• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحريم صرف شيء من مخلوقات الله لغيره سبحانه وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الله يخلف على المنفق في سبيله ويعوضه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الحذر من عداوة الشيطان
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    حث النساء على تغطية الصدور ولو في البيوت
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    حكم صيام عشر ذي الحجة
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    إمام دار الهجرة (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    يوم عرفة وطريق الفلاح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    العشر مش مجرد أيام... هي فرص عمر
    محمد أبو عطية
  •  
    الدرس الثاني والعشرون: تعدد طرق الخير
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الموازنة بين الميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    أفضل أيام الدنيا: العشر المباركات (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    دلالة القرآن الكريم على أن الأنبياء عليهم السلام ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    عظيم الأجر في الأيام العشر
    خميس النقيب
  •  
    فضل التبكير إلى الصلوات (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أحب الأعمال في أحب الأيام (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    مدى مشروعية طاعة المعقود عليها للعاقد في طلب ...
    محمد عبدالرحمن صادق
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

النسائم الرقراقة في خبر سراقة

النسائم الرقراقة في خبر سراقة
محمد السيد حسن محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/11/2021 ميلادي - 26/3/1443 هجري

الزيارات: 5394

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النسائم الرقراقة في خبر سراقة


قال سراقة بن مالك رضي الله تعالى عنه: "جاءَنا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ في رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَبِي بَكْرٍ، دِيَةَ كُلِّ واحِدٍ منهما، مَن قَتَلَهُ أوْ أسَرَهُ، فَبيْنَما أنا جالِسٌ في مَجْلِسٍ مِن مَجالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أقْبَلَ رَجُلٌ منهمْ، حتَّى قامَ عليْنا ونَحْنُ جُلُوسٌ، فقالَ يا سُراقَةُ: إنِّي قدْ رَأَيْتُ آنِفًا أسْوِدَةً بالسَّاحِلِ، أُراها مُحَمَّدًا وأَصْحابَهُ، قالَ سُراقَةُ: فَعَرَفْتُ أنَّهُمْ هُمْ، فَقُلتُ له: إنَّهُمْ لَيْسُوا بهِمْ، ولَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وفُلانًا، انْطَلَقُوا بأَعْيُنِنا، ثُمَّ لَبِثْتُ في المَجْلِسِ ساعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فأمَرْتُ جارِيَتي أنْ تَخْرُجَ بفَرَسِي، وهي مِن وراءِ أكَمَةٍ، فَتَحْبِسَها عَلَيَّ، وأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ به مِن ظَهْرِ البَيْتِ، فَحَطَطْتُ بزُجِّهِ الأرْضَ، وخَفَضْتُ عالِيَهُ، حتَّى أتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُها، فَرَفَعْتُها تُقَرِّبُ بي، حتَّى دَنَوْتُ منهمْ، فَعَثَرَتْ بي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْها، فَقُمْتُ فأهْوَيْتُ يَدِي إلى كِنانَتِي، فاسْتَخْرَجْتُ مِنْها الأزْلامَ فاسْتَقْسَمْتُ بها: أضُرُّهُمْ أمْ لا، فَخَرَجَ الذي أكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وعَصَيْتُ الأزْلامَ، تُقَرِّبُ بي حتَّى إذا سَمِعْتُ قِراءَةَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو لا يَلْتَفِتُ، وأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفاتَ، ساخَتْ يَدا فَرَسِي في الأرْضِ، حتَّى بَلَغَتا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْها، ثُمَّ زَجَرْتُها فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْها، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قائِمَةً، إذا لأثَرِ يَدَيْها عُثانٌ ساطِعٌ في السَّماءِ مِثْلُ الدُّخانِ، فاسْتَقْسَمْتُ بالأزْلامِ، فَخَرَجَ الذي أكْرَهُ، فَنادَيْتُهُمْ بالأمانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حتَّى جِئْتُهُمْ، ووَقَعَ في نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ ما لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عنْهمْ، أنْ سَيَظْهَرُ أمْرُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فَقُلتُ له: إنَّ قَوْمَكَ قدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وأَخْبَرْتُهُمْ أخْبارَ ما يُرِيدُ النَّاسُ بهِمْ، وعَرَضْتُ عليهمُ الزَّادَ والمَتاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي ولَمْ يَسْأَلانِي، إلَّا أنْ قالَ: أخْفِ عَنَّا. فَسَأَلْتُهُ أنْ يَكْتُبَ لي كِتابَ أمْنٍ، فأمَرَ عامِرَ بنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ في رُقْعَةٍ مِن أدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"[1].

 

هذا حديث صحيح رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى، يحكي لنا خبرًا صادقًا عن سراقة بن مالك، وما أحدثه خبره ذلك من عمل فيه، وإذ رأيناه قد كان سببًا في انتقاله من عدو جاء محاربًا إلى انتقاله وليًّا لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وسلم مؤيدًا ونصيرًا وحاميًا، وذلك قبل أن يحدث أثرًا آخر مماثلًا في كل مطلع عليه اعتبارًا وتأثرًا وانجذابًا.

 

ولقد كان مَن تجرُّؤِ سراقة بن مالك على اللحاق بالصاحبَيْنِ إمساكًا لهما أو أحدهما، ومن ثم التسليم إلى قريش طمعًا في جائزتها، برهانًا على وجود ضعاف نفوس في كل أمة أثبت التاريخ خذلانهم أبدًا!

 

إن تعثر راحلة سراقة غير مرة، وهو في طريقه طمعًا في مس الصاحبَيْن بسوء، أو نيلًا منهما بأذى، إنما هو تأكيد على أنه تعالى مخزي الكافرين، وآية اعتبار لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورًا!

 

وقول سراقة: فأهْوَيْتُ يَدِي إلى كِنانَتِي، فاسْتَخْرَجْتُ مِنْها الأزْلامَ فاسْتَقْسَمْتُ بها: أضُرُّهُمْ أمْ لا، فَخَرَجَ الذي أكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وعَصَيْتُ الأزْلامَ، إن هذا ما جاء الإسلام ليطهر منه سراقة، وحين كان عبد الدرهم، وليأخذ درسًا لا ينساه أن أحدًا ليس يملك لأحد نفعًا ولا ضرًّا، إلا بإذنه تعالى وقدرته، وإلا بإرادته سبحانه ومشيئته؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس:107]، وقال تعالى أيضًا: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر:38].

 

إن خروج سهم أزلام سراقة لصالح الصاحبين، ليس دليلًا على علمها شيئًا غيبًا، بقدر ما هو برهان خزي له، ولأن صنمًا كان يعبده!

 

والأزلام: "سهام صغيرة كان أهل الجاهلية يكتبون على بعضها (افعل)، وعلى بعضها (لا تفعل)، ثم يضعونها في كيس أو نحوه، فإذا أراد المرء حاجة توجه إليها يستقسمها بإدخال يده في الكيس وإخراج واحد منها، فإن كان قد كتب عليه (افعل)، مضى لحاجته، وإن كتب عليه (لا تفعل)، أحجم عنها"[2].

 

وإنما جاء الإسلام ليطهر مجتمعًا أوحى الشيطان فيه لسراقة وأمثاله أنه بيده أن يحول مجرى القدر ذي العجلة الكاسحة لمثل هكذا أوهام وأساطير!

 

وهو شأن باعث على الإزكام، وحين كان من شأنه أن أزلامه كانت في جيب درعه! أرأيت ضعة في تفكير كمثل ذلك؟!

 

وحين خَرَجَ الذي يكْرَهُ سراقة، وهو ما لا يشك أحدنا في هزيمته واندحاره لقاء كفره يومه هذا؟!

 

إن عالَمًا يرزح تحت نير البلاء وظلماته، كان قمنٌ به أن يرفع لواء الأوبة إلى بارئه تعالى، مثلما كان من فعل سراقة، حين أناب، ولَما كان هذا العالم غارقًا في بلواه، إعثارًا ومن بعد إعثار، غير أنك تراه من وحل وإلى وحل آخر، جزاءً وفاقًا!

 

إن ما حدث لسراقة ولَما لم يعد متمالكًا من فرط التحدي، كان أثرًا من آثار توبة، أرادها ربه له، وحين طلب من نبينا نهوض راحلته، وعلى ألا يمسه بسوء! ولقوله: "فناديتهما بالأمان، فوقفا لي وركبت"[3] [ تاريخ الإسلام، الذهبي، ج١، ٣٢٦].

 

إن ما حدث لسراقة حين عثرت راحلته غير مرة، برهان على أنه تعالى يريد بعبد خيرًا، وحين لا يتم على يديه ضررًا على المسلمين، ألا فليتحلل كلٌّ!

 

إن انكفاء عبد عن إلحاق ضرر بأخيه، إن هو إلا رحمة منه تعالى، أرادها له؛ كيلا يكون منه سنة سيئة، فيكون عليه وزرُها ووزرُ مَن عمِل بها إلى يوم القيامة، وأفيده من رده تعالى لسراقة أن ينال أذى من الصاحبين، رحمة به نفسه، ولَما عاد إلى الهدى، ولما كفت يداه عنهما، ولما كان قد ترك فيه الموقف كله أثرًا عميقًا، ما كان ليملك حياله من مهرب، وما كان له في مواجهته من طاقة!

 

إن لغة التشفي لا يعرفها قلب متصل بمولاه، ولما علم من نفسه ضعفًا، حين أدرك إنْ أصلُه إلا نطفةٌ في شنه، أو قطرةٌ في قِرْبَة! وأفيده من مثل ما أنف، وأن سراقة حين أنعم عليه الله تعالى ربنا الرحمن أن يؤوب، ولَما كان من أوبته رقة قلب، ألفناها من عمل عثرات في فرسه، مرة من بعد أخرى، ومن قراءة نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن، ومن حيث كان سبب رده عنهما! بل كفه عنهما! ولما لم يصر على إراقة ماء وجهه أكثر من هذا، وحين كان يمكنه أن ينخزل أمام شيطانه تشفيًا وإعراضًا وجحودًا وإنكارًا!

 

وإذ كانت راحلته تُقَرِّبُه إليهما وإذ كان نبينا صلى الله عليه وسلم لا يَلْتَفِتُ، وأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفاتَ، وهذا يقين نبي، وحين لم يلتفت، وحين قد تحصن بمولاه الكريم، وحين قد تدرع بالقرآن العظيم! وهذا حرص صحابي! وحين قد تلفت مرة أو سواها، ليرد كيدًا محتملًا عن صاحب المقام المحمود نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حقًّا لنبي على أمته، وحين كان من بيعتهم أن يمنعوه، كما يمنعون نساءهم وأولادهم، وكان واجبًا أيضًا على صاحب لصحبته، لا سيما إن كان أبا بكر! وما أدراك ما أبو بكر!

 

وإذ سَمِعَ سراقة قِراءَةَ نبينا صلى الله عليه وسلم، وكان منه أن القرآن حجاب حاجز، وأنه ستر مانع، وأنه دثار حافظ، ودلك عليه قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾ [الإسراء:45].

 

ومن حيث ظلت أزلام سراقة توكسه حينا من بعد حين آخر، حتى فقد ثقته فيها تمامًا! وعاد يطلب من نبينا صلى الله عليه وسلم إنقاذه، وقد كان! ومنه فليكن أحدنا نافذة خير وبر للآخرين!

 

حين انغرست قدما فرس سراقة، طلب من نبينا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله؛ لينجيه على أن يرجع عنهم، ويعمي عنهم الطلب، فدعا له، فأجابه مولاه تعالى، ولأنه صلى الله عليه وسلم أيقن قول ربه الرحمن سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر:60]، وحينها أوفى سراقة بن مالك، وصار من بعدها رِدْءًا مصدقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم!

 

ومن قول سراقة: (ووَقَعَ في نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ ما لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عنْهمْ، أنْ سَيَظْهَرُ أمْرُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)! ومنه فإن السماء حين تتدخل لتؤدب نفرا كان من شأنه أنه يمكنه زعما محادَّة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإذ به يخور! وحين خارت كل قواه من قبل! إمعانًا في أن القوة لله جميعًا!

 

وكثيرًا ما يحدث لذلكم أثره، تبعةَ أن الله تعالى قد أراد بعبد خيرًا، وحين استشرف هداه مما قد أحاط به، أو ألم به، وإلا فإن قومًا آخرين يرون من الإعجاز ما يبهر! وإلا أن نفرًا يدركهم من التحدي ما يقهر! إلا أن قلوبهم قاسية!

 

إن انكفاء سراقة غير مرة، وأمام أزلامه! بل وأمام نفسه التي بين جنبيه، قد أحدث له صدمة عنيفة، أقلقت أركانه، وأقضت مضاجعه، وزلزلت لبه وفؤاده، حتى نسي من إثرها مائة الناقة! ذلكم المتاع الزهيد، والذي يحول صاحبه إلى عبد لدرهمه، ليورثه ذل العبودية لدرهم أو دينار كان من سببه تعاسته وشقاؤه وألمه، وذلكم بدل أن يكون عبدًا ذليلًا لمولاه وحده وحسبه، فيمنحه به عزًّا تتحطم أمامه وعلى صخرته كل القيود وسائر الأغلال.

 

إنه حين رجع سراقة جعل لا يلقى أحدًا طلب نبينا صلى الله عليه وسلم إلا ردَّه وقال: كفيتم هذا الوجه! وذلك لما رأى بعيني رأسه ما أوجب إعجازًا فوق التحدي!

 

حين تأكد لسراقة صدق رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولما رأى ما رأى، أخذ يقصص ما رآه على ملأ قريش، فخشيت قريش أن يسلم قوم بسببه، وأخذوا يبثون دعاياتهم لدرء خطر الإسلام القادم، ولأن سراقة قد رأى بعيني رأسه، لا خبرًا منقولًا، قد يضعف تأثيره حين نقله مرة من بعد مرة أخرى، وهذا هو فعل الإعلام، والإعلام المضاد.

 

ودلك عليه قول أبي جهل:

بني مدلج إني أخاف سفيهكم
سراقة مستغوٍ لنصر محمد
عليكم به ألا يفرق جمعكم
فيُصبح شتى بعد عزٍ وسؤدد

 

وقال سراقة بن مالك ردًّا عليه:

أبا حكم والله لو كنت شاهدًا
لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
عجيب ولم تشكك بأن محمدًا
رسول وبرهان فمن ذا يقاومه
عليك فكف القوم عنه فإنني
أخال لنا يوما ستبدو معالمه
بأمر تودُّ النصر فيه فإنهم
وإن جميع الناس طرًّا مسالمه

 

وقد أبى الله تعالى إلا أن يحدث صدمة في كل مناوئ للإسلام، إن أسلم وهو المراد، وإن ذل حين العناد!

 

إن ما كان يحدث من معجزات للأنبياء، وإن ما يحدث من كرامات للأولياء، على مر السنين وتصرُّم الأعوام، ومدى الدهر وسائر الأزمان، سيبقى سننًا ماضيًا أن الله تعالى مع المؤمنين، وما كان الله ليذرهم، وما كان الله ليضيع إيمانهم! وهذا هو مقتضى رأفته، وهو من لوازم رحمته سبحانه، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة:143].

 

إنه حين أخبر الصديق صاحبه رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، بإدراك سراقة لهما، وما كان من طمأنته لصاحبه، دليلًا آخر أن معيته تعالى لعبده، إنما تسيخ أمامها قدرات لعدو مارق، قد تأتى له شيطانه أنه ماسٌّ به أذى، أو ملحق به شرًّا، وإذ به يندك ليصير وكأنما زبدًا أو هباءً منثورًا، ولا أثر له إلا كما أثر خط آحادهم على الماء!

 

قال سراقة: (يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فو الله لأعمينَّ على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي (كيس سهامي)، فخُذ منها سهمًا، فإنك ستمر على إبلي وغنمي في مكان كذا وكذا، فخُذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لنا في إبلك)[4].

 

ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق راجعًا إلى أصحابه! وهذا كناية عن ضعف سراقة وهزاله، وحين دعا عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

إنه لو كان نبينا صلى الله عليه وسلم قد قبل من سراقة عطاءه، فلربما قال سراقة: قد اشتريتُه ذمتَه بمالي! لكنها عفة وطهارة نبي، وتوفيق وإلهام رباني! وإذ إنه لا تشترى ذممُ ذوي الههم والقيم والشيم! فضلًا عن أن يكون رسولًا نبيًّا!

 

حين عرض سراقة أُعطياته على نبينا صلى الله عليه وسلم، قال: لا حاجة لنا في إبلك! وهذا ترفع أَلْمَعِي اِسْتِثْنائِي، وهذا عفاف ذَكِي عَبْقَرِي! وما هو قول بغير هذا في حق رسول نبي؟!

 

حين أدرك سراقة الصاحبين بكى الصديق لا على نفسه، وإنما على نبينا صلى الله عليه وسلم! وهذه أحاسيس قد تمالكته، حتى كان منها بكاؤه، لا على نفسه الشهم الأغر الولي الأبي، بل النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لأنهم كانوا على مثل ما علمهم رسولهم صلى الله عليه وسلم، وحين قال: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ"[5].

 

إن بكاء الصديق على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إنما تُمليه طبيعة الأوفياء، فضلًا أن إدراك سراقة له صلى الله عليه وسلم فيه فوات للدين، وهو أعظم الضررين! وأما أبو بكر ففوات نفسه، وهو أقل الضررين.

 

إنه حين رقَّ نبينا صلى الله عليه وسلم لبكاء أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فدعا على سراقة، فسلخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلد! ولا غرو! فإن هذه سهام دعوة المظلوم، وليس بينها وبين الله تعالى حجاب!



[1] صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3906.

[2] كتاب معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي: 56.

[3] تاريخ الإسلام، الذهبي، ج1/ 326.

[4] شرح مشكل الآثار، الطحاوي: الصفحة أو الرقم: 10 /265، وقال: صحيح.

[5] صحيح البخاري: الصفحة أو الرقم: 15.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خبر سراقة

مختارات من الشبكة

  • الاحتفال بشم النسيم(مقالة - ملفات خاصة)
  • هبوب النسائم والرياح إلى عالم الأرواح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نسائم رمضان تلوح بالأفق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نسيم السحر في هجرة سيد البشر صلى الله عليه وسلم (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نسيم السحر في هجرة سيد البشر صلى الله عليه وسلم (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة نسيم الصبا (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رسالة حادب مودع من مقبرة النسيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في الحج (5) نسائم العشر وقسم الفجر(مقالة - ملفات خاصة)
  • نسائم العشر وقسم الفجر(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الاحتفال بيوم (شم النسيم)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/12/1446هـ - الساعة: 0:46
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب