• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة / في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
علامة باركود

غزوة تبوك (4) دعوة أهل الكتاب

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/11/2007 ميلادي - 8/11/1428 هجري

الزيارات: 30013

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غزوة تبوك (4)

دعوة أهل الكتاب

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونَعُوذ بالله من شُرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هَادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].

 

أمَّا بعْدُ: فإنَّ أصْدَقَ الحديث كلامُ الله تعالى وخير الهدي هدْيُ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النَّار.

أيُّها الناس: أرسل اللهُ تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى المكلفين كافَّة، إنْسهم وجِنّهم، عَرَبهم وعَجَمهم، قريبهم وبعيدهم؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28]، ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، وأنزل عليه القرآن مصدر هداية وتذكرة لجميع المكلفين: ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾ [التَّكوير: 27 - 29].

 

وقد قضى الله سبحانه بأن يكون محمدٌ صلى الله عليه وسلم خاتمَ المُرسلين، وشريعته خاتمة الشرائع، وهي باقيةٌ بحفظ الله تعالى لها إلى قيام الساعة؛ ولذلك أوجب الله تعالى عليه بلاغها للناس، ووجب على مَنْ بَلَغَتْه وآمن بها أن يبلغها من لم تبلغْهُ منَ النَّاس: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المـائدة: 67]. 

فمن قَبِلَ الدعوة، ودخل في الإسلام صار أخًا للمسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم؛ عملاً بقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10] ومَنْ رَفَضَ الدعوة، وأَبَى الدخول في الإسلام فله ما أراد؛ إذ: ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256] بشرط أن يخضع لسُلْطَان المسلمين وحكمهم، وذلك بدفع الجزية للمسلمين: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29].

 

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وهذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعدما تمهدت أمور المشركين، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، واستقامت جزيرة العرب، أمر اللهُ رسولَه بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع؛ ولهذا تجهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم، ودعا الناس إلى ذلك، وأظْهَرَهُ لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم فأوعبوا معه، واجتمع من المقاتلة نحوٌ من ثلاثين ألفًا"[1].

 

كان هذا الاستنفار العَظيم سنة تسع للهجرة في شهر رجب، والوجهةُ كانت إلى تبوك؛ لإخضاع أهل الكتاب لحكم الإسلام؛ بإسلامهم، أو دفعهم الجزية، أو قتالهم على ذلك؛ ليكون الدينُ كله لله تعالى. 

اجتمعت الجموع التي ما جمع في الإسلام قبلها مثلها، وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم الناس على التبرُّع بالدَّوابّ والسلاح والطعام؛ لتجهيز هذا الجيش الكبير وتموينه، وقال عليه الصلاة والسلام: "من جهَّز جيش العسرة فله الجنَّة"، فجهزه عثمان بن عفان رضي الله عنه[2]، وجاء بألف دينار في ثوبه فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: "ما ضرَّ ابنَ عفَّان ما عمِلَ بعد اليوم، يُرَدِّدُها مرارًا"[3].

 

لما تَمَّ تجهيز الجيش سار من المدينة إلى تبوك، وجَهِدَ الصحابة رضي الله عنهم جهدًا شديدًا في الطريق؛ لبُعْد المسافة، وشِدَّة الحر، وقِلَّة المؤونة والظهر؛ حتى سميت تلك الغزوة بغزوة العسرة. فلمَّا وصل الجيش إلى تبوك لم يجد جيشًا يواجهه؛ إذ جبن الروم وحلفاؤهم من العرب عن مُلاقاة المسلمين، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة[4]، أرسل فيها الرسل إلى مُلوك النصارى يدعوهم إلى الإسلام، ومن أبى فرض عليه الجزية، وأخضع بلاده لحكم المسلمين. 

روى الإمام أحمد، وأبو يَعْلى من حديث سعيد بن أبي راشد قال: "لقيتُ التنوخي رسولَ هِرَقلَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، وكان جارًا لي شيخًا كبيرًا قد بلغ الفَنَد أو قرُب، فقلت: "ألا تخبرني عن رسالةِ هِرَقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هِرَقل؟" فقال: "بلى، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، فبعث دحية الكلبي إلى هِرَقْل، فلمَّا أن جاءه كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قسيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم بابًا، فقال: قد نزل هذا الرجلُ حيثُ رأيتم، وقد أرسل إليَّ يدعوني إلى ثلاث خصال؛ يدعوني إلى أن أتّبعه على دينه، أو على أن نعطيه ما لنا على أرضنا، والأرض أرضنا، أو نُلقي إليه الحرب. والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدميّ، فهلم نتَّبعه على دينه، أو نعطيه ما لنا على أرضنا، فنخروا نخرةَ رجلٍ واحد حتى خرجوا من برانسهم، وقالوا: تدعونا إلى أن ندع النصرانية أو نكون عبيدًا لأعرابي جاء من الحجاز!".

فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رفَّأهم ولم يكد - أي هدأهم - وقال: إنما قلت ذلك؛ لأعلم صلابتَكُم على أمركم، ثم دعا رجلاً من عرب تُجيب كان على نصارى العرب، فقال: ادع لي رجلاً حافظًا للحديث، عربي اللسان، أبعثه إلى هذا الرجل بجوابِ كتابه، فجاء بي فدفع إليَّ هرقلُ كتابًا فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما ضيَّعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال: انظر هل يذكرُ صحيفته التي كتب إليَّ بشيء، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل، وانظر في ظهره هل به شيء يريبك؟

 

فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه، محتبيًا على الماء، فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا، فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي، فوضعه في حجره، ثم قال: ممن أنت؟ فقلت: أنا أحد تنوخ، قال: هل لك في الإسلام الحنيفية ملة إبراهيم؟ قلت: إني رسول قوم، وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم. فضحِك، وقال: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين. يا أخا تنوخ، إني كتبتُ بكتابٍ إلى كسرى فمزَّقه، واللهُ ممزّقُه وممزّق ملكه، وكتبتُ إلى النَّجاشي بصحيفةٍ فخرَّقها، والله مخرّقه ومخرق ملكه - وهذا النجاشي غير النجاشي الذي أسلم ومات وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكتبتُ إلى صاحبِكَ بصحيفةٍ فَأَمْسَكَها، فلن يزال الناسُ يجدون منه بأسًا ما دام في العيش خير، قلت: هذه إحدى الثلاثة التي أوصاني بها صاحبي، وأخذتُ سهمًا من جعبتي، فكتبتها في جلد سيفي. 

ثم إنَّه ناول الصحيفة رجلاً عن يساره، قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قال: معاوية. فإذا في كتاب صاحبي: تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله! أين الليل إذا جاء النهار؟)) قال: فأخذت سهمًا من جعبتي فكتبته في جلد سيفي، فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال: إن لك حقًّا، وإنكَ رسول فلو وجدتُ عندنا جائزة جوزناك بها، وإنَّا سَفْرٌ مُرْمِلُون. قال: فناداه رجل من طائفة الناس، قال: أنا أُجوِّزُه، ففتح رحله فإذا هو يأتي بحلةٍ صفوريةٍ، فوضعها في حجْري، قلت: من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان. 

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يُنزِل هذا الرجل؟ قال فتى من الأنصار: أنا، فقام الأنصاري وقُمْتُ معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تعال يا أخا تنوخ، فأقبلت أهوي إليه حتى كنت قائمًا في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحلَّ حَبْوَتَه عن ظهره، وقال: هاهنا أمض لما أمرت له، فجُلتُ في ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكتف مثل الحَجْمة الضخمة))[5]، وذلك هو خاتم النبوة.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: 28].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك عليه وعلى آله، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعْدُ: فاتقوا الله عباد الله كما أَمَرَ، واجتنبوا الفواحش ما بطن منها وما ظَهَرَ، واعلموا أنَّ الله مع المتقين. 

أيها الناس: ماثلت غزوةُ تبوك غزوةَ الخندق في شدتها وعسرها، وما حاق بالصحابة رضي الله عنهم من ابتلاءاتها، كما كانت نهايةُ الغزوتين واحدة؛ إذ كفى الله تعالى المؤمنين القتال، فسلَّط على الأحزاب ريحًا رحلتهم عن المدينة، وقذف في قلوب النصارى رعبًا قعد بهم عن ملاقاة المسلمين في تبوك، وكانت تبوكُ نصرًا عظيمًا للإسلام والمسلمين؛ إذ أَخْضَع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا من القبائل والبلدان المُتحالِفَة مع الرومان لِسُلْطانِ المسلمين، وضرب عليهم الجزية، فبعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبدالملك صاحبِ دومة الجندل، فأسره خالدٌ وأتى به النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية[6]، وأهدى أكيدر حلة من حرير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعجب الناس منها، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((أتعجبون من هذا، فوالذي نفسي بيده لمناديلُ سعد بن معاذ في الجنة أحسنُ من هذا))؛ رواه الشيخان[7]. 

وأرسل ملك أيلة هَدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصالحه على الجزية[8]. وهكذا فعل أهل جرباء وأذْرح فأعطوه الجزية[9].

 

وهكذا دانت كثير من البلاد والقبائل المتنصرة لسلطان الإسلام، ودخل كثير من أفرادها في دين الله تعالى فوطَّدَت هذه الغزوة سلطان الإسلام في شمالي الجزيرة العربية، ومهدت لفتوح الشام التي استعدَّ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعداد جيش أسامة قبيل وفاته، فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه ثم أتبعه أبو بكر بجيوش الفتح الأخرى، ثم عمر رضي الله عنه حتى كُسر الرومان في معركة اليرموك، والفرس في القادسية، وعزَّ الإسلام، وانتشر في الأرض، وتحرَّر الناسُ من ظلم الأكاسرة والقياصرة. 

إن ما جرى في غزوة تبوك من مبادأة أهل الكتاب بالغزو لَمِمَّا يرد شبهة أولئك الكتَّاب المعاصرين الذين أرادوا تزوير مفهوم الجهاد في سبيل الله تعالى وحصره في الدفع فقط. وهدفُهم من هذا الترويج هو: إخضاعُ الإسلام لبنود الحضارة المعاصرة، وتطويعه للقوانين الدولية الجائرة، فما وجدوا سبيلاً لرضى أهل الكتاب عنهم إلا بالتلاعب بأحكام الله تعالى من تزوير مفهوم الجهاد، وتضييق نطاقه، وإلغاء أحكام أهل الذمة، حتى كتب أحدهم كتابه: "مواطنون لا ذِمّيون"[10]، بل وصل الحال ببعضهم إلى إلغاء حدِّ الردة، وبالغ بعضهم فرفض كلَّ الحدود بحجة عدم مناسبتها لهذا العصر.

إن هؤلاء المزورين للدين، المتلاعبين بأحكام الشريعة قد ارتضوا أن يُسخطوا الله تعالى برضى الناس، فهم حريون بسخط الله تعالى عليهم، وأن يسخط عليهم الناس، وما رأينا من حاولوا إرضاءهم قَدْ رَضُوا عنهم ولا عن دينهم، ولا عن أفكارهم التي فيها من بنود الحضارة المعاصرة أكثر مما فيها من الإسلام، بل سخطوا عليهم ورفضوهم ولم يقبلوهم.

 

أليست القوى الظالمة قد اعتبرت مقاومة المحتل المعتدي إرهابًا؛ لأنهم يريدون من الضحية أن يذبح ولا يعترض، وأن يُعذبَ فلا يتوجع.

 

ولن يرضيهم شيء حتى يبدلوا ديننا، وصدق الله القائل: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120].

ألا فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، واثبتوا عليه مهما كانت التبعات؛ فإن حوض النبي صلى الله عليه وسلم لا يَرِدهُ من بدلوا وغيروا، ولسوف يحجبون عنه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سُحقًا سُحقًا لِمَنْ بَدَّل بعدي))[11].

 

وصلوا وسلموا على نبيكم محمد، كما أمركم بذلك ربكم.

 


 

[1] "تفسير ابن كثير" (2/ 542)، عند تفسير الآية (29) من سورة التوبة.

[2] أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا به في الوصايا؛ باب: "إذا وقف أرضًا أو بئرًا..." (2778)، ووصله الدارقطني (4/ 199)، والإسماعيلي؛ كما ذكر الحافظ في "الفتح" (5/ 477)، وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 70)، وفي "فضائل الصحابة" (730)، والطاليسي (2/ 170)، والبيهقي (6/ 167) وغيرهم.

[3] أخرجه أحمد (5/ 63)، والترمذي في "المناقب" باب: "مناقب عثمان بن عفان"، وحسنه (3701)، وأبو نُعَيْم في "الحلية" (1/ 95)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (3/ 102).

[4] أخرجه أحمد (3/ 295)، وأبو داود في الصلاة باب: "إذا أقام بأرض العدو يقصر" (1235)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (4335)، والبيهقي في "الكبرى" (3/ 152)، وصححه ابن حبان (2738) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

[5] أخرجه أحمد (3/ 441 - 442)، وابنه عبدالله في "الزوائد" (4/ 74 - 75)، والبيهقي في "الدلائل" (1/ 266)، وأخرجه مختصرًا أبو عبيد في "الأموال" (625)، وابن زنجويه في "الأموال" (961)، وعزاه الهيثمي في "الزوائد" لأبي يعلى، وقال: ورجال أبي يعلى ثقات (8/ 234 - 236)، وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "هذا حديث غريب، وإسناده لا بأس به تفرد به الإمام أحمد (5/ 15 - 16).

[6] "سيرة ابن هشام" (4/ 232)، و"الإصابة" (1/ 413).

[7] أخرجه البخاري في بدء الخلق؛ باب: "ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة" (3248)، ومسلم في "فضائل الصحابة" باب: "من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه (2469)، والترمذي في اللباس باب: "مس الحرير من غير لبس" (1723)، وأحمد (3/ 111) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وجاء أيضًا من حديث البراء رضي الله عنه عند البخاري في مناقب الأنصار؛ باب: "مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه" (3802)، ومسلم في فضائل الصحابة باب: "من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه" (2468).

[8] أخرجه البخاري في الجزية والموادعة باب إذا وادع الإمام ملك قرية هل يكون ذلك لبقيتهم (1361)، ونقل الحافظ في "الفتح" عن ابن إسحاق قوله: "لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه بحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية..." (6/ 308).

[9] "سيرة ابن هشام" (3/ 230).

[10] هو الكاتب الصحفي فهمي هويدي، هداه الله تعالى.

[11] كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند البخاري في الرقاق باب: "في الحوض" (6584)، ومسلم في الفضائل باب إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته (2991).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • غزوة تبوك (1) صور من العسرة
  • دروس من غزوة تبوك (1)
  • صدقة من نوع خاص
  • تحليل نوعي وكمي لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم
  • غزوة بني المصطلق
  • غزوة بني النضير دروس وعبر
  • المسلمون في تبوك
  • الاستعداد لغزوة تبوك
  • غزوة تبوك
  • غزوة تبوك (خطبة)
  • دعوة أهل الكتاب
  • دروس وعبر من غزوة تبوك
  • غزوة تبوك (خطبة) (باللغة الأردية)
  • دروس غزوة حنين والطائف وتبوك
  • جوانب من السيرة في غزوة تبوك.. الحذر من الابتداع في سنته صلى الله عليه وسلم..

مختارات من الشبكة

  • غزوة تبوك أو العسرة(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تبوك: تنافس أكثر من 400 طالبة في مسابقة القرآن والسنة وعلومهما(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خطبة: غزوة تبوك (باللغة البنغالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: غزوة تبوك (باللغة النيبالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: غزوة تبوك (باللغة الإندونيسية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة تبوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غزوة تبوك وما فيها من عبر ودروس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما نزل من القرآن في غزوة تبوك(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • مراحل الاستعداد لغزوة تبوك(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • غزوة تبوك(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب