يتحكم بعقل واتزان في أموره المالية في مرحلة شبابه هل ينتظر رخاءً وازدهارًا وعيشًا هنيئًا في مرحلة الشيخوخة؟ إنها أمور بديهية وطبيعية في السلوك تظهر نتائجها الإيجابية أو السلبية عاجلًا أو آجلًا، فيجني الفرد على نفسه وأسرته، بل يتسبب في متاعب كثيرة لمجتمعه، وفي الدول المتقدمة أصبح الفرد يفكر فيما سيعاني منه من خمول وركود في الفكر في مرحلة الشيخوخة، فتراه في شبابه يتمرس على الرياضة والقراءة الدائمة والتفكير العقلي المتزن لحل الأمور؛ كي لا يعتاد على الخمول أو يصاب عقله بالجمود، ولذلك تجد منهم من يحاضر في جامعات ونواد فكرية لها مكانتها العلمية في مختلف العلوم حتى العقلية منها التي تحتاج إلى تركيز وبذل مجهود فكري وهو في سن التسعين من عمره، ولا يجد مشقَّة في عرض الأحداث والنتائج والحقائق العلمية بتفصيل ودقة، لكونه اعتاد على ذلك في كل مراحل عمره.

 

والغريب في الأمر أن الكثير من أفراد المجتمعات العربية والإسلامية قديمًا كانوا يمثلون هذه الظاهرة خير تمثيل؛ أي الحفاظ على نشاط شيخوختهم جسميًّا وعقليًّا ونفسيًّا، مثلما نجد عند الأمم المتقدمة في العصر الحاضر، فزهير بن أبي سلمي الذي ذكرناه آنفًا نظم الشعر البليغ الفصيح وقد جاوز الثمانين سنة، والنابغة الذبياني قال الشعر بعدما تقدَّم في السن، ولم يكن شعرًا هينًا، بل كانت قصائده مليئة في هذه المرحلة بالحكم والمعاني الرصينة التي تدل على سمو في العقل، والجاحظ أديب العربية الأكبر ظل يقرأ ويكتب حتى سن التسعين برغم المرض الذي أقعده حتى قيل: إن سبب موته كان نتيجة سقوط مجموعة من الكتب عليه، ومن العلماء من كان في فراش مرضه يسأل عوَاده عن قضايا علمية وفقهية وأدبية ويقول: خير لي أن ألقى الله وأنا عالم بهذه المسألة من أن ألقاه وأنا جاهل بها، ونجد في "كتاب المعمَّرين – بفتح الميم وتشديدها – من العرب وطرف من أخبارهم وما قالوه في منتهى أعمارهم"؛ لأبي حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني البصري المتوفى سنة 235 هـ، نماذج كثيرة من الشعراء والفرسان والحكماء الذين طال عمرهم وكانوا يقولون الشعر البليغ الفصيح، ويشاركون في الحروب دون أن يشعروا بعياء جسمي أو فكري، ذكر منهم المستوغر بن ربيعة بن كعب الذي عاش أزيد من ثلاثمائة سنة - وإذا كانت هناك مبالغة في هذه السنوات، فإننا نقدِّر أنه عاش سنين طويلة - وقد ذكر سنوات عمره في شعره:

ولقد سئمت من الحياة وطولها
وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مائتان لي
وعمرت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلا كما قد فاتنا
يوم يمرَ وليلة تحدونا[2]

 

وليس غريبًا أن يعيش العربي القديم كل هذه السنوات، فقد كانت ظروفه النفسية والاجتماعية والصحية مساعدة له، فالبيئة الصحراوية أعانته على أن يظل ذهنه متوقدًا وبنيته الجسمية سليمة ووضعه النفسي متزنًا، فكان فارسًا وشجاعًا ومنتظم الفكر في كل مراحل عمره، وأخبار هؤلاء كثيرة في كتب التراث.

 

فهذه النماذج تظهر أن الإنسان العربي كان حريصًا على طلب العلم وشحذ الذهن وصقل الفكر وممارسة الفروسية، وخوض غمار الحروب، دون أن يعوقه تقدم السن، لكونه تمرس على ذلك منذ فترة الشباب، وحافظ على سلامة جسمه وعقله، والأطباء وعلماء النفس في عصرنا الحاضر يحثون على ممارسة الرياضة وتجنُّب ما يؤذي الجسم والعقل، ولا سيما المخدرات والخمور والسجائر، ويدعون الناس للإقبال على كل ما يشحذ الذهن ويصقل الفكر بالقراءة الدائمة، والله عز وجل قال في كتابه المحكم: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، وهو خطاب للشباب والكهول والشيوخ رجالًا كانوا أو نساءً.

 

وهناك عامل آخر ينبع من ذات الإنسان وهو الإرادة القوية والإصرار على تحقيق الأماني الممكنة بدون يأس أو خمول، ونجد نماذج كثيرة من هذا في الأدب العالمي مثل رواية "الشيخ والبحر" لأرنست همنغواي التي تحدث فيها عن عزيمة وإرادة شيخ عجوز لم يعقه تقدم السن في الصمود لأيام وليال من أجل الظفر بسمك، فلم ييئَس برغم الفشل المتكرر حتى اصطاد سمكة كبيرة أنسته متاعبه، ولكنه مع ذلك لم يظفر بها؛ لأن سمك القرش قد أكلها، فبقيت له متعة الصيد وعزيمة الظفر بالشيء ولو كان شبه مستحيل، والغاية من هذه القصة عند الكاتب هو إظهار الإرادة والعزيمة وعدم اليأس عند هذا الشيخ العجوز، فكيف بالشباب الذين هم في مقتبل العمر تراهم إذا فشِلوا مرة أو مرتين يستسلمون لليأس، ويرون الحياة ظلامًا سرمديًّا، ومنهم من يجعل نهاية لحياته نتيجة ذاك الفشل.

 

إن الحفاظ على سلامة الجسم من الأمراض، وعلى العقول من الخمول، والإرادة والعزيمة لتحقيق الغايات، هو ما ينبغي أن يكون نصب عين الفرد في كل مراحل حياته، ولا سيما الفرد المسلم الذي طلب منه ألا ييئَس من روح الله.

 

دور الدولة في حماية الشيوخ:

الدولة هي الضامنة للحقوق والمحافظة على الواجبات والحامية للأفراد والجماعات، والحاضنة للمؤسسات السياسية والقانونية، وبذلك تعتبر المسؤولة عن تحسين الظروف المعيشية والأمنية للجميع، والشيوخ فئة من المجتمع أسهموا في بنائه في كل الميادين في مرحلة الشباب، فإذا قل عطاؤهم بحكم التقدم في السن، فلا ينبغي نكران أفضالهم السابقة، فهم أحق الناس بأن ينالوا الرعاية الشاملة التي تحفظ كرامتهم وتضمن لهم العيش الكريم والاستقرار والأمن، وذلك بتوفير الطعام والسكن والدواء والأمن، والقوانين التي تضعها الدول في نظام التقاعد وفي الرعاية الاجتماعية للعجزة تحرِص فيها على ضمان تلك الضروريات، وهي مكسب قانوني وحق طبيعي وعمل إنساني وأخلاقي، والدول التي لا تَعترف بهذا الحق أو لا تبالي بأوضاع هذه الفئة، ترتكب خطأً جسيمًا، بل جُرمًا فظيعًا في حق فئة تستحق التكريم والتبجيل والاحترام.

 

ودور الدولة لا ينحصر في هذا الجانب فقط، وإنما ينبغي أن تهيئ لهذه الفئة كل السبل وتسهِّل لكل من يريد منهم الاستمرار في العطاء والإنتاج، وتقديم النفع لوطنه وللإنسانية جمعاء، فهذه الفئة لها تجارب وخبرات ومهارات في مجال عملها وتخصُّصها، فلا ينبغي إهمال هذه القدرات والطاقات إذا كانت راغبة في الاستمرار، ونجد هذا جليًّا في الدول المتقدمة؛ حيث تتعاقد الجامعات ومؤسسات البحث العلمي مع الخبراء وذوي الكفاءات للعمل معها، ومنهم من قد تجاوز الثمانين سنة.

 

وليس هذا غريبًا في عطاء هذه الفئة، إذ نجد هذه الظاهرة عند من يمارسون الأعمال والصناعات والحرف الحرَّة، فترى الفلاحين يعملون في الأرض وسنُّهم قد تجاوزت سبعين سنة، وكذلك أصحاب الحرف والصناعات اليدوية الشاقة، وهم يشعرون بسرور وغبطة ولا يملون من العمل، بل يعتبرونه واجبًا وعبادة تقرِّبهم إلى الله لكونهم ينفعون بها خلقه.

 

في الجانب الأخلاقي والإنساني الذي تستحقه هذه الفئة:

قبل أن نتحدث عن الدور الأخلاقي والإنساني والاجتماعي الذي ينبغي أن تناله هذه الفئة من أفراد المجتمع عامة، نشير إلى ما نصَّت عليه العقيدة من وجوب توقير واحترام وتوفير كل الحاجيات لهم، وليس هذا غريبًا في عقيدة تمثل كمال الأخلاق والفضائل والنبل الإنساني للمخلوق المكرَم، فشريعة الإسلام كانت سبَّاقة لوضع القوانين الأخلاقية والإنسانية قبل التنصيص عليها من طرف الهيئات الدولية والجمعيات الحقوقية في العصر الحديث؛ لأن الإسلام كرَّم الإنسان وأعطاه قدسية ومكانة عالية على سائر المخلوقات، بل على أعظم مكان في هذه الأرض وهو بيت الله الحرام، فقد ضمن للإنسان الحق في الحياة والحرية في الرأي والعيش الكريم والتنقل في آفاق الأرض، ويكفي أن نشير إلى قوله تعالى في وجوب رعاية الوالدين واحترامهما في مرحلة الكبر خاصة؛ حيث قرن عز وجل عبادته بالتكريم الذي خصَّه للوالدين، ولا سيما في مرحلة العجز والكبر: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]، لقد نهى عز وجل استعمال العبارات التي تدل على الضجر والغضب احترامًا لمشاعر الأبوين في مرحلة الكبر والحاجة، فكيف يقبل من أحد إهمالهما وتركهما للتعرُّض للمهانة والحرمان وسوء الحال؟ وهذه الظاهرة أي إهمال الوالدين في مرحلة الشيخوخة بدأنا للأسف نراها في بعض المجتمعات الإسلامية؛ حيث يخرج الآباء للتسول وينامون في الشوارع وتفتك بهم الأمراض، وأبناؤهم يرون كل ذلك ولا يفعلون شيئًا، ومنهم من تتحرَّك مشاعره وعواطفه، فيشفق عليهما بحملهما إلى الملجأ الخيري، وكأنه قام بواجبه نحو أبويه، ليس هذا من قيم الإسلام ولا من أخلاق وأعراف المجتمعات الإسلامية التي تتضامن مع البعيد قبل القريب، فإذا كانت ضغوط الحياة الاجتماعية قاهرة، فلا ينبغي أن يكون الآباء في مرحلة الشيخوخة والعجز ضحية لهذه الضغوط.

 

ونجد لقطة أخرى في الذكر الحكيم تبيِّن الرعاية التي يستحقها الآباء في مرحلة الشيخوخة، فالمرأة في الإسلام تصان وتكرَّم ولا تهان في الأعمال الشاقَّة، ولكن إذا دعت الضرورة لأجل رعاية الوالدين في الكبر، فإنها تخرج للعمل وتتحمَّل المشاق، يقول عز وجل عندما تحدَّث عن موسى عليه السلام حينما أعان المرأتين في "مدين": ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23].

 

فهاتان المرأتان خرَجَتا للقيام بعمل الرجال صيانةً لأبيهما الشيخ العجوز الذي لا يقدر على ذلك، فأي تكريم للأبوة والشيخوخة أكثر من ذلك!

 

إن المجتمعات الإسلامية تكرِّم وتصون فئة الشيوخ ولو كانوا على غير دينها، إنه شعور أخلاقي وإنساني ثابت في وِجدان كل فرد من هذه الأمة، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجد يهوديًّا وهو شيخ عجوز يَمدُّ يده للناس من أجل كسب عيشه ودفع الجزية، فأنكر أن يكون ذلك في المجتمع الإسلامي وخصَّص له راتبًا شهريًّا يعيش به ويحفظه من ذلِّ السؤال، وقال: والله ما أنصفناك نأخذ منك شابًّا، ثم نضيعك شيخًا، والله لأعطينَك من بيت مال المسلمين.

 

هذا هو الوجه الصحيح للعقيدة، ترعى الحرمات، وتصون الحقوق، ولا تتنكر لمن قدَّم خدمات للمجتمع.

 

والمجتمعات الإسلامية في العصر الحاضر يجب أن تستحضر هذه المواقف من عقيدتها وأخلاقها وأعرافها؛ لتصون كرامة الشيوخ والعاجزين والمرضى واليتامى والأرامل والمشرَّدين، تمدُّ لكل من يستحق منهم المساعدة والعون، وتعترف لهم بما قدَّموه في شبابهم؛ حتى يشعروا أنهم في مجتمع التضامن والرحمة والبر والإحسان، فلا يتأسفون على شبابهم ولا على ما بذلوا من جهود في بناء أوطانهم، وجزاء الإحسان لا يكون إلا بالإحسان كما علمنا دينُنا ذلك.



[1] نشرت في مجلة "دعوة الحق" عدد 429، غشت سنة 2019م مقالًا عن مرحلة الشباب ودوره في البناء بعنوان"، تكوين الشباب وتأهيله: رؤية في المناهج التربوية وآفاق المستقبل".

[2] بقي، لغة في بقي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ألمانيا: عضو بمجلس الشيوخ يدعو إلى التواصل مع المسلمين
  • ألمانيا: المسلمون يطالبون مجلس الشيوخ بالمساواة مع باقي الطوائف الدينية
  • الولايات المتحدة: لجنة مجلس الشيوخ ترفض قانون حظر اعتبار الشريعة
  • الولايات المتحدة: مرشح مجلس الشيوخ يطالب بالتوقف عن تعذيب المسلمين
  • العمل للإسلام بين الشباب والشيوخ
  • بلجيكا: عضو مجلس الشيوخ يهين المسلمات
  • الولايات المتحدة: مجلس الشيوخ يطالب بدعم الطلاب المسلمين
  • فرنسا: مجلس الشيوخ يدين الأعمال المعادية للإسلام
  • ميانمار: مجلس الشيوخ الباكستاني يدين الاضطهاد ضد مسلمي بورما
  • من الشيوخ إلى الشبان
  • تعطيل الانتفاع بكتب الشيوخ

مختارات من الشبكة

  • الامتحانات وواجب رعاية الدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وسطية أهل السنة في رعاية حقوق الإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رعاية البيئة بين هدى الإسلام ووثيقة حقوق الإنسان (بحث كامل)(كتاب - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)
  • تركيا: تأسيس مركز لرعاية الدين الإسلامي في أوروبا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الإسلام ورعاية حقوق المرأة(مقالة - ملفات خاصة)
  • مكانة المساجد ورعايتها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • من صلى الضحى كان في رعاية الله طوال يومه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلاة الفجر تجعلك في ذمة الله وحفظه ورعايته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ندوة لتوجيه ممارسي الرعاية الصحية المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مخطوطة الرعاية في تجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/11/1446هـ - الساعة: 15:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب