• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة عيد الأضحى لعام ١٤٤٦هـ
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (4)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    العيد في زمن الغفلة... رسالة للمسلمين
    محمد أبو عطية
  •  
    الأضحية ... معنى التضحية في زمن الماديات
    محمد أبو عطية
  •  
    خطبة الجمعة ليوم عيد الأضحى
    عبدالوهاب محمد المعبأ
  •  
    صلاة العيد وبعض ما يتعلق بها من أحكام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة (3)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    خطبة: أهمية اللعب والترفيه للشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    عيد الأضحى: فرحة الطاعة وبهجة القربى
    محمد أبو عطية
  •  
    كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي ...
    معز محمد حماد عيسى
  •  
    أحكام الأضحية (عشر مسائل في الأضاحي)
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    زيف الانشغال
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    خطبة الجمعة في يوم الأضحى
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    الأخذ بالأسباب المشروعة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    يوم العيد وأيام التشريق (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    المقصد الحقيقي من الأضحية
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

{واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} (خطبة)

{واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/1/2022 ميلادي - 27/6/1443 هجري

الزيارات: 15635

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ واستفتحوا وخاب كُلُّ جبَّارٍ عنيد ﴾

 

الحمد لله الذي جعل في اختلاف الليلِ والنَّهارِ آيةً وذكرا، وجعلَ هذه الدار زادًا ومجازًا إلى الدار الأخرى، والحمد لله الذي يسَّر لمَن شاءَ من عباده الهدى واليُسرى، وجزاهم بفضله على الحسنةٍ الواحدةِ عشرًا، سبحانهُ وبحمده، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا واحدًا فردًا وترًا، ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ [طه: 6]. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه اللهُ للثقلين رحمةً وبشرًا، مَن صلَّى عليه مرةً صلى الله عليه بها عشرًا، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله الأرفعين قدرًا، والأطيبين ذكرًا، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، فتقوى الله فرج ورزق، وتيسير وأجر، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

 

معاشر المؤمنين الكرام؛ الأمَّةُ تحتاجُ بشدةٍ أن تراجعَ مواقِفها من قرآنها فهو ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، أُنزل لكي نتدبره ونتذاكره، ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، كتابٌ كاملٌ شاملٌ: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 242]، فكلُّ ما تحتاجهُ البشريةُ من علومٍ ومعارفَ، وبصائرَ وحكم، ومواقفَ وقوانين، ونواميسَ وسُنن ربانية لا يحيدُ عنها الكونُ بكلِّ ما فيه قيدَ أنملةٍ، وكلُّ ذلك مُفصلٌ في هذا القرآنِ العجيب، ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89]، فمن واجِبنا جميعًا أن نتعرفَ على هذ الآياتِ وأن نتدبَّرها، وأن نفهمها ونعقلها، وأن نستثمرها ونستفيد منها دنيًا وأخرى، ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]، ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52]، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].

 

وبشيء من العجلة والاختصار، نمرُّ على بعض هذه النواميسِ القرآنية، والقوانينِ الإلهية، التي تحكمُ وتُسيرُ حركةَ الكونِ بكلِّ ما فيه:

أولًا: لا يحدثُ شيءٌ في الكون كلهِ، إلا بقدر اللهِ وعلمه، وتدبيرهِ وأمره، ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88].

 

ثانيًا: خلقَ الله الإنسانَ للابتلاء، ومنحةُ نعمةَ الاختيار، ومن ثمَّ انقسمَ الناسُ إلى فريقين مؤمنٌ وكافرٌ، وبَرٌّ وفاجرٌ؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [التغابن: 2].

 

ثالثًا: الصراعُ بين الحقِّ والباطلِ قائمٌ ومستمرٌ إلى قيام الساعةِ، ودائمًا ما يقع العدوانُ من الباطل على الحقِّ، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، وقال تعالى: ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 8].

 

رابعًا: للحقِّ أتباعهُ وللباطل أتباعهُ، فالحقُّ أتباعهُ الأنبياءُ والمرسلون، والعلماءُ الربانيون، والدعاةُ المصلحون، والأتباعُ المخلصون، والباطلُ أتباعهُ الشيطانُ والجبارون، والطواغيتُ والمجرمون.

 

خامسًا: هدفُ أهلِ الحقِّ إخراجُ الناسِ من الظلمات إلى النور، وهدفُ أهلِ الباطلِ إخراجُ الناسِ من النور إلى الظلمات، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ [البقرة: 257].

 

سادسًا: اللهُ تعالى يتولى أهلَ الحقِّ وينصرهم في صراعهم مع أهلِ الباطلِ؛ ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].

 

سابعًا: إذا انتصرَ الحقُّ وعلا أهلُهُ، فلا إكراهَ في الدين، ولا استئصالَ للكافرين، قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]، وقال تعالى: ﴿ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 99].

 

أمَّا إذا كان للباطل صولةٌ وجولةٌ، وعلوٌ في الأرض، فإنهم يتنادونَ لاستئصال الحقِّ وأهلهِ، وعندها ينزلُ عليهم عذابٌ يستأصِلهم كُليًا أو جزئيًا... وأعيدُ هذا الكلامَ الأخيرَ مرةً أخرى لأهميته فأقول: إذا كان للباطل صولةٌ وجولةٌ، وعلوٌ في الأرض، فإنهم يتنادونَ لاستئصال الحقِّ وأهلهِ، وعندها فإن سُنةَ اللهِ أن يُنزلَ عليهم عذابًا يستأصِلهم كُليًّا أو جُزئيًّا، وإذا أردتم التَّفصيلَ والتبيان، فاستمعوا وأنصتوا لواحدٍ من أعجبٍ سياقاتٍ القرآنٍ الكريم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [إبراهيم: 9]، ويستمرُّ الحوارُ بين الفريقين ليصلَ إلى طلبِ المفاصلةِ النِّهائيةِ: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 13 - 15].

 

هذا السياقُ القرآني البديعُ من سورة إبراهيم، يتناولُ الفصلُ الأخيرُ من قصة الصراعِ المتكرِّرةِ، بين الحقِّ وأهلهِ المستضعفونَ بقيادة الرسلِ وأتباعِهم من جهة، وبين الباطلِ وأهلهِ المستعلونَ المتجبرونَ بقيادة الطواغيتِ وأعوانهم من جهةٍ أخرى، وذكرتُ سابقًا أنهُ عندما يكونُ الحقُّ ظاهرًا مُستعليًا، والباطلُ ضعيفٌ مقهورٌ، فإنَّ اللهَ تعالى ينهى المؤمنينَ عن إجبارِ الكفارِ على الإيمان، ينهاهُم لأنهُ تعالى لم يشأ أن يجعلَ أهلَ الأرضِ كُلِّهِم مؤمنين، أو حتى كافرين، وإنما شاءَ سبحانهُ أن يكونوا مُختارين، ليتحقَّق الابتلاءُ بينهم، وليستمرَ الصراعُ الذي بهِ يتمُّ الابتلاءُ، ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]، ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]، ونعودُ إلى السياق الكريمِ الحكيم، الذي اشتملَ على قَصَصِ كُلِّ الرسلِ السابقين، والذين كانوا على رأسِ قلةٍ مؤمنةٍ مستضعفةٍ، وكان الطاغوت على رأس كثرةٍ غالبةٍ مُستكبرةٍ، فبدأَ بنوحٍ وعادٍ وثمود، وعقَّبَ بمن بعدِهم من الأُمم والأقوام الذين لا يعلمُهم إلا الله، هؤلاء جميعًا كانت لهم قصةٌ واحدة، تصدقُ عليهم جميعًا، وعلى جميع الأممِ التي من بعدِهم، على الرغمِ من اختلافِ البيئاتِ، وتباينِ الشُعوب، وتباعدِ الأزمنةِ والأمكنةِ، فنجدُ أنَّ السياقَ الكريمَ يذكر حِوارًا مُوحدًا بين الرسل وبين أقوامهم المستكبرين، فجميعهم ﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [إبراهيم: 9]، ويستمرُّ الصراع، ويشتدُّ الأذى على الرسل وأتباعِهم، اغترارًا من الكافرينَ بأنَّ القوةَ والكثرةَ في جانبهم، ولا يجدُ المؤمنونَ وسيلةً إلا الصبرَ وحُسنَ التوكلِ على اللهِ: ﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 12]، ولا يزالُ الأذى يشتد ويزدادُ، إلى الدرجة التي تجعلُ الكفارَ يضعونَ الرسلَ وأتباعَهم بين خيارين لا ثالثَ لهما، فإما النَّفي والإهلاك، وإمَّا العودةَ إلى دين الكفارِ ومِلتِهم، وبمعنى أوضح: (إما أن تكونوا معنا أو ضدنا)، وعندها تكون نهايتهم قد حانت بإذن الله وقدره، وتلك سنة الله التي لا تتبدل ولا تتخلف، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ﴾ [إبراهيم: 13]، لنهلكنَّ الظالمين؛ أي: إذا نفذوا تهديدهم، لنهلكنَّهم بعذاب استئصالي كُلي أو جزئي، قال تعالى عن فرعون الطاغية: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [الزخرف: 54 - 56]، وقال تعالى عن نوح وقومه: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ * قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ ﴾ [الشعراء: 105 – 120].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده اللذين اصطفى، أما بعد: فتعالوا أحبتي في الله لنتأملَ سويًّا المشهدَ الأخيرَ من قصة الصراعِ المتكرر، والذي لم يتخلف ولا مرَّةً واحدة، عن نهاية أي صراعٍ بين الرسلُ وأتباعهم من جهة، وبين أقوامِهم المستكبرينَ من جهةٍ أخرى، فجميعُ الأقوامِ الكافرةِ وبدونِ استثناء، طلبوا أخيرًا المفاصلةَ النَّهائية مع أنبيائهم، قال تعالى على لسان المستكبرين: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [إبراهيم: 13]، وهذا ما عبَّرَ عنهُ القرآنُ الكريم بالاستفتاح: ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 15]، والباطلُ وأهلهُ عندما يُقدِمُونَ على هذه الخطوةِ مُغترينَ بقوتهم وجبروتهم، يُريدونَ أن يطفؤوا نورَ الله، فإنهم يكونونَ بذلك قد تعدوا الخطَّ الأحمر، الذي رسمهُ الله تعالى في حلبة الصراعِ بين الفريقين، وحيثُ أنَّهم لن يتوقفوا من تلقاءِ أنفُسِهم، فإنَّ اللهَ تعالى كما حدثَ في كلِّ القِصصِ السابقةِ يوقِفُهم بعذابٍ يستأصِلهم كُليًّا أو جُزئيًّا..

 

والملاحظُ أنَّ الكفارَ المستفتحين، حين يُعلِنونَ الحربَ النِّهائية على المؤمنين، يكونونَ في أوج قوتهم وجبروتِهم، ويكونونَ على ثقةٍ تامَّةٍ أنَّ خُطةَ الاستفتاحِ والاستئصالِ ستنجحُ لا محالةٍ، فالينابيعُ قد جُفِفَت، والشهواتُ قد أُجِجت، والشُبهاتُ قد انتشرت، والطُغيانُ قد وصلَ إلى مُنتهَاهُ، ويكونُ المؤمنونَ المستهدفونَ قِلةٌ ضعفاء، لا يستطيعونَ الدفاعَ عن أنفسهم، واستمعوا عباد اللهِ لهذا السياقِ القرآني البديع، كيف يصورُ عنجهية الطُغاةِ وهم في المراحل النهائيةِ من الصراع، قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـٰذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَـٰهُمْ مّن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِى إِسْرائيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الاْخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاْخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 53 – 68].

 

فيا أيَّها الأعداءُ المستفتحون: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 19].

 

ويا أيها المستكبرون الأشرار، أبشروا بالحسرة والهزيمةِ والبوار، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36]، وقال تعالى: ﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا * وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴾ [فاطر: 43، 45].

 

ويا بن آدم، عِش ما شئت فإنك ميت، وأحبِب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.

 

اللهم صلِّ على النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)
  • { واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد }

مختارات من الشبكة

  • وقد خاب كل جبار عنيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تفسير: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل كلمات تفتتح بهن الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ليكن عندك خبيئة عند الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقام الحديث الشريف عندك هو نتيجة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم عندك، قطعا(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي)
  • ما له وجهان عند حفص من الشاطبية والمقدم أداء فيهما عند المحققين (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الشهرة عند الله وعند البشر(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الشهرة عند الله وعند البشر(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
يوسف - العراق 31-01-2022 03:32 AM

جزاكم الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/12/1446هـ - الساعة: 9:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب