• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

الإيمان وحراسة الدين

الإيمان وحراسة الدين
أحمد بيومي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/10/2021 ميلادي - 21/3/1443 هجري

الزيارات: 3773

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإيمان وحراسة الدين


دخلت أم الدرداء على زوجها رضي الله عنهما يومًا وهو مُغضب، فقالت: ما أغضبك؟ فقال: "واللهِ ما أعرف من أمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم شيئًا إلا أنهم يصلُّون جميعًا"[1]، يقصد بذلك من شرائع الإسلام التي ترك النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليها أصحابه إلا تأدية المسلمين صلاتَهم في جماعة، وقد روي عنه أنه كان يقول: "لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم اليوم، ما عرَف شيئًا مما كان عليه هو وأصحابه، إلا الصلاة"[2].

 

وكم يعجب القارئ أن يكون هذا كلامَ رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن التابعين! والذي يظهر أن ذلك كان في الشام بعد وفود أبي الدرداء مع معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت إليها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، حيث كثُر المسلمون وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلِّمهم القرآن ويفقههم في الدين، فما زال بها حتى وفاته قرابة الثنتين والثلاثين للهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه.

 

فهذا الكلام قد قيل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين سنة تقريبًا على أقصى تقدير، وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالوا متوافرين، في ظل خلافة راشدة يُقام فيها شرع الله ويُحكم فيها بالكتاب المنزل، فهل بلغ النقص بالشريعة في هذه المدة الوجيزة أن تندرس شرائع الدين فلا يُعرف منها إلا الاجتماع على الصلاة؟! ولو استمر النقص على هذه المتوالية فما بقي لنا من الدين اليوم؟!

 

يقول ابن حجر ت 852ه مفسرًا كلام أبي الدرداء: "ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبيٌّ؛ لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما، وكأن ذلك صَدَرَ من أبي الدرداء في أواخر عمره، وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان"[3].

 

ولما طالت الحياة بأنس بن مالك رضي الله عنه وقد جاوز المائة من العمر، وبلغ التسعين للهجرة، رأى مِن تبدُّل الحال ما لم يدركه أبو الدرداء، وقد دخل عليه الزهري يومًا بدمشق وهو يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: "لا أعرف شيئًا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيِّعت"[4]، بل لم يعد يعرف من الشرائع إلا قول: لا إله إلا الله، فحتى الصلاة على صورتها التي يعرفها قد ضُيعت في زمنه، ويعني بذلك ما كان يفعله خلفاء بني أمية من تأخير الصلاة إلى آخر وقتها الموسَّع؛ فكانوا يواظبون على التأخير إلا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله في أيام خلافته[5]، فلم تعد بتلك الصلاة التي عهدها أنس زمنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي عنه أنه قال: "ما أعرف منكم شيئًا كنت أعهده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس قولكم: لا إله إلا الله، قلنا: بلى يا أبا حمزة، الصلاة، فقال: قد صليتم حين تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"[6].

 

أفكان هذا من أبي الدرداء وأنس لونًا من التعالي على من لم يرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أو يدرك زمانه؟ أو تعجيزًا لهم عن اللحاق بذلك الجيل في الفضل والمنزلة؟! حاشا، وقد صدر من معلمين انتدبتهم الدولة المسلمة ليقوموا بمهمة التربية، يملؤهم الحرصُ والرحمة للقيام بواجب الدعوة، وتدفعهم الأمانة لبذل الأعمار وهجر الديار في بلاغ الدين، ويسوقهم الخوفُ من كتمان العلم إلى توريثه لمن جاء بعدهم، لكن حقيقة الأمر أنه خطب جليلٌ ليس بالهين ذلك الذي أغضب أبا الدرداء وأبكى أنسًا، فقد استعظَمَا ما شاهداه من النقصان بعد الكمال، وبعدَ التمام تبدّلَ الحال، بعدما شهدا تنزل الوحي بقول الله عز وجل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، ولا شك أنهما رضي الله عنهما يعرفان خطر بثِّ هذه الروح المهلكة بين صفوف المسلمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة عنه: ((إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم))[7]، قال مالك: "أهلكهم: أفشلُهم وأرذلهم، أي يقول: هلك الناس، إني خير منهم، وأما إذا قال: هلك الناس، على تحزُّن عليهم، فلا بأس به"[8].

 

ثم إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعدُ الناس عن الروح المستعلية، التي تحقِّر من فعل الآخرين وتحط من أعمالهم ليبزر فضلها بين الناس وتظهر منزلتها، لقد كان أحدهم يخاف النفاق على نفسه، كما نقَل ذلك عنهم من أدركهم من التابعين، فقال ابنُ أبي مُليكة: "أدركتُ ثلاثين من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهم يخافُ النفاقَ على نفسه"[9]، وسئل أبو رجاء العطاردي: أرأيت من أدركت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكانوا يخافون على أنفسهم؟ فقال: "أما إني بحمد الله قد أدركت منهم صدرًا حسنًا، قال: نعم شديدًا"[10]، ولن نذهب بعيدًا، فهذا الفاروق ثاني الخلفاء الراشدين يناشد كاتم سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة: أأنا من المنافقين؟ فقال: لا، ولا أزكِّي أحدًا بعدك[11]، وعباراتهم المحفوظة ومواقفهم المشهورة في ذلك أكثرُ من أن يجمعها المقام.

 

إنه شيء آخر، ذك الذي يعظم قدر الأمانة في قلب المسلم أن يقصِّر في أدائها أو يتقاعس عن حملها، والدِّين هو أولى داخل في معنى قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، فلا يفرط في واجباته ولا يستهين بمحرماته إلا ظالمٌ لنفسه جاهل لحقه، وهذا ما جعل أحدَهم يستعظم الإحداث في دين الله أو النقصان منه وكأنه ذهاب الدِّين كله، كما يستعظم أحدهم الذنب في حق نفسه وكأنه التلبس بالنفاق الخالص.

 

ذك الشيء هو الإيمان الذي تشرَّبه الجيل الأول من يد خير المعلمين وسيد المرسلين، فأنبَتَ فيهم إيمانًا يهيج الحساسية ضد كل غريب دخيل على الدين، كما تُستنفر الأجسام المضادة للطفيليات والجراثيم، فهو حصن مناعة، وجهاز حماية، وحارس يقظ لا يستهين ببدعة ولا يحتقر ذنبًا، بل يراها جليلة في حق الدين، وكبيرة في جنب الله، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا))[12].

 

إن الإيمان ينعكس قوةً في البصيرة تكبِّر المحقَّرَات، وتعظم المستصغَرات، فيرى بها المؤمن في حق الله ما لا يراه مسلوب البصيرة، فلا يجترئ على القول بغير علم، ولا يخوض في الشرع بغير هَدي، ولا يقر لباطل بغير نكير، وذلك من ثمرات التربية الإيمانية النبوية، التي أبرزت فضل الصحابة على من جاء بعدهم، وهذا يفسِّر قول أنس رضي الله عنه لمن عاصرهم: "إنكم لتعملونَ أعمالًا، هي أدقُّ في أعينكم من الشعر، إن كنا لَنعدُّها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات"[13]، إشارة إلى تحقيرها وتهوينها في نفوسهم، فهم يحسبونها هينة، وهي عظيمة في نفسها أو تؤول إلى العظم[14]، وقد روي هذا بحروفه عن عبادة بن قرص الليثي رضي الله عنه، والذي توفي قبل أنس بنحو من خمسين سنة[15]، وقبلهما حذيفة بن اليمان رضي الله عنه والذي توفي بعد استشهاد عثمان بأربعين ليلة، حيث يقول: "إن كان الرجل ليتكلمُ بالكلمة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقًا، وإني لأسمعها من أحدكم اليوم في المجلس عشر مرات"[16]، وما قاله حذيفة رضي الله عنه يُفصح عن رصدٍ دقيق لمعامل التدهور في التربية الإيمانية بعد العهد النبوي وحتى إطلاقِه رضي الله عنه لهذه العبارة، فقد استعمل في رصده كلمات كان يُعَدُّ صاحبها منافقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف أصبحت تتردد في المجلس الواحد للمسلمين عشر مرات وأصحابها لا يُعدون بها منافقين؟! لم تتغير الشرائع ولم تُنسخ الأحكام، ولكنْ ضعُف الإيمان في النفوس فحُقِّرت المحرمات فاجتُرئ عليها، وهُوِّن من الواجبات فترُكت.

 

لم تكن هذه الكلمات منهم ضربًا من المبالغة والتهويل، أو تصنعًا وتشبعًا بما لم يُعط أحدهم، حاشا، وقد عبرت مواقفهم العملية الكثيرة عن صلابتهم عند حدود الله وغيرتهم على حرماته، استعظامًا للمخالفة أو رد الشرائع، في مسائل تدقُّ في عيون المتأخرين، لقد أخبر عبدالله بن عمر رضي الله عنه يومًا بحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها))، فقال بلال - ابنُه -: والله لَنمنعَهنَّ، فأقبَل عليه عبدالله: فسبَّه سبًّا سيئًا، يقول الراوي: ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: "أُخبِرُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟!"[17]، وفي رواية: فضرب في صدره، وفي أخرى: فما كلَّمه عبدُالله حتى مات[18]، لقد استعظم من ابنه ردَّ حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان لقوله وجهًا حسنًا، يقول ابن حجر ت 852ه: "وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت، وحملته على ذلك الغيرة، وإنما أنكر عليه ابنُ عمر لتصريحه بمخالفة الحديث، وإلا فلو قال مثلًا: إن الزمان قد تغير، وإن بعضهن ربما ظهر منه قصدُ المسجد وإضمار غيره، لكان يظهر أن لا يُنكر عليه"[19].

 

وهذا عبدالله بن مغفل ينهى قريبًا له عن الخذف، فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال: ((إنها لا تصيد صيدًا، ولا تنكأ عدوًّا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين))، قال: فعاد، فقال: أحدِّثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم تخذف، لا أكلِّمك أبدًا[20]، وجاء أن قريبه هذا قال كالمستهين: وما بأس هذا؟ ورُوي أنه رفع شيئًا من الأرض فقال: هذه؟ وما تكون هذه؟! استهانة بما يخذف به.

 

وآخر يقول: كنا عند عمران بن حصين في رهط، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحياء خير كله))، قال: أو قال: ((الحياء كله خير))، فقال بشير بن كعب: إنَّا لَنجدُ في بعض الكتب - أو الحكمة - أن منه سكينة ووقارًا لله، ومنه ضعف، قال: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه، وقال: ألا أرى أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه، قال: فأعاد عمران الحديث، قال: فأعاد بشير، فغضب عمران، قال: فما زلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد، إنه لا بأس به[21]، فما زالوا به حتى سكن، وروي أنه قال: والله لا أحدِّثكم بحديث اليوم.

 

وآخر يقول: سمعت أبا سعيد الخدري يقول لرجل: أتسمعني أحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تبيعوا الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم إلا مثلًا بمثل، ولا تبيعوا منها عاجلًا بآجل))، ثم أنت تفتي بما تفتي؟! والله لا يؤويني وإياك -ما عشت- إلا المسجد[22].

 

وأما أبو الدرداء وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما، فقد تركا الشام وعادا إلى المدينة يشكون لعمر بن الخطاب ما وجداه من المعارضة في نفس المسألة[23]، يقول ابن بطة ت 387ه معلقًا: "فاعتبروا يا أولي الأبصار! فشتان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار، الذين مُلئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم، والشح على أديانهم، وبين زمان أصبحنا فيه، وناس نحن منهم، وبين ظهرانيهم، هذا عبدالله بن مغفل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد من ساداتهم يقطع رحمه، ويهجر حميمه حين عارضه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلف أيضًا على قطيعته وهجرانه، وهو يعلم ما في صلة الأقربين، وقطيعة الأهلين، وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء - سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم هذه الأمَّة - وأبو سعيد الخدري يظعنون عن أوطانهم، وينتقلون عن بلدانهم، ويظهرون الهجرة لإخوانهم؛ لأجل من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوقف عن استماع سنته، فيا ليت شعري كيف حالنا عند الله عز وجل، ونحن نلقى أهلَ الزيغ في صباحنا والمساء، يستهزئون بآيات الله، ويعاندون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حائدين عنها، وملحدين فيها؟ سلَّمنا الله وإياكم من الزيغ والزلل"[24].

 

وحين تعظم الأمانة في نفس المسلم بأثر الإيمان، يتنبه لمداخل شياطين الإنس والجن، فيحذر للانحراف في مهده، بل لأسبابه قبل وقوعها، فيجفف منابعه ويغلق أبوابه، كما كان الفاروق رضي الله عنه سدًّا منيعًا لكثير من الفتن والمحدَثات عن الأمَّة، فقد سأل حذيفة رضي الله عنه يومًا، عن الفتنة التي تموج كما يموج البحر، فقال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال: أيُكسَر أم يُفتح؟ قال: يُكسر، قال: إذًا لا يُغلق أبدًا[25].

 

لقد وعى من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولئك المارقة الذين يخرجون من قِبل العراق، سيماهم التحليق، فخشي أن يدركهم زمانه، فيؤتى الإسلام من قِبَلِه، فلما جاءه صَبيغ بن عِسْل يسأل عن متشابه القرآن، حسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده، حتى سقطت عمامته، فقال: "والذي نفس عمرَ بيده، لو وجدتك محلوقًا لضربتُ رأسك"[26]، يقول ابن بطة ت 387ه: "فلما سمع عمر رضي الله عنه مسائله فيما لا يعنيه، كشف رأسه، لينظر هل يرى العلامة التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفة التي وصفها، فلما لم يجدها، أحسَنَ أدبه؛ لئلا يتغالى به في المسائل إلى ما يضيق صدره عن فهمه، فيصير من أهل العلامة الذين أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقتلهم، فحقن دمه، وحفظ دينه بأدبه رحمة الله عليه ورضوانه.

 

ولقد نفع الله صبيغًا بما كتب له عمرُ في نفيه، فلما خرجت الحروريَّة، قالوا لصبيغ: إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا، فقال: هيهات، نفعني الله بموعظة الرجل الصالح، وكان عمرُ ضربه حتى سالت الدماء على وجهه أو رجليه أو على عقبيه[27].

 

وروي في نفس السياق أن عاملًا لعمر بن الخطاب كتب إليه: أن هاهنا قومًا يجتمعون فيدعون للمسلمين وللأمير، فكتب إليه عمر: "أَقبِلْ بهم معك، فأقبَلَ، وقال عمر للبواب: أعدَّ سوطًا، فلما دخلوا على عمر علا أميرَهم ضربًا بالسوط، فقلت: يا أمير المؤمنين، لسنا أولئك الذين يعني، أولئك قوم يأتون من قِبَلِ المشرق"[28]، فتداركوا أنفسهم من بين يديه ونفوا عن أنفسهم التهمة التي يتخوَّف منها عمر، بأنهم ليسوا أولئك الذين يظهرون من قِبَل العراق، فلو كانوا أولئك لكان لعمرَ معهم موقفٌ آخر.

 

إن هذه الحساسية التي يثيرها الإيمان في النفوس هي الضمان الذي يحفظ الدين نقيًّا من التبديل والتحريف، سالمًا من النقصان والتجريف، وقد قيَّض الله له رجالًا ملأت حرارةُ الإيمان قلوبَهم، فبذلوا لحفظ الدين أعمارهم، ولولا تلك الحساسية وهذا التنبُّه في نفوس أعلام الأمَّة لَدَرَسَ الدِّينُ، كما قال وكيع: لولا أبو بكر ذهب الإسلام[29]، يمدح تيقُّظَه في حرب المرتدين، وصلابته في أمرهم، إذ يقول رضي الله عنه: "والله لو منَعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتَلتُهم على منعها"[30]، وقد تميَّز أبو بكر عن أصحابه بشيء وقر في قلبه من الإيمان الذي لو وُزِن بإيمان الأمَّة لَوزَنَها، فأثمر غيرةً على الدين وخشية أن يدخله النقص وهو حيٌّ ولو في قدر عناق.

 

فبالإيمان يعز أمر الدين، فكلما زاد الإيمان ارتفع الدين لقمة الأولويات في النفس، فزاد الحرص وزادت الحساسية للإحداث فيه، ومع الانتشار الأفقي للإيمان تتعدد أسباب حفظه، وتستمر روافد بقائه.

 

وما زال أمر الدين قائمًا حتى تسلل الإرجاء إلى حقيقة الإيمان فغيَّرها، وإلى معالمه فشوَّهها، وأقصاه عن دائرة تأثيره وساحة فعله، وهي الشرائع والأعمال، فأصبح كجزع الشجرة اليابسة لا تورق فيستظلَّ الناس بظلِّها، ولا تثمر فينتفعَ الناس بثمارها، فاستهانت النفوس بالتكاليف، واجترأت على المحارم، وزادت في الدين ونقصت، وضعفت حينئذٍ الحساسية تجاه محدثات الأمور، وتبلدت المشاعر تجاه المنكرات، وتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ العبرة صارت بتصديق القلب ومعرفته، وهو ما لا يتفاضل الناس فيه عندهم، ولا يطلع عليه نبيٌّ مقرَّب ولا ملك مرسل، فغدا الإيمان حبيس تلك المضغة، وانطفأ نوره وذهبت حرارته، فلا يُرى أثره على دين الناس، ولا يعكس واقعهم المعيشي وتفاعلاتهم الاجتماعية حقيقة الإيمان، فالإيمان قائم وإن اندثرت معالم الدين ولم يبق منه إلا الاسم.

 

وكذَّب المرجئة ما تراه عيونهم من مخالفات في الدين بكل تأويل بعيد وتحريف سقيم، فلا بِدع؛ إذ هي حسنة على فرض بدعيتها، ولا شرك؛ إذ الشرك لا يكون إلا بالاعتقاد، ولا نفاق إذ الإيمان كاملٌ لا يزيد ولا ينقص، ولا يتفاضل الناس فيه؛ لذا "قال سفيان الثوري: خلافُ ما بيننا وبين المرجئة ثلاث، فذكر منها قال: نحن نقول: النفاق، وهم يقولون: لا نفاق، وقال الأوزاعي: قد خاف عمر النفاقَ على نفسه، قيل له: إنَّهم يقولون: إنَّ عمر لم يَخَفْ أنْ يكونَ يومئذٍ منافقًا حتى سأل حُذيفة، ولكن خاف أنْ يُبتلى بذلك قبل أنْ يموت، قال: هذا قولُ أهل البدع، يشير إلى أنَّ عمر كان يخاف النفاقَ على نفسه في الحال"[31].

 

فالعبء على المصلحين اليوم ثقيلٌ بتصحيح بوصلة الإيمان، وتغذيته بالعلم ومتابعته بالعمل، لتتقد شعلته في النفوس من جديد، فتبدد ظلمات الجهل والخرافة، ويقوم بدوره المنشود وتأثيره المرجوِّ في عز الدين.



[1] صحيح البخاري: 650.

[2] البدع لابن وضاح: 157.

[3] الفتح لابن حجر ص2/138.

[4] صحيح البخاري: 530.

[5] انظر البداية والنهاية ص9/89.

[6] البدع: 177.

[7] صحيح مسلم: 139 - (2623).

[8] مسند الموطأ للجوهري ص161.

[9] صحيح البخاري ص1/18.

[10] تعظيم قدر الصلاة: 686.

[11] سير أعلام النبلاء للذهبي ص2/364.

[12] صحيح البخاري: 5949.

[13] صحيح البخاري: 6492.

[14] انظر فتح الباري ص11/330.

[15] مسند أحمد: 20751.

[16] مسند أحمد: 23278.

[17] صحيح مسلم: 135 - (442)، 139 - (442).

[18] مسند أحمد: 4933.

[19] فتح الباري ص2/349.

[20] صحيح مسلم: 56 - (1954).

[21] صحيح مسلم: 37.

[22] الإبانة الكبرى لابن بطة: 95.

[23] انظر الإبانة الكبرى لابن بطة: 93-94.

[24] الإبانة الكبرى ص1/259.

[25] صحيح البخاري: 525.

[26] انظر الإبانة الكبرى ص1/417.

[27] الإبانة الكبرى ص419.

[28] البدع لابن وضاح: 36.

[29] الإبانة الكبرى ص9/846.

[30] صحيح البخاري: 1399، 1400.

[31] جامع العلوم والحكم ص3/1259.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حراسة الدين من المفسدين
  • وذلك أضعف الإيمان

مختارات من الشبكة

  • الإيمان بالكتب السماوية(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • حلاوة الإيمان في رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • مسائل في الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قرة عيون ذوي الإيمان بتفسير وفوائد آية الأيمان (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تجديد الإيمان يا أهل الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة الدرس الثالث أركان الإيمان (الإيمان بالله سبحانه وتعالى)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب