• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نصائح متنوعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    قصة موسى عليه السلام (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    مفهوم المعجزة وأنواعها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (8)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشافي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (11)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

الاستقواء بغير الله ضعف، والاستنصار بغيره هزيمة

الاستقواء بغير الله ضعف، والاستنصار بغيره هزيمة
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/1/2022 ميلادي - 27/6/1443 هجري

الزيارات: 6273

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة الأعراف (الحلقة 25)

الاستقواء بغير الله ضعف والاستنصار بغيره هزيمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:

فقد قال الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ * إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 187 - 198].

 

أحد أبنائي وقد كان صبيًّا رأى نعجة ترضع خروفها فجاء يسألني: هل الأم تنجب الأطفال مثل النعجة؟ ثم سألني بعد حين عن جده: أين هو؟ فلما أخبرته بوفاته، أخذ يبكي ويمطرني بأسئلة عنه: لماذا مات؟ وكيف مات؟ ومتى نراه؟

ثم انتقل إلى السؤال عن الفاعل الذي يجعل النعجة تنتج خروفًا والمرأة تلد طفلًا، والجد يموت، فلم أرتَحْ من أسئلته، ولم يهدأ فكره ويكف عن التساؤل، إلا بعد أن ذكرت له في ليلة مقمرة بفضاء مفتوح قصة إيمان سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ من قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 75 - 79].

 

هذه الأسئلة من حديثي العهد بوعي الحياة تترجم العطش الإنساني الطبيعي إلى المعرفة، والشغف التلقائي ذا الحمولة الفلسفية التواقةإلى فهم الكينونة في مبدئها ومسارها ومعادها، والاستدراج الفطري إلى أن يعرف المرء خالقه سبحانه، ويتذكر ميثاقه معه في الملأ الأعلى، ويبلور ما يتلامح في وجدانه من الإيمان به منذ ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172].

 

هذه الأسئلة الوجودية المبثوثة في صميم البنية النفسية للإنسان تكون أشد وضوحًا وصفاء وإلحاحًا ما دام المرء أقرب إلى الفطرة؛ بصغر سنٍّ وحداثة عهد بالحياة، ولكنها أحيانًا تضمر بالتدريج أو تختفي ويستبدل بها جفاف روح، وجفاء طبع، وقسوة قلوب، بما تركن إليه النفس من ضجيج الحياة، وصراخ الشهوات، ومشاعر التنافس، وغرائز حب البقاء والصراع الحيواني الدائب على العشب والغلبة، فتحتاج إلى من ينعشها ويذكرها بالسواء الذي خُلقت عليه أول أمرها، ويجيبها عن سؤالها الوجودي الأبدي الكامن في أعماقها.

 

ذاك حال قريش إذ انطمست فطرتهم واندثرت لديهم عقيدة المبدأ والمعاد وأمر الساعة جسرًا بينهما، وران على قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم ما غشيها من العمه والعمى، والعشى والصمم، وحاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث فيهم بالقرآن الكريم أول ما جُبلت عليه أنفسهم من الإيمان بالله واليوم الآخر، فأقبل بعضهم على بعض ساخرين مستهزئين؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ﴾ [سبأ: 7، 8]، ثم عقب تذكيرهم باقتراب أجلهم وتهديدهم بما ينتظرهم في الآخرة، ودعوتهم للمبادرة إلى الإيمان بقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185]، هُرعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واجفين مشفقين متسائلين عن اليوم الذي تقضى فيه آجالهم، وتحل فيه ساعتهم؛ فنزل الوحي بقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ [الأعراف: 187].

 

ولئن كان العربي يعرف بسليقته أن الحروف الثلاثة: "السين والواو والعين" تدل على استمرار الشيء ومضيه كما ذكر ابن فارس في معجمه، فيقال مثلًا "جاءنا بعد سوع من الليل؛ أي: بعد شيء من الوقت يمضي ويستمر، فإن منه استحدث أيضًا للجزء من الوقت مصطلح: "ساعة"؛ كما في قوله تعالى: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [يونس: 49]، ومنه تقسيمهم اليوم أربعًا وعشرين ساعة، فيقال: استأجرته مساوعةً؛ أي: بحساب الساعة، كما يقال: مياومةً بحساب الأيام، أو مشاهرةً بحساب الشهر، ثم نقل القرآن الكريم اللفظ إلى مصطلحه العقدي الجديد؛ وهو الساعة الشرعية المعرفة في كل سياق، وردت فيه بالألف واللام، خلافًا للساعة الزمنية التي تأتي معرفة ونكرة؛ كما في قوله تعالى وقد جمع بين الساعتين الشرعية والزمنية في آية واحدة هي قوله تعالى:﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾ [الروم: 55].

 

ولأن مشركي قريش لم يكونوا يدركون إلا الساعة الزمنية وما تعنيه في لغتهم، فإنهم عندما عرفوا المعنى الشرعي لها، وأنها باقترابها ومجيئها فجأة تؤذن بيوم موت للأحياء وانقضاء لعمر الأرض وفناء للعالم، وقيام لعالم جديد فيه الحساب والجزاء جنة ونارًا، جاؤوا سراعًا زرافاتٍ ووحدانًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوضحون مرتعبين خائفين؛ كما قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ [الأعراف: 187]، ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾ [الأحزاب: 63]، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ﴾ [النازعات: 42، 43]؛ وحُقَّ لهم الانزعاج والخوف والترقب، فالساعة بكل تجلياتها وسياقات ورودها في القرآن لا تبشر المشركين بخير؛ وهي كما قال تعالى يهددهم بها: ﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ [القمر: 46]، إن ذكرت مقرونة بحصول جزاء الأعمال يُقصد بها يوم البعث والنشور، والسؤال والجزاء؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ [الروم: 12 - 14]، وقوله عز وجل: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46]، وإن ذُكر التكذيب بها أو المجادلة في صدق الإخبار بها، كان معناها يوم وقوعها ورسوها في الكون؛ كما في قوله تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ﴾ [الفرقان: 11]، وقوله سبحانه: ﴿ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾ [النحل: 77]، كما أنها في كل الأحوال تتم بنفختين عظيمتين في الصور: نفخة الموت، ونفخة البعث؛ قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر: 68]، وجاء ذكرها باسمها الشرعي تذكيرًا بها وترسيخًا لها في النفوس نحوًا من أربع وعشرين سورة، وبأسماء أخرى صيغت من صفاتها وأهوالها ومخاطرها؛ فسماها تعالى الزلزلة بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2]، وقوله عز جل: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ﴾ [الزلزلة: 1 - 3]، وسماها الصاخة بقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴾ [عبس: 33 - 36]، وسماها: الحاقة والقارعة؛ بقوله تعالى: ﴿ الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ﴾ [الحاقة: 1 - 4]، وسماها الآزفة بقوله عز وجل: ﴿ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ [النجم: 57، 58]، وسماها الطامة الكبرى بقوله سبحانه: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾ [النازعات: 34، 35].

 

وكان طبيعيًّا ومنتظرًا أن يرتعب كفار قريش مما نزل فيها، وأن يتساءلوا عنها فيما بينهم ويسألوا عنها وعن موعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم: ﴿ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ [الأعراف: 187]، ولفظ "أيان" ظرف زمان مبني على الفتح خبر مقدم للمبتدأ بعدها: "مرساها"؛ أي: "مرساها أيان"، والهاء مضاف إليه، والجملة الاسمية للاستفهام عن الوقت بمعنى: "متى وقتها"، و"مرساها": مصدر ميمي من أرسى، يستعمل ظرف زمان ومكان، ويطلق على مكان وصول السفن إلى الشاطئ وانطلاقها منه أو على وقته، ثلاثيه:رسا يرسو؛ أي: ثبت، والإرساء هو الإثبات، لا يقال إلا للشيء الثقيل؛ نحو: رست السفينة في مرساها؛ أي: ثبتت فيه وتوقفت عن الجري؛ قال الزمخشري: "مرساها إرساؤها، أو وقت إرسائها: أي: إثباتها وإقرارها، وصف وقوعها في الكون بالرسو؛ لعظم خطرها على الناس وثقل وقعها على السماوات والأرض".

 

وسواء كان السؤال من قريش كما قال الحسن وقتادة، أو من اليهود كما قال ابن عباس، فإن الجواب كان عامًّا لجميع الخلائق؛ بقوله تعالى: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ﴾، وحرف "إنما" مركب من "إن" المؤكدة، و"ما" الكافة لها عن العمل، يدل على القصر في الجملة الاسمية بعدها بقوله تعالى: ﴿ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ﴾، والمصدر "علمها" مبتدأ أضيف إليه مفعوله، خبره الظرف بعده أو شبه الجملة في قوله: ﴿ عِنْدَ رَبِّي ﴾، ثم تأكد هذا القصر بقوله عز وجل: ﴿ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: لا يكشف عن وقت رسوها، ولا يأتي بها، ولا يوضح أمرها، وما يقع فيها إلا الله تعالى، كل ذلك استأثر الله بعلمه لم يطلع عليه إنسًا ولا جنًّا ولا ملكًا مقربًا.

 

ثم وصف عز وجل هول الساعة تحذيرًا منها وحثًّا على الاستعداد لها بالإيمان والعمل الصالح؛ فقال سبحانه: ﴿ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾؛ أي: اشتد على السماوات والأرض وقعها، وثقل على الخلائق رسوها، وأرهقهم ما بها من أهوال موت ودمار، وتبدل أحوال، وتغير حالات؛ كما في قوله تعالى عنها أيضًا: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 48]، وقوله سبحانه: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴾ [الانفطار: 1 - 4]، وكان التعبير عن ذلك بصيغة الماضي: ﴿ ثَقُلَتْ ﴾؛ لتأكيد وقوع ثقلها في المستقبل على العالمين؛ لأن من صيغ العربية أن الفعل الماضي يعبر به عن المستقبل إذا أريد تأكيد وقوعه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1]، وقوله عز وجل: ﴿ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴾ [يونس: 28].


ثم بين عز وجل أن من مقتضى إخفائها أنها ﴿ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ﴾، لا تقع فيكم إلا فجأة وأنتم غافلون؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لتقومن الساعة وثوبهما بينهما لا يطويانه ولا يتبايعانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف بلبن لقحته لا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يلوط حوضه لا يسقيه، ولتقومن الساعة ورفع لقمته إلى فيه لا يطعمها)).

 

ثم قال تعالى تعجيبًا لرسوله صلى الله عليه وسلم من أمر السائلين عنها: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ يا محمد ﴿ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ﴾، ولفظ "الحفي" لغة من حفي يحفى بالشيء وعنه إذا كان معنيًّا به، مبالغًا في السؤال عنه والاهتمام بأمره، واستقصاء أخباره؛ أي: كأنك معنيٌّ بها ومبالغ وملح في السؤال عنها والاهتمام بأمرها أكثر من اهتمامك بتبليغ رسالة الإسلام وهداية الخلق، ﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾، قل لهم: إنما علم ذلك عند الله، لم يطلع عليه أحدًا من خلقه ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 187]، لا يعلمون أنها حق ويجادلون فيها، وأن أمرها بيد الله وحده لا شريك له لم يطلع عليهما أحدًا من خلقه، ويسألون عن ميقاتها؛ كما يتضح ذلك من قول جبريل عليه السلام عنها: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سأله: ((فأخبرني عن الساعة))[1].

 

وإذ أكثروا على الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال عن الساعة وميعادها، أمره تعالى بأن يجعل جوابه لهم تربية إيمانية وتعليمًا لأدب الحديث مع الله وعن الله؛ فقال له: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لكل سائل ملحاح عنها: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ﴾، ليس في استطاعتي جلب أي نفع لنفسي أو دفع أي ضرر عنها، ﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾، إلا أن يريد الله لي ذلك، فيقدر وييسره لي، فكيف تسألون عن أمر خطير استأثر الله به كالساعة، ﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾، لو كنت أعلم ما غيب عني من خير قد يأتيني في المستقبل أو شر قد يصيبني، ﴿ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ﴾، لعملت بما يضاعف هذا الخير ويكثره، ﴿ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾ [الأعراف: 188]، واحترست مما يجلب لي الشر وعملت على دفعه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [يونس: 48، 49]، وذلك مثلما أجاب به الرسول صلى الله عليه وسلم من سأله عنها، فنبهه إلى ما هو أنفع له من السؤال؛ فيما رواه أنس بن مالك قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فلما قضى الصلاة، قال: أين السائل عن ساعته؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كبير شيء، ولا صلاة، ولا صيام - أو قال: ما أعددت لها كبير عمل - إلا أني أحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب - أو قال: أنت مع من أحببت - قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام مثل فرحهم بهذا)).

 

ثم واصل صلى الله عليه وسلم جوابه للمشركين بما أمره به ربه تعالى، فقصر رسالته على أمرين؛ هما: النذارة والبشارة على سبيل الحصر والتأكيد؛ بقوله: ﴿ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188]؛ أي: ما أنا إلا نبي منذر من سوء عاقبة الكفر والعصيان للكافرين والعصاة، ومبشر للمؤمنين بحسن عاقبة الإيمان والطاعة، وذلك هو التبليغ الجامع الذي يسهل فهمه واستذكاره للسامع والمراجع، كما ورد في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الإسراء: 105]، وقوله سبحانه: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ [الأنعام: 48]، ولا شك أن حصر الرسالة النبوية في البشارة والنذارة في منتهى الإيجاز والتركيز؛ لأنه يفيد ضمنًا تبليغ ما يبشر به وما ينذر به، وهو الدعوة إلى الإيمان والعمل بالأحكام؛ إذ باستجابتها أو جحودها تكون البشارة والنذارة مقيدة نتائجها بإرادة الله ومشيئته، وقدرته المطلقة على الخلق والإنشاء، والتقدير والتدبير في قوله:﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 188]؛ ولذلك عقب الحق تعالى مذكرًا بالخلق الأول للإنسان، مفطورًا على أصل الإيمان، وطروء الشرك عليه بتلبيس الشيطان؛ فقال عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾، هي النفس البشرية خلق منها الذكر الأول من البشر مفطورًا على الإيمان؛ إشارة إلى آدم عليه السلام، ﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾، وخلق منها الأنثى الأولى من البشر مفطورة على الإيمان؛ إشارة إلى حواء عليها السلام؛ ﴿ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾، ليطمئن كل ذكر من بني آدم إلى أنثاه في نواة لأسرة مؤمنة تحفظ النسل، وتكون لبنة فيما يخلقه الله من الشعوب والقبائل والعمران، ثم بالتفات إلى ما قد يستدرج إليه المؤمن أحيانًا من الشرك، وما يوحي به الشيطان لضعاف الإيمان من الفتن، عرض تعالى وصفًا دقيقًا لنشوء الشرك في المجتمع البشري، وضرب له مثلًا حيًّا بأسرة مؤمنة من ذكر وأنثى بقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ﴾، فلما تغشى الزوج زوجته؛ أي: باشرها، من الغشاء والتغشية، وهي أن تلف الشيء بقماش أو ورق يستره، إشارة إلى أن الستر في الحياة الزوجية من مقتضى الفطرة السوية للإنسان خلافًا للحيوان.

 

فلما أتى الزوج زوجته ﴿ حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ﴾، ظهرت على الزوجة أعراض حمل خفيف سرعان ما تجاوزتها بيسر من غير إجهاض أو إخداج أو متاعب، ﴿ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ ﴾، فلما كبر الجنين في بطنها وأثقلت به ودنت ولادتها، ﴿ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا ﴾، سألا الله ربهما ﴿ لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 189]، مقسمين له على مداومة شكره وحمده وعبادته، إن وهبهما ولدًا صالحًا، ﴿ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا ﴾، فلما استجاب الله دعوتهما، ووهب لهما ولدًا صالحًا، ﴿ جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ﴾، فُتنا بولدهما وجعلا لله في إعطائه أو في حفظ ما أعطى وسلامته وبقائه شركاء من الجن أو الإنس أو الأوثان، وصار حفظ الولد والمحافظة عليه وخدمته، وانتظار خيره لديهما أهم من حفظ عهدهما مع الله، والوفاء بما ألزما به نفسيهما من مواصلة شكره وحمده، ورجاء فضله، وهو ما كان يفعله كفار قريش قديمًا، ويفعله بعض الجهلة حديثًا؛ إذ يستدرجون إلى الشرك بالمبالغة في محبة أبنائهم، وذلك ما حذر منه الحق تعالى بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ [التغابن: 14].

 

وقد قرأ نافع وعاصم من رواية أبي بكر في هذه الآية: ﴿ شِرْكًا ﴾، بكسر الشين والتنوين؛ أي: اشتراكًا، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ﴿ شُرَكَاءَ ﴾، بضم الشين، جمع شريك، والمعنى واحد.

 

ثم عقب عز وجل بتنزهه عن كل أصناف الشرك خفيًّا كان أو ظاهرًا، أفعالًا أو أقوالًا أو تصورًا؛ فقال: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾؛ أي: تعاظم شأنه وارتفع قدره وتنزه عما يسميه به، أو يصفه به، أو يتصوره المشركون.

 

ولأن الشرك بالأصنام وما في حكمها من الحجارة والأشجار والطواطم[2]، كان السمة الأبرز فيما يواجهه الرسول صلى الله عليه وسلم من كفار قريش وعامة العرب، فقد أفرد له الوحي في هذا السياق حيزًا يستفز به عقول معتنقيه، وينكر به عليهم ضلالاتهم؛ فقال تعالى: ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [الأعراف: 191]، كيف يعقل أن يجعلوا من أصنامهم شركاء لله في الخلق، وهي نفسها مخلوقة؛ قال تعالى في سورة الحج: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾ [الحج: 73]، لا تملك القدرة على الفعل سلبًا أو إيجابًا، ﴿ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا ﴾، ولا تستطيع هذه المعبودات أن تحمي من يعبدها من أذًى، أو تنصره في موقف حرج أو ضيق أو عدوان، ﴿ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ﴾ [الأعراف: 192]، بل هي أقل درجة من أبسط الكائنات الحية، لعجزها عن دفع الأذى عن نفسها، وكان التعبير عن الأصنام بصيغة جمع الذكور العقلاء مسايرة لِما يعتقده المشركون فيها من أنها تنفع وتضر، وأنها عاقلة تسمع وترى وتستجيب، كما كانت عقيدة أبي سفيان يوم أحد إذ صاح بأعلى صوته متحديًا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعْلُ هبل"، فقال صلى الله عليه وسلم لصحابته: ((أجيبوه، فقالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، فقال أبو سفيان: ألا لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم))، وكما قالت للطفيل بن عمرو الدوسي زوجته حين أسلم وأمرها أن تسلم: ((ألا نخشى على الصبية من ذي الشرى شيئًا؟))، وكان ذو الشرى صنمًا يُعبد في الجاهلية.

 

وبعد أن واجه الوحي الكريم المشركين بحقيقة عجز أصنامهم عن الخلق، وحقيقة أنها مجرد مخلوقات عاجزة عن حماية نفسها أو نصرة أتباعها، بيَّن حقيقة أخرى متعلقة بالمشركين أنفسهم؛ وهي استعصاؤهم عن الفهم وقبول الهداية والنصح؛ وخاطب فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ ﴾، وإن تدعوا - أيها المسلمون - هؤلاء المصرين على الشرك من صناديد قريش ﴿ إِلَى الْهُدَى ﴾، إلى اتباع الهدى الذي هو الإيمان بالله ورسوله والكتاب المبين، ﴿ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ﴾، لن يتبعوكم فيما أنتم عليه من التوحيد وعبادة الله والعمل الصالح؛ لأن قلوبهم مختوم عليها، ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ﴾ [الأعراف: 193]، لن يتركوا الشرك سواء دعوتموهم إلى الإيمان أم تركتم دعوتهم فلم تكلموهم، وإنما دعوتكم للناس جميعًا من استجاب منهم، ومن أعرض مجرد طاعة منكم لأمر ربكم؛ بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1، 2]، وقوله عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]، كما أنها أيضًا إقامة للحجة بين يدي ربكم يوم القيامة؛ كما قال تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]، وقال: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].

 

ثم بالتفات إلى المشركين يواصل الوحي الكريم تقرير عقيدة توحيد العبادة وشرحها؛ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، إن هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله أو معه ﴿ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ على صنعت به أو منه حجارة أو ترابًا أو معدنًا، تدين مثل جميع ما في الكون بالعبادة لله الذي خلقها وخلقكم، ﴿ فَادْعُوهُمْ ﴾، فاسألوهم حاجاتكم، ﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأعراف: 194]، فليعطوكموها إن كنتم صادقين في دعواكم أنها قادرة على العطاء وصالحة للعبادة.

 

ثم واصل الوحي تبصير المشركين بسفاهة عقولهم إذ يعبدون مخلوقات أدنى منهم في سلم الكائنات؛ فقال عز وجل: ﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ﴾، هل لهم مثلكم أرجل يمشون بها كما تمشون؟ ﴿ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ﴾، أم لهم مثلكم أيدٍ يدفعون بها الشر عن أنفسهم أو عن غيرهم؟ ﴿ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ﴾، أم لهم أعين ينظرون بها فيميزون بين المرئيات الضارة والنافعة؟ ﴿ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾، أم لهم آذان يميزون بها نداءات البشارة من نداءات النذارة، ودعوات الخير من دعوات الشر، وهي بذلك أضعف من عابديها، بل لا ترقى إلى أن تكون مثلهم أو أن تنصرهم أو تستجيب دعاءهم، لذلك أمر الحق تعالى رسوله الكريم بألَّا يحفل بهم ولا بمعبوداتهم وخاطبه بقوله: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين، وقد عرفوا حقيقة ضعفهم، وضعفمعبوداتهم، واستنصارهم بما لا ينصر: ﴿ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ﴾، اطلبوا من أصنامكم أن تعينكم وتنصركم عليَّ، ﴿ ثُمَّ كِيدُونِ ﴾، ثم أجمعوا أمركم معها للتآمر عليَّ والمكر بدعوتي، ﴿ فَلَا تُنْظِرُونِ ﴾ [الأعراف: 195]، لا تمهلوني أو تتركوا لي فرصة لمدافعتكم أو رد كيدكم.

 

إن الجهل قد أطبق على عقول المشركين؛ لأنهم لا يقدرون الله حق قدره، ولا يعرفون قوته وبطشه، كما لا يعرفون ضعفهم وضعف آلهتهم، وإذ تعجبوا من هذا التحدي الذي رُفع في وجوههم، وتساءلوا عن سر قوة محمد صلى الله عليه وسلم، ودواعي استعلائه بالإيمان، رفع في وجوههم بأمر ربه تحديًا آخر أشد مضاء، وقال مستعليًا بولائه لربه غير مكترث بما يمكرون: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196]، وقد صيغ هذا التحدي على درجة عالية من التأكيد والقوة والصلابة واستعلاء الإيمان، في لغته وقوة معانيه؛ إذ ورد مؤكدًا بحرف "إن"، وفي جملة اسمية، والجملة الاسمية صيغة من صيغ التأكيد عند العرب، مبتدؤها لفظ الجلالة: "الله"، وخبرها "ولي" مضافًا إلى ياء المتكلم ﴿ وَلِيِّيَ ﴾، ويقرؤها الجمهور بتشديد الياء الأولى وفتح الياء الثانية، وهو الأصل، كما يقرؤها آخرون بحذف الياء الثانية في اللفظ لا في الكتابة، لسكونها وسكون ما بعدها، كما ورد الولاء مؤكدًا بصفتين من صفاته تعالى هي قوله عز جل: ﴿ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ﴾؛ أي: الذي أنزل القرآن وهداني وأيدني به وجعله لي حجة ومنهاجًا، ﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196]، وهو من شأنه دائمًا أن ينصر الصالحين من عباده، كما تصدر هذا التحدي في الآية الكريمة باسم من أسماء الله الحسنى هو" الولي"، ليجبه المشركين بحقيقة ولائه صلى الله عليه وسلم لربه وحقيقة عصمته به من شرهم، وحقيقة عجزهم عن النيل منه، وحقيقة نصر الله له وللمؤمنين دائمًا؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته)).

 

وكما أن الولاء لغة هو تولي القيام بالشيء قدرة وتدبيرًا، وحفظًا ونصرة، ومنه يقال: ولي الشيء وولي عليه ولايةً وولايةً، فإنه عقيدة عروة وثقى بين العبد وربه غير قابلة للنقض أو البيع أو الشراء، أو الاشتراك أو الشرك؛ ومنه قال صلى الله عليه وسلم: ((الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يُباع ولا يوهب))، وقال تعالى على سبيل الحصر والتأكيد: ﴿ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ ﴾ [الشورى: 9]، وقال: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [البقرة: 257]، وقال صلى الله عليه وسلم للإمام علي كرم الله وجهه: ((من كنت مولاه، فعليٌّ مولاه))، لذلك فالولاء لله - وينبثق منه الولاء للمؤمنين - ليس كلمة يدعيها المرء من غير أن يظهر لها أثر في مشاعره وسلوكه وعلاقاته، بل هو حالة نفسية وشعورية تخامر القلب والعقل وتخصب الوجدان، به يكون المرء عضوًا حيًّا وفعالًا في المجتمع الإسلامي بكل أطيافه محبة ونصرة للحق ودحضًا للباطل، وتآمرًا بالمعروف وتناهيًا عن المنكر، ودفاعًا عن المظلوم والمستضعف، والفقير والمسكين وصاحب الحاجة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75]، وبه يستغفر المرء لمن سبقه بالإيمان ويدعو له؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وبه يبرأ المرء من الشيطان وأوليائه؛ كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴾ [الزخرف: 26]، وبه يتوكل المرء على الله حق توكله؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما ترزق الطير؛ تغدوا خماصًا، وتروح بطانًا))، وكما قال عمر بن عبدالعزيز في مرض موته وقد قيل له: من توصي بأهلك؟ فقال: إذا نسيت الله فذكرني، فأعيد عليه السؤال ثلاثًا؛ فقال: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196].

 

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي إلى ركن شديد، ويلتجئ إلى حصن منيع من ولائه لله تعالى، إيمانًا به ومحبة له، وصدقًا معه وإخلاصًا وتوكلًا عليه، وتعلقًا وثقة به، ورجاء له وخوفًا منه، وطمعًا في نصرته؛ وقد قال له عز وجل: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 62]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67]، وعن ابن عباس قال: ((كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف))؛ لذلك لم يعبأ صلى الله عليه وسلم بتهديدات المشركين، وشرة عدوانهم، وكبار مكرهم، بل واصل تسفيه معتقداتهم بقوله لهم: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ﴾، والذين تعبدونهم وترجون عونهم عاجزون عن نصركم، ﴿ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ﴾ [الأعراف: 197]،وهم عن حماية أنفسهم عاجزون، ﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا ﴾، فإن دعوتم هذه الأوثان إلى خيرٍ، لم يسمعوا دعوتكم ولم يلبوا نداءكم، ﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 198]، وترى أعينها المنحوتة على تماثيلها كأنها تنظر إليك، وهي فاقدة للحياة، لا تبدي حراكًا ولا تبصر مبصرًا.

 

لقد فسدت فطرة بعض مشركي قريش ممن ماتوا فيما بعد على الكفر[3]، بما نشؤوا عليه من الضلال وعبادة الأوثان، وما شاب معاملاتهم كلها من الإصرار على الشرك، ففقدوا القدرة على تمييز الحي من الميت، والحق من الباطل، والهدى من الضلال، وهي الحالة التي يعانيها كثير من مسلمي هذا العصر، إذ ظهر فساد العقيدة بالشرك الخفي والظاهر في مجتمعاتهم، وغزتهم ثقافات فاسدة غريبة عنهم، وفشت بينهم آفة المجادلة في الحق والدفاع عن الباطل، بما نشؤوا عليه في الشارع والبيت، وما لقنوه في المؤسسات التعليمية الرسمية بمناهجها التي وضعها لهم غيرهم، أو بعض أبنائهم الذين رباهم عدوهم، فما زادوهم إلا خبالًا وضلالًا.


لندن في يوم السبت 11 جمادى الثانية 1443هـ (15/01/2022)



[1] من حديث مسلم عن عمر بن الخطاب قال: ((بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)).

[2] الطوطم: كيان مادي أو تمثال تتخذه بعض القبائل الوثنية رمزًا لمعبودها أو حاميها أو أصولها.

[3] منهم: أبو جهل عمرو بن هشام، وأبو لهب عبدالعزى بن عبدالمطلب، وعتبة بن ربيعة وغيرهم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الأعراف للحافظ ابن حجر من فتح الباري
  • تفسير سورة الأعراف كاملة

مختارات من الشبكة

  • الاستقواء بالحوقلة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من صور القول على الله بغير علم: الفتوى بغير علم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب التوحيد (14) (باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • حديث: صليت مع النبي العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • من باع ملك غيره بغير إذنه(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • لا أحب زوجي وغير مرتاحة معه وأحب غيره(استشارة - الاستشارات)
  • مكانة الفن غير الملتزم (الفن غير الإسلامي)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ابتهال ودعاء بالفاتحة وغيرها للمبتلين وغيرهم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خروج النجس غير البول والغائط من غير السبيلين(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • الأصول الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغيرهم في المجتمعات غير المسلمة(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/11/1446هـ - الساعة: 15:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب